jo24_banner
jo24_banner

مفاتيح الحل في جيب بوتين لا عنان؟

عريب الرنتاوي
جو 24 : أحسب أنها الزيارة الأخيرة التي سيقوم بها كوفي عنان إلى دمشق...مهمة الرجل تحتضر وتلفظ مع آخر فرصة للحل، أنفاسها الأخيرة...لم يعد لدى الرجل ما يقوله سوى ترديد المناشدات وتذكير “الأطراف” بمسؤولياتها والتزاماتها المترتبة عليها بموجب نقاطه الست.

لا النظام في سوريا بوارد التقيّد بمبادرة كوفي عنان...همُّ الأسد الرئيس في اجتماعاته الأخيرة مع الموفد العربي/الدولي، انصبّ على محاولة إقناعه بوجوب إدانة الجماعات المسلحة ومن يقف وراءها (تسليحاً وتمويلاً وتحريضاً) من جهات عربية وإقليمية...عنان لم يكن بهذا الوارد بهذا الطبع، وإن كان أنحى باللائمة على المعارضات السورية وحمّلها قسطاً من المسؤولية عن استمرار وتصاعد العنف المدمر في سوريا، مكتفياً بمناشدة جميع الأطراف بذل جهودها مع النظام والمعارضة للاستجابة لمهمته.

ولا المعارضة بوارد الاستجابة لبنود المبادرة الأممية، بل على العكس من ذلك تماماً، فهي تتجه أكثر فأكثر صوب العسكرة والتسلح، ولا تكف عن إطلاق صيحات “الحروب التحريرية والجهادية” سواء بسواء....وغني عن القول، إن أياً من أطياف معارضة الداخل والخارج لا يبدي استعداداً للحوار مع النظام، أقله قبل قيام الأخير، باتخاذ سلسلة من إجراءات بناء الثقة، نصّت عليها مبادرة عنان، وبالتفصيل، من سحب القوات والأسلحة الثقيلة إلى محاكمة المتسببين بجرائم ضد الإنسانية وإطلاق سراح عشرات ألوف المعتقلين، وهذا غير منتظر من النظام على أية حال.

ويقترب المشهد الميداني السوري شيئا فشيئاً من أن يكون خارج كل سيطرة...لا النظام قادر على السيطرة على مختلف المناطق السورية (35 بالمائة منها خارج سيطرته بالكامل) من جهة، ولا هو قادر على حفظ انضباط “ميليشياته” و”شبيحته” بدلالة “الحولة” من جهة ثانية...أما المعارضة المسلحة في سوريا، فإنني أتحدى أن يدلني أحدٌ على مرجعية سياسية أو عسكرية موحدة، لها أو حتى لقواها الرئيسة...إنها الفوضى الشاملة وغير الخلّاقة، وقد ضربت في طول البلاد وعرضها.

لقد أثارت جريمة “الحولة” غضباً إقليميا ودولياً عارماً...وفتحت الباب أمام تغيرات وتبدلات في مواقف الأطراف واللاعبين الإقليميين والدوليين....ولا يمكن القول إن حملة طرد السفراء والدبلوماسيين السوريين من العواصم الغربية، هي العنوان الوحيد لهذه التحولات أو السقف الأعلى لهذه التبدلات...فقد عاد “الخيار العسكري” ليطل برأسه من بين ثنايا بعض التصريحات الغربية، وإن ظل خياراً مستبعداً في المدى القريب وغير مطروح كأمر عمليات قابل للتنفيذ عند تلقي شارة البدء.

على أن التطور الأهم الذي يتعين رصده وتعقبه، هو ذاك المتصل بالموقف الروسي على وجه التحديد...فثمة تسريبات غربية، تتزامن مع تغير في “لهجة” الخطاب الروسي (نقول لهجة الخطاب وليس مضمونه)، توحي بأن موسكو باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى لولوج عتبات “صفقة شاملة” مع الولايات المتحدة والغرب بشأن الأزمة السورية، تقوم على إبقاء النظام القائم في دمشق، مع التخلي عن بعض رموزه والتضحية ببعض أركانه، وفي صدارة هؤلاء بشار الأسد شخصياً...هذا تحولٌ لم يتأكد بعد، وأن صار بعد “الحولة” غير مستبعد على الإطلاق، خصوصاً إن تلقى الكرملين عرضاً يصعب ردّه من قبل البيت الأبيض.

إن طرأ التبدّل في الموقف الروسي، انهار الجدار الأخير الذي يحمي النظام ويتكئ عليه...إيران وأصدقاؤها ليسوا من القوة والنفوذ بحيث تحول ويحولون دون انهيار “القلعة”...وحدها موسكو قادرة على فعل ذلك، وقد برهنت على قدرتها تلك طول أربعة عشر شهراً...والضغط الذي لن يستيطع النظام مقاومته، هو ذاك القادم من موسكو، وموسكو لن تفرط بورقتها السورية، من دون ضمانات وتطمينات، وحدها واشنطن من يستطيع توفيرها.

أحسب أن صفقة تقوم على تولي موسكو مهمة الضغط على دمشق، وترويج “الصفقة” لدى حلفائها في إيران، مقابل قيام واشنطن بالضغط على حلفاء المعارضة ومصادر تمويلها وتسليحها، كفيلة، بإعادة إحياء مهمة عنان وإعطائها زخماً جديداً، أو إطلاق “مهمة جديدة” على مسار الحل السياسي...والمؤكد أنه مع الوصول إلى نقطة كهذه لن يظل الأسد في موقعه، وفي أحسن تقدير، لن يستمر فيه لفترة طويلة.

الصفقة التي نرى، تُبقي “العامود الفقري” للنظام، وتوفر نفوذاً أساسياً للطائفة العلوية في هرم السلطة، أقله لمرحلة انتقالية، حفظاً لحقوقها وامتيازاتها من جهة وحفاظاً على حياة أبنائها من جهة ثانية...على أنها ستفتح الباب رحباً أمام “موسم انتخابات” تتشكل بنتيجتها مؤسسات الدولة السورية الجديدة، وتحت إشراف دولي، سيكون فيه العرب من خلال جامعتهم، ضيوف شرف في حفل التوقيع ومراسم الاحتفال.

مفاتيح الأزمة السورية في جيب بوتين، من دونه لا حل سياسياً أو عسكرياً، كأننا عدنا إلى أزمنة الحرب الباردة وخرائط مناطق النفوذ المسيّجة بالخطوط الحمراء...ومن دون جلب “قيصر روسيا” إلى موائد الحل، سيظل متمترساً في خنادق المواجهة...ولأن الغرب غير راغب في إرسال جنوده مرة أخرى إلى حروب “غير ضرورية” وفقاً لآخر تعابير باراك أوباما، فإنه من المرجح أن يمر الحل السياسي، إن كانت هناك نية للحل السياسي، عبر البوابة الروسية.

مهمة عنان انتهت، وزيارته الأخيرة لدمشق، قد تصبح آخر زياراته لها، ما لم تتمخض القمة الأمريكية الروسية المقبلة عن “صفقة شاملة” بين القطبين، عندها قد يكرر عنان الزيارة، وقد يكون هناك موفد جديد ومهمة جديدة...وإن تعذرت الصفقة وظل القطبان على تنافرهما، فإن الأسد سيبقى في “عرينه” لسنوات قادمة كما تقول تقارير استخبارية إسرائيلية حديثة، ولكنه عرين غائر في بحر من الخرائب والانقسامات والمذابح المتنقلة والعنف المذهبي والحرب الطائفية/المذهبية، التي ستغير وجه سوريا وهويتها وخرائطها.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news