النهر لن يفصلني عنك"... حين يتحرر المسرح من قوالبه شهادتي مجروحة لكن هذا ما جال في خاطري

 منذ اليوم الاول لبروفات مسرحية النهر لن يفصلني عنك و ما سبقها من تحضيرات رأيت اهتمام خالص من مخرج العمل الاستاذ صلاح الحوراني واصرارا على شيئ مختلف في زمن تتكاثر فيه الأنماط المسرحية الجاهزة حتى ان العروض تتشابه في شكلها ومضمونها ريت اصرارا على كسر الجمود

وطرح تجربة فنية خارج حدود المدارس المسرحية التقليدية. لا هي واقعية محضة، ولا رمزية خالصة، ولا تتقيد بسيناريوهات الكلاسيكيات أو إيقاع المسرح ما، بل تنسج مسرحها الخاص، بلغة شعرية وصورة مسرحية تنبع من الذات وتخاطب الوجدان الجمعي.

في هذا العمل، لم يكن النص مجرد حامل لحوار، بل يتحوّل إلى قصيدة بصرية تارة ، تتغذى على الذاكرة الوطنية، وأخرى تستلهم روح المكان والانتماء. وأغنية تعيدك الى الحقيقة او تذهب بك الى المستقبل وتوقعاته تلامس روحك، تذكّرك بالواقع، تحزنك، تعاتبك، تحس أنها جلاء للروح، تذكّرك ببطولات سبقت وما زالت مستمرة الى يومنا هذا مع هذا البناء المسرحي لم يعتمد الواقعيه ترى في العرض مشاهد كيوغراف لكنه لم يكن مبنيا على الفرجة فقط ، أما التمثيل، فكان بثلاثة لاعبين ، سالم ، مريم ، القرين إنهم منفصلون جسدًا، لكنهم على الخشبة روح واحد فهل هي مونودراما لممثل واحد في ثلاثة أجساد؟ لا، بل هي فكرة مونودرامية وإعداد نصي كوّن منها الشخوص.كل هذا في عرض ولعل الأهم من ذلك وهذا فصل مختلف ..

كان الخروج عن المدارس هنا، في اعتماد المسرحية على اللغة الرمزية دون غموض، والواقعية دون مباشَرة،

والانفعال دون افتعال.

الإخراج تعامل مع المسرح كفضاء مفتوح للروح لا كخشبة مغلقة بالقواعد. نرى الممثل لا يؤدي دوراً بقدر ما يعيش حالة، ويتحوّل الجسد إلى أداة للتعبير كما لو كان فرشاة ترسم على هواء المسرح

هذه المسرحية قدمت نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه المسرح حين يتحرر من القوالب المحنطة، ويصغي لصوت اللحظة، وهمس الأرض، ونداء الإنسان في أقصى درجات هشاشته وتوقه إلى الحب، والوطن، والحق

النهر لن يفصلني عنك" ليست فقط عنواناً لمسرحية، بل صرخة فنية تقول: إن المسرح لا يعيش إلا إذا غامر، وإن الإبداع الحقيقي يبدأ حين نجرؤ على الخروج من المدارس... لنرسم مدرستنا الخاصة .

 .