المشاعر ليست محتوى… بل حياة
جو 24 :
كتب وسام السعيد- في زمنٍ تسكن فيه القلوبُ الشاشات، وتُختزل فيه أعمقُ المشاعر الإنسانية في منشورات سريعة، تتعرض الروح البشرية لأخطر أشكال الفقد: فقدان الصدق العاطفي.
لم تعد المشاعر تُعاش، بل تُنشر.
أصبحت مناسبات الحياة – زواج، طلاق، ولادة، طهور، تخرج، وفاة – مجرد محطات إلكترونية تمر أمام أعين المتابعين، مزينة بالقلوب والرموز التعبيرية، لكنها في العمق تفتقد الحرارة، والصدق، والروح.
بين التفاعل الرقمي والغياب الإنساني
لم نعد نسأل: هل يشعر؟ بل أصبحنا نراقب: هل نشر؟ تحوّلت مشاعرنا إلى "محتوى” يُستهلك، ويُقاس بالأرقام، لا بالتأثير الداخلي.
صرنا نبحث عن الكلمات المؤثرة أكثر من عيش اللحظات المؤثرة. حتى الألم بات يُصاغ بعناية ليحصد تفاعلًا، لا ليواسي روحًا. النجاح يُعلن قبل أن يُحتفل به.
الزواج يُنشر قبل أن يُعاش.
والموت يُختصر في صورة قديمة ومنشور تعزية، قد لا يُرفق حتى بزيارة أو اتصال.
التمثيل العاطفي… خطر لا يُرى ما نعيشه اليوم ليس قسوةً متعمدة، بل تمثيل جماعي للمشاعر.
لإنسان بات يخشى إظهار ضعفه الحقيقي أو فرحه الطبيعي، ما لم يكن ذلك في إطار "مقبول جماهيريًا".
حتى الطلاق، الذي كان في الماضي لحظة حرجة ومؤلمة، أضحى يُقدَّم كـ"قرار ناضج" مزيَّن بإيموجيات السلام والاحترام.
نحن نُمثّل مشاعرنا على مسرحٍ رقمي، والجمهور يصفّق – لا لمشاعرنا، بل لأسلوب تقديمها.
ضريبة السطحية: اغتراب داخلي هذا الانفصال بين الشعور الحقيقي وما يُعرض خارجيًا خلق نوعًا من الاغتراب النفسي.
لا نعرف من يفرح فعلاً، ومن يمثل. من يحزن بحق، ومن يكتب للمجاملة.
أصبح الحزن إلكترونيًا، والفرح استعراضيًا، والحب مشهدًا يُعاد أكثر مما يُعاش.
وفي هذا الازدحام الافتراضي، تُهمَل المشاعر العميقة، وتُنسى لحظات الصدق.
آن الأوان أن نستعيد أنفسنا نحن بحاجة اليوم – أكثر من أي وقت مضى – إلى أن نُذكّر أنفسنا أن: المشاعر ليست محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي… بل حياة.
أن نفرح لأننا نعيش الفرح، لا لأننا نريد إعلانه.
أن نحزن بصدق، لا بطريقة تُعجب المتابعين.
أن نحبّ بعيدًا عن عدسات التوثيق، ونشارك لحظاتنا مع من حولنا قبل أن نعرضها للعالم.
لأن القيمة الحقيقية للمشاعر لا تكمن في تأثيرها على الجمهور… بل في أثرها علينا كأناس لا يزالون يبحثون عن إنسانيتهم.








