أين ذهبت الطفولة؟
جو 24 :
كتب وسام السعيد- في مشهد بات مألوفًا ومؤلمًا في آنٍ معًا، ترى طفلًا لم يتجاوز العاشرة يعيش "قصة حب" مع مغنية مشهورة، وتسمع صوت طفلة تبكي بحرقة على أغنية حزينة، وكأنها اختبرت كل أشكال الفقد والخذلان.
تتساءل بدهشة:
هل ما زالت هناك طفولة؟ أم أننا نعيش زمنًا لم يترك حتى للبراءة مكانًا؟
الطفولة كما عرفناها كانت مساحة واسعة للعب، والضحك، والركض خلف الفراشات.
كانت حكايا ما قبل النوم، وطائرات الورق، وأحلامًا بريئة تُرسم على دفتر صغير.
أما اليوم، فالمشهد مختلف تمامًا:
طفل في سنّ اللعب يتقن لغة العلاقات، ويتابع مقاطع الانفصال والخذلان، ويعبّر عن مشاعره كما لو أنه خاض تجارب تفوق عمره بأضعاف.
ما الذي حصل؟
هل اختطف الإعلام الطفولة؟
أم أن العالم الرقمي، بما فيه من محتوى غير مراقب، أفسد التدرّج الطبيعي لنمو الطفل؟
الأغاني التي كانت تُبث في السابق كانت مخصصة لأعمارهم:
"بابا جابلي بلون"، "ذهب الليل طلع الفجر"...
أما اليوم، فالمحتوى الغنائي المتاح للطفل مشبَع بالمفردات العاطفية المعقّدة، والرسائل غير المناسبة.
أصبح الطفل يعرف أسماء المشاهير أكثر من أسماء أقاربه، ويقلّد حركات راقصين ومؤثرين على منصّات التواصل، ويعبّر عن "ألمه الداخلي" في منشورات ومقاطع تفوق قدراته النفسية واللغوية.
إنه زمن القفز فوق المراحل…
زمن تسطيح الطفولة وتحميلها ما لا تحتمل.
لم تعد الطفولة تُعاش، بل تُختصر في صورة على إنستغرام، أو "ريل" على تيك توك. تقلّصت مساحة اللعب واتّسعت مساحة التمثيل، وغابت البراءة لتحلّ مكانها "اللايفات" و"الفلاتر".
وهنا لا بد من التوقّف عند مسؤولية الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والرقابة على الإعلام الرقمي.
فنحن لا نحارب التقدّم، بل نحارب تسرّب المحتوى غير المناسب إلى عقل الطفل، وتآكل مفاهيم البراءة، وتحوّل سنوات التأسيس إلى نسخة باهتة من دراما الكبار.
فإلى أين ذهبت الطفولة؟
ربما لم تذهب بعيدًا، لكنها تاهت وسط صخب العالم الرقمي، وتنتظر من يعيدها إلى مكانها الحقيقي… في القلب، في الحديقة، في المدرسة، وفي كفّ أم تمسك بيد ابنها
وتقول له:
"ارسم، العب، افرح… فهذه أيامك التي لا تُعوّض."








