حساب التداول الإسلامي على باينانس: خطوات الإعداد ومدى التوافق مع أحكام الشريعة
جو 24 :
في أقل من عقدٍ واحد تحوّلت العملات المشفَّرة من فضولٍ تقني إلى فئةٍ استثماريةٍ تستقطب مليارات الدولارات يوميًا. ومع اتساع هذا السوق بدأ المستثمر المسلم يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن الاستفادة من الأصول الرقمية دون مخالفة أحكام الشريعة، خصوصًا ما يتعلّق بالرِّبا والغرر؟ استجابةً لذلك أطلقت منصّة بينانس خيار «الحساب الإسلامي» وخدمة «شريعة EARN من Binance» اللتين تهدفان إلى مواءمة العمليات الاستثمارية مع الضوابط الشرعية. في السطور الآتية ستجد شرحًا وافيًا لهذه الحلول، وخطوات تفعيلها، وأبرز الضوابط الفقهية التي تنظّم استخدامها، إضافةً إلى نظرةٍ واقعيةٍ على الفرص والمخاطر.
1. ما هو حساب التداول الإسلامي؟
الحساب الإسلامي، الذي يُشار إليه أحيانًا بوضع Swap-Free، هو حساب تداول فوري يخلو من رسوم التبييت التي تُعدّ شبهة فائدة. عند تفعيله يَمنع النظام آليًا أي عملية تستلزم قرضًا ربويًا أو رسومًا زمنية على بقاء الصفقة مفتوحة. بذلك يظل المتداول قادرًا على شراء وبيع الأصول الرقمية في السوق الفورية، لكنه يُعفى من أي تكلفة إضافية مرتبطة بالتمويل الهامشي أو الرافعة المالية.
أما خدمة Sharia Earn فتكمِّل هذه المنظومة عبر إتاحة عوائد متغيّرة من عمليات staking والتحقق على السلاسل (مثل BNB Smart Chain أو Ethereum) بعقد «وكالة بالاستثمار». أهمية هذا العقد أنّه يُبعد شبهة الفائدة المضمونة ويُحوِّل العلاقة إلى مشاركة أرباح متوقَّعة لا مُحدَّدة سلفًا.
2. الإطار الشرعي ومنهجية الاعتماد
لتسهيل فهم الجوانب الفقهية يمكن تلخيص الضوابط في أربع نقاط رئيسة:
•حظر الرِّبا: تُلغى جميع رسوم التبييت ومعدلات الفائدة الثابتة.
•إزالة الغرر والمقامرة: لا تسمح المنصّة بالعقود الثنائية فائقة المخاطرة أو الرهانات السعرية قصيرة الأجل عند تفعيل الحساب الإسلامي.
•انتقاء الأصول المباحة: تُستبعد رموز المشاريع المرتبطة بصناعات محرَّمة كالكحول أو المقامرة أو الإباحية.
•هيكلة عقد الوكالة: في Sharia Earn يفوِّض المستثمر المنصّة لاستثمار أصوله، ويتحمّل مع المنصّة نتائج الربح أو الخسارة وفق نسبة وكالة معلَنة؛ فلا ضمان لرأس المال ولا لعائد محدّد.
جدير بالذكر أنّ آليات Sharia Earn خضعت لتدقيق شرعي مستقل من شركة Amanie Advisors، وهي هيئة استشارات فقهية مرموقة في التمويل الإسلامي. هذا التدقيق شمل مراجعة العقود الرقمية (Smart Contracts) ومسار الأموال داخل السلسلة وخارجها، ما عزَّز ثقة المستخدمين بالمنتج.
وفي هذا السياق صرَّح ريتشارد تنغ، الرئيس التنفيذي لشركة باينانس، قائلًا: «تلتزم بينانس بتوفير بيئة تداول شاملة تتميز بالشفافية. ونعمل من خلال هذا المنتج على تمكين المجتمع الإسلامي والمستثمرين الملتزمين بالشريعة الإسلامية من المشاركة في الثورة المالية الحالية في عصرنا. ولا يعتبر "شريعة Earn" مجرد منتج مالي فحسب، بل يمثل خطوة…»
هذا التصريح يبيّن أنّ التوافق الشرعي جزءٌ من استراتيجية باينانس طويل الأمد وليس مجرد حملة تسويقية عابرة.
3. خطوات إعداد الحساب الإسلامي والاشتراك في Sharia Earn
1.إنشاء حساب والتحقّق من الهوية
oحمِّل تطبيق باينانس أو استخدم موقع الويب.
oأكمل عملية KYC برفع بطاقة الهوية أو جواز السفر مع صورة ذاتية للتحقق الحيوي.
2.تفعيل وضع الحساب الإسلامي
oمن لوحة التحكم اختر Settings › Preferences.
oفعِّل خيار Islamic Account؛ ستظهر رسالة تؤكّد إلغاء رسوم التبييت ومنع أدوات الهامش والعقود الآجلة التقليدية.
3.الاشتراك في Sharia Earn
oانتقل إلى Earn › Sharia Earn داخل التطبيق.
oاستعرض معدل الربح المتوقَّع لكل أصل (يُعرَض على شكل نطاق متغير).
oحدِّد المبلغ واضغط Subscribe، ثم وافق على عقد الوكالة.
4.متابعة العوائد وحساب الزكاة
oيمكن مراقبة الأرباح في قسم Earn Wallet، حيث تُضاف المكافآت دوريًا إلى رصيدك.
oاحسب الزكاة سنويًا بنسبة 2.5 % من القيمة السوقية للأصول التي حال عليها الحول وتجاوزت النصاب.
4. Sharia Earn مقابل حسابات الادخار التقليدية: مقارنة وصفية
•طبيعة العلاقة التعاقدية: في Sharia Earn العلاقة وكالة استثمار، بينما في معظم حسابات الادخار التقليدية هي علاقة قرض بفائدة.
•ضمان العائد: Sharia Earn يقدّم عائدًا متغيّرًا غير مضمون؛ البنوك أو المنصّات غير الإسلامية غالبًا تقدّم فائدة ثابتة أو مركّبة.
•المراجعة الشرعية: Sharia Earn خضع لتدقيق مستقل، في حين أنّ منتجات الادخار التقليدية لا تُراجع من جهة فقهية عادةً.
•مخاطر رأس المال: الأصل الرقمي يعود إلى المودِع، لكن قيمته السوقية قد ترتفع أو تنخفض. في الحسابات التقليدية عادةً ما يكون رأس المال مضمون القيمة الإسمية (لا القوة الشرائية).
هذه الفروق تجعل Sharia Earn خيارًا ملائمًا لمن يرفض فكرة «المال مقابل المال» ويسعى إلى استثمار قائم على المشاركة في الأرباح والخسائر.
5. المنتجات المسموح بها والممنوعة بعد تفعيل الحساب الإسلامي
مسموح (غالبًا حلال):
•تداول فوري للعملات المباحة.
•Staking عبر عقود وكالة متوافقة مع الشريعة.
•المشاركة في إصدارات رموز جديدة (Launchpad) بشرط فحص نشاط المشروع.
مقيَّد أو ممنوع (قد يكون حرامًا):
•التداول بالهامش أو العقود الآجلة عالية الرافعة لارتباطها بالقرض بفائدة.
•المشتقات الثنائية أو الرهانات السعرية محدودة الوقت.
•الرموز المرتبطة بصناعات محرَّمة.
6. نصائح لضمان الامتثال الشرعي المستمر
1.تحديث الفتاوى: تابع إعلانات الهيئات الشرعية حول الأصول الرقمية، فالأحكام قد تتغير مع تطور التكنولوجيا.
2.التدقيق في كل أصل جديد: قبل شراء رمز جديد، ابحث عن نشاطه التجاري ومصادر الإيراد؛ فالعبرة ليست بالشعبية بل بمدى المشروعية.
3.إدارة المخاطر: في غياب عائد مضمون، احرص على تنويع المحفظة وتحديد حدّ أقصى للخسارة المقبولة لكل صفقة.
4.الزكاة والصدقات: خصّص جدولًا دوريًا لحساب الزكاة ونيّات التصدُّق؛ فهذا يعزّز البركة ويذكّرك بغاية الاستثمار.
5.استخدام أدوات التتبع: توجد مواقع وتقارير تقوِّم العملات من منظور شرعي؛ اجعلها جزءًا من أبحاثك قبل الدخول أو الخروج من مركز استثماري.
7. الفرص والمخاطر للمستثمر المسلم
الفرص
•الوصول إلى سوق سريع النمو مع التزام ديني واضح، ما يخلق راحة نفسية لدى المستثمر.
•تنويع الأصول بعيدًا عن النظام المصرفي التقليدي المحكوم بأسعار فائدة متقلّبة.
•الاستفادة من مكافآت staking التي قد تتفوّق على عوائد بعض أدوات الدخل الثابت التقليدية.
المخاطر
•تقلب الأسعار الشديد؛ يمكن أن تتآكل الأرباح بل ورأس المال في فترات هبوط السوق.
•تغييرات تشريعية محتملة قد تقيّد الاستثمار في العملات المشفَّرة أو تؤثر في نماذج العوائد.
•احتمال تغيّر آراء الفقهاء مع ظهور أدلة جديدة حول طبيعة بعض البروتوكولات أو العقود الذكية.
8. خاتمة
يُعدّ حساب التداول الإسلامي على باينانس مع خدمة Sharia Earn جسرًا يربط الأسواق الرقمية المتقدمة بالمبادئ الشرعية الأصيلة. فهو يمنح المستثمر المسلم وسيلةً للمشاركة في الاقتصاد اللامركزي مع الحفاظ على نقاء معاملاته من الرِّبا والغرر. ومع ذلك تبقى المسؤولية الشخصية حجر الأساس؛ فالمتداول الحصيف هو مَن يتابع مستجدات الفقه والتقنية معًا، ويقيّم كل خطوة استثمارية بعينٍ شرعيةٍ واقتصاديةٍ واعية. بالانضباط والتعلُّم المستمر يمكن للمستثمرين المسلمين أن يشاركوا في «ثورة المال» الحديثة دون أن يتخلوا عن قيمهم الراسخة، محققين التوازن المنشود بين الروح والمادة.








