jo24_banner
jo24_banner

توثيق اللحظة أم دفنها؟

توثيق اللحظة أم دفنها؟
جو 24 :

كتب وسام السعيد- حين تسرقنا العدسة من الحياة  في زمن أصبحت فيه الكاميرا امتدادًا لليد، تحوّلت لحظاتنا اليومية إلى مشاهد مصوّرة، غالبًا ما تُخزَّن في ذاكرة الهاتف دون أن تمرَّ على ذاكرة القلب. 

لقد أصبح التصوير عادة شبه قهرية، يمارسها البعض في كل مناسبة، بل وفي كل لحظة، حتى أن المشهد الطبيعي أصبح غير مكتمل ما لم يُوثق بصورة أو مقطع فيديو. 

 ولئن كان التوثيق الرقمي قد شكّل ثورة إيجابية في أرشفة الحياة وتفاصيلها، إلا أن الإفراط فيه أفرغ اللحظة من معناها، وسرق من الإنسان تلك العلاقة الحميمية مع الأحداث. 

 بين الشعور والتصوير

  المفارقة أن كثيرين لا يعودون لاحقًا لمراجعة الصور التي يلتقطونها. إنها تُخزن فقط، وكأن الهدف لم يكن حفظ الذكرى، بل إثبات الوجود داخلها. 

نرى ذلك في مناسبات الأفراح، الرحلات، اللقاءات العائلية، وحتى اللحظات الروحانية… حيث تسود الكاميرات وتغيب المشاعر. 

 فبدلاً من أن يكون الهاتف أداة تكميلية لتوثيق المشهد، بات هو المشهد ذاته. يُعاد ترتيب المواقف، ويُطلب من الجميع "إعادة الضحكة” أو "تكرار الفعل” كي تخرج الصورة مثالية… لا صادقة. 

 ذاكرة الهاتف لا تعوّض ذاكرة القلب  حين تتحوّل كل لحظة إلى مناسبة للتصوير، فإن الإنسان يخسر عفويته، ويبتعد عن عيش اللحظة على حقيقتها. 

يظن أنه يُوثّقها، بينما هو في الحقيقة يُفرغها من معناها. والأسوأ من ذلك، أن الاعتياد على التوثيق الفوري يُضعف قدرة الإنسان على الحضور الذهني الكامل، بل ويُغذّي نزعة نرجسية تستمد قيمتها من "عدد المشاهدات والإعجابات” أكثر من عمق التجربة نفسها. 

 دعوة للتوازن 

 التصوير ليس مشكلة في ذاته. هو فن، ووسيلة، وأداة جميلة للاحتفاظ بالذكريات. لكن حين يتحوّل إلى سلوك قهري، يُمارَس حتى في أقدس اللحظات وأعمقها، يصبح تهديدًا لجودة الحياة ومصداقية الشعور.  علينا أن نُعيد التوازن بين أن نعيش اللحظة، وأن نوثّقها. 

أن نُشغل عيوننا ببهجة ما نراه، لا بعدسة كاميرا فقط.

 أن نُدرك أن بعض اللحظات، إن لم تُعاش بكامل الإحساس، فلن تنفعنا صورة منها مهما بلغت دقّتها.  إن الذكريات الحقيقية لا تُبنى بالعدسات… بل بالحضور، والشعور، والانغماس الصادق في الحدث. فليكن الهاتف أداة بين أيدينا، لا قيدًا على إحساسنا.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير