الفنانة فاطمة آل علي: أعيد قراءة التاريخ من منظور الأرض والناس
جو 24 :
أكدت الفنانة التشكيلية الإماراتية فاطمة آل علي أن برنامج "آفاق الفنانين الناشئين" يعد واحداً من أهم البرامج المميزة والقوية المتاحة في الإمارات، ومن خلاله حصلت على دعم كبير من فريق فن أبوظبي.
"آفاق الفنانين الناشئين" من أهم البرامج المميزة والقوية في الإمارات
وفي حوار خاص لـ24 وصفت مشاركتها في البرنامج قائلة: "كانت فرصة عرض أعمالي إلى جانب صالات عرض دولية وكبيرة، دفعة مهمة جداً، إذ فتحت المجال للتواصل مع فنانين آخرين، وقيمّين، وجمهور واسع من مختلف الخلفيات، مما أضاف قيمة كبيرة لتجربتي الفنية".
وقالت: " أسلوبي يتمحور حول إعادة قراءة التاريخ من منظور الأرض والناس، بلغة بصرية أحياناً ساخرة، لكنها دائماً متصلة بالمكان والذاكرة."
تالياً نص الحوار:
كيف بدأت رحلتك في عالم الفن، وما الذي شكّل ملامح أسلوبك الفني الحالي؟
بدأت رحلتي من فضول شخصي تجاه القصص والتاريخ، خصوصاً ما قبل قيام الاتحاد في الإمارات. كنت أبحث في الأرشيف وأستمع للحكايات الشفهية، وأجمع بين هذه السرديات والمواد المحلية في أعمالي. مع الوقت، صار أسلوبي يتمحور حول إعادة قراءة التاريخ من منظور الأرض والناس، بلغة بصرية أحياناً ساخرة، لكنها دائماً متصلة بالمكان والذاكرة.
ما المواضيع أو الأسئلة التي تحاولين استكشافها من خلال أعمالك؟
في أعمالي أبحث في السرديات المرتبطة بالخليج قبل الاتحاد، عبر التنقيب في الأرشيف، المكتوب والشفهي، وإعادة قراءة هذه الروايات من منظور الأرض ومن عاش عليها. أركّز على أسئلة تتعلّق بكيفية تشكّل الهوية والحدود والتاريخ، وإمكان إعادة صياغتها أو محوها أو تخيّلها من جديد. أتعامل مع المواد بوصفها جزءاً أساسياً من السرد؛ فكل مادة أستخدمها تحمل أثراً مادياً وذاكرياً من تاريخ وثقافة وجغرافيا الخليج: من الرمل والحجارة والتربة التي أجمعها من أماكن أؤمن أن حبيباتها تختزن معنى وأثراً، إلى الصور الأرشيفية والوثائق. ومن خلال هذا المزج بين المادة والرواية، أسعى إلى خلق "أرشيف مضاد" يقاوم الأطر التاريخية السائدة، ويفتح المجال لطرائق بديلة للفهم، ويعيد إضاءة الأصوات والتجارب التي غالباً ما تُنسى.
كيف تسهم الخلفية الثقافية الإماراتية في تشكيل رؤيتك الفنية؟
نشأت في بيئة تحمل ذاكرة جماعية مليئة بالتحولات السريعة. هذا التناقض بين الماضي القريب والتغيرات الحديثة جعلني مهتمة بالبحث عن التفاصيل التي قد تضيع في هذا الانتقال، وإعادة إبرازها من منظور محلي.
كيف تصفين تجربتك في المشاركة ضمن "فن أبوظبي"؟ وما الذي يميز هذه المنصة برأيك عن غيرها من المعارض الفنية؟
عملت على هذا البحث على مدى 3 سنوات، وعرضه ضمن منصة فن أبوظبي كان بمثابة فتح نافذة واسعة على عوالم لم أكن لأصل إليها من قبل. المنصة جمعت جمهوراً متنوعاً من فنانين وقيّمين وجامعي أعمال ومهتمين، وأتاحت لي أن أشرح عملي وأدخل في حوارات غنية معهم. هذه اللقاءات لم تكن مجرد تواصل، بل كانت إضافة حقيقية للعمل نفسه، إذ كشفت لي كيف يمكن لفكرة أن تُقرأ بطرق مختلفة تبعاً لخلفية من يراها، وفتحت أمامي فرصاً وعلاقات لم تكن لتوجد لولا هذه التجربة.
حدثينا عن العمل الفني الذي قدّمتِه في فن أبوظبي ما الفكرة التي بنيتِ عليها هذا المشروع؟
قدمت في فن أبوظبي عملًا بعنوان كان يا مكان على ساحل القراصنة، وهو مشروع متعدد الأوجه يبحث عن تاريخ الوجود البريطاني في الإمارات قبل قيام الاتحاد، ويركز على تحولات القوى والقصص التي عاشها الناس خلال تلك الفترة. يتكون العمل من 3 قطع مترابطة: الأولى بعنوان عن السفن والأشرعة والتسميات المضللة، وهي عمل ورقي يعيد قراءة مطبوعات رسمت من أوائل القرن التاسع عشر، توثق الحملة البريطانية على أسطول القواسم في رأس الخيمة عام 1819، حيث أعدت تقديم هذه الصور بعد التلاعب بها وإضافة نصوص مكتوبة بآلة كاتبة بصوت "الأرض"، لإعادة النظر الى السرديات الاستعمارية وإعادة إحياء الرواية و المنظور المحلي.
العمل الثاني بعنوان قرأت كلماتهم لكني سمعت صوتي، وهي قطع نحتية مصنوعة من مزيج تراب البر والبحرالممزوج بماء البحر المالح، تحمل نصوصاً من مجلات عربية وصحف بريطانية، وتعرض منظورين مختلفٌين لنفس الحدث لإبراز فكرة التعقيد للحقيقة في التوثيق التاريخي. أما العمل الأخير فهو التقطت قطعة نقدية وسمعت همساً، وهي عمل صوتي مخفي بين عملات مستنسخة من تلك الحقبة الزمنية، يتناول اختفاء العملات التي سكّها القواسم وحلول الروبية الهندية ثم الروبية الخليجية في ظل الحماية البريطانية، ويروي القصة أيضاً بصوت الأرض، تشكل هذه الأعمال مجتمعة تعليقاً نقدياً، على الاستعمار والذاكرة، وعلى مرونة و صمود الأرض وسكانها، وتقدم رؤية معاصرة لفترة الوجود البريطاني في المنطقة بين 1820 و.1971
ما أهمية وجود برامج مثل " آفاق الفنانين الناشئين " لدعم الفنانين الناشئين في الإمارات؟
برأيي، يعد برنامج "آفاق الفنانين الناشئين" واحداً من اهم البرامج المميزة والقوية المتاحة في الإمارات. كفنانة ناشئة، من أكبر التحديات التي نواجهها هي عرض أعمالنا في منصات عالمية، ومن خلال هذا البرنامج حصلنا على دعم كبير من فريق فن أبوظبي ومن القيمين الذين تم اختيارهم بعناية. بالنسبة لي، كانت فرصة عرض أعمالي إلى جانب صالات عرض دولية وكبيرة، دفعة مهمة جداً، إذ فتحت المجال للتواصل مع فنانين آخرين، وقيمّين، وجمهور واسع من مختلف الخلفيات، مما أضاف قيمة كبيرة لتجربتي الفنية.
كيف تنظرين إلى دور فن أبوظبي في تعزيز الحوار بين الفنانين المحليين والعالميين؟
أرى أن فن أبوظبي يلعب دوراً محورياً في خلق مساحة حقيقية للحوار بين الفنانين المحليين والعالميين. المعرض لا يقتصر على كونه منصة للبيع والشراء، رغم أهمية ذلك لاقتصاد الفن، بل يتجاوز ذلك لدعم الفنانين الناشئين والأعمال التجريبية، وإدخال أسماء جديدة وأفكار مبتكرة إلى الساحة. وكما هو مهم أن نطّلع على التجارب الدولية ونرى ما حققته من منجزات، أرى أن الأهم، أو على الأقل بنفس الأهمية، هو أن ندفع بالفن المنتج هنا في الإمارات، سواء من فنانين إماراتيين أو مقيمين، إلى مستوى دولي، وأن نمنحه المساحة ليكون جزءاً من هذا الحوار العالمي. دعم الفنانين المحليين يسهم في رفع .النسيج الفني وصنع تغيير ملموس، بدلًا من الاكتفاء باستيراد ما يفعله الآخرون.
ما يميز فن أبوظبي أنه، في السنوات الأخيرة، قدم أعمالًا لم تكتفِ بالإبهار البصري، بل ولّدت حوارات ونقاشات بين فنانين وقيمّين وجمهور من خلفيات مختلفة. هذه الرؤية التي تجمع بين تقديم التجارب العالمية ودفع الإنتاج المحلي نحو العالمية، تجعل من فن أبوظبي منصة فريدة قادرة على كسر الحواجز.








