jo24_banner
jo24_banner

دستورية انتخاب الرئيس

المحامي الدكتور معاذ وليد ابو دلو
جو 24 :


يشكل الدستور الأردني المظلة التي تنظم العلاقة بين السلطات الثلاث في المملكة: القضائية والتشريعية والتنفيذية، بحيث يضمن مبدأ الفصل بينها في إطار من التوازن والتعاون الذي يعد من أهم ركائز النظام السياسي الأردني ،النيابي الملكي الوراثي الذي نصت عليه المادة (1) من الدستور.

ولكل سلطة من هذه السلطات رئيس ينهض بمسؤولياته وفق أحكام الدستور والأنظمة المعمول بها ،والذي رسمت حدود الصلاحيات وحددت بدقة الإجراءات الناظمة لعمل كل منها. وفيما يتعلق بالسلطة التشريعية، فقد نظم الدستور مواعيد انعقاد مجلس الأمة ودوراته، وآليات انتخاب رئاسة مجلس النواب والمكتب الدائم فيها، وهو ما نصت عليه المادة (78) من الدستور التي جاء فيها:
"يدعو الملك مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورته العادية في اليوم الأول من شهر تشرين الأول من كل سنة، ويجوز له تأجيل انعقاد هذه الدورة مدة لا تزيد على شهرين.”

واستناداً إلى هذه المادة، صدرت الإرادة الملكية بدعوة مجلس الأمة للانعقاد في دورته العادية الثانية اعتباراً من يوم الأحد 26 تشرين الأول 2025، وذلك استمراراً للدورة التشريعية للمجلس النيابي العشرين الذي بدأ نشاطه الدستوري بانعقاد دورته العادية الأولى.

وقد انتخب المجلس في تلك الدورة رئيسه وفقاً لأحكام المادة (69/1) من الدستور التي نصت على:
"ينتخب مجلس النواب في بدء الدورة العادية رئيساً له لمدة سنة شمسية واحدة، ويجوز إعادة انتخابه.”

ويفهم من هذا النص أن مدة ولاية رئيس مجلس النواب مقيدة بانتهاء الدورة العادية التي انتخب فيها، مما يستوجب انتخاب رئيس جديد عند افتتاح الدورة التالية، أو تجديد الثقة بالرئيس الحالي ،وذلك وفقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2022، التي جعلت مدة الرئاسة سنة واحدة بدلاً من سنتين كما كان معمولاً به سابقاً، تحقيقًا لجملة من الأهداف الدستورية والسياسية، في مقدمتها:
1.تعزيز مبدأ المحاسبة الداخلية داخل المجلس، من خلال تمكين النواب من تقييم أداء رئاسة المجلس سنوياً.
2.إتاحة الفرصة لتجديد الدماء في القيادة البرلمانية، بما يواكب روح التطوير السياسي التي أرادها المشرع الدستوري.
3.توحيد المدد الزمنية بين رئاسة المجلس وأعضاء المكتب الدائم واللجان الدائمة، بما يحقق الانسجام في الأداء المؤسسي.

ومع اقتراب انعقاد الدورة العادية الثانية، يتوقع أن تشهد قبة البرلمان حراكاً انتخابياً داخلياً نشطاً لاختيار رئيس المجلس ونوابه وأعضاء المكتب الدائم، إذ تمثل هذه الانتخابات محطة دستورية مهمة تعكس طبيعة التوازنات السياسية داخل مجلس النواب.

ورغم أن المشهد الحزبي النيابي لا يزال في طور التشكل، فإن وجود عدد كبير من النواب المنتسبين لأحزاب سياسية يمنح الانتخابات بعداً سياسياً جديداً، ويمهد لتحول تدريجي نحو العمل الحزبي المنظم، بدلًا من الطابع الفردي الذي كان سائداً في الدورات السابقة. غير أن ضعف التماسك الكتلي داخل المجلس وذلك نتيجة هشاشة التحالفات النيابية وقلة وجودها ما زال يشكل تحدياً أمام إرساء تقاليد برلمانية قائمة على العمل الجماعي.

إن الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة لا تمثل مجرد استحقاق دستوري دوري، بل تعد اختبارا حقيقياً لتفعيل مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وترجمة التوجيهات الملكية بترسيخ العمل البرامجي الحزبي تحت قبة البرلمان. فالنواب أمام مسؤولية مضاعفة ،مسؤولية تجاه الدستور الذي منحهم هذه الصلاحيات، وتجاه الشارع الأردني الذي يراقب أداءهم وينتظر منهم أداءً مختلفًا يعكس نضوج التجربة البرلمانية الأردنية والذي أصبح بالسنوات الأخيرة منعدم الثقة بالمجالس التشريعية للأسف.

لذا، فإن انتخابات رئاسة مجلس النواب المقبلة ستكون محطة في عمر المجلس الحالي ، إما لتجديد الثقة بالرئيس الحالي إذا ما أثبت كفاءة في إدارة المؤسسة التشريعية، وهذا ما يقرره بالأصل الشارع والنواب أو لانتخاب قيادة جديدة تضخ روحاً جديدة في عمل المجلس، وتواكب التحولات السياسية في الدولة الأردنية الحديثة.

إن احترام النصوص الدستورية وتفعيل مضامينها في الممارسة السياسية هو الطريق الأمثل لترسيخ دولة القانون والمؤسسات، التي لا تبنى فقط بالتشريع، بل بالممارسة الواعية والمسؤولة من قبل ممثلي الشعب تحت مظلة الدستور وسيادة القانون.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير