jo24_banner
jo24_banner

من فخر الاسم إلى مجد الفعل

من فخر الاسم إلى مجد الفعل
جو 24 :


كتب وسام السعيد - في زمنٍ مضى، كانت الأسماء تحمل وزنًا أكبر من الأفعال. كان مجرد انتمائك لعائلةٍ معروفة يكفي لتنال الاحترام، وكأن المجد وراثةٌ تُمنح بالولادة لا بالجدارة. كان المرء يعرّف نفسه بفخر: 

"أنا من عائلة فلان”، فتُفتح أمامه الأبواب ويُحسب له ألف حساب، لا لفعله أو علمه، بل لأن خلفه إرثًا من أسماءٍ حُفرت في ذاكرة الناس. كان الشرف آنذاك يُقاس بقدم العائلة، لا بعمق الأخلاق ولا بثمرات الجهد. 

 لكن الأزمنة لا تبقى على حال. ومع تسارع الحياة وتحوّل الاقتصاد والمعرفة إلى محور القوة، تغيّر ميزان القيم. ففي زمن المال والدولار، لم تعد الألقاب وحدها تصنع الاحترام، ولم يعد النسب يرفع من لا يحمل في داخله قيمة حقيقية أو قدرة على العطاء. 

اليوم، الشرف لا يُقاس بما وُلدت عليه، بل بما تصنعه بيدك وعقلك وضميرك.  لقد شهدنا سقوط أسماء كانت تُعتبر رموزًا في الماضي، لأنها اكتفت بالعيش على أمجاد الجدود دون أن تقدّم جديدًا. وفي المقابل، برزت أسماء لم يكن لها تاريخ يُذكر، لكنها صنعت مستقبلًا يُروى.

 شبابٌ بدأوا من لا شيء، حملوا أفكارهم بدل ألقابهم، وبنوا لأنفسهم مجدًا بالعلم والعمل والاجتهاد، حتى غدت أسماؤهم تُذكر كرمزٍ للنجاح لا كامتدادٍ لعائلةٍ أو لقب. 

 إن المجتمع المعاصر لم يعد ينجذب إلى "من أنت؟” بقدر ما ينصت إلى "ماذا قدّمت؟”.

 فالمكانة اليوم تُكتسب بالمنفعة، لا بالوراثة. 

من علّم غيره، أو بنى مشروعًا، أو أبدع فكرةً نافعة، صار يُحترم أكثر من صاحب الاسم الكبير الذي لا أثر له. 

إنه عصر الإنجاز لا الانتماء، والعطاء لا الادعاء.
  العائلة تبقى رمزًا ومرجعية وانتماءً نعتز به، لكنها لم تعد صكًّا للشرف أو جواز مرور للهيبة. فالأسماء قد تزهر حين يُسقيها أصحابها بالعمل، لكنها تذبل حين تُترك دون رعاية.

 وهنا تكمن المفارقة: 
أن الاسم الذي كان يرفع صاحبه بالأمس، قد أصبح اليوم في حاجة إلى صاحبه كي يرفعه من جديد.  

لقد دخلنا مرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي؛ مرحلة تُعيد تعريف الشرف بأنه الصدق في العمل، والأمانة في القول، والاحترام في التعامل. 

فلا معنى لنسبٍ بلا خُلُق، ولا لاسمٍ بلا إنجاز. 

والشخص الذي يبني سمعته بجهده، هو ابن نفسه قبل أن يكون ابن عائلته.  

في النهاية، تبقى الحقيقة واضحة كالشمس: في زمن المال والعلم، تزهر الأسماء التي تُثمر، وتنهار الألقاب التي بلا جذور. 

فالمجد لا يُورّث، بل يُكتسب، والشرف لا يُعلن، بل يُثبت. 

ومن فهم هذا التبدّل، أدرك أن أعظم نسبٍ اليوم هو أن تُنسب إلى ما أنجزت، لا إلى من أنجبتك  وللأسف، ما زلنا نشاهد من يتباهى بعائلته دون علمٍ أو مجد، وحين يضيق به النقاش أو يُكشَف ضعفه، يلوّح باسم عائلته كدرعٍ وهمي.

 تلك ليست فروسية، بل جاهلية جديدة بثوبٍ عصري. 

فالعظمة لا تُقاس بما ورثت، بل بما صنعت. ومن يتكئ على اسمٍ خالٍ من العمل، يشبه من يرفع راية بلا وطن. 

 إننا في زمنٍ لا يرحم الادعاء؛ إما أن تبني مجدك بيدك، أو ستبقى مجرد ظلٍّ لاسمٍ تلاشى صداه منذ زمن. فالشرف اليوم لا يُنسب، بل يُثبت… 

بالفعل، بالخلق، وبالإنسانية  الاسم لا يكفي… هذا زمن من يصنع اسمه

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير