النفايات الصلبة في غزة…أزمة بيئية تتفاقم وتهدد مصير مئات الآلاف من الناجين من الموت
تتصاعد التحذيرات الصادرة عن المنظمات الحقوقية والأهلية في قطاع غزة من كارثة بيئية غير مسبوقة تهدد مصير مئات الآلاف من الناجين من أهالي القطاع، في ظل استمرار تراكم كميات ضخمة من النفايات الصلبة في محيط التجمعات السكنية ومخيمات النازحين، والناجمة عن تباطؤ الإجراءات الإسرائيلية التي تعيق التخلص الآمن منها.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم بما ينذر بتدهور خطير على واقع الوضع الصحي والبيئي في القطاع.
انتشار النفايات العشوائية
بدوره أشار تقرير "مركز الميزان لحقوق الإنسان" (مستقل) أن إجمالي النفايات المتراكمة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع بلغت نحو 710 آلاف طن، تشمل النفايات المنزلية والمخلفات البشرية ونفايات الصرف الصحي والمخلفات الطبية الخطرة.
وتتوزع هذه الكميات في 190 مكبا عشوائيا غير مجهز، يقع معظمها داخل الأحياء السكنية أو بمحاذاة مراكز الإيواء ومخيمات النازحين، ما جعلها مصدرا مباشرا لانتشار الأمراض والأوبئة والحشرات والقوارض.
ويضاف إلى ذلك تدمير الاحتلال أكثر من 141 آلية لجمع النفايات وأكثر من 3876 حاوية مخصصة للتخلص من القمامة، ما زاد من ضعف القدرة المحلية على التعامل مع الأزمة.
مشاهد تكشف عمق الكارثة
وخلال جولة ميدانية لمراسل "قدس برس" على شارع الرشيد الساحلي، بدت مشاهد التكدس الهائل للنفايات واضحة، حيث تنتشر أطنان منها على جانبي الطريق وتتحول إلى تلال ضخمة تحيط بخيام النازحين.
هذه التراكمات تحولت إلى بيئة خصبة للقوارض والبعوض والصراصير والذباب، التي تغزو خيام المدنيين وتفاقم معاناتهم اليومية، وسط غياب شبه تام للمعالجة أو الترحيل.
غازات سامة وأمراض خطيرة
تطلق النفايات المتحللة غازات ضارة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون، التي تلوث الهواء وتنعكس سلبا على الجهاز التنفسي للسكان، إضافة إلى الروائح الكريهة التي تغطي مناطق كاملة من القطاع.
كما يشكل عبث الأطفال بالمكبات العشوائية مصدرا لانتقال أمراض خطيرة، أبرزها التهاب الكبد الوبائي، في ظل غياب بيئة صحية آمنة أو حملات توعية فعالة.
ويشير مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية النصيرات المهندس علي الهباش، أن "معدل انتاج النفايات المنزلية الصلبة في القطاع يتجاوز ألفي طن يوميا، يتم ترحيلها لثلاث مجمعات وهي مكب جحر الديك ويخدم محافظة غزة وبلدات شمال القطاع، ومكب دير البلح ويخدم المنطقة الوسطى، ومكب الفخاري (صوفا) ويقع شرق رفح ويخدم جنوبي القطاع".
ونوه إلى أن هذه المكبات خرجت بالكامل عن الخدمة منذ اندلاع العدوان، بعد أن أصبحت مناطق عسكرية مغلقة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، ونتيجة ذلك يشير الهباش، أنه "يجري ترحيل النفايات إلى تجمعات عشوائية غرب القطاع، قرب مخيمات النازحين، دون أي عمليات فرز أو معالجة أو دفن صحي".
ويضيف في حديث لـ"قدس برس": "نعاني من عجز تام في إدارة النفايات بسبب منع الاحتلال التنسيق لإعادة فتح المكبات أو إدخال المعدات اللازمة، ومع اقتراب الشتاء، نخشى تدفق عصارة النفايات إلى باطن الأرض وتلويث الخزان الجوفي، ما سيحول الأزمة الصحية إلى كارثة مائية تمتد لأشهر وربما سنوات".
ويتزامن هذا الواقع مع اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية والذي يصادف اليوم الخميس 6 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وهو مناسبة خصصتها الأمم المتحدة لتسليط الضوء على الأضرار البيئية التي تُهمل غالبا في تقارير الخسائر، ومنها التربة، المساحات الزراعية، الغطاء النباتي، الحيوانات، مصادر المياه، وحتى الهواء الذي يتنفسه الناجون.
وما يزال قطاع غزة يواجه آثار الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 238 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، فضلًا عن دمار شامل طال معظم مناطق القطاع، وسط تجاهل دولي لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.
وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق مرحلي بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس"، إثر مفاوضات غير مباشرة في شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.
وبموجب الاتفاق، أطلقت "حماس" في 13 تشرين الأول/أكتوبر سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء، فيما تشير تقديرات إسرائيلية إلى وجود جثامين 28 أسيرًا آخرين، تسلّمت منهم أربعة حتى الآن.
وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي لم تستجب إسرائيل لها حتى الآن، تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" لتسيير الأمور في قطاع غزة، ومتابعة تدفّق المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار، وسط تحذيرات من أن أي إدارة لا تستند إلى وحدة وطنية وسيادة فلسطينية حقيقية، ستبقى عرضة للتفكك والابتزاز السياسي.








