شرق المتوسّط يشتعل بصمت.. إسرائيل واليونان، تركيا وإيران، وتحالفات تُصنع في الظل
جو 24 :
كتب زياد فرحان المجالي -
في هذا الشرق الذي لا يهدأ، لا تنشأ التحالفات بالصدفة، ولا تظهر التوترات فجأة. كل خطوة تُبنى على ذاكرة طويلة من الصراع، وكل بيان سياسي يحمل وراءه طبقات من الحسابات التي لا تُقال. وبين تل أبيب وأثينا وأنقرة وطهران، يتشكّل اليوم محور جديد، لا يعلَن بصوت عالٍ لكنه يفرض نفسه على خرائط البحر والبر والقرار.
هذا الملف يروي ملامح التحول… من اجتماع أثينا، إلى "طوق الخنق”، إلى معادلة 2000 صاروخ التي تهدد بإشعال جولة لم تبدأ بعد.
إسرائيل واليونان… عندما تخرج الشراكة إلى العلن
اللقاء الذي جمع القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي جيل رايخ وسكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان مع كبار المسؤولين اليونانيين في أثينا لم يكن حدثًا بروتوكوليًا.
إنه إعلان عن تحالف ظلّ يتشكّل بعيدًا عن الكاميرات.
توقيت اللقاء وحده يكشف عمقه:
- توتر متصاعد مع إيران
- حرب مفتوحة في غزة
- تراجع الدور الأميركي المباشر
- توسع الدور التركي
إعادة تعريف سورية لدورها بعد صعود أحمد الشرع
بالنسبة لإسرائيل، اليونان ليست دولة صديقة فحسب؛ بل "نافذة جيواستراتيجية” على أوروبا، وساحة تدريب جوّي بعيدة المدى، وعمق مطلوب لأي مواجهة محتملة مع إيران.
ويزداد الدليل وضوحًا بعد التدريب الجوي المشترك الذي شهد:
- تزويدًا جويًا واسعًا
- طيرانًا على مسافات بعيدة
- محاكاة لعمليات الهجوم البعيد
تدريبات كهذه لا تُجرى عبثًا… بل تُعدّ لمعارك بعيدة عن الأرض الفلسطينية.
درع أخيل… التحالف الذي يغيّر خريطة المتوسط
اليونان تستعد لإطلاق مشروع دفاعي شامل يحمل اسم "مِجَنّ أخيل”:
- إحلال الأنظمة الأميركية والروسية القديمة
- اعتماد أنظمة دفاعية إسرائيلية
- بناء شبكة دفاع جوي موحدة
إنه ليس شراء أسلحة… بل إدماج إسرائيل في غرفة عمليات الدفاع اليونانية.
وبهذا، تنتقل العلاقة بين البلدين من تعاون إلى تحالف وظيفي يعيد رسم ميزان القوى.
تركيا… حين تتحوّل الجغرافيا إلى دائرة حصار
أكبر من شعر بالخطر كان تركيا.
الأميرال المتقاعد جِهاد يايجي – مهندس عقيدة "الوطن الأزرق” – أطلق إنذارًا مبكرًا:
"حلقة خنق تُبنى حول تركيا… عبر إسرائيل واليونان وقبرص وبغطاء أميركي–أوروبي.”
ويُعدد يايجي عناصر "الخطر”:
وجود طائرات إسرائيلية في قواعد يونانية
منظومات دفاع جوي إسرائيلية في قبرص
تدريبات إسرائيلية–يونانية في كريت
تعاون استخباراتي متزايد
دعم أميركي وفرنسي غير مباشر
ويختصر المشهد بجملة واحدة:
"اليونان تنتهج سياسة: صديق تركيا هو عدوي… وعدو تركيا هو صديقي.”
في أنقرة، يُنظر إلى هذا المحور على أنه:
خرق لمعادلة القوة البحرية
تهديد مباشر لمشروع "الوطن الأزرق”
احتواء سياسي وعسكري
وربما إعادة رسم حدود النفوذ في المتوسط
تركيا لم تعد اللاعب الوحيد… وأثينا لم تعد الحلقة الضعيفة في جنوب أوروبا.
إيران… 2000 صاروخ تنتظر ساعة الصفر
في الخلفية، يعلو صوت ثالث… طهران.
تقرير نيويورك تايمز كشف أن:
إيران تُعيد بناء منشآتها النووية
المفاوضات ماتت
التفتيش الدولي شبه غائب
وسيناريو الضربة الإسرائيلية يقترب
لذلك، تستعد إيران لجولة رد مختلفة:
2000 صاروخ باليستي في الدقائق الأولى من الحرب،
مقابل 500 صاروخ فقط خلال كامل الجولة السابقة.
الرسالة واضحة:
الحرب المقبلة لن تكون كسابقتها.
ولإيران حساباتها الخاصة:
الردع
الحفاظ على بقاء النظام
منع إسرائيل من الوصول إلى "الضربة القاضية”
توسيع الجبهات عبر العراق ولبنان والبحر الأحمر
وإذا أطلقت إيران 2000 صاروخ، فإن:
- القبة الحديدية
- مقلاع داود
- السهم 3
- الدفاع الأميركي–الإسرائيلي المشترك
ستواجه أكبر اختبار في تاريخها.
إسرائيل… مهمة لم تكتمل
من منظور تل أبيب:
اتفاق 2015 انتهى
الضربة الأميركية في يونيو توقفَت قبل تحقيق كل الأهداف
إيران لم تتراجع
والمخاوف النووية تتضاعف
إسرائيل تعتبر أن "المهمة لم تكتمل”… وأن الضربة المقبلة ضرورة وليست خيارًا.
وهنا يظهر دور اليونان.
إسرائيل تحتاج:
قواعد قريبة لكن خارج الجبهة
مجالًا جويًا مفتوحًا
بنى تحتية لوجستية
جبهة أمنية معادية لتركيا
عمق استراتيجي للعمليات بعيدة المدى
كل هذا موجود في أثينا وقبرص.
الإمارات… قلق من الدور التركي–القطري في غزة
بعيدًا عن صخب المتوسط، يلفت مصدر إماراتي في تقرير i24NEWS أن أنقرة والدوحة تحاولان لعب دور مركزي في "اليوم التالي لغزة”.
الإمارات قلقة من:
وجود شخصيات محسوبة على الإخوان
رؤية تركية–قطرية لإدارة المرحلة
احتمال تمكين حماس بطريقة غير مباشرة
ورغم ذلك، تؤكد أبوظبي مشاركتها في:
الإغاثة
إعادة الإعمار
دعم الإدارة المدنية
وربما دعم لوجستي للقوة المتعددة الجنسيات (ISF)
بمعنى آخر:
الحرب في غزة أعادت فتح سباق النفوذ العربي–التركي–الإسرائيلي.
شرق المتوسط… ساحة واحدة رغم اختلاف الجبهات
حين ننظر إلى المشهد كاملًا، يتضح أن:
اجتماع أثينا
طوق الخنق حول تركيا
2000 صاروخ إيراني
التعاون الأمني المتقدم
مواقف الإمارات
مستقبل غزة
إعادة اصطفاف أوروبا
جميعها ليست أحداثًا منفصلة.
إنها حلقات في مسار واحد:
إعادة تشكيل "شرق المتوسط” بعد الحرب الكبرى.
تدخل مرحلة ما بعد الخرائط القديمة
لم تعد خطوط القوة تُرسم داخل غرف مغلقة:
إسرائيل تمدّ ذراعها إلى المتوسط
اليونان تستعيد دورها التاريخي
تركيا تشعر بأن جغرافيتها تضيق
إيران تستعد لجولة أكثر عنفًا
الإمارات تعيد تموضعها في غزة
الولايات المتحدة تدير التوازن لا التحالف
وأوروبا تختبر أول نفوذ "متوسطي" لها منذ عقود
ما نراه اليوم ليس مجرد تعاون عابر…
بل تأسيس لنظام جديد في شرقي المتوسط،
نظام قد يسبق الحرب… أو يولد منها.








