حين تتحوّل اللهجة إلى “تمثيل صوتي”!
جو 24 :
كتب وسام السعيد- في البلد الواحد قد تختلف اللهجات قليلًا من منطقة لأخرى، وتتشابه غالبًا في المضمون والمخارج، وهذا أمر مفهوم وطبيعي.
فاللهجة تُشكَّل من البيئة، وتُلوَّن بطباع الناس، وتبقى لهجة كل منطقة جزءًا من هويتها.
لكن المتابع للمحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية او عبر مواقع التواصل الإجتماعي يشاهد ويستمع يجد أحيانًا ما يتجاوزحدود التنوع الطبيعي؛
أصواتٌ تشعر معها أن المتحدث لا يتكلم من فمه، بل من عمقٍ بعيد لا علاقة له بمخارج الحروف.
لهجة مرخَّمة على نحو مفرط، وبالمقابل لهجة مائعة بلا أساس لغوي، ومصطنعة لدرجة أنك لا تجد لها تفسيرًا جغرافيًا ولا اجتماعيًا ولا حتى نفسيًا واضحًا.
هنا لا نتحدث عن لهجة محلية، بل عن صوت مُختلَق، وكأن المتحدث يحاول خَلْق نبرة جديدة لا تنتمي لمكان، ولا تعكس بيئة، بل تُبنى على مبالغة صوتية مقصودة.
وكأن الكلمات خضعت لعملية شدّ وترخيم قبل أن تصل إلى الأذن، لتبدو "مختلفة” ولو على حساب طبيعة الحديث.
اللغة تُفهم لأنها صادقة.
واللهجة تُحَب لأنها تلقائية.
أما التكلّف والتصنع يجعل الصوت مجرد أداء لا يحمل روح المكان ولا نبرة الناس.
الحديث الطبيعي يخرج بلا جهد، بلا شدّ ولا ترخيم، بلا ضغوط على الكلمات ولا هندسة للنبرة.
فاللهجة لا تُختَرع، بل تُعاش.
واللهجة لا تُؤدّى، بل تُورَث وتتشكل عبر الزمن.
المشكلة أن الصوت حين يُفرَض عليه ما لا يشبهه، يصبح عبئًا.
اللهجة لا تُنطَق من عضلات البطن، ولا تحتاج إلى "إحماء” قبل الجملة، ولا تستلزم أن تُسحب الحروف من تحت الأضلاع ليبدو المرء مختلفًا.
اللهجة تنطقها الفطرة… لا تؤلّفها الحنجرة ليست المشكلة في الاختلاف فكل اختلاف جميل بل في التكلّف.
فاللغة لا تحتمل المبالغة، واللهجة حين تُفبرَك تُفقد قيمتها، لأنها تتحول من وسيلة تواصل إلى وسيلة تمثيل.
والمُبالغة لا تصنع شخصية… بل تصنع ضجيجًا.
هذا مختصر لسيرك نعيشه يوميا عبر بعض وسائل الإعلام ومن يحاولون البحث عن الشهرة.








