jo24_banner
jo24_banner

شرط "إسرائيل" الذهبي: لماذا يتحول جبل الشيخ إلى خط أحمر دائم؟

شرط إسرائيل الذهبي: لماذا يتحول جبل الشيخ إلى خط أحمر دائم؟
جو 24 :


كتب زياد فرحان المجالي - 

في لحظة سياسية تزدحم فيها التحولات فوق خرائط الشمال، تعود إسرائيل لتضع "الشرط الذهبي” قبل أي حديث مع سوريا أو معها: جبل الشيخ خط أحمر. ليست القضية جغرافيا ولا تفاوضًا، بل إعادة تثبيت معادلة الردع في زمن يتغير فيه النظام في دمشق وتتغير معه الحسابات. ظهور جدعون ساعر داخل لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لم يكن تسريبًا عرضيًا بقدر ما كان رسمًا متعمدًا لخط الحدود الجديد الذي تريد إسرائيل أن يُحفر في أي مسار قادم. "نرغب بالاتفاق… ولكن بشروطنا”، جملة تلخّص فلسفة إسرائيل منذ 1967 وحتى اليوم: كل مفاوضة يمكن النقاش فيها إلا المرتفعات، إلا النقاط التي تكشف الشمال، إلا المواقع التي تمنحها القدرة على رؤية الحرب قبل أن تبدأ.

جبل الشيخ بالنسبة لإسرائيل ليس مجرد قمة؛ إنه محطة إنذار مبكر، رادار مفتوح على دمشق والبقاع والجنوب اللبناني. أي تنازل عنه يعني تغييرًا في معادلة الردع التي قامت عليها استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية لعقود. ولذلك، عندما يتحدث ساعر عن "عدم التخلي عن السيطرة على النقاط المرتفعة”، فهو لا يرسل رسالة إلى سوريا فقط، بل إلى واشنطن، إلى موسكو، إلى طهران، وإلى كل من يظن أن تغيير الحكم في دمشق يمكن أن يفتح بابًا لإعادة توزيع الأوراق.

التحول في سوريا هو جوهر المشهد. فبعد سنوات من التصدعات، وتراجع النظام القديم، وظهور إدارة جديدة أكثر قربًا من التحولات الإقليمية، تدرك إسرائيل أن المشهد السوري سيُعاد تشكيله. والحدث الأهم بالنسبة لها هو منع الجنوب السوري من التحول إلى نسخة جديدة من جنوب لبنان. هذا الهاجس تحديدًا هو ما يدفع إسرائيل لتثبيت قاعدتها الذهبية: لا اتفاق دون الحفاظ على التفوق الاستخباري. وفي زمن تتمركز فيه مجموعات موالية لإيران قرب الحدود، يصبح جبل الشيخ "الصندوق الأسود” الذي تُدار منه المعركة الأطول بين الظل والعلن.

على الجانب الأميركي، تتحرك واشنطن بثقل دبلوماسي لا يريد إشعال جبهة جديدة. فهي مشغولة بغزة، وبالضغط على تل أبيب، وبالتوازنات التركية، وبمعادلات البحر الأحمر، وبالتنافس مع الصين. ولذلك تعمل على إدارة الشمال عبر "اتفاقات تخفيف الاحتكاك” لا "اتفاقات الحل السياسي”. واشنطن تريد تقليل الضربات الإسرائيلية داخل سوريا، وتريد من دمشق الحد من وجود القوات الثقيلة جنوبًا، وتريد من الطرفين حصر التوتر ومنع الانفجار. لكنّ واشنطن نفسها تعرف أن إسرائيل لن تتنازل، وأن أي ترتيب سيكون ناقصًا إذا لم يضمن بقاء القمة بيدها.

السؤال الأكبر هو: لماذا تتحدث إسرائيل الآن؟ ولماذا تكشف أوراقًا كانت سرية؟ الإجابة تكمن في لحظة إقليمية مضطربة. فبعد حرب غزة، وبعد الانهيار الذي أصاب صورة إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، تسعى تل أبيب إلى إعادة هندسة معادلات القوة. تريد أن تقول للعالم إنها ما تزال قادرة على تحديد شروط اللعبة، وأن الانكشاف الذي حدث في الجنوب لا يعني انكشافًا في الشمال. ولذلك، فإن الحديث عن جبل الشيخ ليس موضوعًا سوريًا فحسب، بل رسالة مكثفة بأن "إسرائيل ما زالت هنا” وما زال بإمكانها ضبط الإيقاع.

لكن المشهد أعقد من ذلك بكثير. فالميدان السوري تغيّر، والوجود الإيراني أصبح جزءًا من البنية العسكرية، والجيش السوري الجديد — وفق المعطيات الأخيرة — يعيد ترتيب قدراته بدعم روسي غير مباشر وبموافقة أميركية مشروطة. وهذا يعني أن أي اتفاق مستقبلي سيواجه تحديات حقيقية. فهل تقبل دمشق بتسوية تُبقي الجولان مكتملًا تحت السيطرة الإسرائيلية؟ وهل يمكن لإسرائيل أن تحصل على ضمانات حقيقية من نظام يريد استعادة دوره الإقليمي؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة فرض صيغة وسط بين الطرفين؟

حتى الآن، الإجابات جميعها تحت مظلة واحدة: هذه ليست مفاوضات، بل محادثات استطلاع. إسرائيل تختبر النوايا، وسوريا تختبر الظروف، وواشنطن تختبر القدرة على منع حرب جديدة. والنتيجة أن "جبل الشيخ” يتحول إلى حجر الميزان في معادلة شمالية تتطلب هدوءًا طويل المدى. فدمشق الجديدة ليست دمشق القديمة، وإسرائيل بعد غزة ليست إسرائيل ما قبلها، والمنطقة بأكملها دخلت مرحلة إعادة توزيع أوراق تشبه مرحلة ما بعد 1973.

ما يجب فهمه أن جبل الشيخ ليس قضية حدودية بل قضية "تفوق”. إسرائيل ترى فيه الحد الذي يفصل بين قدرتها على الدفاع وبين قدرتها على الهجوم. ولذلك فهي لن تتخلى عنه، حتى لو تغيرت كل خرائط المنطقة. وليس من المبالغة القول إن إسرائيل ستقبل بانسحاب من أي نقطة، إلا هذه النقطة تحديدًا.

في النهاية، يظل السؤال الحقيقي: هل يمكن أن تحمل الشهور القادمة تحولًا حقيقيًا في شكل العلاقة بين إسرائيل وسوريا؟ أم أن كل ما يُطرح مجرد إدارة وقت في انتظار مشهد إقليمي أكثر نضجًا؟ الإجابة ستكتبها الأحداث، أما جبل الشيخ فسيبقى، في نظر إسرائيل، "عينها التي لا تغمض”.


كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير