الاتساق الأخلاقي
جو 24 :
كتب حسن براري - عرضت إحدى محطات التلفزة الأمريكية مقابلة مع ويلسون مانديلا وفيها قدمت اجابة مانديلا مثالًا نادرًا على ثبات المبدأ في عالم السياسة. فقد سأل المذيع مانديلا عن سبب امتناعه عن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان لدى القذافي وكاسترو الذي بدوره وضح أن حركة التحرر قصدت الولايات المتحدة أولًا طلبًا للمساعدة، لكن واشنطن رفضت تقديم الدعم ووقفت إلى جانب الحكومة التي قمعته. ويضيف، عندما لجأت الحركة إلى كوبا، قدمت كوبا الدعم فورًا ووقفت مع شعب جنوب أفريقيا في محنته. ومن هنا شدد مانديلا على أن الرجل الذي يحترم مبادئه لا يخضع لما تطلبه واشنطن ضد كوبا ما دامت الأخيرة قد ساعدت شعبه حين احتاج إلى ذلك.
قدم مانديلا بهذا الرد فهمًا عميقًا لأخلاقيات الوفاء والالتزام التاريخي. فعلى الرغم من أن السياسة تقوم غالبًا على المصالح المتغيرة كما يصر تشرتشل، يصر مانديلا على أن القائد الحقيقي لا يساوم على ذاكرته الأخلاقية ولا يغير مواقفه إرضاءً للقوى الكبرى. وتبرز قوة مقاربته في قدرته على رفض الضغوط من دون خلق عداوات، وعلى صياغة موقف يحفظ الكرامة ولا ينكر الفضل. وهذا الاتساق الأخلاقي هو الذي منح تجربته جاذبيتها العالمية وجعل من قيادته نموذجًا نادرًا في زمن التحولات السريعة.
على آية حال، نموذج مانديلا الفريد صعب التكرار في مجتمعات لم تعد تنتج قادة بل مقاولين وأمراء حروب وعملاء، فالظروف تغيرت وهناك اتجاه لخصخصة الحروب الأمر الذي يفرز زعماء عصابات تحكم دولا كثيرة.








