نشطاء يريدون حماية "خشب البرازيل"
جو 24 :
منذ 44 عامًا، يعكف تيم بيكر على صناعة الأقواس للآلات الوترية مثل الكمان والتشيلو. وهو يدرك تمامًا مدى أهمية تلك الشريحة الخشبية الرقيقة والمرنة بالنسبة للموسيقيين.
يقول بيكر من منزله في المملكة المتحدة: "بعض الناس يستخدمون قوسًا واحدة فقط طوال حياتهم". ويضيف: "القوس هي صوتهم حقًا. في الكمان، لديك مجرد وتر تضع أصابعك عليه، لكن طريقة خروج الصوت تأتي كلها من القوس".
ولكن تجارته تواجه الآن تهديدًا من مصدر غير متوقع، من نشطاء الحفاظ على البيئة والحكومة البرازيلية.
ويحظى خشب البرازيل بتقدير كبير بين الموسيقيين بسبب لونه المحمر ومتانته. وقد وصفه عازف التشيلو الشهير "يو-يو ما" بأنه "لا مثيل له" عندما يتعلق الأمر بالأقواس.
ومع ذلك، فإن اقتراحًا لتعزيز القيود قد يعني أن الموسيقيين سيحتاجون إلى تسجيل آلاتهم ليتمكنوا من السفر إلى الخارج أو بيعها. وقد وصف بعض المدافعين عن الموسيقى هذا الاحتمال بأنه "أسوأ كابوس" لهم.
قالت هيذر نونان، نائبة الرئيس للمناصرة في "رابطة الأوركسترات الأميركية": "إن اختيار كل موسيقي للقوس هو خيار شخصي للغاية يعتمد على الكثير من العوامل: الملمس، والوزن. وحتى اعتمادًا على المقطوعة الموسيقية التي يعزفون عليها، قد يتطلب الأمر قوسًا مختلفة لخلق صوت مختلف".
وأضافت: "إحدى [التبعات المحتملة] هي أن الموسيقيين لن يكونوا قادرين على استخدام أفضل آلاتهم مهنيًا".
من المقرر أن تصل القضية إلى ذروتها الأسبوع المقبل، حيث تعقد اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية (CITES) اجتماعها العشرين. ومن المقرر طرح قيود مشددة على خشب البرازيل للتصويت في المؤتمر.
منذ عام 1998، صنّف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) الشجرة على أنها مهددة بالانقراض. لكنّ اقتراحًا صاغته الحكومة البرازيلية من شأنه زيادة حماية اتفاقية (CITES) لخشب البرازيل، ووضعه في أعلى مستوى للقيود التجارية.
تنظم اتفاقية (CITES) التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض، وتصنف الحيوانات والنباتات في 3 ملاحق.
الملحق الثالث هو الأقل تقييدًا: إذا كان النوع مهددًا بالانقراض في بلد معين، فإن تصاريح التصدير مطلوبة من ذلك البلد.
الملحق الثاني لديه معايير أكثر صرامة: تصاريح التصدير مطلوبة من أي مكان يتم فيه استخراج النوع. وتقع معظم الأنواع المهددة بالانقراض، بما في ذلك خشب البرازيل، في هذه الفئة.
لكن البرازيل تأمل في نقل خشب البرازيل إلى الملحق الأول، وهي فئة للأنواع التي تواجه الانقراض. ويتم حظر تجارة النباتات والحيوانات المدرجة في هذا الملحق إلى حد كبير، باستثناء الاستخدام غير التجاري. ولكن حتى في هذه الحالة، يلزم الحصول على تراخيص استيراد وتصدير.
خشب البرازيل يحظى بتقدير كبير بين الموسيقيين بسبب لونه المحمر ومتانته (الفرنسية)
في اقتراحها، تجادل البرازيل بأن القيود المحدثة ضرورية لمحاربة انقراض النبات. ولم يتبق سوى حوالي 10 آلاف شجرة بالغة من أشجار خشب البرازيل.
وقد تقلص عددها بنسبة 84% على مدى الأجيال الثلاثة الماضية، ولعب قطع الأشجار غير القانوني دورًا مهيمنًا في هذا الانخفاض، وفقًا للاقتراح.
يوضح الاقتراح أن "الاستخراج الانتقائي لخشب البرازيل لا يزال نشطًا، سواء داخل المناطق المحمية أو خارجها". ويضيف: "في جميع الحالات التي تم اكتشافها مؤخرًا، كانت وجهة هذه الأخشاب هي صناعة الأقواس للآلات الموسيقية".
ويشير إلى أن "520 عامًا من الاستغلال المكثف" أدت إلى "القضاء الكامل على الأنواع في عدة مناطق".
وأسفرت عملية شنتها الشرطة البرازيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 عن تغريم 45 شركة وصانع أقواس. وتمت مصادرة ما يقرب من 292 ألف قوس وكتلة خشبية (وهي القطع الخشبية غير المكتملة المعدة لتصبح أقواساً).
وأدى تحقيق آخر، بين عامي 2021 و2022، بالشرطة إلى استنتاج أن ما يقدر بنحو 46 مليون دولار من الأرباح جاءت من تجارة خشب البرازيل غير القانونية.
كتبت البرازيل في اقتراحها: "إن غالبية الأقواس والكتل الخشبية التي باعتها الشركات البرازيلية على مدار الـ25 عامًا الماضية نشأت على الأرجح من مصادر غير قانونية".
دعمت مجموعات الحفاظ على البيئة مثل منظمة "ترافيك" (TRAFFIC) غير الحكومية الحماية المتزايدة لخشب البرازيل، بحجة أن الإجراءات الصارمة ضرورية لبقاء الشجرة.
وقالت سارة فيرجسون، مديرة السياسات في "ترافيك"، إن هناك حاجة إلى 144 شجرة لصنع 700 قوس فقط. وأضافت أنه في السنوات الـ25 الماضية، قام الحرفيون البرازيليون بتصدير 130 ألف قوس، مما يشير إلى طلب كبير على الشجرة.
وأضافت فيرجسون: "هناك أعداد منخفضة من الأشجار. وهي غير موجودة في العديد من المناطق. ويتم العثور عليها بكميات ضخمة في التجارة".
حاليًا، بموجب الملحق الثاني، هناك إعفاء لمنتجات خشب البرازيل النهائية ويسمح للموسيقيين بالسفر بحرية مع أقواسهم. كما يضمن ذلك قدرة صناعة الأقواس الكبيرة في البرازيل على بيع منتجاتها في الخارج.
لكن إمكانية ترقية خشب البرازيل إلى الملحق الأول أثارت قلقًا بين الموسيقيين. وقد جمعت عريضة واحدة على موقع (Change.org)، تدعو إلى رفض اقتراح البرازيل، أكثر من 10 آلاف توقيع داعم.
وتشعر نونان، من رابطة الأوركسترات الأميركية، بالقلق من أن عملية التصريح الخاصة بمنتج مدرج في الملحق الأول ستكون بمثابة مستنقع لوجستي للأوركسترات المتنقلة. وأضافت أنها قد تؤدي حتى إلى مصادرة الآلات.
وقالت نونان "إن مخاطر الخطأ في جزء ما من هذه العملية أثناء سعيك للامتثال لها يمكن أن تكون وخيمة للغاية، خاصة بالنسبة للموسيقيين الأفراد الذين قد لا يملكون الكثير من البنية التحتية لمساعدتهم على اجتياز العملية".
وفي أكتوبر/تشرين الأول، نشرت مجموعة من الموسيقيين رسالة مفتوحة في صحيفة "لوموند" الفرنسية، محذرين من "انفجار لا يمكن السيطرة عليه" في طلبات التصاريح.
جادلت نونان بأن الآلات الموسيقية لا تشبه المنتجات الحيوانية أو النباتية الأخرى التي تديرها اتفاقية (CITES)، فهي غالبًا ما تظل قيد الاستخدام لقرون.
وبينما قد يتم تداول حيوان أليف غريب دوليًا مرة واحدة، أشارت إلى أن الموسيقيّ قد يعبر حدودًا متعددة في جولة واحدة.
وقالت إنه إذا تم قبول اقتراح البرازيل، فسيحتاج الموسيقيّ إلى التصديق على تصريحه عند كل حد من قبل مسؤول معتمد من (CITES)، لكنها تخشى أن الأمر ليس عمليا.
وأضافت نونان: "نسمع أحيانًا المندوبين يقولون: "لن تكون هذه مشكلة بالنسبة لك. يمكنك الحصول على تصريح. حتى مع تصريح (CITES)، فهي ليست عملية معقولة لتمكين الموسيقي المتنقل العادي من الوصول إلى العرض في الوقت المحدد".
أكوام من الخشب تنتظر النقل في منشرة بالقرب من أمابو، إحدى غابات الأمازون المطيرة، على بُعد 600 كيلومتر من بيليم، شمال البرازيل (الفرنسية)
اقترحت منظمات مثل "ترافيك" حلولاً بديلة لمعالجة مخاوف الموسيقيين. وفي إحاطتها الرسمية لاتفاقية (CITES)، قالت "ترافيك" إنها ستكون منفتحة على إبقاء خشب البرازيل في الملحق الثاني، طالما أنه يتلقى حماية إضافية.
لكن فيرجسون تعتقد أيضًا أن (CITES) تحتاج إلى المزيد من الموارد لتتمكن من إدارة نظام التصاريح الخاص بها بشكل صحيح.
وقالت: "نحن بحاجة إلى ضخ المزيد من التمويل والتأكد من وجود القدرة على كلا الجانبين لنتمكن فعليًا من نقل الآلات بسرعة".
ويأمل بيكر، صانع الأقواس البريطاني، أن يتمكن دعاة الحفاظ على البيئة والموسيقيون من إيجاد حل يضع حدًّا لقطع خشب البرازيل غير القانوني، مع السماح باستمرار الحصاد القانوني. وأكد أن صناعة الموسيقى مستثمرة في بقاء الشجرة تمامًا مثل المدافعين عن البيئة.
وقال بيكر: "صناع الأقواس والموسيقيون شغوفون بخشب البرنامبوكو. لقد كنا كذلك منذ البداية. أي شخص يصنع أشياء من الخشب يحب الخشب ويريد الحفاظ عليه".
المصدر: الجزيرة








