2025-12-10 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الصهيونية والعنصرية: سبع كلمات هزّت المشروع الصهيوني القرار الذي يجب أن يعود إلى الأمم المتحدة لمواجهة الأبرتهايد

الصهيونية والعنصرية: سبع كلمات هزّت المشروع الصهيوني القرار الذي يجب أن يعود إلى الأمم المتحدة لمواجهة الأبرتهايد
جو 24 :

كتب فايز محمًد أبو شمَالة -  كانت  سبع كلمات فقط، لكنها زلزلت موقع المشروع الصهيوني داخل النظام الدولي، وقلبت موازين النقاش العالمي حول طبيعته، وأربكته سياسيًا وقانونيًا. 

فجأة وُضع في الإطار ذاته الذي وُضع فيه نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا، ككيان يقوم على التمييز العرقي والاستعمار الإحلالي.  

جملة واحدة أصبحت من أقوى العبارات في تاريخ القانون الدولي:

"الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.” 

لقد شكّلت تلك العبارة القصيرة إدانة صريحة لهوية المشروع الصهيوني، وأطلقت معركة ما تزال آثارها ممتدة حتى اليوم. 

السياق الدولي الذي مهد لإدانة  الصهيونية في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379 الذي نصّ على أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.” 

 لم   يكن هذا القرار حدثًا عابرًا أو صياغة سياسية طارئة، بل جاء في لحظة دولية استثنائية كانت فيها موازين القوى داخل الأمم المتحدة تُعاد صياغتها بصورة جذرية. 

لقد جاء القرار في سياق ثلاث تحولات كبرى تحرّكت بالتوازي في النصف الأول من السبعينيات، وأعادت تشكيل السياسة الدولية:

 أولاً: صعود حركة عدم الانحياز بوصفها كتلة سياسية صلبة داخل الأمم المتحدة، تمتلك قدرة تأثير واسعة تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية. 

ثانيًا: انضمام عشرات الدول المستقلة حديثًا من إفريقيا وآسيا إلى المنظمة الدولية؛ وهي دول خرجت للتو من الاستعمار الأوروبي، وتحمل ذاكرة حيّة عن العنصرية والتمييز العنصري، ما جعلها أكثر حساسية تجاه أي مشروع يقوم على الإحلال والإقصاء الإثني.

 ثالثًا: التحوّل الكبير في مكانة القضية الفلسطينية دوليًا، بعد أن اعترفت الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، عقب الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس ياسر عرفات أمام الجمعية العامة. 

الامر الذي أدخل فلسطين إلى مركز السياسة الدولية، وربط قضيتها بصراع عالمي ضد العنصرية والاستعمار. كانت تلك الفترة مرحلة يُعاد فيها تعريف الاستعمار والعنصرية جذريًا. 

فقد رأت شعوب الجنوب العالمي في الصهيونية نموذجًا استعماريًا يقوم على الإحلال العرقي وإقصاء الشعب الأصلي وطمس وجوده، كما فعل الاستعمار الاستيطاني في كينيا وجنوب إفريقيا والجزائر. وفي الوقت ذاته، كان النضال الدولي ضد نظام الأبرتهايد في ذروته، ما جعل الربط بين الصهيونية والفصل العنصري أكثر وضوحًا ومنطقية.

 ومع صعود منظمة التحرير الفلسطينية، بات المشروع الصهيوني يُقرأ عالميًا بوصفه مشروعًا استعماريًا–عنصريًا لا مجرد نزاع سياسي بين طرفين, الأسس القانونية والرسائل السياسية للقرار رغم قِصر نص  القرار 3379، فإن بنيته القانونية واضحة ودالّة.

 فقد استند إلى القرار 1904 لعام 1963، المعروف بـ”إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”، وإلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، وهما من أبرز المرجعيات المؤسسة في القانون الدولي لمناهضة العنصرية. 

كما أحال هذا القرار إلى القرار الأممي 3151 لعام 1973، الذي أدان "التواطؤ القائم بين الاستعمار البرتغالي ونظام الأبرتهايد والصهيونية، بما في ذلك الدعم السياسي والعسكري والمالي المتبادل بينها". 

وتأتي الجملة الحاسمة في القرار 3379 لتسجّل أول إدانة أممية صريحة للأيديولوجيا الصهيونية: "تقرر الجمعية العامة أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"". 

هذه الجملة ليست مجرد توصيف سياسي، بل تشخيص قانوني لطبيعة الأيديولوجيا الصهيونية، بوصفها مشروعًا إحلاليًا ذا جذور لاهوتية–توراتية يقوم على نزع الشرعية عن الشعب الأصلي واقتلاعه من أرضه، وإحلال جماعة أخرى مكانه تحت ذرائع "الحق التاريخي” و"الوعد الإلهي”. 

وهي الرؤية التي قادت إلى تهجير الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه، وإحلال مستعمرين جدد مكانه، ضمن منظومة قانونية–سياسية تقوم على التمييز العرقي.

 وقد عكست نتائج التصويت يومها حجم الانقسام الدولي الحادّ حول طبيعة المشروع الصهيوني؛ إذ أيّدت القرار اثنتان وسبعون دولة، معظمها من دول عدم الانحياز والعالم العربي وإفريقيا والدول الاشتراكية، فيما عارضته خمسٌ وثلاثون دولة من بينها الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية، في حين امتنعت اثنتان وثلاثون دولة عن التصويت. وقد بيّن هذا التوزيع بوضوح أن القرار  ثمرة اصطفاف عالمي جديد برزت فيه إرادة دول الجنوب التي كانت تخوض معاركها ضد العنصرية والاستعمار، في مقابل المعسكر الغربي الذي ظلّ يُشكّل المظلّة السياسية للمشروع الصهيوني. 

كيف أعاد القرار 3379 تعريف الصهيونية في الوعي الدولي؟ اكتسب القرار 3379 قوة استثنائية لأنه مسّ أربع نقاط محورية:

 أولاً: ضرب الرواية الصهيونية التي حاولت بناء شرعيتها على مفهوم "الحق التاريخي”، إذ كشف القرار أن هذا الادعاء ليس سوى غطاء أيديولوجي لمشروع إحلالي يقوم على نفي وجود الشعب الأصلي.

 وقد أظهر القرار أن البنية التأسيسية للصهيونية بنية عنصرية، تُقصي الفلسطيني   وتبرر  استيطان أرضه. 

ثانيًا: تثبيت العلاقة بين الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري، عبر وضع (اسرائيل) داخل السياق ذاته الذي أُدين عالميًا في جنوب إفريقيا.

 وهذا الربط لم يكن تشبيهًا رمزيًا، بل توصيفًا بنيويًا لآليات السيطرة والقوانين التمييزية المفروضة على الفلسطينيين، ما جعل الصهيونية تُقرأ كمنظومة أبرتهايد متكاملة. 

ثالثًا: تعزيز مكانة القضية الفلسطينية دوليًا، من خلال نقلها من إطار "الخلاف السياسي” إلى إطار "اضطهاد عنصري ممنهج”.

 فالقرار قدّم للعالم توصيفًا دقيقًا لطبيعة الظلم الواقع على الفلسطيني، بوصفه شعبًا يواجه نظامًا يُقصيه من موارده وأرضه وحقوقه الأساسية. 

رابعًا: فضح التناقض الغربي الذي أدان الأبرتهايد في جنوب إفريقيا بوصفه جريمة ضد الإنسانية، بينما استمر في غضّ الطرف عن نموذج مماثل في فلسطين. وأظهر القرار أن هذا الصمت يعكس انحيازًا سياسيًا يجعل القيم الغربية مزدوجة المعايير، ويُسقط عنها ادعاء الدفاع العالمي عن حقوق الإنسان. 

وبذلك شكّل القرار سابقة سياسية وأخلاقية ذات تأثير عميق، وما زال حتى اليوم ركيزة في الأدبيات الحقوقية والقانونية الفلسطينية والعالمية، باعتباره إدانة أممية صريحة لطبيعة المشروع الصهيوني. 

إلغاء القرار عام 1991:
 تنازل سياسي لا مراجعة قانونية في 16 كانون الأول/ديسمبر 1991، وفي خضمّ التحولات الهائلة التي رافقت انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفكّك المنظومة الاشتراكية، أصدرت الجمعية العامة القرار 86 /46 الذي ألغى القرار 3379.

 إلا أن هذا الإلغاء لم يكن ناتجًا عن مراجعة للحقائق أو تقييم قانوني جديد، بل جاء في سياق دولي أعيد تشكيله بالكامل، بحيث أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد والمهيمن على النظام العالمي. 

فمع سقوط الكتلة الاشتراكية، نشأت في عدد من دولها أنظمة سياسية جديدة أقرب إلى الغرب في رؤيتها، وأكثر ابتعادًا عن خطاب التحرر الوطني الذي كان يميّز الموقف السوفييتي السابق. 

كثير من هذه الأنظمة سعت إلى إعادة التموضع داخل النظام الدولي الجديد، ما أفقد العالم كتلة كانت تشكّل سندًا أساسيًا لقضايا الشعوب المستعمَرة، ومنها القضية الفلسطينية. 

وفي الوقت ذاته، كانت المنطقة العربية تعيش تداعيات حرب الخليج الأولى التي أحدثت انقسامًا عميقًا في النظام العربي الرسمي، ودفعت بعض الدول إلى الاقتراب أكثر من واشنطن، وإظهار استعداد للتماهي مع سياساتها. 

هذا الانقسام شكّل أرضيّة رخوة سهلت تمرير الإلغاء. كما سعت الولايات المتحدة، بصفتها القوة المهيمنة عالميًا، إلى خلق بيئة سياسية مناسبة لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وإزالة أي "عقبة معنوية” يمكن أن تُحرج"اسرائيل" أو تعيق اندفاع عملية التسوية التي رُوّج لها حينها تحت عنوان "فرصة السلام التاريخية”. 

ولتحقيق ذلك، مارست واشنطن ضغوطًا اقتصادية ودبلوماسية مكثفة على عشرات الدول لتغيير تصويتها، ما جعل الإلغاء تنازلًا سياسيًا صريحًا لا علاقة له بقيمة القرار الأصلية أو بصحته القانونية.

 لقد عبّر إلغاء القرار 3379 عن لحظة تفوّق أمريكي غير مسبوق، لا عن أي تغيّر في طبيعة المشروع الصهيوني، الذي ظل قائمًا على العنصرية والإقصاء والإحلال، ويعيد إنتاج النموذج ذاته الذي أدانه العالم في جنوب إفريقيا. 

وقد جاء التصويت على القرار بنتيجة: 111 دولة مؤيدة للإلغاء، و25 دولة معارضة، و13 دولة امتنعت عن التصويت. ومن بين الدول الـ25 التي عارضت الإلغاء، كانت هناك 13 دولة عربية، في حين تغيّبت 7 دول عن الجلسة ولم تشارك في التصويت.

 وفي ذلك إشارة واضحة إلى تفسّخ الموقف العربي في تلك الفترة. ويكشف هذا التوزيع حجم التحوّل الذي طرأ على خريطة التصويت الدولية مقارنة بعام 1975؛ إذ إن جزءًا كبيرًا من دول الكتلة الاشتراكية السابقة التي كانت تشكل دعمًا ثابتًا لقضايا التحرر الوطني أصبح بعد انهيارها أقرب إلى الغرب، كما أن عددًا من دول عدم الانحياز فقد زخمه السياسي بعد اختفاء التوازن الدولي الذي كان يمنحه مساحة للمناورة، في حين شهدت العديد من الدول الإفريقية تغيرات داخلية جعلت مواقفها أقل حدّة تجاه الضغوط الغربية.

 إعادة الاعتبار للقرار: ضرورة وطنية ومعركة قانونية في مواجهة الأبرتهايد بعد نحو نصف قرن، تثبت الوقائع أن القرار 3379 كان دقيقًا في توصيفه؛ فالتقارير الصادرة عن "هيومن رايتس ووتش” و"أمنستي”، ونتائج لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ورأي محكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن الجدار العازل، ورأيها الحاسم عام 2024 حول عدم قانونية الاحتلال، إضافة إلى مسار المحكمة الجنائية الدولية وملف الإبادة الجماعية المنظور أمام محكمة العدل الدولية—كلها تتقاطع عند حقيقة واحدة:

 أن (الاحتلال الإسرائيلي) يمارس نظام فصل عنصري مكتمل الأركان ضد الشعب الفلسطيني، وأن البنية التي تحكم فلسطين هي بنية أبرتهايد واضحة ومتجذرة.

 وهذا الاتساق بين الأدلة الحقوقية والقانون الدولي والوقائع الميدانية يعيد الاعتبار للقرار 3379، ويكشف أن الأمم المتحدة عام 1975 لم تكن تتحرك بدافع سياسي عابر أو في إطار حسابات ضيقة، بل كانت تسبق زمانها في تشخيص البنية الاستعمارية–العنصرية للمشروع الصهيوني وطبيعته الجوهرية. 

إن اللحظة الدولية الراهنة — مع ازدياد الوعي العالمي بطبيعة النظام القائم في فلسطين، وتصاعد موجات التضامن، واتساع عزلة "إسرائيل” على خلفية جرائم الإبادة في غزة — تفتح الباب مجددًا أمام ضرورة العودة إلى الأمم المتحدة لإقرار صيغة جديدة للقرار تعيد تثبيت الطبيعة العنصرية للمشروع الصهيوني، وتعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها الصحيح:

 قضية تحرر وطني في مواجهة نظام استعماري–عنصري. 

إن مسارات النضال الفلسطيني متعددة؛ فالمعركة لا تُخاض في الميدان وحده، بل تمتد إلى المؤسسات الدولية — من الأمم المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية — ضمن مسار قانوني وسياسي يشكّل أداة أساسية في مواجهة الأبرتهايد وترسيخ الرواية الفلسطينية ومحاصرة المشروع الصهيوني عالميًا. وإحياء مضمون القرار 3379 اليوم ليس خطوة رمزية، بل ضرورة وطنية وأداة قانونية يجب توظيفها لتعزيز شرعية نضال الشعب الفلسطيني داخل النظام الدولي. لقد آن الأوان لعودة هذا القرار إلى الأمم المتحدة — بصيغة أقوى وبدعم دولي أوسع — ليُقال للعالم بوضوح: 

إن الصهيونية مشروع عنصري، وإن الشعب الفلسطيني يواجه نظامًا استعماريًا يقتلع أرضه ووجوده، وإن العدالة الدولية لن تكتمل دون الاعتراف بهذه الحقيقة

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير