jo24_banner
jo24_banner

أكثر الملوك قربًا من الولايات المتحدة: عبدالله الثاني

أكثر الملوك قربًا من الولايات المتحدة: عبدالله الثاني
جو 24 :

* قراءة معمّقة في أطروحة آرون ماگيد

كتب زياد فرحان المجالي - 

في إقليمٍ تتحرك رماله كل يوم، وتنهار خرائطه أسرع مما تُرسم، تبدو بعض الدول وكأنها تشق طريقها وسط الفوضى بثبات لا يُفسَّر بالقدرات المادية وحدها، بل بعمق المدرسة السياسية التي تديرها. والأردن، كما يراه آرون ماگيد في كتابه "أكثر الملوك قربًا من الولايات المتحدة", هو أحد تلك الاستثناءات التي تفوق حجمها الجغرافي، وتفرض حضورها عبر رؤية تُمسك بخيط التوازن حين يفقد الآخرون القدرة على الإمساك بالحد الأدنى من الاستقرار.

من هنا يبدأ المؤلف قراءته لدور الملك عبدالله الثاني. فهو لا يكتب عن ملكٍ اقترب من واشنطن صدفة أو بحكم الجغرافيا، بل عن قائد أعاد بناء علاقةٍ معقّدة في لحظة كانت المنطقة فيها تتفكك، وكانت الولايات المتحدة نفسها تعيد تعريف حضورها وأولوياتها. ولذلك، لا يقدّم ماگيد "سيرة شخصية”، بل يحاول تفكيك كيف تحوّل الأردن -بقيادة الملك عبدالله- إلى شريكٍ استراتيجي لا يمكن تجاوز رأيه في ملفات الأمن الإقليمي.

ولأن قراءة الملك عبدالله تبدأ من إرث الراحل الحسين، يعود المؤلف إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حين كانت المنطقة تغلي بصراعاتها وحروبها. كان الحسين آنذاك، كما يصفه ماگيد، "المترجم الاستراتيجي" للشرق الأوسط: رجلٌ يفهم العقل العربي ومخاوفه، وفي الوقت نفسه يدرك كيف تُصنع القرارات في واشنطن. ذلك الدور لم يكن واجهة بروتوكولية، بل كان صمام أمان حافظ للعرب — وللغرب — طرق التواصل في أكثر لحظات المنطقة تعقيدًا.

لكن الأهم هو أن هذا الإرث لم يتحول في عهد الملك عبدالله إلى عبء ثقيل أو ظلّ طويل، بل إلى بوصلة. حين تولّى الملك العرش، كان الشرق الأوسط على أبواب زلزال ممتد: هجمات 11 سبتمبر، سقوط بغداد، حروب الإرهاب، انهيار سوريا، تصاعد إيران، وتراجع منظومات عربية بكاملها. وفي وسط هذا الانهيار، كان على الأردن أن يحافظ على الدولة، وأن يحافظ على دوره، وأن يجيب عن سؤال أصعب من كل الأسئلة: كيف يمكن لبلد صغير أن يبقى جزءًا من هندسة الأمن الدولي؟

يرى ماگيد أن إجابة الملك عبدالله جاءت عبر ثلاث ركائز متينة: وضوحٌ في قراءة المخاطر، وصلابةٌ في الملفات التي تمسّ هوية الأردن ومصالحه، وقدرةٌ على مخاطبة الولايات المتحدة بلغةٍ تفهم تعقيدات المنطقة بدل أن تستسلم لها. ولهذا لا يصف المؤلف الملك بأنه "صديق لواشنطن”، بل بأنه "شريك في فهم الشرق الأوسط”، وهي صيغة تكشف أن العلاقة ليست تبعية بل تبادل مصالح ورؤية مشتركة لإدارة الإقليم.

ويشير ماگيد إلى أن قدرة الملك عبدالله على قول "لا” -سواء في قضية القدس، أو التوسّع الإسرائيلي، أو مشاريع التوطين- لم تضعف موقعه في واشنطن، بل رسخته. فالدول الكبرى لا تبحث عن صدى، بل عن شريك يعرف حدود نفسه وحدود الآخرين. وهنا تحديدًا emerges الفرق بين دولة الوظيفة ودولة الموقف؛ والأردن -كما يرى المؤلف- ينتمي للفئة الثانية.

وفي قراءة المؤلف، تتجسد المدرسة الهاشمية في انتقال ناعم من جيل إلى جيل: الحسين بنى الثقة، والملك عبدالله عمّق الشراكة. الراحل الحسين كان صوت العرب في واشنطن، والملك عبدالله أصبح صوت الأردن في قلب النظام الدولي. الملك الحسين قدّم الحكمة، والملك عبدالله فعّلها ضمن عالمٍ لم يعد يشبه زمن الحرب الباردة ولا زمن التسويات التقليدية. هذه الاستمرارية لا تعني التشابه، بل تعني أن الأردن حافظ على جوهره، لكنه طوّر أدواته بما يناسب عصرًا يتغير بسرعة الضوء.

وفي هذا السياق، يبرز الكتاب كقراءة لأردنٍ يتقدم بصمت لا بضجيج. بلدٌ لا ينافس على القوة الخشنة، لكنه يقدّم ما هو أثمن: استقرارًا نادرًا، ورؤية متوازنة، وقدرة على بناء الجسور حين تتكسر الجدران. ولذلك، يرى ماگيد أن عمّان تحولت إلى نقطة ارتكاز في مقاربة الولايات المتحدة للمنطقة، ليس لأنها الأقوى، بل لأنها الأكثر فهمًا لتعقيداتها.

إن أهمية هذا الكتاب لا تكمن في مديح شخصية، بل في كشف المعادلة التي جعلت الأردن حاضرًا في كل مرحلة مفصلية عاشتها المنطقة خلال ربع القرن الأخير. فالمؤلف يخلص -دون ضجيج- إلى أن قوة الأردن لم تكن يومًا في حجمه، بل في عقل دولته؛ ولم تكن في موارده، بل في صلابة قراره؛ ولم تكن في كونه حليفًا للولايات المتحدة، بل في كونه شريكًا قادرًا على تفسير الشرق الأوسط لها في اللحظة التي تعجز فيها تقاريرها الاستخباراتية عن ذلك.

وهكذا، يثبت الكتاب أن الأردن -رغم كل التحديات- بقي ميزان الحكمة في قلب منطقة مضطربة، وأن الملك عبدالله الثاني يمثل استمرارًا لهذا الدور، لكن بأدوات أكثر حداثة، ورؤية أكثر اتساعًا، وحضورٍ يحسب له حساب في عواصم القرار.

كلمات دلالية :

  • أكثر الملوك قربًا من الولايات المتحدة: عبدالله الثاني
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير