خبير اقتصادي يحذّر: 4 سنوات فقط تفصل الضمان عن نقطة التعادل… والتقاعد المبكر الخطر الأكبر
جو 24 :
حذّر الخبير الاقتصادي منير دية من خطورة ما ورد في الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، مؤكداً أن المؤشرات التي كشفتها الدراسة تستدعي تحركاً عاجلاً وعلى أعلى المستويات، في ظل اقتراب الصندوق من نقاط تعادل حساسة تهدد استدامته المالية.
وقال دية إن الوضع الحالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي يُظهر أن المدة المتبقية للوصول إلى نقطة التعادل الأولى لا تتجاوز أربع سنوات، وتحديداً في عام 2030، وهي فترة قصيرة نسبياً ولا تحتمل التأجيل أو المعالجات الجزئية، ما يفرض على الجهات المسؤولة إطلاق حراك حكومي واضح وتدخل فعّال من جميع المعنيين في القطاع، واتخاذ إجراءات فورية لمواجهة التحدي الزمني الداهم.
مؤشّران بالغا الخطورة
وأوضح دية أن الدراسة الاكتوارية كشفت عن مؤشرين بالغَي الخطورة؛ يتمثل الأول بوصول المؤسسة إلى نقطة التعادل الأولى عام 2030، حيث تتساوى الإيرادات المباشرة من اشتراكات الأفراد والمنشآت مع النفقات التأمينية، فيما يتمثل الثاني بوصول نقطة التعادل الثانية عام 2038، عندما تصبح الإيرادات التأمينية والعوائد الاستثمارية السنوية غير كافية لتغطية النفقات التأمينية، في حال لم يتحسّن العائد الاستثماري.
وأشار إلى أن الوصول إلى نقطة التعادل الثانية خلال 13 عاماً فقط لا يُعد فترة زمنية طويلة وفق المعايير الاكتوارية، ما يستوجب إعادة تقييم شاملة لخيارات المؤسسة، سواء على صعيد التشريعات أو الاستثمار.
التقاعد المبكر.. العبء الأكبر
وبيّن دية أن الدراسة أظهرت ارتفاعاً كبيراً في كلفة التقاعد المبكر، وما يترتب عليه من زيادة ملحوظة في نفقات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، لافتاً إلى أن 64% من المتقاعدين حالياً هم من فئة التقاعد المبكر، وأن كلفتهم تشكّل أكثر من 60% من إجمالي فاتورة التقاعد.
وأكد أن هذه النسبة تُعد مرتفعة جداً مقارنة بالمعايير العالمية، حيث لا تتجاوز نسبة التقاعد المبكر عالمياً 25%، ما يجعل من تعديل قانون الضمان الاجتماعي حاجة ملحّة لا يمكن تجاهلها.
وشدد على ضرورة إخضاع أي تعديل تشريعي لحوار وطني موسّع تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني والخبراء وأصحاب المصلحة، بهدف الخروج بتعديلات تضمن الاستدامة المالية لمؤسسة الضمان الاجتماعي، وتحسّن أوضاع المتقاعدين، وتحافظ على ديمومة الصندوق للأجيال المقبلة.
توسيع القاعدة دون زيادة الأعباء
وفيما يتعلق بالحلول، أوضح دية أن تحسين العائد من الاشتراكات لا يجب أن يتم عبر زيادة الاقتطاعات أو تحميل المشتركين أعباء إضافية، بل من خلال توسيع قاعدة المشتركين، عبر إدخال فئات وقطاعات جديدة غير مشمولة حالياً، وإخضاع العاملين غير المسجلين في الضمان الاجتماعي لمظلته، بما يعزّز الإيرادات التأمينية دون رفع الكلفة على المشتركين الحاليين أو الجدد.
وأكد أن أي توسّع في مظلة الضمان يجب أن يتم مع الحفاظ على نفس مستوى الاقتطاعات المالية، وعدم رفع الرسوم المفروضة، وضمان استمرارية الخدمة دون زيادة التكاليف، سواء على المشتركين القدامى أو الجدد.
الاستثمار… ضرورة التنويع
وفي ملف الاستثمار، أشار دية إلى أن الدراسة الاكتوارية أوضحت الحاجة الملحّة إلى تنويع محفظة استثمارات الضمان الاجتماعي، والبحث عن عوائد أفضل من المعدلات الحالية، محذّراً من الاستمرار في التركيز على أدوات تقليدية مثل السندات فقط.
ودعا إلى التوجّه نحو قطاعات ذات ربحية أعلى ومدروسة المخاطر، بما يسهم في تحسين العائد الاستثماري وتأخير الوصول إلى نقاط التعادل، وتعزيز قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته المستقبلية.
تعديلات جوهرية مطلوبة
وأضاف دية أن نتائج الدراسة تفتح الباب أمام تعديلات جوهرية على قانون الضمان الاجتماعي، خصوصاً فيما يتعلق بالتقاعد المبكر، سواء عبر رفع سن التقاعد المبكر، أو زيادة عدد الاشتراكات المطلوبة، أو حتى إلغاء هذا الخيار بشكل شبه كامل، باستثناء حالات محدودة جداً، نظراً إلى كلفته المالية المرتفعة وتأثيره المباشر على الاستدامة المالية للمؤسسة.
وأشار إلى أن استمرار العمل بسياسات الإحالة إلى التقاعد المبكر، التي رافقت بعض خطط التحديث الإداري في السابق، لم يعد ممكناً في المرحلة الحالية، مؤكداً أن المرحلة المقبلة تتطلب تمديد سنّ العمل وعدم اللجوء إلى هذا الخيار، لما له من انعكاسات سلبية على الوضع المالي للضمان الاجتماعي.
أولويتان حاسمتان
وختم دية بالقول إن الدراسة الاكتوارية تضع مؤسسة الضمان الاجتماعي أمام أولويتين أساسيتين لا تحتملان التأجيل؛ الأولى تعديل قانون الضمان لمعالجة ملف التقاعد المبكر بما ينسجم مع المعايير العالمية، والثانية إجراء مراجعة شاملة للعائد الاستثماري وتنويع مجالات الاستثمار، ومعالجة الثغرات التي قد تُسرّع الوصول إلى نقاط التعادل خلال السنوات المقبلة، حفاظاً على أحد أهم أعمدة الحماية الاجتماعية في الأردن.








