2025-12-23 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حين يختار الصمت أو المغامرة.. كيف يتعامل الرجل مع الفقد؟

حين يختار الصمت أو المغامرة.. كيف يتعامل الرجل مع الفقد؟
جو 24 :
في أحد أيام كندا الباردة حزم "جون شيلدز" حقائبه وبدأ السفر عبر القارات. لم يكن الأمر هروبا سياحيا، بل محاولة لملء الفراغ الكبير الذي تركته زوجته بعد رحيلها. كان يشعر أن البقاء في المكان نفسه يعني الغرق في صمت مقيم، أما الرحيل فقد منحه -ولو مؤقتا- إحساسا بالتحكم في حياته من جديد.

قصته التي وثقتها صحيفة "نيويورك تايمز" تعكس مسارا يتبعه بعض الرجال بعد الفقد، وهو البحث عن أفق جديد بعيدا عن ذكريات الفقد اليومية.

 
الفقد لا يقصد به الموت فقط؛ بل يمكن أن يكون فقدان شريك أو صديق مقرّب أو وظيفة، أو حتى القدرة الصحية على ممارسة الحياة طبيعيا، وهو ما يترك أثرا عميقا يعادل أثر الرحيل الأبدي.

ويرى علماء النفس أن هذه الأحداث تمثل أزمات وجودية تعيد صياغة هويّة الرجل، وتضعه أمام إعادة تقييم علاقاته ومعنى الحياة، ولا سيما مع الشعور بانهيار الاستقرار العاطفي والاجتماعي.

وخلصت دراسة لجامعة هارفارد عن التطور البشري -بعد أكثر من 80 عامًا من البحث- إلى أن العلاقات القوية هي أهم محدد للصحة النفسية والجسدية، وأن فقد هذه الروابط قد يترك الرجل عرضة لاضطرابات نفسية حادة بسبب ضعف شبكات الدعم الاجتماعي مقارنة بالنساء.





الفروق البيولوجية والنفسية في الحزن
التباين بين الرجال والنساء في مواجهة الحزن ليس مسألة ثقافة فقط، بل يمتد إلى اختلافات بيولوجية وعصبية:

الهرمونات
تشير أبحاث إلى أن ارتفاع التستوستيرون لدى الرجال يزيد نزعة الكبت والتعامل العملي بدلا من الانفتاح العاطفي، بينما يسهم الإستروجين لدى النساء في زيادة القدرة على التعبير عن المشاعر والبحث عن الدعم.

الدماغ
أظهرت تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي أن الرجال -عند مواجهة الحزن- تنشط لديهم مناطق الفص الجبهي المرتبط بالحلول العملية، بينما تنشط لدى النساء مناطق الفص الحوفي المسؤولة عن المعالجة العاطفية.

 إستراتيجيات الرجال في مواجهة الفقد
تميل أنماط المواجهة لدى الرجال، وفق أبحاث المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، وتقارير الجمعية الأميركية لعلم النفس، إلى ثلاثة مسارات رئيسية.
 
وتشير هذه الأبحاث إلى أن كثيرا من الرجال يفضلون أساليب مواجهة عملية، مثل محاولة حل المشكلة أو الانخراط في أنشطة فعلية، بدلا من الانفتاح العاطفي أو طلب الدعم النفسي. ويرتبط هذا السلوك بالتصورات الاجتماعية التقليدية عن الرجولة وبالعوامل البيولوجية التي تؤثر في معالجة المشاعر.

العمل المفرط:
هؤلاء يتجهون إلى الانغماس في مهام ومسؤوليات لا تنتهي، بهدف الهروب من مواجهة الألم. وتقول أبحاث مجلة علم النفس الصحي المهني إن هذا النمط آلية شائعة لتجنب التفكير في الفقد.

النشاط البدني والمغامرات:
يختار بعض الرجال الحركة والتحدي لاستعادة الإحساس بالتحكم في حياتهم. البريطاني توم لاكي، مثلا، فقد زوجته بأزمة قلبية، فبدأ تسلق المباني الشاهقة وركوب الطائرات المعلّقة حتى وهو في عمر التسعين تقريبا، ووجد أن المخاطرة تمنحه طاقة للاستمرار.

كما أن جون شيلدز واجه حزنه بالترحال والسفر الدائم، وهو أحد أشكال المغامرة وتغيير البيئة بعد الفقد.

لكن لدى آخرين، يأخذ النشاط البدني أشكالا أكثر تنظيما وهدفا علاجيا. توم سميث -لاعب كريكيت سابق- فقد زوجته بسبب السرطان، فلجأ إلى التمارين المنتظمة والدعم النفسي من مؤسسات متخصصة، مؤكدا أن المساندة المهنية والتعبير عن المشاعر ساعداه على الاستمرار واستعادة التوازن.

الصمت العاطفي:
أي الامتناع عن مشاركة المشاعر أو طلب الدعم النفسي لتجنب وصمة الضعف، وهو ما تؤكده أبحاث متخصصة، وتعتبره أحد مخرجات التنشئة على القوالب النمطية للرجولة.

غير أن بعض الرجال يكسرون هذا النمط عبر الدعم الاجتماعي، خاصة من العائلة. "أندرو" أب لطفلين من بريطانيا، فقد زوجته فجأة، فاختار أن يحيي ذكراها عبر المناسبات العائلية والأنشطة المشتركة مع أبنائه. هذا التمسك بالروابط الأسرية يمثل مسارا فرعيا داخل إطار كسر الصمت العاطفي.

 أثر الفقد على صحة الرجل الجسدية والنفسية
تشير أبحاث طبية منشورة، إلى أن الحزن الشديد، خاصة بعد فقدان الشريك، قد يؤدي إلى مشكلات صحية جسيمة، من أبرزها:

متلازمة القلب المكسور:
وهو ضعف مؤقت في عضلة القلب يشبه أعراض النوبة القلبية، وغالبا ما ينتج عن موجة مفاجئة من الحزن أو الصدمة العاطفية.

وتوضح جمعية القلب الأميركية، أن هذه الحالة يمكن أن تحدث حتى لدى أشخاص بلا تاريخ مع أمراض القلب، وترتبط بارتفاع حاد في هرمونات التوتر.

ارتفاع هرمونات التوتر:
وفق مايو كلينك، فإن الإجهاد الشديد الناتج عن الفقد يرفع إفراز الكورتيزول والأدرينالين، مما يزيد مخاطر ارتفاع ضغط الدم، واضطراب نبضات القلب، وتصلّب الشرايين.

زيادة معدل الوفيات بعد الفقد:
وجدت دراسة نشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، أن فقدان الشريك يرتبط بزيادة خطر الوفاة المبكرة بنسبة 23% مقارنة بمن لم يمروا بهذه التجربة، وهو ما يعرف علميا بتأثير "الترمّل".

تأثيرات مناعية:
الحزن المزمن قد يضعف جهاز المناعة، ويزيد قابلية الإصابة بالالتهابات والأمراض المزمنة، كما أشارت أبحاث مراجعة في علم النفس البيولوجي.

 الدعم الاجتماعي ودور العلاقات في التعافي
تؤكد دراسة هارفارد أن وجود شبكة دعم قوية من الأصدقاء والعائلة يمثل خط الدفاع الأول ضد الانهيار النفسي والجسدي بعد الفقد. ووجد الباحثون أن الرجال الذين يتمتعون بروابط اجتماعية إيجابية يعيشون أطول، ويتمتعون بصحة أفضل من الناحية الجسدية والعقلية، مقارنة بمن يعانون من العزلة الاجتماعية.

 

كما يشير تقرير مؤسسة الصحة النفسية البريطانية إلى أن الحديث عن المشاعر مع شخص موثوق -سواء كان صديقا أم فردا من العائلة أم مختصا نفسيا- يمكن أن يسرّع عملية التعافي، ويقلل من آثار الحزن طويلة المدى، ويدعم الجهاز المناعي، ويخفف من مخاطر أمراض القلب المرتبطة بالتوتر.

وعلى الرغم من وضوح الفوائد، تشير أبحاث الجمعية الأميركية لعلم النفس إلى أن كثيرًا من الرجال يجدون صعوبة في التعبير عن الألم أو طلب الدعم، بسبب معايير المجتمع والضغوط الثقافية التي تساوي بين الصمت والتحمّل، مما قد يفاقم المخاطر الصحية والنفسية.

في النهاية، سواء جاء الدعم من العائلة أم الأصدقاء أم الأنشطة أم المساندة المهنية، فإن الطريق إلى التعافي يبدأ من الاعتراف بالألم والبحث عن سند، لا من إنكاره أو دفنه في صمت طويل. فالحزن الدفين يمكن أن يتحول إلى خطر جسدي مباشر، يؤثر على القلب والجهاز العصبي والمناعة، ويرفع احتمالات الوفاة المبكرة.

المصدر: الجزيرة + الصحافة الأميركية + الصحافة البريطانية

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير