فنان سوداني ينزع ثيابه في عرض مسرحي حاشد.. فيديو أثار جدلاً
جو 24 :
لم تهدأ العاصفة منذ صعود الفنان السوداني محمد تروس على خشبة المسرح في احتفال الجالية السودانية بأوغندا، حيث قدّم مشهداً أثار قدراً كبيراً من الصدمة وأشعل جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي إذ نزع بعض ثيابه على المسرح أمام الحضور.
هذا التصرّف المسرحي غير المسبوق قلب الأجواء رأساً على عقب، وأعاد النقاش حول حدود التعبير الفني بين الرمزية الصادمة والأعراف الاجتماعية.
لحظة على المسرح… فن أم استفزاز؟
خلال الحفل الذي شهد حضوراً جماهيرياً كبيراً جمع كبار الفنانين والشعراء السودانيين، خطف تصرّف تروس الأضواء وفجّر موجة جدل عارمة، حيث انتشرت مقاطع الفيديو كالنار في الهشيم بين السودانيين في الداخل والخارج، لتتحوّل الواقعة إلى مادة نقاش ثقافي وسياسي ساخن، تجاوزت حدود الاحتفال ذاته.
وانقسمت ردود الفعل: بعضهم رأى في الفعل رمزية لمعاناة السودان، بينما اعتبره آخرون خرقاً صارخاً للتقاليد ومصدر إزعاج لجمهور كان ينتظر احتفالاً هادئاً.
منصات التواصل… معركة التعليقات
تباينت التعليقات بين مؤيد ومعارض، فمنهم من رأى أن تروس أراد تسليط الضوء على معاناة وطنه، لكنه "أخطأ في الأسلوب"، بينما اعتبر آخر أن "الاحتفال لم يكن مكاناً للصدمات"، فيما رأى ثالث أن ما حدث "فن شجاع يعكس الواقع السوداني بجرأة غير مسبوقة".
"الواقع السوداني أفظع من أي صدمة مسرحية"
بدوره، أكد الصحافي البارز محمد عبد الماجد لـ"العربية.نت" أن ما يجري على المسرح السياسي أسوأ بكثير مما يحدث على خشبة المسرح الفني، معتبراً أن الاعتراض على خيال وواقع أشد ضراوة أمر غير منطقي.
كما أشار إلى أن تقييم الموقف جرى خارج النطاق النقدي الفني وبُني على أسس سياسية، موضحاً أن "الداعمين للحرب نقموا على تصرّف تروس، أما الذين في المعسكر الآخر فرأوا أن الأمر لا يعدو كونه رسالة فنية يرغب صاحبها في لفت الانتباه لقضية بعينها حول ما يجري في السودان، ومن الواضح أنه نجح فيما يصبو إليه".
ويضيف عبد الماجد أن الفنان عادة لا يلتفت كثيراً للمتفقين معه أو المخالفين، وإنما يجتهد ليقول كلمته ويمضي. وتابع: "تابعت انتقادات لاذعة ضد تروس، لكن من المؤكد أن ما يجري في السودان بسبب الحرب الدائرة حالياً أفظع بكثير من تصرف تروس، وواقعنا مؤلم للغاية، وهو الأولى بالتقويم والإصلاح وليس تصرفاً عابراً لفنان على المسرح".
وختم بالقول: " في اعتقادي أن الفن، دائماً، ما يكون انعكاس مباشر للواقع". داعيا إلى إخضاع الأعمال الفنية إلى تشريح نقدي بعيداً عن الاعتبارات السياسية، أو معيار، مع وضد".
"صدمة نجحت في التحريك لكنها أخفقت في توجيه النقاش"
من زاوية نقدية مُغايرة ، يقرأ الناقد السوداني هيثم أحمد الطيب تصرّف محمد تروس بوصفه فعلاً فنياً أدائياً، قائلاً لـ"العربية.نت": "كمهني أقرأ الأمر من زاوية موضوعية، ما المقصد من الفعل في أصله، وباعتبار القائم بالفعل شخصية مسرحية، يأتي سؤال: هل هذا مسرح؟".
ويرى الطيب أن جزءاً من الجدل انحرف سريعاً من تقييم الفعل كعمل مسرحي إلى تفسيره من زاوية الأعراف السودانية، موضحاً أن "بعض الناس دخلوا في حركة تقييم ونقد من هذا الجانب، ثم مضوا إلى تفسيرات خاصة بالأعراف السودانية لأنه فعله ضدها مثلاً".
ويصف الطيب ما حدث بأنه يندرج ضمن الفن الأدائي الشعبي، مشيراً إلى أن الفعل "يقترب من وصفه بمحاولة صناعة صدمة كاملة لتحريك رأي عام نحو قضية أو أزمة"، موضحاً أن درجات الصدمة تختلف من فنان إلى آخر، "فهناك من يصنع صدمة ضعيفة أو متوسطة، وهناك من يصنع صدمة عالية التأثير استناداً إلى قناعة راسخة عنده أن القضية تحتاج لذلك".
ويؤكد الطيب لـ"العربية.نت" أن تروس نجح، من هذه الزاوية، في تحريك الرأي العام، قائلاً إن "الحرب نفسها أصبحت بعد ذلك مشتعلة، حرب وجهات نظر حول الحرب وتعقيداتها، وأيضاً حول الفعل وتفسيراته"، مضيفاً أن الصدمة كانت "كبيرة وعريضة".
لكن الناقد يعود ليطرح خلاصة نقدية حاسمة، موضحاً: " تروس نجح في صناعة الصدمة، لكن الفشل الحقيقي كان في نقاشات الناس حول فعل التعري الذي حدث، وليس القضية التي كان يتحدث عنها وحاول صناعة صدمة للدفع بها إلى الرأي العام كله".
ويخلص الطيب إلى أن المشروع الفني أخفق في تحقيق هدفه الأساسي، معتبراً أن "قيمة الناتج في النقاش حول الحرب وتحقيق السلام كضرورة وطنية كانت أقل بكثير وضعيفة للغاية مقارنة بحديث الناس حول فعل التعري غير المتسق مع الأعراف الشعبية السودانية"، وهو ما يعني، بحسب رأيه، "فشل مشروع الصدمة كفعل هادف لصناعة رأي عام ضد الحرب".
تاريخ فني مشحون بالجدل
تروس ليس وجهاً عابراً في الساحة الفنية السودانية؛ فقد ارتبط اسمه بأعمال اجتماعية وداعمة للحراك الشعبي، ما يجعل أي تصرّف صادم أكثر تأثيراً وانتقاداً، ويعيد النقاش حول علاقة الفنان بمسؤولياته العامة.
وتظل الواقعة مرآة لتناقض العلاقة بين الفن والمجتمع؛ حيث يسعى الفن إلى الصدمة والتعبير الرمزي، بينما يفرض المجتمع قيوداً أخلاقية وثقافية، خصوصاً في المناسبات العامة. والسؤال الأهم يبقى: هل يُقاس الفعل الفني بنيّته ورسائله الرمزية أم بتلقي الجمهور له؟
هذه الحادثة تؤكد مرة أخرى أن الفن يقف على خط تماس حساس بين التعبير والجدل، وأن الجرأة الفنية قد تشتعل، لكنها لا تصل دائماً إلى قلب الرسالة المنشودة.








