أيوب الكعبي... النجار الذي هزّ أفريقيا بأهداف "أكروباتية"

ستحفر في ذاكرة جماهير كرة القدم المغربية والأفريقية اللحظة التي خطف فيها أيوب الكعبي الأضواء في مباراة افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025، عندما سجّل هدفاً مذهلاً بضربة مقصية خلفيّة رائعة في شباك جزر القمر، فمنح المغرب الفوز 2-0، ورفع رصيده الدولي إلى 30 هدفاً، محتلّاً المركز الثاني على قائمة هدافي أسود الأطلس خلف الأسطورة أحمد فرس.

ينحدر الكعبي من حي لالة مريم في مدينة الدار البيضاء. لم يولد وسط الظروف المثالية لتربية لاعب كرة قدم محترف. ترك المدرسة في سن الخامسة عشرة ليعمل نجاراً ويساعد أسرته في مواجهة تحديات الحياة اليومية، بين المسامير والخشب. لم يترك شغفه بالكرة، وظلّ يلعب في الشوارع والملاعب الصغيرة، حيث صقلت الأحياء الشعبية موهبته، وأشعلت لديه روح المنافسة والإصرار.

اكتشفه كشافو نادي الراسينغ البيضاوي في سن الحادية والعشرين، ليبدأ مشواره الاحترافي متأخرًا نوعًا ما. لكنه سرعان ما برز بين نجوم الدوري المغربي. سجّل موسم 2016-2017 مع الفريق 25 هدفاً في دوري الدرجة الثانية، ليقود فريقه للصعود إلى الدرجة الأولى للمرة الأولى منذ 15 عاماً. ثم انتقل إلى نهضة بركان، حيث سجّل أهدافاً عديدة احتلّ بها المركز الثالث في ترتيب هدافي الدوري المغربي، قبل أن يخوض تجربة احترافية في الصين مع هيبي شينا فورتشن، قبل أن يعود بعدها إلى المغرب مع الوداد الرياضي، ثم لينتقل إلى هاتاي سبور التركي، وأخيراً أولمبياكوس اليوناني.

ما يميز الكعبي ليس فقط أهدافه العادية، بل تلك الأهداف الأكروباتية التي أصبحت توقيعاً خاصاً به، سواء مع المنتخب أم مع أنديته السابقة، مثل الوداد الرياضي وأولمبياكوس. فقد سجّل أكثر من 12 هدفاً بهذه الطريقة المذهلة، منها أهداف رائعة في نهائيات أمم أفريقيا للمحليين 2018 بالمغرب، التي توج فيها باللقب، ونال لقب الهداف برصيد 9 أهداف؛ وهو أعلى سجل تهديفي في تاريخ النسخة. وكرّر هوايته في ودية المغرب وبنين، في يونيو 2025، وحتى مع دوري أبطال أفريقيا والدوري المحلي.

في أول مباراة له في كأس أفريقيا 2025، دخل الكعبي كبديل ليعوض سفيان رحيمي، المتخصص في الانطلاقات من الأطراف، أمام منتخب لجأ إلى الدفاع المكثّف. وكان حضوره حاسماً في تشكيلة المدرب وليد الركراكي. وفي الدقيقة 74، استلم تمريرة متقنة من أنس صلاح الدين، وقابلها بضربة مقصية أكروباتية جعلت الجماهير تقف وتصفق بإعجاب، بل اعتبرت لحظة سينمائية لا تُنسى، وأكدت المكانة الفريدة للكعبي كمهاجم صندوق متمرس، قادر على تحويل أيّ فرصة شبه مستحيلة إلى هدف عالمي. يومها، أطلق عليه البعض بأنه "مولود في منطقة الجزاء لا في حيّ لالة مريم".

وعن هدفه الرائع قال الكعبي: "صدقوني لا يهمني شكل الأهداف أو جمالها، بل الأهمّ أن تساعد منتخب بلادي على الفوز، وتخفف الضغط المحيط بالفريق. لكنني رغم ذلك أنا سعيد إذا ارتبطت مقصياتي بأهدافي".

 

 

 

إلى جانب أهدافه، يحمل الكعبي أرقامًا مميزة في مسيرته الأوروبية، حيث أصبح أول لاعب عربي يسجل 16 هدفًا في موسم واحد ضمن المسابقات الأوروبية (الدوري الأوروبي ودوري المؤتمر الأوروبي) بعد كريستيانو رونالدو، كما أصبح أول لاعب مغربي يسجّل في مباراة نهائية ضمن المسابقات الأوروبية، محققًا إنجازًا تاريخيًا مع أولمبياكوس، وقاده للتتويج بدوري المؤتمر الأوروبي.

وبينما يشقّ "المتواضع" أيوب الكعبي طريقه في سماء كرة القدم، تظلّ بداياته المتواضعة في ورشة النجارة في الدار البيضاء شاهدة على أن الإرادة والتصميم قادران على تحويل أصعب الظروف إلى إنجازات عالمية. من خشب المسامير إلى أكروباتية المرمى، كتب الكعبي قصة كفاحه وإصراره، ليصبح رمزًا لكل طفل يحلم في الكرة، وقصة حيّة على أن الأحلام الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة، وأن الشغف والمثابرة قادران على صناعة أساطير حقيقية.

مع بداية مشواره في كأس أفريقيا 2025، يبدو الكعبي أكثر جاهزية من أي وقت مضى لتحقيق حلمه الأفريقي الكبير، وللتتويج مع المغرب باللقب الذي طال انتظاره، مؤكّداً أن الضربات الأكروباتية لم تعد مجرّد حركة جميلة، بل هوية مميزة لمهاجم صنع اسمه بنفسه.