الأردن وسياسة «النأي بالنفس»
عريب الرنتاوي
جو 24 : «النأي بالنفس»...هو التوصيف الذي أطلقته الحكومة اللبنانية على سياساتها حيال الأزمة السورية، في ظل تعذّر بناء موقف وطني موحد بين فريق لبناني داعم بالكامل للنظام (8 آذار) وآخر يدعم المعارضة بكل ما أوتي من قوة ومقدرات (14 آذار)، ويعتبر معركة إسقاط النظام في دمشق، معركته الخاصة في بيروت...»النأي بالنفس» يمكن أن يكون توصيفاً دقيقاً للسياسة الأردنية حيال الأزمة السورية، برغم اختلاف الظروف والحسابات والمؤثرات.
لا يمكن لصانع القرار في الأردن، إلا أن يأخذ بنظر الاعتبار جملة من الثوابت والمتغيرات، التي تتحكم بصناعة قراره حيال الأزمة السورية، منها ما يتعلق بعلاقاته الثنائية مع سوريا ومنها ما يتصل بشبكة تحالفاته الإقليمية والدولية، ومنها ما يتعلق بحسابات المستقبل وهواجسه ومخاوفه، فكيف ذلك؟!
الأردن الذي لا يستطيع أن يحلق بعيداً (ومطولاً) عن سرب الخليج العربي، لا يمكنه أن يجاري بعض دوله (السعودية وقطر) في مسعاها لتغيير النظام في سوريا وتقديم العون والتسليح والتدريب والتمويل للمعارضة السورية...هذا خيار قد يرتد على الأردن بأوخم العواقب، فالنظام السوري لديه من الأدوات والأوراق ما يجعله قادراً على «رد التحيّة بمثلها أو أحسن منها»...وإذا كانت الجغرافيا قد نأت بدول الخليج عن أن تكون بمرمى النيران السورية، فإن الجغرافيا والديموغرافيا، تضعان الأردن في موقع «بوز المدفع» الذي يُملي عليه أن يكون شديد الحذر والتنبه.
يضاف إلى ذلك، أن الأردن لم يلمس بعد جهوزية المجتمع الدولي لحسم الملف السوري، خصوصاً الولايات المتجدة، الحليف الأبرز للأردن على الساحة الدولية، والتي تدعم من جهة مبادرة كوفي عنان (لفظياً على الأقل) وتطالب بتنحية الأسد بل وتعتبر ذلك شرطاً للحل السياسي للأزمة السورية من جهة ثانية...ترفض العسكرة والتسليح والتدخل العسكري من جهة، وتصر على ترك جميع خياراتها مفتوحة بما فيها خيار التدخل من خارج مجلس الأمن ؟!.
الأردن لم يكن تاريخياً على «علاقة غرام» مُستدامة بنظام الأسدين (الأب والابن) ولقد شهدت العلاقات الأردنية السورية طوال السنوات والعقود الأربعة الماضية حالات من المد والجزر، لامست ضفاف «الكونفدرالية» حيناً وبلغت «شفير الهاوية» وحافة الحرب في أحيان أخرى، ولقد تم استخلاص دورس كثيرة من هذه التجربة أهمها عدم السماح للخلاف السياسي والتخندق في جبهات متقابلة، بأن ينعكس على حركة الأفراد والتجارة والتبادل بين البلدين، وهذا يُعدّ بحد ذاته، إنجازا كبيرا في مضمار العلاقات الثنائية بين البلدين.
إن أكبر دوافع القلق ومكامنه بالنسبة للأردن هو أن تنزلق سوريا إلى أتون فوضى شاملة وحرب أهلية، وأن تتحول البلاد إلى ملاذ آمن للقاعدة والتنظيمات الجهادية، مثل هذا «السيناريو الأسوأ» الذي أسميناه «أنبار 2» سيكون وبالاً على أمن الأردن واستقراره...أما «السيناريو السيء» الذي يخشاه الأردن ولا يحبذه، فهو وصول الإخوان المسلمين وحلفائهم من قوى الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في سوريا في حال سقوط نظام الأسد...هذا «فأل سيء» للأردن ومؤشر على ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع لديه...الأردن (الرسمي على الأقل) سيفضل سيناريو بقاء الأسد في موقعه على أي من السيناريوهين السالفين.
ثمة أصوات في الشارع وفي أوساط قادة الرأي في الأردن، تطالب بمغادرة سياسة «النأي بالنفس» وحسم التردد والترقب والإنتظار...بعضهم يريد للأردن أن يتموضع إلى جانب بغداد (المالكي) ودمشق (الأسد)...وبعضهم يستعجل إنتقال الأردن إلى مربع التدخل المباشر لنصرة الثورة السورية، والقيام بدور «جسر العبور» الإقليمي والدولي للأزمة السورية...كلتا المقاربتين ستنعكسان بأوخم العواقب على مصالح الأردن وأمنه واستقراره.. كلتاهما مدفوعتان بحسابات داخلية أنانية أكثر من تعبيرهما عن المصالح الوطنية الأعم والأشمل...فالذين يقفون خلف النظام في دمشق، يخشون تداعيات وصول الإخوان المسلمين السوريين للسلطة وما يرتبه ذلك من اختلالات في توازنات القوى المحلية السياسية والاجتماعية وعلاقاتها بعضها ببعض...والذي يستعجلون رحيل النظام، و»أفتوا» بجواز فعل ذلك ولو على متن طائرات الأطلسي وصواريخه، إنما يفعلون ذلك ظنّاً منهم بأن وصول الإخوان للسلطة هناك سيُعبد طريقهم إليها هنا.
في ظني أن «النأي بالنفس» هو السياسة الأكثر ملاءمة للأردن في ظل تشابك وتعقيد الأزمة السورية، وطالما ظل الإنقسام سيد المواقف العربية والدولية من هذه الأزمة، فإن من المنطقي أن تلوذ الدبلوماسية بحبال الشرعية العربية والدولية عندما ينعقد إجماعها فقط، وليس عندما ينجح محور بعينه أو فريق دون آخر، في إختطافهما.
الدستور
لا يمكن لصانع القرار في الأردن، إلا أن يأخذ بنظر الاعتبار جملة من الثوابت والمتغيرات، التي تتحكم بصناعة قراره حيال الأزمة السورية، منها ما يتعلق بعلاقاته الثنائية مع سوريا ومنها ما يتصل بشبكة تحالفاته الإقليمية والدولية، ومنها ما يتعلق بحسابات المستقبل وهواجسه ومخاوفه، فكيف ذلك؟!
الأردن الذي لا يستطيع أن يحلق بعيداً (ومطولاً) عن سرب الخليج العربي، لا يمكنه أن يجاري بعض دوله (السعودية وقطر) في مسعاها لتغيير النظام في سوريا وتقديم العون والتسليح والتدريب والتمويل للمعارضة السورية...هذا خيار قد يرتد على الأردن بأوخم العواقب، فالنظام السوري لديه من الأدوات والأوراق ما يجعله قادراً على «رد التحيّة بمثلها أو أحسن منها»...وإذا كانت الجغرافيا قد نأت بدول الخليج عن أن تكون بمرمى النيران السورية، فإن الجغرافيا والديموغرافيا، تضعان الأردن في موقع «بوز المدفع» الذي يُملي عليه أن يكون شديد الحذر والتنبه.
يضاف إلى ذلك، أن الأردن لم يلمس بعد جهوزية المجتمع الدولي لحسم الملف السوري، خصوصاً الولايات المتجدة، الحليف الأبرز للأردن على الساحة الدولية، والتي تدعم من جهة مبادرة كوفي عنان (لفظياً على الأقل) وتطالب بتنحية الأسد بل وتعتبر ذلك شرطاً للحل السياسي للأزمة السورية من جهة ثانية...ترفض العسكرة والتسليح والتدخل العسكري من جهة، وتصر على ترك جميع خياراتها مفتوحة بما فيها خيار التدخل من خارج مجلس الأمن ؟!.
الأردن لم يكن تاريخياً على «علاقة غرام» مُستدامة بنظام الأسدين (الأب والابن) ولقد شهدت العلاقات الأردنية السورية طوال السنوات والعقود الأربعة الماضية حالات من المد والجزر، لامست ضفاف «الكونفدرالية» حيناً وبلغت «شفير الهاوية» وحافة الحرب في أحيان أخرى، ولقد تم استخلاص دورس كثيرة من هذه التجربة أهمها عدم السماح للخلاف السياسي والتخندق في جبهات متقابلة، بأن ينعكس على حركة الأفراد والتجارة والتبادل بين البلدين، وهذا يُعدّ بحد ذاته، إنجازا كبيرا في مضمار العلاقات الثنائية بين البلدين.
إن أكبر دوافع القلق ومكامنه بالنسبة للأردن هو أن تنزلق سوريا إلى أتون فوضى شاملة وحرب أهلية، وأن تتحول البلاد إلى ملاذ آمن للقاعدة والتنظيمات الجهادية، مثل هذا «السيناريو الأسوأ» الذي أسميناه «أنبار 2» سيكون وبالاً على أمن الأردن واستقراره...أما «السيناريو السيء» الذي يخشاه الأردن ولا يحبذه، فهو وصول الإخوان المسلمين وحلفائهم من قوى الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في سوريا في حال سقوط نظام الأسد...هذا «فأل سيء» للأردن ومؤشر على ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع لديه...الأردن (الرسمي على الأقل) سيفضل سيناريو بقاء الأسد في موقعه على أي من السيناريوهين السالفين.
ثمة أصوات في الشارع وفي أوساط قادة الرأي في الأردن، تطالب بمغادرة سياسة «النأي بالنفس» وحسم التردد والترقب والإنتظار...بعضهم يريد للأردن أن يتموضع إلى جانب بغداد (المالكي) ودمشق (الأسد)...وبعضهم يستعجل إنتقال الأردن إلى مربع التدخل المباشر لنصرة الثورة السورية، والقيام بدور «جسر العبور» الإقليمي والدولي للأزمة السورية...كلتا المقاربتين ستنعكسان بأوخم العواقب على مصالح الأردن وأمنه واستقراره.. كلتاهما مدفوعتان بحسابات داخلية أنانية أكثر من تعبيرهما عن المصالح الوطنية الأعم والأشمل...فالذين يقفون خلف النظام في دمشق، يخشون تداعيات وصول الإخوان المسلمين السوريين للسلطة وما يرتبه ذلك من اختلالات في توازنات القوى المحلية السياسية والاجتماعية وعلاقاتها بعضها ببعض...والذي يستعجلون رحيل النظام، و»أفتوا» بجواز فعل ذلك ولو على متن طائرات الأطلسي وصواريخه، إنما يفعلون ذلك ظنّاً منهم بأن وصول الإخوان للسلطة هناك سيُعبد طريقهم إليها هنا.
في ظني أن «النأي بالنفس» هو السياسة الأكثر ملاءمة للأردن في ظل تشابك وتعقيد الأزمة السورية، وطالما ظل الإنقسام سيد المواقف العربية والدولية من هذه الأزمة، فإن من المنطقي أن تلوذ الدبلوماسية بحبال الشرعية العربية والدولية عندما ينعقد إجماعها فقط، وليس عندما ينجح محور بعينه أو فريق دون آخر، في إختطافهما.
الدستور