jo24_banner
jo24_banner

المجالي : الأردن في دائرة الإستهداف

المجالي : الأردن في دائرة الإستهداف
جو 24 : أكد رئيس حزب التيار الوطني المهندس عبد الهادي المجالي أن الوطن يجابه تحديات إقليمية صعبة وشائكة وفيها من التعقيدات والأخطار الكثير، منها ما قد نكون تحسّبنَا له، ومنها ما يلعب فيه عنصر المفاجأة دوراً محورياً، فحجم التغيرات والتبدلات والانحرافات في الإقليم كبير ومتنوع.

وقال في ندوة نظمها حزب جبهة العمل الإسلامي في منطقة طبربور عن مستقبل العمل السياسي في الأردن، ان هذه التحديات تبعث على القلق وتدعو إلى تحفيز التفكير السليم للإدراك والاستدراك والتعاطي الصحيح مع الاستحقاقات بما ينقل بلدَنا من دائرة الاستهداف وفرص التصادم السياسيِّ مع واقعه ومحيطه إلى دائرة الآمان بالإفلات من المخاطر والمآزق ذات الأكلاف الباهظة.

ولفت إلى ان الدول التي تصبو إلى التماسك ومن ثم الانتقال إلى الأفضل يعنيها جداً أن تضمن انتقالاً سياسياً ناضجاً وتراكمياً له سياق يضعها في مصاف الدول ذات الشأن على المستويين الداخليِّ والخارجيِّ.. داخلها صلب قويّ يجابِه ويصمد أمام تحديات الخارج واستحقاقاته..

تاليا نص كلمة المجالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على سيّدِ الخلقِ، سيدِنا محمدٍ وعلى آله واصحابِه أجمعين،،
الإخوةُ والأخوات،،
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه، والشكرُ أعظمُه وأجزلُه لمنظمي هذهِ الندوةِ، وللحضورِ الكريمِ المحترم،،
"مستقبلُ العملِ السياسيِّ في الأردنِ..؟".. سؤالٌ بهذا الحجمِ، سؤالُ الندوةِ، يُقَرأُ من زوايا عدةٍ ومن وجوهٍ كثيرة.. والتفصيلُ بشأنِه يُغرقُنا في التفاصيلِ على نحوٍ قد نتوهُ فيه بين تقييمِ الواقعِ وما يفترضُ ان يكونَ عليه هذا الواقعُ.. لأنّ الأملَ والطموحَ كبيران والرغبةَ في رؤيةِ الأردنِّ الديمقراطي نموذجاً عميقاً ومتجذراً هدفٌ لنا جميعا..
فالدولُ التي تصبو إلى التماسكِ ومن ثم الانتقالِ إلى الأفضلِ يعنيها جداً أن تضمنَ انتقالاً سياسياً ناضجاً وتراكمياً له سياقٌ يضعُها في مصافِ الدولِ ذاتِ الشأنِ على المستويينِ الداخليِّ والخارجيِّ.. داخلُها صُلبٌ قويٌّ يجابِهُ ويصمدُ أمام تحدياتِ الخارجِ واستحقاقاته..
ونحنُ، واقعياً، نجابهُ تحدياتٍ إقليميةً صعبةً وشائكةً وفيها من التعقيداتِ والأخطارِ الكثيرُ، منها ما قد نكونُ تحسّبنَا له، ومنها ما يلعبُ فيه عنصرُ المفاجأةِ دوراً محورياً، فحجمُ التغيراتِ والتبدلاتِ والانحرافاتِ في الإقليمِ كبيرٌ ومتنوعٌ، يبعثُ القلق ويدعو إلى تحفيزِ التفكيرِ السليمِ للإدراكِ والاستدراكِ والتعاطي الصحيحِ مع الاستحقاقاتِ بما ينقلُ بلدَنا من دائرةِ الاستهدافِ وفرصِ التصادمِ السياسيِّ مع واقعهِ ومحيطِه إلى دائرةِ الآمانِ بالإفلاتِ من المخاطرِ والمآزقِ ذاتِ الأكلافِ الباهضةِ.

الإخوةُ الكرامُ،،
في سياقِ التكثيفِ السابقِ، استطيعُ القولَ، إنَّ ما تحققَ في الأردنِّ، إلى الآن، جيدٌ ومعقول، ولا يجبُ ان نقللَ من قيمته، ونعم نريد المزيد في سياق المصلحة الوطنية الكلية والشاملة، لا الجزئية والشخصية، وبين الجيّدِ والرغبة بالمزيدِ، تتناثرُ اسئلتُكم وتساؤلاتُكم، وهذا حقّكم..
وعندما نطرحُ سؤالاً عن "مستقبلِ العملِ السياسيِّ في الأردنِّ" فحتما لا يمكنُ أن نجيبَ عن الغيبياتِ بيقينٍ أكيد، لكننا نملكُ مؤشراتٍ قد تساعدُ على الفهمِ ومن ثم الاستنتاجُ غيرُ النهائيِّ الذي يتيحُ مقاربة الأشياءِ ومعرفةَ مسارها، بمعنى أنٍّ أي منا لا يملكُ إجاباتٍ شافيةً وافيةً عن أيِّ أمرٍ، صَغُرَ أم كَبُرَ بل تقديراتٌ يمكنُ أنّ تصيبَ، كلياً أو جزئياً، وقد لا تصيبُ نهائياً..
فنحن نتأثر بمحيطنا وتداعياته والواقع الوطني، في أي وطن، ترسمه وتحدد ملامحه تشابكات بين الداخل والمحيط، فالأوطان الحية لا تعيش بمعزلٍ عن محيطِها الإقليمي والدولي، لذلك الأمنيات ليست دائما تجد بيئتها لتصبح نافذة من فورها.

وعلى هذا الأساسِ، أقولُ في سياقِ التقييمِ أولاً وفي سياقِ فهم المصلحة الوطنية العليا، أن الحالَ قبل من نحو ثلاثةِ أعوامٍ ليس هو الآن، نسير إلى الأمام، فلدينا دستورٌ جرى تعديلُه، ومحكمةٌ دستوريةٌ، وهيئة مستقلة للانتخاب، وقائمةٌ نسبيةٌ نُصّ عليها في قانونِ الانتخابِ، أيّ تمَّ إقرارُها كمبدأ، وغيرُ ذلك من الأمورِ التي نراها جيدةً بالمجملِ، مرحلياً، وأشدّد على كلمةِ "مرحلياً" على قاعدةِ فهمي للعملِ السياسيِّ الصحيحِ والبناءِ التراكميِّ المنتجِ الذي لا يستعجل القفزات غير المنسقة والمحكمة، لأن القفزات من غير إدارم ووعي تام مغامرة غير محسوبة ولها أكلافها ومخاطرها، والعبرة في ما يشهده إقليمنا من كوارث بفعل خطايا العمل السياسي المتعجل.

وهنا، أقولُ إنه برغمِ كل الأشياءِ الجيدةِ، بالمعنى النظريِّ والتطبيقيِّ، ولتكونّ هذه الأشياءُ أفضلَ حالاً، فانَّ الدستورَ يحتاجُ إلى تطبيقهِ على نحوٍ سليمٍ، والمحكمةُ الدستوريةُ، يحتاجُ قانونُها لمراجعةٍ وإعادةِ نظرٍ في تفاصيلِه وخصوصاً في جانبِ تمكينِ الناسِ، كلِّ الناسِ، من التظلّمِ المباشرِ أمامَها، وقانونُ الانتخابُ يحتاجُ إلى إعادةِ نظرٍ شاملةٍ وجذريةٍ..

وأعتقدُ جازماً أن قانونَ الانتخابِ عصبُ العملِ السياسيِّ والنهوضِ الديمقراطيِّ، ولهذا أرى أن إعادةَ النظرِ بتفاصيلِه مسألةٌ حيويةٌ، لا تقبلُ الجدلَ، فالقائمةُ النسبيّةُ لابدَّ وأن تتعاظمَ وأن تُقْصَر على الأحزابِ، وتقسيمات الدوائر لا بد أن يعاد بها النظر، باختصار نريدُ قانون انتخاب على غرارِ أفضلِ قوانين الانتخاب في أرقى ديمقراطيات العالم..
لأن برلماناً من غيرِ أحزابٍ وتكتلاتٍ وائتلافاتٍ حزبيةٍ لن يقوى أبدا على الرقابةِ والتشريعِ بمنهجياتٍ صحيحةٍ وسليمةٍ، ولن يقوى أو يستطيعَ إنتاجَ حكوماتٍ برلمانيةٍ وازنةٍ وذاتِ قيمةٍ..
ولن يستطيعَ ضبطَ القوانينِ وصياغتِها، شكلاً ومضموناً، بما يخدمُ مصالحَ الناسَ ويحفظُ لهم حقوقَهم ويحدّدُ لهم واجباتِهم من غيرِ التباساتٍ ومتاهاتٍ واستثناءاتٍ تضعفُ مطالبَ الضعيفِ وهي قد تكونُ حقاً، وتقوّي مطالبَ القويِّ وهي قد تكونُ باطلاً.

ذلك هو الأساسُ الذي أفهمُهُ، لتأسيسِ أرضيةٍ لمستقبلِ العملِ السياسيِّ الصحيحِ والناضجِ والمجدي والمستمرِ بلا ألتواءاتٍ..

وثقوا تماماً، أن برلماناً قوياً يؤسَّسُ على قانونِ انتخابٍ سليمٍ كفيلٌ بمعالجةِ الاختلالاتِ وضبطِ كلِّ السياساتِ العامةِ في كلِّ شأنٍ أكانَ في السياسيةِ أم الاقتصادِ.
وبقانونِ الانتخابِ يرتبطُ قانونُ الأحزابِ، ذلكَ القانونُ الذي يفترضُ أن يُصاغَ بما يُعظّمُ قيمةَ الحزبّيةِ، ويزيلُ المعيقاتِ من طريقِها، ويحفزُ الناسَ للانخراطِ بها، بوصفِها حاضنةً للعملِ السياسيِّ والبرامجيِّ، وبوصفِها، أو هكذا يُفترضُ، مجمعَ العقولِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ وبيوتُ خبرةٍ في كلِّ ذلكَ وأكثر.

تحقيقُ ذلكَ كلّه أمرٌ ممكنٌ، وممكنٌ جداً، إن حدّدنا لانفسِنا نهجاً سياسياً ومنهجاً سياسياً، أي أن ننظرَ إلى كلِّ القضايا من منظورٍ سياسيٍّ بحتٍ، وألاّ نجعلَ المنظورَ الأمنيَ هو المسيطرُ على تفكيرِنا وتوجهاتِنا وأن نتخلصَ من مخاوفَ ومحاذيرَ جلُها غيرُ واقعيٍّ، وسيثبتُ لنا أن فيها مبالغاتٍ تفوقُ المعقولَ، لو جرّبنَا نمطاً سياسياً مختلفاً في إدارةِ شؤونِنا على اختلافِها، وبكلِّ ما فيها من صعوباتٍ وتعقيداتٍ.

الإخوةُ الأعزاءُ،،
أفهمُ جيداً المخاوفَ من تداعياتِ أزماتِ الإقليمِ، أفهمُ معنى الأزمةِ السوريةِ، وأفهمُ معنى الاتفاقِ الإيرانيِّ مع دولِ الغربِ، وأفهمُ تعقيداتِ المشهدِ المصريِّ، والفلسطينيِّ واليمنيِّ والليبيِّ والتونسيِّ والعراقيِّ، وما ينتظرُ الخليجَ العربيِ، افهمُهُ تمامَ الفهمِ، وأعي، فكراً وعقلاً، أنَّ هذه المخاضاتِ ومآلاتِها خطيرةٌ للغايةِ طالما يدُ الغربِ تعبثُ من وحيِّ مصالِحها لا مصالحَ شعوبِ المنطقةِ.

وهذا الفهمُ يجعلُني أؤمنُ أنَّ تداركَ الاخطارِ وتجنّبَها يحتاجُ، بشكلٍ عمليٍّ، إلى معالجةِ الاختلالاتِ الداخليةِ، سياسياً واقتصادياً، لبناءِ جبهةٍ داخليةٍ متماسكةٍ منسجمة مع الحكمٍ وقادرةٍ على مواجهةِ الاستحقاقاتِ..
والانسجام والقدرةُ أساسهُما أن نتحاورَ بينَنا، رسميينَ وأهليينَ، بصدقٍ ونوايا حسنةٍ، لنخلُصَ إلى فهمٍ مشتركٍ حول كلِّ قضايانا الداخليةِ وكيفيةِ معالجتِها من غيرِ إقصاءٍ أو تهميشٍ أوتكسيرٍ لأيّ طرف.. فقط، يجب ان يكون هاجسنا جيمعا مصلحة الوطن وعلو شأنه، لا مصالحنا الذاتية وحساباتنا الضيقة المحدودة الأفق.

ومثلما الحكومةُ، أيُّ حكومةٍ راهناً ومستقبلاً، مطالبة بمراجعةِ سياساتِها وتوجهاتِها لتتخلّصَ من التذاكي والتلاعبِ اللغويِّ والاصطلاحيِّ، والتأجيلِ والتسويفِ والمماطلةِ في سلوكِها الدربَ القويمَ والسليمَ، فانّ القوى المجتمعيةَ، حراكاً شعبياً وحزبياً، مطالبٌ أيضاً بمراجعةِ وتقييمِ سياساتِه وتوجهاتِه ومشاريعِه السياسيةُ، فأنتَ لا تستطيعُ أن تأخذَ كلَّ ما تريدُ، ولا الحكوماتُ يحقُّ لها أنْ تفرضَ كلَّ ما تريد..

المسألةُ وسطيةٌ نتفقُ على العِلل والخَلل ونحددُ معاً سُبلَ الحلِّ والمعالجةِ، ضمنَ خطةٍ تُراكمُ، بشكلٍ حقيقيٍ، منجزاتٍ إصلاحيةٍ تصنعُ سياقاً سياسياً واضحاً وشفافاً يمكنُ للجميعِ أن يفهَمهُ ويتفهّمهُ ويقبله ويشعرَ أنّهُ شريكٌ فيه لا مفروضٌ عليه.. هكذا يكونُ الجميعُ شركاءَ في صناعةِ مستقبلِهم وإدارةِ هذا المستقبل.

ولأنيّ في مقرِ حزب جبهةِ العملِ الإسلاميِّ، سأقولُ قولاً صريحاً: إن بمقدارِ ما يستدعيه شأننا الداخليَّ، وتأثره بالإقليميِّ من حزبكم المقدر مراجعةَ وتقييمَ السياساتِ والمواقفِ، وأحسبُ أنّكم فعلتم وتفعلونَ الآن ذلك، فانَّ الحكومة مطالبةٌ بأن تُراجعَ مواقفَها وسياساتِها، أيضاً، وأن نتفقَ أنَّ الاحتواءَ لا الإقصاءَ، والحوارُ لا التجاهلُ، والشراكةُ لا المغالبةُ، الأساسُ القويمُ في تقريبِ وجهاتِ النظرِ وإجابةِ تساؤلاتٍ وأسئلة المحاذيرِ التي تخطرُ على بالِ الجميعِ وتثيرُ خشيتَهم من العادياتِ..
العاديات على الوطن، الذي إن تهاونا في صونهِ والذودِ عنه سيواجه صعاب، نحن أبناء الوطن سنفدع ثمنها، فلا سبيل لنا لردها إلاّ بتفاهمنا على مستقبلنا بالحوار والنقاش الهادئ، وتفهمنا للظروف المحيطة وتحدياتها بكل ما فيها من قسوة.

الإخوةُ الأعزاءُ،،
لن أطيلَ عليكم، فأنا أفضلُ الحوارَ والنقاشَ لأنه أكثرُ إثراءً وفائدةً، لكننّي أختمُ بالتالي: إن رهنَ مستقبلنا السياسيِّ بما يجري في الإقليمِ غيرُ منطقيِّ ويفتقرُ لكثيرٍ من الواقعيةِ، فإصلاحُ حالنا بالصورةِ التي تنبغي، يتطلبُ حواراً بين المكوناتِ الوطنيةِ ومعها، وأن نؤسس حوارَنا على إخلاصِ النيةِ وصدقِ التوجهاتِ ووضوحِ الهدف.

بذلك، لا بغيره، نعظّمُ الوطنَ ونسلُك به طريقاً يجنّبهُ الأنواءَ والأخطارَ، ونبنيَ وطناً كلِّ مكوناتِه، الرسّميةِ والأهليةِ، على قلبٍ واحدٍ لا قلوباً شتّى، فأحداثُ الإقليمِ أدعى أن نطورَ الأداءَ ونستعجلَ البناءَ ونلمَّ شتاتِنا ونقربَ وجهاتِ نظرِنا لنشقَ الطريقَ إلى مستقبلٍ سياسيٍّ ينخرطُ فيه الجميعُ، بلا استثناءٍ، وعلى أساسٍ واحدٍ هو رفعَةُ الوطنِ والنهوضِ بهِ ليكونَ حراً سيداً..
مرةً أخرى، الشكرُ، كلُّ الشكرِ، للداعينَ على كريمِ دعوتِهم، وللحضورِ صبرَهم علينا..
والسلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه
تابعو الأردن 24 على google news