jo24_banner
jo24_banner

مجنون يحكي وعاقل يسمع؟؟؟

م. مدحت الخطيب
جو 24 :

عندما نرهن حاضرنا ومستقبلنا.. استقلالنا وكرامتنا ب «فتات» الأمريكان نكون أشبه بجحا الذى قيل له: عد لنا المجانين فى هذه القرية. فرد جحا: هذا يطول بى، ولكنى أستطيع بسهولة أن أعد لكم العقلاء.


حقا لقد أصابتنا المعونة الأمريكية والخليجية بالجنان لأنها أحدثت «فتنة» كبرى فى البلاد وجعلت كلاً منا يشك فى الآخر، ليس فقط على الصعيد السياسى والاقتصادى، بل أيضا على المستوى الأخلاقى، وراحت تدك حصن البلاد الحصين فى مقتل، ويخطئ من يظن أن ثورتنا الاصلاحية تسير على الطريق الصحيح ونحن نرى، بل ونشارك فى الزلزال الذى يستهدف القضاء حاليا.


هل كان جحا، الذى عاش فى سالف الزمان، أكثر حكمة منا نحن أبناء عصر النت والتقدم العلمى؟ يبدو الامر كذلك لأن مبلغ المعونة أو الفتة الأمريكية العربية العالمية لا يتجاوز تكاليف فاتورة الكهرباء والعاز الذي قطع بنصر منهم من مصر


والمعروف أن المعونات هى الوجه الخادع للعقوبات، فالعقوبات الاقتصادية إذا ما طبقت بصورة حازمة قضت على الوجود المادى للمجتمع، ولو بصورة تدريجية كما فى حالة العراق، وغزة والسودان وإيران، حيث يتجاوز من ماتوا فى العراق بسبب العقوبات أكثر من مليونين ومن سينشأون شبه موتى أضعاف هذا الرقم, ومثلهم فى غزة وأفغانستان، إذ إن فلسفة العقوبات ذاتها تقوم على الإبادة الجماعية البطيئة للدولة المستهدفة، ذلك لأن خسائرها غير موجودة أو تؤول إلى الصفر بالنسبة للدولة الفارضة للعقوبات، وهذا ما يجعلها أفضل وأيسر من الحرب لأنها تحقق نفس هدف الحرب دون خسائر فى الطرف الفارض للعقوبات.


أما المعونات فإنها تحقق نفس الهدف لأنها تؤدى إلى فقدان الإرادة، والقدرة على الفعل، وعلى التحكم فى المستقبل وتنشر قيم الاتكال العلمى والتقنى وسط الدول المستهدفة، وتنشر قيم السلبية وافتقاد روح المبادرة وتحول المجتمع إلى مجتمع لا يستطيع الاستغناء عن الاستجداء وانتظار الصدقات.


والدولة التى تتعاطى مع المعونات هى دولة محاصرة اقتصاديا فى تقدير الكاتب والباحث العربى الدكتور «طه بامكار» إذ إن عادةً ما تؤدى العقوبات إلى انهيار الجهاز المناعى لاقتصاد الدول المستهدفة، حيث لا تستطيع الإحلال والاستبدال فى أدوات الإنتاج، أو فى الخدمات العامة، وحيث لا تستطيع إصلاح ما قد يعطب من الآلات، ناهيك عن التطوير، وقد لا تستطيع إنتاج ما يسد حاجة الناس، وتحافظ على استمرار فعاليتهم الإنتاجية.


كذلك تؤدى المعونات إلى فقدان المناعة الثقافية للمجتمع من خلال حدوث حالة من الاستلاب لكل ما هو أجنبي، والوقوع فى حالة التبعية، ثم الاغتراب الثقافى المؤدى إلى توطين قيم ثقافية أجنبية على حساب القيم الثقافية الوطنية مما يؤدى فى النهاية إلى انقسام المجتمع إلى عالمين منفصلين يصادم كل منهما الآخر، ويجهض فعالياته ويسعى لتدميره.


أيضا تحدث العقوبات خللا ضخما فى الهيكل الاقتصادي، مما يؤدى إلى حدوث متوالية من الانهيارات فى الاقتصاد القومى قد تفقده تراكم الخبرات عبر الزمان كما فى حالة العراق، ومع انهيار النظام الاقتصادى تحدث انهيارات متعددة، وبمعدلات أسرع فى النظام الاجتماعي، حيث تنتشر قيم الأنانية، والفردية، والرشوة، والاستغلال، والجشع، وحيث ينتشر الفساد الأخلاقى أو السياسى، .


هذا ناهيك عن انتشار القيم والأفكار التى تصاحب المعونات، وترتبط بطبقة الوسطاء، والسماسرة العاملين فيها، هذا بالإضافة إلى أن المعونات إذا ما قدمت من خلال الحكومات، فإنها تخلق طبقة من المنتفعين، والفاسدين سياسياً الذين يقومون بنهب هذه المعونات، والانتفاع بها، واستغلالها ولو فى صورة بعثات خارجية، أو دورات تدريبية، أو غيرها، أو توظيفها فى مشروعات تحقق مصالح شخصية أكثر من تحقيقها لمصالح عامة، وقد ينتهى الأمر إلى تغيير الولاء لدى طبقة البيروقراطيين بحيث يصبح ولاؤهم للدولة المانحة أكثر من ولائهم لأوطانهم.


أما إذا قدمت المعونات إلى مؤسسات المجتمع المدنى فإن ذلك يؤدى على المدى البعيد إلى النيل من سيادة الدولة، وقد يؤدى إلى تنفيذ أجندة معادية لها، ولو بصورة غير واعية من قبل مسئولى المنظمات غير الحكومية، حيث عادةً ما تقدم المعونات لتنفيذ مشروعات معينة تركز على قضايا، وإشكاليات قد لا تكون فى مصلحة الدولة المتلقية.


والمعروف أيضا ان استخدام الغذاء كسلاح سياسى ليس بجديد فقد لعبت معونة الغذاء دورا حاسما كأداة لدفع الأهداف السياسية والعسكرية الأمريكية لمدة طويلة، وعلى عكس تصريحات الرئيس كارتر بفصل المعونة الغذائية عن مصالح السياسة الخارجية الأمريكية أشارت مجموعة العمل المكلفة (من قبل الرئيس كارتر آنذاك) بمهام القانون العام 480 إلى أن البرنامج يتسم بمرونة فذة.. وقد سجلت هذه المجموعة أسماء ثمانى دول (من بينها مصر) حصلت على الغذاء لأسباب سياسية بحتة.


من هنا ندرك أهمية تحذير المخابرات المركزية الأمريكية للبيت الأبيض فى تقريرها الصادر منتصف الشهر الماضى من اللعب بملف المعونات الأمريكية لمصروالاردن وغيرها من بلدان الاعتدال ، وقال التقرير إنه فى حالة إلغاء المعونة الأمريكية لهم يجب على واشنطن تغيير معظم السياسات والتحالفات فى الشرق الأوسط، مما يكلف الخزانة الأمريكية 100 مليار دولار.
وأمام هذا التحذير الصريح لا نملك سوى أن نتضرع إلى المولى عز وجل أن يمنحنا «جحا» جديداًكرئيس وزراء يخلصنا من فتنة الأمريكان....والشحادة من الاشقاء.

تابعو الأردن 24 على google news