jo24_banner
jo24_banner

ملح الأرض!

حلمي الأسمر
جو 24 : يحسب البعض ان مشروع الإسلاميين في الحكم قد ولى بلا رجعة، ويحسب آخرون إن الفاشية التي جرى فيها قمع هذا المشروع في مصر، كفيلة بدفنه للأبد، هؤلاء لا يقرؤون التاريخ، ولا يستخلصون العبر من تجارب سابقة مشابهة، وقعت في تونس، وتركيا، وفي مصر ذاتها، حين قررت السلطات في هذه البلدان «استئصال» الإسلاميين من جذورهم، أو هكذا توهمت، فنظمت عملية إبادة لكل ما هو إسلامي، حتى وصل الأمر إلى منع الأذان باللغة العربية ومنع النساء من وضع غطاء الرأس، كما فعل إنقلابيو وعلمانيو تركيا، أما في تونس-بن علي، فقد حاول الدكتاتور الاجرامي استئصال كل ما يمت للمشروع الإسلامي بصلة ، بل حرمت المسلمين من فقه الأحول الشخصية، وعبثت بما استقر عليه الشرع، وأغلقت المساجد، وفتحت أبواب الفجور والدعارة والسياحة الإباحية على مصراعيها، وهيئ لابن علي أن الدولة غدت في جيبه الصغيرة، فكان «الضحية» الأولى لدكتاتوريته الخشنة، بل كان سقوطه مفتتحا لسقوط آخرين ممن هم على شاكلته، وكذا هو الأمر مع عبد الناصر، الذي مارس الدور ذاته في قمع وإبادة الإسلاميين، فكان «مُلهما» للكثيرين في تغييب أصحاب المشروع الإسلامي، ليتبين لهم أن هذا المشروع لا يموت، ولن يموت، ليس لأن الإسلاميين عباقرة وعمالقة ويستعصون على الإبادة، بل لأن الإسلام هو المكون الرئيس للعقل الجمعي والوجداني لأهل هذه المنطقة، وما تجربة إنقلابيي تركيا ببعيدة، ففيها ما فيها من عبر لكل من يتبنى خيار الاستئصال والتغييب لأصحاب هذا المشروع، ولسنا نشك لحظة واحدة أن مشروع السيسي سيجد نفس المصير الذي لقيه بن علي وأتاتورك وعبد الناصر، لأنهم تحركوا عكس حركة التاريخ، وغفلوا عن بدهية بسيطة جدا، تقول ان الإسلام هو ملح هذه الأرض، حضارة وثقافة، حاضرا ومستقبلا!
هذا ليس انحيازا لفصيل إسلامي معين، أو تغليبا لرؤية مقابل أخرى، فلا نبغي هنا الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين تحديدا، وإن كانوا يستحقون ذلك، أو أننا ندافع عن الأخطاء التي وقعوا بها، هم وغيرهم من الجماعات الإسلامية، سلفية علمية أو جهادية، او حزب تحرير، أو من جماعات الدعوة ونشرها، بل إننا ننظر إلى المسألة من منظار أشمل من ذلك وأعم، وفي وعينا ما نعرفه عن الإسلام كدين وثقافة وفقه وحضارة، على أي جنب رأته هذه الجماعة أو ذلك الحزب، فالجماعات والأحزاب تذهب، لكن المشروع باق بقاء هذه الأرض، بكل جوانبه الفقهية والسياسية، لا كطقس فقط، وكل من يحاول استئصاله هو كالثور الذي ينطح صخرة، ستكسر رأسه وتبقى ما بقيت الحياة على هذه الأرض!
وإن كان هنا من أسف فعلى الضحايا الذين تزهق أرواحهم هنا وهناك بغير حق، وفي سبيل هدف عبثي لن يتحقق، موجود فقط في رأس الدكتاتور الذي سيلعنه التاريخ ويلعنه اللاعنون، فضلا عن أولئك الضحايا من المضللين الذين يهيأ لهم أن خلاصهم يأتي بالتخلص مما ميزهم عن كثير ممن خلق، وأكرمهم بأسمى الأديان وأعدلها، ولا خلاص لهم إلا به!
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news