أوراق القوة التفاوضية الفلسطينية
يتوهم من يعتقد أن منظمة التحرير ضعيفة، لا تملك أوراقاً تفاوضية، أمام العدو المتفوق الممسك بقبضته الفولاذية بالواقع المعيشي للشعب العربي الفلسطيني في مناطق 1948، ومناطق 1967، ويرفض عودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم على أرضهم التي طردوا منها عام 1948.
منظمة التحرير الفلسطينية تملك أوراقاً تفاوضية في غاية القوة، وإلا لما سعى نتنياهو نحو المفاوضات وتذلل، كي تتم وتستمر، أو على الأقل، لما طالب بها، وواصل قبولها، فالمفاوضات، بالإضافة إلى أنها وسيلة، كل منهما يعمل على توظيفها لصالحه، وانتزاع تنازلات من الطرف الآخر خدمة لتوجهاته وبرنامجه وتطلعاته، فهي أداة عمل تعبيراً عن الصراع على الطاولة بين مشروعين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، والمشروع الاستعماري التوسعي العنصري الإسرائيلي.
الفلسطينيون يعانون من 1- الاحتلال، و2- الانقسام، و3- ضعف الموارد ومظهرها المديونية، بينما يملكون أوراق قوة إستراتيجية، وأوراق قوة تفاوضية، فلحوا في الاستفادة منها، وفي توظيفها :
وأول الأوراق الإستراتيجية بيد منظمة التحرير، هي وجود نصف الشعب الفلسطيني على الأرض في منطقتي 48 و 67 يعادل ما يملكه العدو الإسرائيلي من حشد بشري يصل إلى ستة ملايين يهودي إسرائيلي، مقابل خمس ملايين وسبعمائة الف عربي فلسطيني، فالصراع بين الطرفين على عنوانين هما الأرض والبشر، والمشروع الإسرائيلي المتفوق سيطر على كامل فلسطين، ولكنه فشل في طرد كامل الشعب العربي الفلسطيني، ولذلك يبقى العامل الديمغرافي هو مصدر القلق لغالبية الإسرائيليين وعنوان الفشل الرئيسي في عدم قدرة مشروعهم الصهيوني في تنفيذ كامل مراده في طرد كل الفلسطينيين من وطنهم، وزرع مستوطنين أجانب مكانهم، والعامل السكاني الديمغرافي هو سبب جوهري للخلاف بين الأحزاب الصهيونية، فبعضهم يُطالب بالتخلص من الجزء الأكبر من الفلسطينيين، عبر التنازل عن جزء من أرض إسرائيل كما فعل شارون مع قطاع غزة لبقاء إسرائيل نقية من الفلسطينيين وللحفاظ على أغلبيتها اليهودية، والبعض الآخر يتمسك بكامل أرض إسرائيل حتى ولو بقي فيها أغيار غير يهود يشكلون أقلية، يتم تدريجياً التخلص منهم، ولذلك يبقى العامل الديمغرافي هو عنوان القوة الفلسطينية ومصدرها، فالفلسطينيون باقون على أرضهم، وعلى صدر مستعمريهم، ولن يرحلوا.
أما العامل الثاني في مصدر قوة الفلسطيني، وسلاحه التفاوضي، فهي قرارات الأمم المتحدة وهي جميعها منصفة لحقوقه، وقوة مرجعية لاستعادة هذه الحقوق على أساسها، بدءاً من قرار التقسيم 181 مروراً بقرار عودة اللاجئين 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة المتعلقة بعودة النازحين وعدم شرعية ضم القدس، وعدم قانونية الاستيطان وعدم شرعيته.
ثالثاً: استكمال عضوية فلسطين لدى المؤسسات الدولية، وهي ورقة قوية بيد منظمة التحرير، فقد استطاعت نيل عضوية اليونسكو يوم 31/10/2011، بواقع انحياز 107 دول لصالحها وهزمت أميركا وإسرائيل، بينما حصلت على العضوية المراقبة للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، وانحازت لها 138 دولة، مقابل تسع دول فقط بما فيها أميركا وإسرائيل، ونظراً لأهمية هذه الورقة، وإجادة توظيفها ملياً من قبل القيادة الفلسطينية استطاعت الإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو 1993 وعددهم 104 مناضلين، مقابل تأجيل استكمال عضويتها في باقي المؤسسات والمنظمات والاتفاقات الدولية وعددها 63، لمدة تسعة أشهر، تنتهي في نيسان المقبل، وهو إجراء لم تستطع منظمة التحرير الحصول عليه حتى في ذروة نجاح التوصل إلى التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993.
رابعاً : ورقة التفاوض نفسها، غدت هدفاً إسرائيلياً، بحد ذاته، يتم توظيفها لإظهار إسرائيل وحكومة نتنياهو الاستعمارية العنصرية، على أنها راغبة بالسلام، وهي تستعملها لتحاشي العزلة، مثلما تستعملها غطاء لمواصلة الاستيطان كدلالة على قبول الفلسطينيين ورضاهم لمواصلة التفاوض مع استمرار الاستيطان وتوسعه، ولذلك يحتاج الفلسطيني للإمساك جيداً بورقة التفاوض كي يقبض ثمنها بوقف الاستيطان لا أن يدفع ثمنها باستمرار الاستيطان.
حكومة نتنياهو تحتاج لأوراق تغطية أمام عورة جرائمها واستيطانها وتعارضها مع قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، وارتكابهم جرائم حرب، وفقدان أوراقها الأخلاقية المتمثلة بالهولوكوست والإرهاب الفلسطيني. فإسرائيل هي التي تمارس جرائم الحرب ضد الشعب العربي الفلسطيني، وهي التي تمارس الإرهاب المنظم على أيدي جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين الأجانب الذين يدمرون حياة الشعب الفلسطيني ومصدر بقائه الإنساني، ولذلك قالمفاوضات سلاح وأداة وغطاء، وهي ورقة بحاجة لها العدو الإسرائيلي، بقدر ما يحتاجها الفلسطيني، وتوظيفها كي ينتزع من الإسرائيلي ثمن خيارها على الطاولة.
ويبقى أخيراً ورقة غير معلنة وهي ورقة التنسيق الأمني المرادفة التي تحتاج لتدقيق لإدراك مدى ما حققته للفلسطيني من مكاسب سياسية ووطنية.
صحيح أن العمليات المسلحة لم تعد خياراً عملياً لأغلبية الفصائل الفلسطينية، وهي تُستعمل من قبل البعض لإحراج منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، ولكنها لم تعد الخيار المعتمد لدى حركتي فتح في الضفة وحماس في قطاع غزة، وما يُقال بغير ذلك، لهو تضليل إعلامي على الجمهور الفلسطيني ليس أكثر من ذلك، ولهذا يجب دراسة أهمية التنسيق الأمني ومدى نجاعته خدمة للمصالح الفلسطينية لأنه ورقه تفاوضية مهمة يجب قبض ثمنها، لا أن تكون بلا ثمن حقيقي يخدم مصالح الشعب العربي الفلسطيني، ويقربه من استعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة.