الملكية الأردنية وقفة بين الماضي والحاضر
خمسون عاماً مرت منذ تأسيس شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية.. خمسون عاماً سطرت فيها هذه المؤسسة الوطنية إنجازاتها بحروف من ذهب.. وها هي اليوم تفتخر بيوبيلها الذهبي الذي حول الحلم إلى حقيقة.. وحمل اسم الاردن عاليا في السماء..
هنيئاً لنا جميعا هذا الإنجاز الوطني الذي يؤكد ان الإصرار والمضي في التحدي رغم كافة الصعوبات هما الإرث الحقيقي الذي نتركه لأجيال الاردن القادمة..
يمر أمامي شريط الذكريات وكأنه حلم سريع.. رحلة وضعتني منذ اول يوم من انضمامي إلى هذا الصرح الاردني، مسيرة خمسة عقود من عمر الملكية الاردنية كانت مليئة بسلسلة من الإنجازات والتطورات وايضاً التحديات، وخاصة تلك التي عصفت بالمنطقة على مدى السنين سياسيا واقتصاديا، وبقيت صامدة في وجه الظروف رغم قلة الموارد والمنافسة الكبيرة.. تسير بخطى واضحة وثابتة لتترجم رسالة جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه الذي امر بتأسيسها في عام 1963 لتكون الناقل الوطني للاردن وبأعلى مستويات الرقي والكفاءة والمهنية.
تستوقفني محطات ثلاث مهمة في تاريخ الملكية.. محطات تُوجز العديد من المشاعر التي تستثير الهمم لدى الجيل القادم لتشكل حلقة وصل بين ما قدمه جيل مضى وما سيقدمه جيل قادم.
1963 الفكرة... التأسيس... الحلم
أرادها الراحل الحسين منذ انطلاقتها في أجواء العالم ان تكون سفير صداقة وتفاهم ومودة، وجسرا للتبادل الحضاري والتجاري والتكنولوجي مع العالم بأسره انطلاقا من حاجة الاردن إلى ناقل جوي وطني يربطه بالعالم الخارجي.
ولنّا في تلك الإرادة من راحلٍ عظيم الأثر الأكبر لنستنهض الهمم ونتذكر الغاية السامية التي أنشأت من أجلها "عالية" آنذاك، من اجل أن نُعيد تقييم آدائنا وفقاً لتلك التطلعات.
أنطلقت عالية بثلاث طائرات، لتسيير خطوط بيروت، القاهرة، الكويت والقدس، مدشنة خطوطا للطيران إلى كل من لبنان ومصر والكويت. وفي عام 1986، غيرت اسمها التجاري واصبحت الملكية الاردنية المؤسسة الوطنية الكبرى.
بالطبع كان الحلم آنذاك اكبر من الموارد.. ولكن الإصرار والتحدي كانا اكبر من اي عقبة في الطريق امام انطلاق ذلك الحلم.. وخاضت السواعد والعقول الاردنية التجربة وانتقلت من نجاح إلى آخر، استطاعت وخلال فترة قصيرة ان تستبدل معظم الكوادر التقنية العاملة بالمؤسسة بكوادر أردنية.
وبرهنوا للعالم أجمع أن الأنباط الذين نحتوا البتراء مازالوا موجودين على هذه الأرض المُباركة وقادرين على نحت الصخر مُجدداً لبناء وطنهم ومؤسساتة.
تحدي.... نجاح
فيض من المشاعر يعتريني حيت أتذكر تلك التواريخ حيث قفزت الملكية الاردنية قفزات هائلة في تطوير أسطولها الجوي.. انضمام طائرات Tristar.. مرحلة كانت الأهم في تاريخ المؤسسة. اذ ومع التكنولوجيا الجديدة في علم الطيران آنذاك ومع توسع إمكانيات النقل كان هناك هاجس كبير حول مدى أهلية وقدرة الملكية الأردنية بكوادرها ومواردها على تشغيل تلك الطائرات وخاصة Tristar.
اعترانا جميعا حماس غريب ممزوج بالرهبة.. وقد بذله جهداً هائلاً في التحضير لإستقبال تلك الطائرة على صعيد التدريب ومواءمة الأنظمة. وأصبحت تلك الطائرة العملاقة فيما بعد بالنسبة لنا مجرد جسم ضخم يرتفع إلى عنان السماء تحت سيطرتنا..لا ازال أتذكر تلك اللحظات .
والحدث البارز الآخر كان إفتتاح مطار الملكة علياء الدولي، فبعد التوسع الذي شهدته الملكية الأردنية ونمو حركة نقل المُسافرين من وإلى الأردن، برزت الحاجة لتشييد مطار يستوعب حجم هذه الحركة، ممّا شكل عبئاً مُضاعفاً على كوادر الملكية الأردنية، وزاد من التحدي لديهم. لكن كل المخاوف ومشاعر القلق التي إنتابتنا وقتها كان يقابلها رغبة جامحة تحفزنا لإنجاز المُهمة وبذل المستحيل لتحقيق طموحنا في تكييف العوامل وتطويعها لتوسعة عمليات الملكية الأردنية والإنتقال بصناعة الطيران في الأردن إلى مستوى آخر لتصبح من بعده الملكية الأردنية نموذجاً ومثالاً ينظر إليه بكل إعجاب.
تمكين...همة أردنية %100
تشكل التحديات الحاضرة والمُستقبلية التي تواجه ناقلنا الوطني سباقاً مع الزمن للوصول إلى النتائج المطلوبة في الوقت المُناسب. ولعل السمّة التي تميز هذه المرحلة هي أردنية الإنجاز100 %. فقد أنهت الشركة خدمات آخر طيار أجنبي في العام 2012، ممّا شكل وفراً مادياً ونقطة فاصلة في تاريخ الشركة، وعاملاً مُهماً في زيادة الرغبة لدى جميع كوادرنا في إنجاح مشاريعنا الحالية والمُستقبلية.
ولكن يبقى التحدي الأكبر أمامنا الان هو قدرة الملكية الأردنية على الإستثمار الأمثل لتوسعة المطار ومبناه الجديد، والإستفادة من رفع القدرة الإستيعابية للمطار والخدمات المُقدمة فيه، والتحدي المُستقبلي يكمن في قدرة الملكية الأردنية على إدخال وتشغيل طائرة جديدة بتقنية جديدة، إلا وهي Dream Liner 787، وإذا إستطاعت الشركة في الأعوام الخمس القادمة أن تطوع كافة الصعوبات لإنجاز مهمتي ( إستثمار المطار الجديد وتشغيل طائرة 787) سنكون قد سجلنا عصراً ذهبياً جديداً في تاريخ الملكية الأردنية، ينمح كل من يعمل حالياً فيها شعوراً بالفخر بأنه كان جزءً ولو بسيطا ساهم من ذلك الإنجاز.
رحلة طويلة امتدت على مدى خمسين عاما.. وما ايجازي لأبرز المحطات فيها سوى بطاقة شكر واعتزاز وفخر لكل خطوة في تلك الرحلة علها تُلهم الجيل الحالي والقادم للتشبث بطموحاتنا وتستنهض الطاقات الكامنة لديهم ليتخطوا كافة المعيقات ويثابروا ويتمسكوا بثوابت الشركة، ويعززوا من هويتها الوطنية ويكرسوا جهودهم ويوحدوها لغدٍ أفضل بإذن الله في ظل الرعاية والدعم المطلق من صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم.