مشعل: المطلوب توحيد النظام السياسي الفلسطيني
جو 24 : أكَّد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل أنَّ الطريق الذي سار عليه القادة الشهداء لا يمكن أن تحرَّر فلسطين إلاَّ به، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن حركته تريد إنهاء صفحة الانقسام "المقيتة" في التاريخ الفلسطيني.
وقال مشعل في كلمة له في جامعة قطر نظمتها كلية الآداب والعلوم أمس الخميس (20/3):" المطلوب في هذه المرحلة أن نوحِّد النظام السياسي الفلسطيني، في كل عناوينه ومرجعياته، حكومة واحدة، رئاسة واحدة، مجلس تشريعي واحد، منظمة تحرير واحدة، ونبني هذا النظام بالديمقراطية والشراكة معاً، ونجري انتخابات، وبصرف النظر عن نتائجها الجميع يشارك فيه".
وشدّد مشعل في كلمته الذي ينشرها المكتب الإعلامي لحركة حماس على أنَّ القرار السياسي ليس من حق أحد أن ينفرد فيه؛ فالمصالحة تعني أن يكون القرار السياسي وطنياً فلسطينياً واحداً، نحن جميعاً شركاء في هذا القرار.
وعن المفاوضات، رأى مشعل أنَّ المفاوضات لحظة قد تحتاجها الشعوب لتتويج نضالها بعد أن ييأس المحتل من استمرار احتلاله، فإذا أجبر العدو تحت ضغط المقاومة ونزيف الخسائر، والكلفة العالية عند ذلك لا بأس أن نجنح إليها؛ وليس بالضرورة أن تكون المفاوضات دائمة، ولكن أن تكون وسيلة في الختام لتتويج إنجازك على الأرض، مؤكداً أنَّ الأساس هو القوَّة والمقاومة، وعلى رأسها المقاومة المسلحة.
وحول نضال الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، قال مشعل:" شعبنا الفلسطيني منذ مئة عام وهو يقاتل ولم ولن يتعب بإذن الله وسيتوّج نضاله بالتحرير والعودة والاستقلال، وسيكون ذلك قريباً بإذن الله"، مؤكّداً في الوقت ذاته أنَّ "إسرائيل " أداة استعمارية وظيفية لتمزيق المنطقة وإرهاقها، والسيطرة عليها، وإشغالها بنفسها لصالح المشروع الاستعماري الأكبر.
وتابع مشعل:" الشعب الفلسطيني لم ينكسر أمام الجبروت الإسرائيلي، ويكفينا نموذج غزَّة "العزة" التي هي عبارة عن شريط ساحلي 360 كيلو متراً مربعاً، استطاعت أن تصنع الصواريخ، وأن تهرب الصواريخ، وأن تبني وتحفر الأنفاق، وقد استطاعت أن تبني بنية عسكرية صمّدت في حربين ضروسين أمام العدو الصهيوني، ولا مستقبل "لإسرائيل".
ونفى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ما نشر على وسائل الإعلام أنَّ قيادة الحركة تعرَّضت لضغوط من قبل القيادة القطرية، وقال مشعل:" نحن لم يتم الضغط علينا من قبل القيادة القطرية العزيزة، قطر احتضنتنا بشرف ورجولة، ونحن نقدّر ذلك عالياً، ولم نسمع من القيادة القطرية إلاَّ الموقف الصلب، ولا تغيير على السياسة القطرية تجاه حماس وتجاه الفلسطينيين عامّةً، وهم على مسافة واحدة من كل الفرقاء الفلسطينيين".
مصر وغزة
وفي ختام المحاضرة، وفي سؤال حول الأحداث الأخيرة في مصر، قال مشعل: "بالنسبة لما جرى في مصر لدينا قناعات وتقديرات لما جرى ويجري وليس هنا معرض الحديث عنه، وإنما ما جرى في مصر لا شك أنه أثر على حماس وأثر على غزة بشكل خاص، وزاد للأسف من الحصار على أهلنا في القطاع".
وتابع مشعل: "مع أننا لا نتوقّع من مصر ومن الدول العربية إلاَّ الفرج والانفتاح والدعم والمساندة"، مضيفاً : "أمَّا عدوّنا الصهيوني فنتوقع منه الاغتيال والقتل والحصار والعدوان، لذلك ما يجري في مصر شأن داخلي لا نتدخل فيه، ونتمنى لمصر أن تخرج من محنتها، وأن يلتم الشعب المصري بكل أطيافه وأطرافه على مصلحة مصر واستقرارها، وأن يكون الناس لحمة واحدة على الحق وبما يرضي ربنا ويرضي ضمير الشعب المصري والأمة، وأن تخرج من كبوتها إن شاء الله".
وأكَّد مشعل أنَّ حركته "لا تحمل غِلاًّ على أحد"، مبدياً تأسفه "سامح الله العرب، وعلينا أن نُعالج هذا الخلل بإرادة عربية حقيقة تُنصف الشعب الفلسطيني وتُسارع بإنهاء الحصار عن غزة".
ورحّب مشعل في الوقت ذاته بالرعاية العربية للمصالحة الفلسطينية، لكنَّه قال: "صدقوني نحن وإخواننا في فتح مع الفصائل مستعدون للمصالحة بدون أي رعاية".
نص المحاضرة
وفيما يلي نصّ محاضرة مشعل كما نشرها المكتب الإعلامي لحركة "حماس":
أشكر جامعة قطر والشيخة المسند وكل القائمين على هذه الجامعة بما فيهم من طلاب وطالبات، وأنا فخور بوجودي في جامعة قطر، وشكراً لكلِّ من حضر وخاصة الإخوة الأعزاء السفراء ممثلو السفارات المختلفة في قطر العزيزة التي نعتز بها وبمواقفها تجاه الأمَّة ولصالحها ولصالح الإنسانية، فحقّ لأهل قطر أن يفخروا ببلدهم وللمقيمين فيها.
سأتكلّم أيّها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات في أربع نقاط..
أولاً: القضية الفلسطينية وديناميكيات المصالحة
الذي يتابع اليوم مسار المفاوضات والتعامل الدولي مع القضية الفلسطينية والتكتيكات الإسرائيلية اللئيمة مع القضية يشعر أنَّه يغرق في بحر من التفاصيل، وكأنَّما القضية الفلسطينية فقدت جوهرها، وكأنَّما هذه ليست قضية تحرّر وطني أو قضية احتلال، ودائماً العقلاء يتعوّدون دائماً حينما يغرقون في التفاصيل يعودون إلى الأصل وإلى الجوهر، كالإنسان عندما يقود السيارة فعندما يجد نفسه قد دخل الدروب والأزقة والطرق الضيّقة وبالتالي فقد البوصلة والوجهة، فعليه أن يعود إلى الأوتستراد، وعند ذلك يرى الخريطة والهدف، وتصبح خريطة المكان واضحة، القضية الفلسطينية ليس كما يصوّر تلك التفاصيل التي استنزفت المفاوض الفلسطيني، والتي اشتغل العالم بها في محطات التسوية المختلفة، وإنَّما القضية الفلسطينية هي قضية أرض احتلها عدوّنا الغاصب، وحقوق اغتصبها هذا العدو، قضية شعب كان يعيش على أرضه التي يملكها، هي وطنه وأرضه من آلاف السنين، وفجأة نتيجة مشروع استعماري، أو لأنَّ هناك مشكلة يهودية أزعجت الغرب وخاصة أوروبا، فإذا بهم يصدرون أزماتهم لنا، وهم الذين مارسوا التمييز، وهم الذين لم يستوعبوا اليهود في بلادهم، فأرادوا تصدير الأزمة لدينا، فجاءت هذه الحركة الصهيونية التي احتلت أرضنا بالقتل والمجازر مستعينة بالدول الكبرى في حينه ولاحقاً، ثمَّ طردت نصف الشعب الفلسطيني على مراحل، وسيطرت على النصف الآخر، وأمعنت فيه قتلاً واعتقالاً وتشريداً وإبعاداً وتضييق حياة ، فقضيتنا الفلسطينية ليست خلافاً مع جارة، وليست هي أمتار أو كيلو مترات من الأرض ، وإنما هي صراع بين من يملك الوطن وبين من قام باغتصاب الوطن، هي صراع بين صاحب الحق وبين المحتل الغادر القاتل المغتصب، بين من يملك وبين المُدَّعي لمن لا يملكه، هذه هي قضيتنا فعندما نتكلّم عن المقاومة فنحن نحكي عن روح القضية الفلسطينية، ولذلك عندما قفز الناس عن جوهر القضية شغلونا في التفاصيل، وتفاقمت مأساتنا..
تخيَّلوا أيّها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات إخوانكم أهل فلسطين منذ مائة عام وهم تحت المعاناة، منذ أن بدأت الحركة الصهيونية تصدّر أوائل المهاجرين والمستوطنين في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ثمَّ عندما جاء الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، ومن هنا بدأت المعاناة أشدّ وأشدّ، وهم في ذات الوقت يقاتلون ويناضلون، فهذا أصل القضية فلا نريد أن نغرق في التفاصيل، فقضيتنا هي تحرّر وطني، قضية عدالة، قضية شعب يريد أن يستعيد أرضه، وكل شبر في أرضه لقيم عليها دولته كما تعيش كل الدول وكل الشعوب في أوطانها.
هذا يقودنا إلى العنوان الثاني: كيف تعامل المجتمع الدولي والدول الكبرى والأمم المتحدة والهيئات الدولية مع قضية فلسطين بهذه البساطة وبهذه العدالة، وبهذا الجوهر النقي الذي ليس له آلاف السنين بمعنى أنه ما زال حاضراً في الذاكرة وفي المشاهد التلفزيونية فضلاً عن الكتب، والوثائق التي يملكها الجميع، فإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي، وما يملكه المجتمع الدولي من نصوص ومواثيق خاصة الأمم المتحدة، تجد فيه الكثير من الإنصاف، وفيه من النصوص والقرارات التي تنصف الشعب الفلسطيني، وتنصف الشعوب المظلومة ولا خلاف على ذلك، وحاولت خلال الأيام الماضية استقرأ بعض من هذه القرارات، فلو طبّق لانتهت مأساتنا ، فوجد القرار 1514 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو إعلان منح الشعوب المستعمرة حق الاستقلال، وهذا ينطبق على الشعب الفلسطيني، وحق الشعوب المستعمَرة في النضال بكل الوسائل في مواجهة الكيانات المستعمِرة، ثمَّ وجدنا للقضية الفلسطينية ولشعبها قرارات ونصوص كثيرة وكلنا يستذكرها منها: حق العودة، حق التعويض، وحماية الأماكن المقدسة، وحق تقرير المصير، والكفاح الوطني السياسي والعسكري في مواجهة المحتل طالما فشلت الوسائل الأخرى، ورأينا قرارات ضد الاستيطان، وقرارات ضد الجدار لمحكمة العدول الدولية 2004، وهناك نصوص عديدة، فليس المشكلة في النصوص والمواثيق، ولماذا لم تطبّق هذه القرارات والمواثيق، لأنَّ القوى الغربية الاستعمارية فضّلت مصالحها على حساب الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني، ولأنَّ الهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة نعت هذه النصوص في مسرح الجمعية العامة يقولون ما يشاؤون، ولكن بعد ذلك صاحب القرار الذي هو للتنفيذ مجلس الأمن الذي تحكمه قواعد ظالمة من خلال حق الفيتو، وهذا ليس الخلل في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنَّما هناك دول أخرى نعرفها في قضايا أخرى تعطّل مصالح الأمم والشعوب، وبالتالي نحن ضحايا لهذه الهيكلية الظالمة التي تعطي خمس دول عظمى فقط حق الفيتو ، وهناك نموذجان ماذا فعلت الأمم المتحدة بحقنا وهما: في عام 1969 أقدم الصهاينة على حرق المسجد الأقصى المبارك، وماذا كانت النتيجة أنَّ الولايات المتحدة تدخلت لمنع مشروع قرار لإدانة "إسرائيل" ، وفي عام 2004 اغتالت "إسرائيل" الشيخ القعيد أحمد ياسين رحمه الله، وهو هرم فلسطين، وشيخ فلسطين، وشيخ الانتفاضة، واغتالته في مثل هذا شهر مارس، اغتالته بصاروخ وهو أكبر بكثير من أن يحتمل هذا الجسد الطاهر الغض، وكانت جريمة بشعة، ومع ذلك تدخلت الولايات المتحدة ومنعت الفيتو لإدانة "إسرائيل"، وما يقارب 77 مرَّة استخدمت الولايات المتحدة الفيتو، منها 36 مرَّة لحماية "إسرائيل".
وما قيمة النصوص والمواثيق ؟! لكن أين التطبيق؟! وأين المبدئية والأخلاق؟! ونحن لسنا واهمين أنَّ العالم ينحاز للأخلاق عن حساب مصالحهم، ولكن لما لا نجمع بين الأخلاق والمصالح!؟ المصالح ضرورية والأخلاق ضرورية، وما قيمة الإنسانية بلا أخلاق، والأخلاق حين تغيب تنهار الأمم.
ونحن اليوم نستحضر هذه الصورة التي أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني، وتركته ضحية لهذا الكيان المتغطرس، الذي لا يقاتلنا لوحده، بل مدعوم من كل هذه القوى الظالمة.
أمَّا العنوان الثالث؛ وهو نضال الشعب الفلسطيني، هل الشعب الفلسطيني وقف متفرِّجاً عاجزاً أمام الجبروت الصهيوني منذ أن كانت عصابات قبل عام 48 إلى أن أصبح كياناً غير شرعي مغتصباً للأرض!؟ طبعاً لا . وهل انتظر الشعب الفلسطيني قرارات الأمم المتحدة سواء عصبة الأمم في الثلاثينات والأربعينيات، أو الأمم المتحدة بعد ذلك!؟
الشعب الفلسطيني شعب عظيم كالشعوب العربية وككل الشعوب الإنسانية، ونستذكر بلد جنوب افريقيا هذا البلد الذي علَّم الإنسانية نموذج النضال حق انتزع حقه، وفي لحظة تاريخية العالم أدرك أنَّ نظام الأبارتهايد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فقد دوره وزمنه، فأصبح هناك إرادة دولية لتمكين لشعب جنوب إفريقيا من الاستقلال وخاصة وهو يملك زعيماً عظيماً كمانديلا، والمجتمع الدولي لم تصل له لحظة الحقيقة إليه، ليدرك أنَّ "إسرائيل" لا مستقبل لها، وأنَّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، وأنَّ "إسرائيل باتت عبئاً على المجتمع الدولي، ولكننا واثقون أنَّ المجتمع الدولي سيدرك تلك اللحظة، وإنْ كنَّا لا ننتظر لحظة إدراكه، لأننا سنفرض هذا الإدراك على الإنسانية، وعلى العالم كله إنَّ شاء الله.
هناك شعوب تحرَّرت نتيجة أنَّ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أعطاها حق تقرير المصير، إلاّ الشعب الفلسطيني لا يسمح له لا بتقرير المصير ولا بالنضال ولا بتطبيق القرارات الدولية، لأنه يوجد نفاق مع "إسرائيل" وانحياز لها، والدول الكبرى ترى مصلحتها مع "إسرائيل" ليس لأنَّها كيان ديمقراطي كما يزعمون، بل "إسرائيل" قمَّة التمييز العنصري، حتّى مع اليهود أنفسهم، وليس فقط مع العرب المسلمين والمسيحيين، لأنَّ "إسرائيل " أداة استعمارية وظيفية لتمزيق المنطقة وإرهاقها، والسيطرة عليها، وإشغالها بنفسها لصالح المشروع الاستعماري الأكبر، وتلتقي مع الصهاينة في البحث عن كيان لهم مستندين إلى أوهام تاريخية كاذبة.
الشعب الفلسطيني مارس نضالاً طويلاً، ونحن فخورون أننا ننتسب إلى هذا الشعب الذي لم يتعب من النضال، ولمَّا نرجع لتاريخ الثورات الفلسطينية أبنائنا وأحفادنا آبائنا وأجدادنا، الذي عاش هذه الفترة أو الذي سمع عنها واستكمل محطاتها النضالية، من 21 و23 و29 و35 و36 و39 ثمَّ النضال المتواصل في الأربعينيات إلى النكبة عام 48، ثمَّ بعد ذلك محاولات متفرقة في مطلع الخمسينيات، ثمَّ الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 65 التي بدأتها مجموعة حركات نضالية على رأسها حركة فتح، والجبهة الشعبية، وبقية الفصائل إلى أن جاءت الانتفاضة الأولى 87 ومعها حماس والجهاد الإسلامي، ثمَّ الانتفاضة الثانية عام 2000، وهو منذ مئة عام وهو يقاتل ولم يتعب ولن يتعب بإذن الله وسيتوج نضاله بالتحرير والعودة والاستقلال، وسيكون ذلك قريباً بإذن الله.
فالشعب الفلسطيني لم ينكسر أمام الجبروت الإسرائيلي، ويكفينا نموذج غزة "العزة" التي هي عبارة عن شريط ساحلي 360 كيلو متر مربع، استطاعت أن تصنع الصواريخ، وأن تهرب الصواريخ، وأن تبني وتحفر الأنفاق، وقد استطاعت أن تبني بنية عسكرية، لكل مسلم ولكل عربي وإنسان حر في العالم أن يفخر بهذه الإرادة الإنسانية التي صمّدت في حربين ضروسين أمام العدو الصهيوني، في عام 2008 و2012، ومن هنا من القلق على المستقبل، ليس أهل غزَّة ولا أهل الضفة ولا أهل 48 والشتات، وإنما القلق هي "إسرائيل" وهذه هي نفسية اللّص والمجرم والمغتصب فاقد الشرعية، أمَّا صاحب الشرعية وإنْ طال الزمن سيستعيد أرضه ومقدساته، والذي يدفع الشعب الفلسطيني للكفاح والنضال هو ما يراه من الظلم الإسرائيلي، ونرى اليوم على المسرح الفلسطيني غير القديم غير المجازر، اليوم في كل لحظة نرى مشاهد فلسطينية مؤلمة، واليوم الربيع العربي في محطات مختلفة ركّزت الأضواء والاهتمام السياسي والإعلام والمتابعة على ساحات أخرى وحق للشعوب أن تعنى بقضاياها، وكل شعوب الأمَّة هم أهلنا وإخواننا، ومن حق الشعوب أن تنال حريتها وكرامتها وتنميتها وتنمو، وكل إنجاز للشعوب على الرأس والعين بل ونفخر به، وكلّما نرى دولة عربية ناهضة، وقطر نموذج من النجاح، ومن هنا نؤكّد أنه لم يتم الضغط علينا من قبل القيادة القطرية العزيزة، قطر احتضنتنا بشرف ورجولة ونحن نقدّر ذلك عالياً، ولم نسمع من القيادة القطرية إلاَّ الموقف الصلب.. ولا تغيير على السياسة القطرية تجاه حماس وتجاه الفلسطينيين عامّةً، وهم على مسافة واحدة من كل الفرقاء الفلسطينيين.
وكذلك أيّ دولة عربية نراها نمو على طريق الديمقراطية والتنمية والازدهار والأمن والاستقرار ووحدة المجتمع يسعدنا ذلك، ولمَّا نجد دولة عربية أو مسلمة هي من ضمن العشرين في الاقتصادات الكبرى يسعدنا ذلك، ولكن من حقنا على أمتنا أن تظل أعينها مركزة على قضية فلسطين، فهي جوهر الصراع في المنطقة، ما اضطربت المنطقة إلاّ عندما زرع الكيان الصهيوني في هذه الأرض المقدسة الطاهرة.
فلسطين فيها ميزتان الله تعالى أعطاهما لها "الطهارة، والقدسية"، والبركة، ولذلك هذه أرضكم، وقضيتكم كما هي قضيتنا، واليوم تشاهدون الضفة الغربية محتلة، متقطعة الأوصال، نهبت أرضها، دمرت مزروعاتها، سرقت مياهها، وبُنيت المستوطنات، ويُقتل أهلها، يمنع التواصل بينهم، القدس تهود، تهدم أحياءها يمنعون من البناء، يعتقلون، زرع الجدار في وسط أحياء كبيرة من القدس، والمسجد الأقصى المبارك يتعرض للتدنيس ولمخطط التقسيم الزمان والمكان كما جرى في المسجد الإبراهيمي في الخليل أبي الأنبياء عليه الصَّلاة والسَّلام، هذه قضية خطيرة، واليوم المسجد الأقصى مسرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، معراجه إلى السماء، قبلة المسلمين الأولى، يتعرّض للتقسيم، وقد يتعرّض للهدم وبناء الهيكل المزعوم، المقدسات المسيحية تتعرّض للتدنيس، وكذلك الرموز الإسلامية والمسيحية تتعرّض للإهانة ، يهان النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والنبيّ عيسى عليه السَّلام، وكلهم أنبياؤنا، نعتز بهم، ونحن أولى الناس بالأنبياء حتّى سيّدنا موسى، هو نبيّنا ونؤمن به.
الشاهد اليوم أن القدس تذبح، غزّة تحاصر وتجوّع من كل الاتجاهات، وحينما اجتهد أهلها ليحفروا الأنفاق ثمَّ أغلقت الأنفاق فمنعوا من تحت الأرض ومن فوقها، وكل عدّة سنوات عدوان جديد على غزة يريدون كسر إرادتنا، وأهلنا في 48 يتعرّضون للتمييز العنصري، وأهل الشتات المؤامرات لا تنتهي عليهم في حرمانهم من حق العودة، إمّا توطيناً أو إعادة تهجير وتشريد في استراليا أو الأمريكيتين أو أوروبا، فالشعب الفلسطيني يعاني في الداخل والخارج.
هناك سؤالان أيّها الإخوة والأخوات في النضال، هل نكتفي بالنضال العسكري دون السياسي ؟ أو نكتفي بالسياسي الدبلوماسي دون العسكري؟
الجواب بكل بساطة نحتاجهما معاً، لكنَّ الأساس هو النضال المسلّح، الدليل على ذلك، الدليل على البديهية أعطوني فصيلاً فلسطينياً منذ لحظة تأسيسه يعلن أنَّ طريق التحرير في السياسة والمفاوضات، كل فصيل فلسطين انطلق بالبندقية وهذه هي الحقيقية المشروعة، وهذا هو الطريق، وإلى جانب المقاومة لا بد من الدبلوماسية والتحرّك السياسي والإعلامي والجماهيري والملاحقة القانونية للعدو وحصاره في العالم، وكل ذلك مطلوب.
ومن البديهي أنَّ هذا الذي استوطن أرضنا واحتلها، مستحيل أن يخرج إلاَّ تحت الإكراه، ولا يمكن لقوَّة غاشمة حتى الاستعمار التقليدي فضلاً عن "إسرائيل" التي ليست استعماراً تقليدياً لم يخرج من الجزائر ولا من فيتنام ولا من الهند ولا أيّ بلد عربي أو مسلم أو غير ذلك إلاَّ تحت نضال الشعوب، ولذلك الشعوب في تاريخها استنتجت أن المقاومة هي الطريق ولا طريق غيرها.
السؤال الثاني: هل المفاوضات طريق ممكن لانتزاع الحقوق؟ هل هو الطريق الذي يفرض على العدو الاعتراف بحقوق الشعوب ؟
الجواب: لا، المفاوضات لحظة قد تحتاجها الشعوب لتتويج نضالها بعد أن ييأس المحتل من استمرار احتلاله، وقال الله عزّوجل:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوَّة}، فالأساس هي القوَّة والمقاومة، فإذا أجبر العدو تحت ضغط المقاومة ونزيف الخسائر، والكلفة العالية عند ذلك لا بأس أن تجنح إليها؛ فتكون المفاوضات ليس بالضرورة دائمة، ولكن أن تكون وسيلة في الختام لتتويج إنجازك على الأرض، النضال لا يكون على طاولة المفاوضات، النضال على الأرض، وقد فعلها الفاتحون والقيادات الكبرى في التاريخ الإسلامي، وفعلها رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وهذه اللحظات لم تصل إليها "إسرائيل"، ولذلك بدون أن نجبر العدو للوصول إلى هذه اللحظة تصبح المفاوضات بلا جدوى، وعبثية، ووسيلة لاستنزاف حقوقنا، وخفض سقوفنا ومطالبنا، وغطاءً لما يفعله العدو على الأرض وخداعاً منه للعالم أنه يريد السلام.
رابعاً: ديناميكيات المصالحة، وأوجزها بالتالي:
ما الذي دفعنا للحديث عن المصالحة أنه حدث انقسام، فكيف حصل الانقسام ؟ حصل ذلك حينما رفض المجتمع الدولي نتائج انتخابات 2006 ، وهذا يرجعنا للمجتمع الدولي ولازدواجية المعايير لديه، في بلاد إذا أجرت انتخابات فأهلاً وسهلاً، بينما في بلاد محرَّم عليها ديمقراطية وينقلب على نتائج الانتخابات، و2006 عندما فازت حماس بأغلبية أصبح المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والرباعية الدولية و"إسرائيل" يرفضون هذه النتائج، فكان ذلك أدّى إلى انقسام، وإلى تفاصيل في غنى عن ذكرها الآن، لأننا لا نريد أن ننكأ الجروح، إنما نريد المصالحة، وإنهاء هذه الصفحة المقيتة في تاريخنا الفلسطيني.
وبالتأكيد المصالحة ضرورة، والانقسام حالة شاذة فرضت علينا لم يخترها الفلسطينيون، المجتمع الدولي بظلمه، و"إسرائيل" بعدوانها فرضوا علينا الانقسام، حصل أخطاء فلسطينية، وبالتالي لدينا عيوب ووقعنا في ثغرات، ولم نصل للحظة تداول السلطة والقبول بالآخر، واحد يكون في الحكم، والآخر يكون في المعارضة، ولكنَّنا كشعب فلسطيني لدينا تجارب جيّدة في التعايش والتعامل والتعاون رغم الاختلاف، والمشكلة الأكبر كانت في التدخلات الخارجية.
الرباعية الدولية تشترط على الفلسطينيين لا مصالحة إلاَّ إذا اعترفت حماس "بإسرائيل" وتخلّت عن المقاومة أو نبذ العنف كما يقولون، واعترفت بالاتفاقات الموقعة الذي قام شارون رئيس وزراء الاحتلال الأسبق في عام 2002 و2003 داسها بجنازير الدبابات في الضفة المحتلة، لذلك نمنع من المصالحة نتيجة التدخلات الخارجية، لكن رغم كل هذه التحديات لا خيار لنا إلاَّ بالمصالحة، وقد بذلت جهود كبيرة منذ لانقسام 2007، الإرادة الفلسطينية تريد المصالحة، وسنتغلب على بعض المعوقات، وطالبنا الدول العربية أن تشكل شبكة أمان للشعب الفلسطيني وقلتها لهم مرات عديدة يا إخواننا يا زعماء الأمَّة قولوا للأمم المتحدة والرباعية الدولية، نحن ضامنون للشعب الفلسطيني ولقواه، نحن مرجعية المصالحة، ونحن نشكل شبكة أمان، لا تتدخلوا، احمونا من التدخلات الخارجية، وسترون أنَّ الفلسطينيين ينجزون المصالحة ، وهذه المصالحة تعني ثلاثة أشياء؛ وهي:
أولاً : أن نوحّد النظام السياسي الفلسطيني، في كل عناوينه ومرجعياته، حكومة واحدة، رئاسة واحدة، مجلس تشريعي واحد، منظمة تحرير واحدة، ونبني هذا النظام بالديمقراطية والشراكة معاً، نجري انتخابات وبصرف النظر عن نتائجها الجميع يشارك فيه.
ثانياً : أن نكون شركاء في القرار السياسي الفلسطيني، متى نتقدّم، ومتى نتأخّر، نفاوض أو لا نفاوض، نتحرّك سياسياً، نتبنى هذا الموقف أو لا نتبناه، القرار السياسي ليس من حق أحد أن ينفرد فيه، فالمصالحة تعني أن يكون لنا قرار سياسي وطني فلسطيني واحد، نحن جميعاً شركاء في هذا القرار.
ثالثا : أن تكون لدينا استراتيجية نضالية واحدة، نتوافق عليها، ونتقارب مع بعضنا، ونظهر مرونة، وما هو شكل الاستراتيجية المناسبة الذي نشترك فيها ، ونتوافق عليه، نحن نرسم هذه الاستراتيجية ونبنيها، ونوفّر أدواتها ونستجمع كل أوراق قوة الضغط الذي يملكها الفلسطينيون، ونستطيع أن نملكها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وأيضاً المقاومة الشعبية والحراك الدبلوماسي، والتحرّك على مؤسسات الأمم المتحدة، وملاحقة "إسرائيل" في المنابر الدولية، ونتفق على تكتيكاتها الاستراتيجية، ولن تنتصر الشعوب بغير هذا، أن يكون لها نظام سياسي واحد، وقيادة واحدة، قرار سياسي واحد، واستراتيجية نضالية واحدة، نحن في حماس نؤمن بهذا، حريصون عليه، متمسكون به، هناك تواصل مع إخواننا في حركة فتح، هناك تبادل زيارات وحوارات وتشاور، نأمل من الله أن يتوج لهذه الديناميكية التي يعتادها الفلسطينيون، فشعبنا شعب حيوي يملك هذه
الديناميكيات، ونريد أن نُحمى من التدخلات الخارجية، ولا أحد يستأثر لا بقرار ولا بسلطة ولا بمسؤولية، وعلينا أن نتعلّم من أخطائنا، وندرك أنَّ النضال له أشكال عديدة وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وينبغي أن نزداد تمسكاً بهذه البندقية التي انطلق بها آباؤنا وأبناؤنا وأجدادنا وقادتنا الكبار الذين افتقدناهم، إنَّ الطريق الذي بدأه القادة الشهداء لا يمكن أن يحرّر فلسطين إلاَّ به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صفا
وقال مشعل في كلمة له في جامعة قطر نظمتها كلية الآداب والعلوم أمس الخميس (20/3):" المطلوب في هذه المرحلة أن نوحِّد النظام السياسي الفلسطيني، في كل عناوينه ومرجعياته، حكومة واحدة، رئاسة واحدة، مجلس تشريعي واحد، منظمة تحرير واحدة، ونبني هذا النظام بالديمقراطية والشراكة معاً، ونجري انتخابات، وبصرف النظر عن نتائجها الجميع يشارك فيه".
وشدّد مشعل في كلمته الذي ينشرها المكتب الإعلامي لحركة حماس على أنَّ القرار السياسي ليس من حق أحد أن ينفرد فيه؛ فالمصالحة تعني أن يكون القرار السياسي وطنياً فلسطينياً واحداً، نحن جميعاً شركاء في هذا القرار.
وعن المفاوضات، رأى مشعل أنَّ المفاوضات لحظة قد تحتاجها الشعوب لتتويج نضالها بعد أن ييأس المحتل من استمرار احتلاله، فإذا أجبر العدو تحت ضغط المقاومة ونزيف الخسائر، والكلفة العالية عند ذلك لا بأس أن نجنح إليها؛ وليس بالضرورة أن تكون المفاوضات دائمة، ولكن أن تكون وسيلة في الختام لتتويج إنجازك على الأرض، مؤكداً أنَّ الأساس هو القوَّة والمقاومة، وعلى رأسها المقاومة المسلحة.
وحول نضال الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، قال مشعل:" شعبنا الفلسطيني منذ مئة عام وهو يقاتل ولم ولن يتعب بإذن الله وسيتوّج نضاله بالتحرير والعودة والاستقلال، وسيكون ذلك قريباً بإذن الله"، مؤكّداً في الوقت ذاته أنَّ "إسرائيل " أداة استعمارية وظيفية لتمزيق المنطقة وإرهاقها، والسيطرة عليها، وإشغالها بنفسها لصالح المشروع الاستعماري الأكبر.
وتابع مشعل:" الشعب الفلسطيني لم ينكسر أمام الجبروت الإسرائيلي، ويكفينا نموذج غزَّة "العزة" التي هي عبارة عن شريط ساحلي 360 كيلو متراً مربعاً، استطاعت أن تصنع الصواريخ، وأن تهرب الصواريخ، وأن تبني وتحفر الأنفاق، وقد استطاعت أن تبني بنية عسكرية صمّدت في حربين ضروسين أمام العدو الصهيوني، ولا مستقبل "لإسرائيل".
ونفى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ما نشر على وسائل الإعلام أنَّ قيادة الحركة تعرَّضت لضغوط من قبل القيادة القطرية، وقال مشعل:" نحن لم يتم الضغط علينا من قبل القيادة القطرية العزيزة، قطر احتضنتنا بشرف ورجولة، ونحن نقدّر ذلك عالياً، ولم نسمع من القيادة القطرية إلاَّ الموقف الصلب، ولا تغيير على السياسة القطرية تجاه حماس وتجاه الفلسطينيين عامّةً، وهم على مسافة واحدة من كل الفرقاء الفلسطينيين".
مصر وغزة
وفي ختام المحاضرة، وفي سؤال حول الأحداث الأخيرة في مصر، قال مشعل: "بالنسبة لما جرى في مصر لدينا قناعات وتقديرات لما جرى ويجري وليس هنا معرض الحديث عنه، وإنما ما جرى في مصر لا شك أنه أثر على حماس وأثر على غزة بشكل خاص، وزاد للأسف من الحصار على أهلنا في القطاع".
وتابع مشعل: "مع أننا لا نتوقّع من مصر ومن الدول العربية إلاَّ الفرج والانفتاح والدعم والمساندة"، مضيفاً : "أمَّا عدوّنا الصهيوني فنتوقع منه الاغتيال والقتل والحصار والعدوان، لذلك ما يجري في مصر شأن داخلي لا نتدخل فيه، ونتمنى لمصر أن تخرج من محنتها، وأن يلتم الشعب المصري بكل أطيافه وأطرافه على مصلحة مصر واستقرارها، وأن يكون الناس لحمة واحدة على الحق وبما يرضي ربنا ويرضي ضمير الشعب المصري والأمة، وأن تخرج من كبوتها إن شاء الله".
وأكَّد مشعل أنَّ حركته "لا تحمل غِلاًّ على أحد"، مبدياً تأسفه "سامح الله العرب، وعلينا أن نُعالج هذا الخلل بإرادة عربية حقيقة تُنصف الشعب الفلسطيني وتُسارع بإنهاء الحصار عن غزة".
ورحّب مشعل في الوقت ذاته بالرعاية العربية للمصالحة الفلسطينية، لكنَّه قال: "صدقوني نحن وإخواننا في فتح مع الفصائل مستعدون للمصالحة بدون أي رعاية".
نص المحاضرة
وفيما يلي نصّ محاضرة مشعل كما نشرها المكتب الإعلامي لحركة "حماس":
أشكر جامعة قطر والشيخة المسند وكل القائمين على هذه الجامعة بما فيهم من طلاب وطالبات، وأنا فخور بوجودي في جامعة قطر، وشكراً لكلِّ من حضر وخاصة الإخوة الأعزاء السفراء ممثلو السفارات المختلفة في قطر العزيزة التي نعتز بها وبمواقفها تجاه الأمَّة ولصالحها ولصالح الإنسانية، فحقّ لأهل قطر أن يفخروا ببلدهم وللمقيمين فيها.
سأتكلّم أيّها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات في أربع نقاط..
أولاً: القضية الفلسطينية وديناميكيات المصالحة
الذي يتابع اليوم مسار المفاوضات والتعامل الدولي مع القضية الفلسطينية والتكتيكات الإسرائيلية اللئيمة مع القضية يشعر أنَّه يغرق في بحر من التفاصيل، وكأنَّما القضية الفلسطينية فقدت جوهرها، وكأنَّما هذه ليست قضية تحرّر وطني أو قضية احتلال، ودائماً العقلاء يتعوّدون دائماً حينما يغرقون في التفاصيل يعودون إلى الأصل وإلى الجوهر، كالإنسان عندما يقود السيارة فعندما يجد نفسه قد دخل الدروب والأزقة والطرق الضيّقة وبالتالي فقد البوصلة والوجهة، فعليه أن يعود إلى الأوتستراد، وعند ذلك يرى الخريطة والهدف، وتصبح خريطة المكان واضحة، القضية الفلسطينية ليس كما يصوّر تلك التفاصيل التي استنزفت المفاوض الفلسطيني، والتي اشتغل العالم بها في محطات التسوية المختلفة، وإنَّما القضية الفلسطينية هي قضية أرض احتلها عدوّنا الغاصب، وحقوق اغتصبها هذا العدو، قضية شعب كان يعيش على أرضه التي يملكها، هي وطنه وأرضه من آلاف السنين، وفجأة نتيجة مشروع استعماري، أو لأنَّ هناك مشكلة يهودية أزعجت الغرب وخاصة أوروبا، فإذا بهم يصدرون أزماتهم لنا، وهم الذين مارسوا التمييز، وهم الذين لم يستوعبوا اليهود في بلادهم، فأرادوا تصدير الأزمة لدينا، فجاءت هذه الحركة الصهيونية التي احتلت أرضنا بالقتل والمجازر مستعينة بالدول الكبرى في حينه ولاحقاً، ثمَّ طردت نصف الشعب الفلسطيني على مراحل، وسيطرت على النصف الآخر، وأمعنت فيه قتلاً واعتقالاً وتشريداً وإبعاداً وتضييق حياة ، فقضيتنا الفلسطينية ليست خلافاً مع جارة، وليست هي أمتار أو كيلو مترات من الأرض ، وإنما هي صراع بين من يملك الوطن وبين من قام باغتصاب الوطن، هي صراع بين صاحب الحق وبين المحتل الغادر القاتل المغتصب، بين من يملك وبين المُدَّعي لمن لا يملكه، هذه هي قضيتنا فعندما نتكلّم عن المقاومة فنحن نحكي عن روح القضية الفلسطينية، ولذلك عندما قفز الناس عن جوهر القضية شغلونا في التفاصيل، وتفاقمت مأساتنا..
تخيَّلوا أيّها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات إخوانكم أهل فلسطين منذ مائة عام وهم تحت المعاناة، منذ أن بدأت الحركة الصهيونية تصدّر أوائل المهاجرين والمستوطنين في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ثمَّ عندما جاء الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، ومن هنا بدأت المعاناة أشدّ وأشدّ، وهم في ذات الوقت يقاتلون ويناضلون، فهذا أصل القضية فلا نريد أن نغرق في التفاصيل، فقضيتنا هي تحرّر وطني، قضية عدالة، قضية شعب يريد أن يستعيد أرضه، وكل شبر في أرضه لقيم عليها دولته كما تعيش كل الدول وكل الشعوب في أوطانها.
هذا يقودنا إلى العنوان الثاني: كيف تعامل المجتمع الدولي والدول الكبرى والأمم المتحدة والهيئات الدولية مع قضية فلسطين بهذه البساطة وبهذه العدالة، وبهذا الجوهر النقي الذي ليس له آلاف السنين بمعنى أنه ما زال حاضراً في الذاكرة وفي المشاهد التلفزيونية فضلاً عن الكتب، والوثائق التي يملكها الجميع، فإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي، وما يملكه المجتمع الدولي من نصوص ومواثيق خاصة الأمم المتحدة، تجد فيه الكثير من الإنصاف، وفيه من النصوص والقرارات التي تنصف الشعب الفلسطيني، وتنصف الشعوب المظلومة ولا خلاف على ذلك، وحاولت خلال الأيام الماضية استقرأ بعض من هذه القرارات، فلو طبّق لانتهت مأساتنا ، فوجد القرار 1514 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو إعلان منح الشعوب المستعمرة حق الاستقلال، وهذا ينطبق على الشعب الفلسطيني، وحق الشعوب المستعمَرة في النضال بكل الوسائل في مواجهة الكيانات المستعمِرة، ثمَّ وجدنا للقضية الفلسطينية ولشعبها قرارات ونصوص كثيرة وكلنا يستذكرها منها: حق العودة، حق التعويض، وحماية الأماكن المقدسة، وحق تقرير المصير، والكفاح الوطني السياسي والعسكري في مواجهة المحتل طالما فشلت الوسائل الأخرى، ورأينا قرارات ضد الاستيطان، وقرارات ضد الجدار لمحكمة العدول الدولية 2004، وهناك نصوص عديدة، فليس المشكلة في النصوص والمواثيق، ولماذا لم تطبّق هذه القرارات والمواثيق، لأنَّ القوى الغربية الاستعمارية فضّلت مصالحها على حساب الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني، ولأنَّ الهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة نعت هذه النصوص في مسرح الجمعية العامة يقولون ما يشاؤون، ولكن بعد ذلك صاحب القرار الذي هو للتنفيذ مجلس الأمن الذي تحكمه قواعد ظالمة من خلال حق الفيتو، وهذا ليس الخلل في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنَّما هناك دول أخرى نعرفها في قضايا أخرى تعطّل مصالح الأمم والشعوب، وبالتالي نحن ضحايا لهذه الهيكلية الظالمة التي تعطي خمس دول عظمى فقط حق الفيتو ، وهناك نموذجان ماذا فعلت الأمم المتحدة بحقنا وهما: في عام 1969 أقدم الصهاينة على حرق المسجد الأقصى المبارك، وماذا كانت النتيجة أنَّ الولايات المتحدة تدخلت لمنع مشروع قرار لإدانة "إسرائيل" ، وفي عام 2004 اغتالت "إسرائيل" الشيخ القعيد أحمد ياسين رحمه الله، وهو هرم فلسطين، وشيخ فلسطين، وشيخ الانتفاضة، واغتالته في مثل هذا شهر مارس، اغتالته بصاروخ وهو أكبر بكثير من أن يحتمل هذا الجسد الطاهر الغض، وكانت جريمة بشعة، ومع ذلك تدخلت الولايات المتحدة ومنعت الفيتو لإدانة "إسرائيل"، وما يقارب 77 مرَّة استخدمت الولايات المتحدة الفيتو، منها 36 مرَّة لحماية "إسرائيل".
وما قيمة النصوص والمواثيق ؟! لكن أين التطبيق؟! وأين المبدئية والأخلاق؟! ونحن لسنا واهمين أنَّ العالم ينحاز للأخلاق عن حساب مصالحهم، ولكن لما لا نجمع بين الأخلاق والمصالح!؟ المصالح ضرورية والأخلاق ضرورية، وما قيمة الإنسانية بلا أخلاق، والأخلاق حين تغيب تنهار الأمم.
ونحن اليوم نستحضر هذه الصورة التي أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني، وتركته ضحية لهذا الكيان المتغطرس، الذي لا يقاتلنا لوحده، بل مدعوم من كل هذه القوى الظالمة.
أمَّا العنوان الثالث؛ وهو نضال الشعب الفلسطيني، هل الشعب الفلسطيني وقف متفرِّجاً عاجزاً أمام الجبروت الصهيوني منذ أن كانت عصابات قبل عام 48 إلى أن أصبح كياناً غير شرعي مغتصباً للأرض!؟ طبعاً لا . وهل انتظر الشعب الفلسطيني قرارات الأمم المتحدة سواء عصبة الأمم في الثلاثينات والأربعينيات، أو الأمم المتحدة بعد ذلك!؟
الشعب الفلسطيني شعب عظيم كالشعوب العربية وككل الشعوب الإنسانية، ونستذكر بلد جنوب افريقيا هذا البلد الذي علَّم الإنسانية نموذج النضال حق انتزع حقه، وفي لحظة تاريخية العالم أدرك أنَّ نظام الأبارتهايد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فقد دوره وزمنه، فأصبح هناك إرادة دولية لتمكين لشعب جنوب إفريقيا من الاستقلال وخاصة وهو يملك زعيماً عظيماً كمانديلا، والمجتمع الدولي لم تصل له لحظة الحقيقة إليه، ليدرك أنَّ "إسرائيل" لا مستقبل لها، وأنَّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، وأنَّ "إسرائيل باتت عبئاً على المجتمع الدولي، ولكننا واثقون أنَّ المجتمع الدولي سيدرك تلك اللحظة، وإنْ كنَّا لا ننتظر لحظة إدراكه، لأننا سنفرض هذا الإدراك على الإنسانية، وعلى العالم كله إنَّ شاء الله.
هناك شعوب تحرَّرت نتيجة أنَّ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أعطاها حق تقرير المصير، إلاّ الشعب الفلسطيني لا يسمح له لا بتقرير المصير ولا بالنضال ولا بتطبيق القرارات الدولية، لأنه يوجد نفاق مع "إسرائيل" وانحياز لها، والدول الكبرى ترى مصلحتها مع "إسرائيل" ليس لأنَّها كيان ديمقراطي كما يزعمون، بل "إسرائيل" قمَّة التمييز العنصري، حتّى مع اليهود أنفسهم، وليس فقط مع العرب المسلمين والمسيحيين، لأنَّ "إسرائيل " أداة استعمارية وظيفية لتمزيق المنطقة وإرهاقها، والسيطرة عليها، وإشغالها بنفسها لصالح المشروع الاستعماري الأكبر، وتلتقي مع الصهاينة في البحث عن كيان لهم مستندين إلى أوهام تاريخية كاذبة.
الشعب الفلسطيني مارس نضالاً طويلاً، ونحن فخورون أننا ننتسب إلى هذا الشعب الذي لم يتعب من النضال، ولمَّا نرجع لتاريخ الثورات الفلسطينية أبنائنا وأحفادنا آبائنا وأجدادنا، الذي عاش هذه الفترة أو الذي سمع عنها واستكمل محطاتها النضالية، من 21 و23 و29 و35 و36 و39 ثمَّ النضال المتواصل في الأربعينيات إلى النكبة عام 48، ثمَّ بعد ذلك محاولات متفرقة في مطلع الخمسينيات، ثمَّ الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 65 التي بدأتها مجموعة حركات نضالية على رأسها حركة فتح، والجبهة الشعبية، وبقية الفصائل إلى أن جاءت الانتفاضة الأولى 87 ومعها حماس والجهاد الإسلامي، ثمَّ الانتفاضة الثانية عام 2000، وهو منذ مئة عام وهو يقاتل ولم يتعب ولن يتعب بإذن الله وسيتوج نضاله بالتحرير والعودة والاستقلال، وسيكون ذلك قريباً بإذن الله.
فالشعب الفلسطيني لم ينكسر أمام الجبروت الإسرائيلي، ويكفينا نموذج غزة "العزة" التي هي عبارة عن شريط ساحلي 360 كيلو متر مربع، استطاعت أن تصنع الصواريخ، وأن تهرب الصواريخ، وأن تبني وتحفر الأنفاق، وقد استطاعت أن تبني بنية عسكرية، لكل مسلم ولكل عربي وإنسان حر في العالم أن يفخر بهذه الإرادة الإنسانية التي صمّدت في حربين ضروسين أمام العدو الصهيوني، في عام 2008 و2012، ومن هنا من القلق على المستقبل، ليس أهل غزَّة ولا أهل الضفة ولا أهل 48 والشتات، وإنما القلق هي "إسرائيل" وهذه هي نفسية اللّص والمجرم والمغتصب فاقد الشرعية، أمَّا صاحب الشرعية وإنْ طال الزمن سيستعيد أرضه ومقدساته، والذي يدفع الشعب الفلسطيني للكفاح والنضال هو ما يراه من الظلم الإسرائيلي، ونرى اليوم على المسرح الفلسطيني غير القديم غير المجازر، اليوم في كل لحظة نرى مشاهد فلسطينية مؤلمة، واليوم الربيع العربي في محطات مختلفة ركّزت الأضواء والاهتمام السياسي والإعلام والمتابعة على ساحات أخرى وحق للشعوب أن تعنى بقضاياها، وكل شعوب الأمَّة هم أهلنا وإخواننا، ومن حق الشعوب أن تنال حريتها وكرامتها وتنميتها وتنمو، وكل إنجاز للشعوب على الرأس والعين بل ونفخر به، وكلّما نرى دولة عربية ناهضة، وقطر نموذج من النجاح، ومن هنا نؤكّد أنه لم يتم الضغط علينا من قبل القيادة القطرية العزيزة، قطر احتضنتنا بشرف ورجولة ونحن نقدّر ذلك عالياً، ولم نسمع من القيادة القطرية إلاَّ الموقف الصلب.. ولا تغيير على السياسة القطرية تجاه حماس وتجاه الفلسطينيين عامّةً، وهم على مسافة واحدة من كل الفرقاء الفلسطينيين.
وكذلك أيّ دولة عربية نراها نمو على طريق الديمقراطية والتنمية والازدهار والأمن والاستقرار ووحدة المجتمع يسعدنا ذلك، ولمَّا نجد دولة عربية أو مسلمة هي من ضمن العشرين في الاقتصادات الكبرى يسعدنا ذلك، ولكن من حقنا على أمتنا أن تظل أعينها مركزة على قضية فلسطين، فهي جوهر الصراع في المنطقة، ما اضطربت المنطقة إلاّ عندما زرع الكيان الصهيوني في هذه الأرض المقدسة الطاهرة.
فلسطين فيها ميزتان الله تعالى أعطاهما لها "الطهارة، والقدسية"، والبركة، ولذلك هذه أرضكم، وقضيتكم كما هي قضيتنا، واليوم تشاهدون الضفة الغربية محتلة، متقطعة الأوصال، نهبت أرضها، دمرت مزروعاتها، سرقت مياهها، وبُنيت المستوطنات، ويُقتل أهلها، يمنع التواصل بينهم، القدس تهود، تهدم أحياءها يمنعون من البناء، يعتقلون، زرع الجدار في وسط أحياء كبيرة من القدس، والمسجد الأقصى المبارك يتعرض للتدنيس ولمخطط التقسيم الزمان والمكان كما جرى في المسجد الإبراهيمي في الخليل أبي الأنبياء عليه الصَّلاة والسَّلام، هذه قضية خطيرة، واليوم المسجد الأقصى مسرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، معراجه إلى السماء، قبلة المسلمين الأولى، يتعرّض للتقسيم، وقد يتعرّض للهدم وبناء الهيكل المزعوم، المقدسات المسيحية تتعرّض للتدنيس، وكذلك الرموز الإسلامية والمسيحية تتعرّض للإهانة ، يهان النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والنبيّ عيسى عليه السَّلام، وكلهم أنبياؤنا، نعتز بهم، ونحن أولى الناس بالأنبياء حتّى سيّدنا موسى، هو نبيّنا ونؤمن به.
الشاهد اليوم أن القدس تذبح، غزّة تحاصر وتجوّع من كل الاتجاهات، وحينما اجتهد أهلها ليحفروا الأنفاق ثمَّ أغلقت الأنفاق فمنعوا من تحت الأرض ومن فوقها، وكل عدّة سنوات عدوان جديد على غزة يريدون كسر إرادتنا، وأهلنا في 48 يتعرّضون للتمييز العنصري، وأهل الشتات المؤامرات لا تنتهي عليهم في حرمانهم من حق العودة، إمّا توطيناً أو إعادة تهجير وتشريد في استراليا أو الأمريكيتين أو أوروبا، فالشعب الفلسطيني يعاني في الداخل والخارج.
هناك سؤالان أيّها الإخوة والأخوات في النضال، هل نكتفي بالنضال العسكري دون السياسي ؟ أو نكتفي بالسياسي الدبلوماسي دون العسكري؟
الجواب بكل بساطة نحتاجهما معاً، لكنَّ الأساس هو النضال المسلّح، الدليل على ذلك، الدليل على البديهية أعطوني فصيلاً فلسطينياً منذ لحظة تأسيسه يعلن أنَّ طريق التحرير في السياسة والمفاوضات، كل فصيل فلسطين انطلق بالبندقية وهذه هي الحقيقية المشروعة، وهذا هو الطريق، وإلى جانب المقاومة لا بد من الدبلوماسية والتحرّك السياسي والإعلامي والجماهيري والملاحقة القانونية للعدو وحصاره في العالم، وكل ذلك مطلوب.
ومن البديهي أنَّ هذا الذي استوطن أرضنا واحتلها، مستحيل أن يخرج إلاَّ تحت الإكراه، ولا يمكن لقوَّة غاشمة حتى الاستعمار التقليدي فضلاً عن "إسرائيل" التي ليست استعماراً تقليدياً لم يخرج من الجزائر ولا من فيتنام ولا من الهند ولا أيّ بلد عربي أو مسلم أو غير ذلك إلاَّ تحت نضال الشعوب، ولذلك الشعوب في تاريخها استنتجت أن المقاومة هي الطريق ولا طريق غيرها.
السؤال الثاني: هل المفاوضات طريق ممكن لانتزاع الحقوق؟ هل هو الطريق الذي يفرض على العدو الاعتراف بحقوق الشعوب ؟
الجواب: لا، المفاوضات لحظة قد تحتاجها الشعوب لتتويج نضالها بعد أن ييأس المحتل من استمرار احتلاله، وقال الله عزّوجل:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوَّة}، فالأساس هي القوَّة والمقاومة، فإذا أجبر العدو تحت ضغط المقاومة ونزيف الخسائر، والكلفة العالية عند ذلك لا بأس أن تجنح إليها؛ فتكون المفاوضات ليس بالضرورة دائمة، ولكن أن تكون وسيلة في الختام لتتويج إنجازك على الأرض، النضال لا يكون على طاولة المفاوضات، النضال على الأرض، وقد فعلها الفاتحون والقيادات الكبرى في التاريخ الإسلامي، وفعلها رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وهذه اللحظات لم تصل إليها "إسرائيل"، ولذلك بدون أن نجبر العدو للوصول إلى هذه اللحظة تصبح المفاوضات بلا جدوى، وعبثية، ووسيلة لاستنزاف حقوقنا، وخفض سقوفنا ومطالبنا، وغطاءً لما يفعله العدو على الأرض وخداعاً منه للعالم أنه يريد السلام.
رابعاً: ديناميكيات المصالحة، وأوجزها بالتالي:
ما الذي دفعنا للحديث عن المصالحة أنه حدث انقسام، فكيف حصل الانقسام ؟ حصل ذلك حينما رفض المجتمع الدولي نتائج انتخابات 2006 ، وهذا يرجعنا للمجتمع الدولي ولازدواجية المعايير لديه، في بلاد إذا أجرت انتخابات فأهلاً وسهلاً، بينما في بلاد محرَّم عليها ديمقراطية وينقلب على نتائج الانتخابات، و2006 عندما فازت حماس بأغلبية أصبح المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والرباعية الدولية و"إسرائيل" يرفضون هذه النتائج، فكان ذلك أدّى إلى انقسام، وإلى تفاصيل في غنى عن ذكرها الآن، لأننا لا نريد أن ننكأ الجروح، إنما نريد المصالحة، وإنهاء هذه الصفحة المقيتة في تاريخنا الفلسطيني.
وبالتأكيد المصالحة ضرورة، والانقسام حالة شاذة فرضت علينا لم يخترها الفلسطينيون، المجتمع الدولي بظلمه، و"إسرائيل" بعدوانها فرضوا علينا الانقسام، حصل أخطاء فلسطينية، وبالتالي لدينا عيوب ووقعنا في ثغرات، ولم نصل للحظة تداول السلطة والقبول بالآخر، واحد يكون في الحكم، والآخر يكون في المعارضة، ولكنَّنا كشعب فلسطيني لدينا تجارب جيّدة في التعايش والتعامل والتعاون رغم الاختلاف، والمشكلة الأكبر كانت في التدخلات الخارجية.
الرباعية الدولية تشترط على الفلسطينيين لا مصالحة إلاَّ إذا اعترفت حماس "بإسرائيل" وتخلّت عن المقاومة أو نبذ العنف كما يقولون، واعترفت بالاتفاقات الموقعة الذي قام شارون رئيس وزراء الاحتلال الأسبق في عام 2002 و2003 داسها بجنازير الدبابات في الضفة المحتلة، لذلك نمنع من المصالحة نتيجة التدخلات الخارجية، لكن رغم كل هذه التحديات لا خيار لنا إلاَّ بالمصالحة، وقد بذلت جهود كبيرة منذ لانقسام 2007، الإرادة الفلسطينية تريد المصالحة، وسنتغلب على بعض المعوقات، وطالبنا الدول العربية أن تشكل شبكة أمان للشعب الفلسطيني وقلتها لهم مرات عديدة يا إخواننا يا زعماء الأمَّة قولوا للأمم المتحدة والرباعية الدولية، نحن ضامنون للشعب الفلسطيني ولقواه، نحن مرجعية المصالحة، ونحن نشكل شبكة أمان، لا تتدخلوا، احمونا من التدخلات الخارجية، وسترون أنَّ الفلسطينيين ينجزون المصالحة ، وهذه المصالحة تعني ثلاثة أشياء؛ وهي:
أولاً : أن نوحّد النظام السياسي الفلسطيني، في كل عناوينه ومرجعياته، حكومة واحدة، رئاسة واحدة، مجلس تشريعي واحد، منظمة تحرير واحدة، ونبني هذا النظام بالديمقراطية والشراكة معاً، نجري انتخابات وبصرف النظر عن نتائجها الجميع يشارك فيه.
ثانياً : أن نكون شركاء في القرار السياسي الفلسطيني، متى نتقدّم، ومتى نتأخّر، نفاوض أو لا نفاوض، نتحرّك سياسياً، نتبنى هذا الموقف أو لا نتبناه، القرار السياسي ليس من حق أحد أن ينفرد فيه، فالمصالحة تعني أن يكون لنا قرار سياسي وطني فلسطيني واحد، نحن جميعاً شركاء في هذا القرار.
ثالثا : أن تكون لدينا استراتيجية نضالية واحدة، نتوافق عليها، ونتقارب مع بعضنا، ونظهر مرونة، وما هو شكل الاستراتيجية المناسبة الذي نشترك فيها ، ونتوافق عليه، نحن نرسم هذه الاستراتيجية ونبنيها، ونوفّر أدواتها ونستجمع كل أوراق قوة الضغط الذي يملكها الفلسطينيون، ونستطيع أن نملكها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وأيضاً المقاومة الشعبية والحراك الدبلوماسي، والتحرّك على مؤسسات الأمم المتحدة، وملاحقة "إسرائيل" في المنابر الدولية، ونتفق على تكتيكاتها الاستراتيجية، ولن تنتصر الشعوب بغير هذا، أن يكون لها نظام سياسي واحد، وقيادة واحدة، قرار سياسي واحد، واستراتيجية نضالية واحدة، نحن في حماس نؤمن بهذا، حريصون عليه، متمسكون به، هناك تواصل مع إخواننا في حركة فتح، هناك تبادل زيارات وحوارات وتشاور، نأمل من الله أن يتوج لهذه الديناميكية التي يعتادها الفلسطينيون، فشعبنا شعب حيوي يملك هذه
الديناميكيات، ونريد أن نُحمى من التدخلات الخارجية، ولا أحد يستأثر لا بقرار ولا بسلطة ولا بمسؤولية، وعلينا أن نتعلّم من أخطائنا، وندرك أنَّ النضال له أشكال عديدة وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وينبغي أن نزداد تمسكاً بهذه البندقية التي انطلق بها آباؤنا وأبناؤنا وأجدادنا وقادتنا الكبار الذين افتقدناهم، إنَّ الطريق الذي بدأه القادة الشهداء لا يمكن أن يحرّر فلسطين إلاَّ به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صفا