الجبهة الشمالية ... تصعيد مضبوط، ولكن!
عريب الرنتاوي
جو 24 : تتضارب القراءات الباحثة عن تفسير لموجة التصعيد الإسرائيلي على الجبهة الشمالية (اللبنانية – السورية) ... أولاها تقترح أن تسعى إسرائيل الى استغلال فرصة انشغال النظام السوري وحزب الله لتغيير قواعد الاشتباك والتخلص من موجبات القرار 1701، فتستعيد لنفسها “الحق” في توجيه الضربات وشن العدوانات، دون خشية أو تحسب، من ردة فعل أو هجمات مضادة ... ثانيها ترى أن العملية لا تتخطى “جس النبض” التي يُراد لها اختبار جاهزية الحليفين السوري واللبناني لاستئناف “خيار المقاومة” واللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع إسرائيل ... ثالثهما تضع عمليات “التحرش” الإسرائيلية بالحزب والنظام، في سياق استراتيجي أكبر، يضع في صدارة اعتباراته، استهداف إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، بدءاً بضرب حلفائها وتدمير قدراتهم على الرد والردع على حد سواء، سيما بعد أن فشلت الرهانات على المعارضات المسلحة في تحقيق أي تغير جذري في موازين القوى على الأرض، بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الأزمة السورية، وتفاقم الحاجة لدخول إسرائيلي مباشر على خط الأزمة لإسناد المعارضة، أقله في الجنوب، وإيجاد “جدار طيب” على طراز وشاكلة الجيب اللبناني العميل في جنوب لبنان.
من بين هذه القراءات المتضاربة والمتفاوتة في مدياتها التكتيكية والاستراتيجية، نميل لقراءة مركبة، تأخذ بفرضية “جس النبض” الهادف إلى “تغيير قواعد الاشتباك”، المفضي في حالة النجاح، إلى “إنشاء الجيب العميل” واستتباعاً إضعاف محور إيران وحلفائها في حلقتيه السورية واللبنانية ... والأرجح أن أهداف إسرائيل من تسخين الجبهة الشمالية، ذات طبيعة، قابلة للتمدد والتوسع، والانتقال من “التكتيكي” إلى “الاستراتيجي” إن هي وجدت أن طريقها إلى ذلك، سالكة وآمنة، وهي قابلة للانكفاء والانكماش، إن شعرت بأن كلفة المحاولة ستكون مرتفعة للغاية، وأنها ستكون بإزاء “مغامرة غير محسوبة”.
القيادة السورية وقيادة حزب الله، لا شك تدارستا دوافع وأهداف وحدود التحرك الإسرائيلي الجديد، ليس الآن بعد العدوان الإسرائيلي الأخير في الداخل السوري، بل قبل ذلك بعدة أشهر، ومنذ أن بدأت إسرائيل غاراتها في العمق السوري، مستترة خلف دخان المعارك الكثيف الذي يغطي سماء سوريا وأرضها ... في حينها تسربت أخبار ومعلومات، تشير إلى استعداد الحليفين للتعامل مع التطور الناشئ في التكتيك الإسرائيلي، وإصرارهما على “مقاومة” أية محاولة لتغيير قواعد الاشتباك، والنظر إلى المواجهة مع إسرائيل من منظور أوسع، يشمل مختلف جبهات الاشتباك الساخنة، من جنوب لبنان إلى جبهة الجولان عطفاً على جبهة قطاع غزة كذلك.
رد حزب الله على عمليات قصف استهدفته في السلسلة الجبلية الشرقية بين لبنان وسوريا بإطلاق قذائف على جبل الشيخ، وزرع عبوة “مجهولة الأب” على مقربة من “الخط الأزرق” ... ردت الجهاد الإسلامي من غزة بعملية “كسر الصمت” فيما كان أمينها العام في زيارة لطهران، أعادت بنتيجتها تجديد قواعد التفاهمات التي أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ... تم زرع عبوات في الجولان أصابت دورية إسرائيلية وجرحت أربعة من عناصرها، قبل أن ترد إسرائيل بغارة جديدة على أهداف سوريا، وطوفان من التصريحات المهددة والموعدة، التي أعادت وضع “الجبهة الشمالية” في صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية، بدلالة ما ترتب عليها من ردات أفعال كادت أن تشمل مختلف عواصم القرار الدولي.
أين من هنا؟
لا مصلحة لإسرائيل في إشعال حرب شاملة على جبهات التماس، مع أطراف هذا المحور، أقله في المدى المنظور، وهذا ما يؤكده معظم قادتها السياسيين والعسكريين، وأية حرب شاملة من هذا النوع، سوف تفتح أبواب جهنم على المنطقة بأسرها، والمؤكد أنها لن تنتهي إلى نتائج مغايرة لتلك التي انتهت إليها آخر العدوانات الإسرائيلية شمالاً وجنوباً، فيما المجتمع الدولي الذي أنهكته مغامرات واشنطن في العراق وأفغانستان وليبيا، يبدو “فاقداً الشهية” حيال أية مغامرات أو حروب واسعة النطاق.
في المقابل، لا مصلحة للنظام في سوريا ولا حزب الله في لبنان، بخوض غمار مواجهة شاملة مع إسرائيل، فيما الحليفان الاستراتيجيان منهمكان من الرأس حتى أخمص القدمين، بحروب “داعش والغبراء” في سوريا ولبنان سواء بسواء ... وبرغم إصرار الحليفين على القول إن حربهما على “الإرهاب” لم تستنفذ قواتهما الاستراتيجية المرصودة للمواجهة مع إسرائيل، إلا أن أي تقييم موضوعي للوضع الاستراتيجي لهما، يقول بخلاف ذلك تماماً.
تبقى الخلاصة أن إسرائيل ستواصل التصعيد أملاً بتحقيق تغيير جذري في قواعد اللعبة والاشتباك، ومن أجل تحقيق ما حددته لنفسها من أهداف على هذه الجبهة: تأمين الجولان المحتل ومستوطنات شمال فلسطين حتى وإن اقتضى ذلك إقامة “شريط حدودي عميل”، ومنع انتقال السلاح “الكاسر للتوازن” إلى حزب الله ... أما الحليفان السوري واللبناني، فمن المتوقع أن يتركا مهمة الرد على الاعتداءات الإسرائيلية لعمليات “مقاومة” على الجبهتين “المتلازمتين”، يقوم بها حزب الله أو حلفاء له من سوريا وفيها، مع استبعاد اشتراك القوات السورية النظامية في عمليات رد واسعة على الاعتداءات الإسرائيلية، بالنظر لما يمكن أن يترتب على دخول هذه القوات على خط الاشتباك المباشر، فمن الواضح تماماً أن مختلف الأطراف تتجه صوب “تصعيد مضبوط”، قابل للاحتواء، مع أن تجارب المعارك والحروب المختلفة، تقول إن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي سفن الساعين للانضباط والاحتواء، وكم من حرب كبرى اندلعت من دون رغبة أو تخطيط الأطراف المتورطة فيها!.الدستور
من بين هذه القراءات المتضاربة والمتفاوتة في مدياتها التكتيكية والاستراتيجية، نميل لقراءة مركبة، تأخذ بفرضية “جس النبض” الهادف إلى “تغيير قواعد الاشتباك”، المفضي في حالة النجاح، إلى “إنشاء الجيب العميل” واستتباعاً إضعاف محور إيران وحلفائها في حلقتيه السورية واللبنانية ... والأرجح أن أهداف إسرائيل من تسخين الجبهة الشمالية، ذات طبيعة، قابلة للتمدد والتوسع، والانتقال من “التكتيكي” إلى “الاستراتيجي” إن هي وجدت أن طريقها إلى ذلك، سالكة وآمنة، وهي قابلة للانكفاء والانكماش، إن شعرت بأن كلفة المحاولة ستكون مرتفعة للغاية، وأنها ستكون بإزاء “مغامرة غير محسوبة”.
القيادة السورية وقيادة حزب الله، لا شك تدارستا دوافع وأهداف وحدود التحرك الإسرائيلي الجديد، ليس الآن بعد العدوان الإسرائيلي الأخير في الداخل السوري، بل قبل ذلك بعدة أشهر، ومنذ أن بدأت إسرائيل غاراتها في العمق السوري، مستترة خلف دخان المعارك الكثيف الذي يغطي سماء سوريا وأرضها ... في حينها تسربت أخبار ومعلومات، تشير إلى استعداد الحليفين للتعامل مع التطور الناشئ في التكتيك الإسرائيلي، وإصرارهما على “مقاومة” أية محاولة لتغيير قواعد الاشتباك، والنظر إلى المواجهة مع إسرائيل من منظور أوسع، يشمل مختلف جبهات الاشتباك الساخنة، من جنوب لبنان إلى جبهة الجولان عطفاً على جبهة قطاع غزة كذلك.
رد حزب الله على عمليات قصف استهدفته في السلسلة الجبلية الشرقية بين لبنان وسوريا بإطلاق قذائف على جبل الشيخ، وزرع عبوة “مجهولة الأب” على مقربة من “الخط الأزرق” ... ردت الجهاد الإسلامي من غزة بعملية “كسر الصمت” فيما كان أمينها العام في زيارة لطهران، أعادت بنتيجتها تجديد قواعد التفاهمات التي أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ... تم زرع عبوات في الجولان أصابت دورية إسرائيلية وجرحت أربعة من عناصرها، قبل أن ترد إسرائيل بغارة جديدة على أهداف سوريا، وطوفان من التصريحات المهددة والموعدة، التي أعادت وضع “الجبهة الشمالية” في صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية، بدلالة ما ترتب عليها من ردات أفعال كادت أن تشمل مختلف عواصم القرار الدولي.
أين من هنا؟
لا مصلحة لإسرائيل في إشعال حرب شاملة على جبهات التماس، مع أطراف هذا المحور، أقله في المدى المنظور، وهذا ما يؤكده معظم قادتها السياسيين والعسكريين، وأية حرب شاملة من هذا النوع، سوف تفتح أبواب جهنم على المنطقة بأسرها، والمؤكد أنها لن تنتهي إلى نتائج مغايرة لتلك التي انتهت إليها آخر العدوانات الإسرائيلية شمالاً وجنوباً، فيما المجتمع الدولي الذي أنهكته مغامرات واشنطن في العراق وأفغانستان وليبيا، يبدو “فاقداً الشهية” حيال أية مغامرات أو حروب واسعة النطاق.
في المقابل، لا مصلحة للنظام في سوريا ولا حزب الله في لبنان، بخوض غمار مواجهة شاملة مع إسرائيل، فيما الحليفان الاستراتيجيان منهمكان من الرأس حتى أخمص القدمين، بحروب “داعش والغبراء” في سوريا ولبنان سواء بسواء ... وبرغم إصرار الحليفين على القول إن حربهما على “الإرهاب” لم تستنفذ قواتهما الاستراتيجية المرصودة للمواجهة مع إسرائيل، إلا أن أي تقييم موضوعي للوضع الاستراتيجي لهما، يقول بخلاف ذلك تماماً.
تبقى الخلاصة أن إسرائيل ستواصل التصعيد أملاً بتحقيق تغيير جذري في قواعد اللعبة والاشتباك، ومن أجل تحقيق ما حددته لنفسها من أهداف على هذه الجبهة: تأمين الجولان المحتل ومستوطنات شمال فلسطين حتى وإن اقتضى ذلك إقامة “شريط حدودي عميل”، ومنع انتقال السلاح “الكاسر للتوازن” إلى حزب الله ... أما الحليفان السوري واللبناني، فمن المتوقع أن يتركا مهمة الرد على الاعتداءات الإسرائيلية لعمليات “مقاومة” على الجبهتين “المتلازمتين”، يقوم بها حزب الله أو حلفاء له من سوريا وفيها، مع استبعاد اشتراك القوات السورية النظامية في عمليات رد واسعة على الاعتداءات الإسرائيلية، بالنظر لما يمكن أن يترتب على دخول هذه القوات على خط الاشتباك المباشر، فمن الواضح تماماً أن مختلف الأطراف تتجه صوب “تصعيد مضبوط”، قابل للاحتواء، مع أن تجارب المعارك والحروب المختلفة، تقول إن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي سفن الساعين للانضباط والاحتواء، وكم من حرب كبرى اندلعت من دون رغبة أو تخطيط الأطراف المتورطة فيها!.الدستور