أطفال سورية ... جيل الحرب الضائع
جو 24 : أطفال سورية يدفعون ثمن حرب آبائهم غالياً. عشرات الآلاف منهم قُتلوا ونحو مليون هُجّروا، ومن تبقى منهم في الوطن ينتظرهم مستقبل مجهول وغير واعد، لأن الحرب الأهلية التي أكمـــلت ثلاث سنوات، وما زالت مستمرة، خرّبـــت أرواح كثر منهم وتركت آثارها السلبية عميـــقة في دواخلهم، كما ظهر في الوثائقي البريطاني «أطــفال سورية: الجيل الضائع؟».
الوثائقي الذي تابع منذ صيف عام 2013، تفاصيل حياة مجموعة من أطفال مدينة حلب أثناء اشتداد الصراع الدموي بين المعارضة والنظام السوري، بخاصة في حي «سيف الدولة» الذي تحول الى نقطة تماس مخيفة بين القوتين المتصارعتين، أخذ عائلة أبو علي عيّنة ليرصد من خلالها حياة أطفالها الأربعة، والطريقة التي كانوا يتفاعلون فيها مع ما يجري من حولهم ومقدار تأثرهم بالحرب.
عائلة أبو علي، من الطبقة السورية المتوسطة، تمتعت قبل نشوب الصراع بوضع اقتصادي جيد. فالأب كان مهندساً، وما إن نشب الصراع حتى كان من أوائل المنتمين الى «الجيش السوري الحر»، وفضّلت عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الأربعة البقاء معه ومواجهة مصيره على ترك المدينة وبيتها، ما وفّر لصناع الوثائقي التلفزيوني، عينة نموذجية حققت فكرته الأساسية وهي: تسجيل تفاصيل حياة الأطفال السوريين خلال الحرب الأهلية.
مكّنت ملازمة فريق العمل الطويلة للأطفال الأربعة، وآخرين غيرهم، من التقرب كثيراً من حياتهم وتسجيل أدق تفاصيل مشاعرهم إزاء ما يدور حولهم، بعفوية تُسهّل على متابع الوثائقي معرفة مقدار الآثار النفسية السيئة التي تتركها مَشاهد الحرب في نفوسهم. ففرح ذات السنوات الثماني تخاف من أحلامها التي ترى فيها دوماً قناصة يصوّبون رصاصهم على جسدها. تقول: «أخاف الأحلام لأنني دائماً أجد نفسي فيها سائرة في شارع مقفر، سرعان ما يظهر أمامي فيه قناص يصوّب من بندقيته رصاصة تصيبني في بطني وأخرى في ظهري فأسقط صريعة... ميتة!».
حولت الحرب التي يخوضها والدها، الطفلة فرح الى جزءٍ منها، حين بدأت بمساعدته في نقل ما يحتاج اليه من مواد يستخدمها في صنع قنابله البسيطة في قبو أسفل البناية. عن تجربتها تتحدث الطفلة أمام الكاميرا بكل عفوية. تقول للمصور: «لقد انفجرت العبوة الناسفة بيد الرجل الذي كان يساعد والدي على إعدادها. انفجرت وأدت الى قطع رأسه». وحين سألها الصحافي هل رأته، كان جوابها: «نعم رأيت الجثة من دون رأس، لقد قطع!».
أختها الكبيرة هيلين (14 عاماً) أنضجتها الظروف القاسية وعزلتها عن صديقاتها فأخذت على عاتقها تعليم إخوتها، بعدما فقدت أمها القدرة على الاهتمام بهم كما في السابق. عن تجربتها في المدرسة التي تركتها، تقول هيلين: «ما إن عرفوا بانتماء والدي الى «الجيش السوري الحر» حتى بدأ زملائي من المؤيدين للنظام بالتهجم عليّ وضربي فصرت أخافهم».
فصلت الحرب بين الجميع حتى الأطفال الذين سرعان ما نضجوا فيها مبكراً وصاروا يفخرون باشتراكهم في نشاطاتها كما في نموذج عبود (12 سنة)، هَتّاف ومغني التظاهرات السلمية الأولى في مدينة حلب. يقول: «لم أعد أتحمل البقاء في البيت وعدم المشاركة في التظاهرات... لقد أدمنت الاشتراك فيها». الشريط الذي غنى فيه أغنية وداعه الأخير لوالدته يدمي القلب، مع أن أحاديث الأطفال عن موتهم، أضحت أمراً مألوفاً في سورية، كما مشهد الموت اليومي الذي لم يعد يُخفى عليهم، وفق زوجة المقاتل أبو علي. «في البدء كنت أقول لأولادي إن أزيز الرصاص ووهج نيران القذائف في السماء ليسا إلا ألعاباً نارية، لأنهم كانوا يحبونها، ولكن مع الوقت، لم يعد ينطلي عليهم الأمر.
صاروا يعرفون الحقيقة وأخذوا يتعاملون مع الموت كما نتعامل نحن الكبار معه». يكفي للدلالة على كلام الأم ما يقوله ابنها محمد (12 عاماً) عن فكرة اقترابه من الموت وحقده على النظام. «قلبي محطم. قبل ذهابي الى النوم، كثيراً ما أجهش بالبكاء، فما نعيشه الآن ليس حياة، بل عذاب. كم أتمنى أن أمسك ببشار وأظل أعذبه. لن أقتله سأذيقه أصناف العذاب ليشعر بنفسه بحجم الآلام التي نشعر بها بسبب ما تلحقه أفعاله الدموية بنا».
يصور الوثائقي كيف أثرت الحرب في نفوس الأطفال لدرجة صاروا خبراء فيها، يعرفون أنواع الأسلحة المستخدمة، وطرق تضليل القناصة وصناعة القنابل وألاعيب السياسة. لقد شوهت الحرب الأهلية دواخلهم وأفقدتهم براءة طفولتهم لدرجة قد يصح توصيف جيل كامل منهم... بالضائع."الحياة"
الوثائقي الذي تابع منذ صيف عام 2013، تفاصيل حياة مجموعة من أطفال مدينة حلب أثناء اشتداد الصراع الدموي بين المعارضة والنظام السوري، بخاصة في حي «سيف الدولة» الذي تحول الى نقطة تماس مخيفة بين القوتين المتصارعتين، أخذ عائلة أبو علي عيّنة ليرصد من خلالها حياة أطفالها الأربعة، والطريقة التي كانوا يتفاعلون فيها مع ما يجري من حولهم ومقدار تأثرهم بالحرب.
عائلة أبو علي، من الطبقة السورية المتوسطة، تمتعت قبل نشوب الصراع بوضع اقتصادي جيد. فالأب كان مهندساً، وما إن نشب الصراع حتى كان من أوائل المنتمين الى «الجيش السوري الحر»، وفضّلت عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الأربعة البقاء معه ومواجهة مصيره على ترك المدينة وبيتها، ما وفّر لصناع الوثائقي التلفزيوني، عينة نموذجية حققت فكرته الأساسية وهي: تسجيل تفاصيل حياة الأطفال السوريين خلال الحرب الأهلية.
مكّنت ملازمة فريق العمل الطويلة للأطفال الأربعة، وآخرين غيرهم، من التقرب كثيراً من حياتهم وتسجيل أدق تفاصيل مشاعرهم إزاء ما يدور حولهم، بعفوية تُسهّل على متابع الوثائقي معرفة مقدار الآثار النفسية السيئة التي تتركها مَشاهد الحرب في نفوسهم. ففرح ذات السنوات الثماني تخاف من أحلامها التي ترى فيها دوماً قناصة يصوّبون رصاصهم على جسدها. تقول: «أخاف الأحلام لأنني دائماً أجد نفسي فيها سائرة في شارع مقفر، سرعان ما يظهر أمامي فيه قناص يصوّب من بندقيته رصاصة تصيبني في بطني وأخرى في ظهري فأسقط صريعة... ميتة!».
حولت الحرب التي يخوضها والدها، الطفلة فرح الى جزءٍ منها، حين بدأت بمساعدته في نقل ما يحتاج اليه من مواد يستخدمها في صنع قنابله البسيطة في قبو أسفل البناية. عن تجربتها تتحدث الطفلة أمام الكاميرا بكل عفوية. تقول للمصور: «لقد انفجرت العبوة الناسفة بيد الرجل الذي كان يساعد والدي على إعدادها. انفجرت وأدت الى قطع رأسه». وحين سألها الصحافي هل رأته، كان جوابها: «نعم رأيت الجثة من دون رأس، لقد قطع!».
أختها الكبيرة هيلين (14 عاماً) أنضجتها الظروف القاسية وعزلتها عن صديقاتها فأخذت على عاتقها تعليم إخوتها، بعدما فقدت أمها القدرة على الاهتمام بهم كما في السابق. عن تجربتها في المدرسة التي تركتها، تقول هيلين: «ما إن عرفوا بانتماء والدي الى «الجيش السوري الحر» حتى بدأ زملائي من المؤيدين للنظام بالتهجم عليّ وضربي فصرت أخافهم».
فصلت الحرب بين الجميع حتى الأطفال الذين سرعان ما نضجوا فيها مبكراً وصاروا يفخرون باشتراكهم في نشاطاتها كما في نموذج عبود (12 سنة)، هَتّاف ومغني التظاهرات السلمية الأولى في مدينة حلب. يقول: «لم أعد أتحمل البقاء في البيت وعدم المشاركة في التظاهرات... لقد أدمنت الاشتراك فيها». الشريط الذي غنى فيه أغنية وداعه الأخير لوالدته يدمي القلب، مع أن أحاديث الأطفال عن موتهم، أضحت أمراً مألوفاً في سورية، كما مشهد الموت اليومي الذي لم يعد يُخفى عليهم، وفق زوجة المقاتل أبو علي. «في البدء كنت أقول لأولادي إن أزيز الرصاص ووهج نيران القذائف في السماء ليسا إلا ألعاباً نارية، لأنهم كانوا يحبونها، ولكن مع الوقت، لم يعد ينطلي عليهم الأمر.
صاروا يعرفون الحقيقة وأخذوا يتعاملون مع الموت كما نتعامل نحن الكبار معه». يكفي للدلالة على كلام الأم ما يقوله ابنها محمد (12 عاماً) عن فكرة اقترابه من الموت وحقده على النظام. «قلبي محطم. قبل ذهابي الى النوم، كثيراً ما أجهش بالبكاء، فما نعيشه الآن ليس حياة، بل عذاب. كم أتمنى أن أمسك ببشار وأظل أعذبه. لن أقتله سأذيقه أصناف العذاب ليشعر بنفسه بحجم الآلام التي نشعر بها بسبب ما تلحقه أفعاله الدموية بنا».
يصور الوثائقي كيف أثرت الحرب في نفوس الأطفال لدرجة صاروا خبراء فيها، يعرفون أنواع الأسلحة المستخدمة، وطرق تضليل القناصة وصناعة القنابل وألاعيب السياسة. لقد شوهت الحرب الأهلية دواخلهم وأفقدتهم براءة طفولتهم لدرجة قد يصح توصيف جيل كامل منهم... بالضائع."الحياة"