النقد مكفول للإعلام ما دام منصباً على العمل
قالت وحدة المساعدة القانونية للإعلاميين "ميلاد" أن النقد بصفة عامة هو إبداء الرأي في أحد التصرفات أو الأعمال أو الآراء، دون المساس مباشرة بشخص صاحبها.
و أكدت وحدة "ميلاد" التابعة لمركز حماية وحرية الصحفيين في معرض إجابتها على أسئلة الصحفيين حول المقصود بحق النقد وما هو مدى نطاقه وما هي شروطه، أن أي إنسان يحق له نقد ما حوله من أشياء ونظم وأشخاص، وله الحق أن يعطيها وبشكل علني القيمة التي يعتقد أنها تستحقها سواء كانت قيمة إيجابية أو سلبية وذلك وفقا لأفكاره ومثله واعتقاداته.
وتعمل "ميلاد" بشكل مستمر على تقديم المطالعات القانونية كجزء من مهامها للأسئلة التي يطرحها الصحفيون بسبب قيامهم بواجبهم المهني، أو نتيجة لتعرضهم لبعض المواقف التي تحتاج إلى مراجعة قانونية أثناء قيامهم بعملهم الصحفي.
وفيما يلي الرد القانوني على السؤال لوحدة المساعدة القانونية للإعلاميين "ميلاد":
السؤال الأول: ما هو المقصود بحق النقد وما هو مدى نطاقه وما هي شروطه؟
النقد بصفة عامة هو إبداء الرأي في أحد التصرفات أو الأعمال أو الآراء، دون المساس مباشرة بشخص صاحبها.
ويستند الحق فيه إلى ما للإنسان من حرية ـ أو حق ـ في الإعلان عن الرأي، والتعبير عنه بكافة وسائل التعبير المشروعة. بمعنى حق الإنسان في نقد ما حوله من أشياء ونظم وأشخاص وأن يعطيها علانية القيمة التي يعتقد أنها تستحقها إيجابية كانت أو سلبية وذلك وفقا لأفكاره ومثله واعتقاداته. ومن ثم يشتمل معنى النقد على الاستحسان والاستنكار والقدح والمدح، لكن في العادة تنصرف كلمة النقد إلى بيان العيوب فقط.
نطاق حق النقد :
نقصد بنطاق حق النقد معنيين اثنين المعنى الأول: شمول حق النقد لتصرفات الشخص وللشخص نفسه والمعنى الثاني: امتداد حق النقد لمواجهة تصرفات الشخص العام.
المعنى الأول: شمول حق النقد لتصرفات الشخص وللشخص نفسه.
النقد المشروع ـ بحسب الأصل ـ هو فعل ليس فيه ذم ولا قدح أو إهانة أي ليس فيه مساس بشرف الغير أو اعتباره أو سمعته، وإنما فيه نعي أو استنكار لتصرفه أو عمله بغير قصد المساس بشخصه من جهة شرفه أو اعتباره.
ويجمع الفقه على أن الحكم على الشخص إنما يكون بالحكم على تصرفاته، وذلك باعتبار أن النعي على التصرفات هو بالضرورة نعي على نفس الشخص صاحب التصرف فيؤثر بالقطع على شرفه أو اعتباره أو سمعته، وبعبارة أخرى فإن تعييب أعمال الشخص أو آرائه أو استهجانها واستظهار ما يشوبها من عوار وأوجه نقص وقصور، هو حتماً تعيب للشخص نفسه ومساس به بشكل أو بآخر من جهة اعتباره ومكانته وقيمته في المجتمع الذي يعيش فيه.
ولا مراء أن القول بأن النقد - في جميع الأحوال - هو مجرد نعي فقط على تصرفات الشخص أو أعماله أو آرائه دون مساس البتة بالشخص نفسه، هو قول نظري بحت يتنافى مع حقيقة الواقع العملي الذي نعرفه جميعاً ونعيشه في دنيا الناس.
والحقيقة والواقع أن النعي أو النقد لتصرفات الغير أو أعماله أو آرائه يتضمن في ذات الوقت ـ في جل الحالات إن لم يكن كلها ـ نقداً موجهاً لذات الأشخاص أصحاب هذه التصرفات أو الأعمال أو الآراء، بما يمكن أن يمس مكانتهم أو سمعتهم أو شرفهم بحسب الأحوال.
ولذلك قيل ـ بحق ـ في ضوء هذا النظر لمعنى نطاق حق النقد، قيل (... وبالتالي يكون النقد في العادة مكونا في الأغلب الأعم لجريمة القذف أو السب أو الإهانة).
وعلى حد تعبير بعض الفقه الذي ذهب في إيضاح هذا المعنى إلى القول بأن: (حق النقد مباح مادام منصباً على العمل ومناقشته من الوجهة الفنية. ومادام النقد في هذا النطاق فلا شأن للقانون الجنائي به ولو صيغ في عبارة قاسية أو عبارة تهكمية ... ولكن إذا تعدى النقد إلى شرف الشخص واعتباره الذي يحميه القانون الجنائي انقلب إلى قذف ووقع تحت طائلة العقاب).
وصفوة القول أن حق النقد أو النقد المشرع ينصب ـ أصلاً ـ على تصرفات الأشخاص أو أعمالهم أو آرائهم، ويشتمل في معظم الأحيان الأشخاص أنفسهم أصحاب هذه التصرفات أو الأعمال أو الآراء وذلك بحكم الضرورة وبحكم الاتصال الطبيعي الذي لا يمكن تجزئته بين الشخص نفسه وتصرفاته وأعمال وآرائه.
المعنى الثاني: امتداد حق النقد لمواجهة تصرفات الشخص العام:
من غير المتصور إباحة حق نقد تصرفات أو أعمال أو آراء بعض الأشخاص دون غيرهم، وإلا كان معنى هذا تقسيم المجتمع إلى أشخاص معرضة تصرفاتهم أو أعمالهم أو آرائهم للنقد وأشخاص فوق النقد كل ما يصدر عنهم ـ مهما كان ـ من إبداء أي رأي أو تعليق عليه.
وعلى ذلك يكون حق النقد وإبداء الرأي حقاً دستورياً عاماً لا يجوز تخصيصه وقصر استعماله للنعي على تصرفات أو أعمال أو آراء فئة من الأشخاص فحسب دون غيرها، وإلا أدى ذلك إلى إهدار مبادئ الدستور.
والحق فإن النقد ينصرف أساساً لمواجهة تصرفات أو أعمال أو آراء الشخص العام، ذلك الذي رأى باختياره أن يشارك في الحياة العامة وأن يسهم بثمة دور فعال فيها.
شروط حق النقد :
يمكن أن ننتهي إلى أن حق النقد مباح بعدة شروط هي :
أولاً: الأهمية الاجتماعية للواقعة
الأهمية الاجتماعية للواقعة شرطاً أولياً لإباحة الذم وان كان من المسلم انه ليس ميدان الوظيفة العامة وحده هو ما يهم الناس فكثير من الميادين يتصل اتصالاً وثيقاً وحيوياً بحياة الناس ولا يتعلق بالوظيفة العامة أو شاغلها.
ثانياً: أن يكون النقد موجهاً أساساً إلى العمل:
الأصل في النقد انه يوجه إلى تصرفات الشخص، ومن المسلم به الاتصال الطبيعي بين الشخص وبين تصرفاته وأعماله و أرادته.
ثالثاً: أن يكون النقد متلائم مع الموضوع الذي يوجه إليه وبحسن نية:
ولا يبقى من شروط إباحة النقد إلا كونه متلائماً مع الموضوع وان يكون بحسن نية ومعنى ذلك أن الناقد حكم عليه أن يتعرض للنفع العام فيما يبديه من آراء وان يعتقد صحة رأيه.
كما أنه من المستقر عنده أنه "لا تترتب على الناقد أن يلجأ إلى السخرية من الشخص أو العمل الذي ينفذه ولا يبطله أن نستعمل فيه عبارات مرة وقاسية إذ المناسبة التي يساق فيها النقد قد تقتضي نوعاً من قارص القول ومر العبارة وعنف اللفظ ولا يعد ذلك قذفاً ولا سباً ما دام الناقد يبغى المصلحة العامة وليس التشهير ومرتبطاً بالواقعة محل النقد ومتصلاً بها وثمة صلة بين الواقعة وبين ما يقول ذلك إن الحدود بين النقد المباح وبين السب المعاقب عليه ليست ثابتة أو جامدة".