الخسائر المالية للصحف الورقية.. جرس إنذار
الحديث عن مستقبل الصحافة الورقية في الأردن لم يعد تنجيماً، فالصحف الأردنية واجهت خلال السنوات الأخيرة نسب توزيع متدنية وتراجع في معدلات الإشتراكات والإعلانات، مع إرتفاع كلف التشغيل والنفقات والطباعة وأسعار الورق والوقود، إضافة إلى المنافسة دون معايير.
يحدث ذلك مع الإنتشار الكبير للإنترنت في المملكة، بما ساهم في زيادة عدد المواقع الإلكترونية الإخبارية التي أصبحت تنافس الصحف الورقية ليس فقط في سرعة نقل الأخبار مجاناً، بل وعلى سوق الإعلان أيضاَ.
المكتوب يُقرأ من عنوانه:
وكما يقال في اللغة الدراجة "المكتوب يقرأ من عنوانه"، فنظرة سريعة للبيانات المالية لهذه الصحف، خاصة الكبرى منها التي تصدر عن شركات مساهمة عامة، مثل صحيفتي "الرأي" و"الدستور"، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك الإستنزاف المالي الذي تعاني منه هذه الصحف، وخطة إعادة الهيكلة التي تجري في صحيفة "الدستور" هي مؤشر بالغ الخطورة على وضع الصحيفة التي تصدر منذ ستة وأربعون عاما كأول صحيفة يومية في الأردن وتعاني من خسائر مالية كبيرة بلغت خلال العام الماضي 2011 نحو 2.8 مليون دينار بحسب البيانات المالية للشركة الأردنية للصحافة والنشر التي تصدر الصحيفة، التي أوقفت إصدار صحيفة "ذا ستار" الأسبوعية الناطقة بالإنجليزية. ومن أسباب الخسائر التي تحدث عنها التقرير السنوي لموازنة الشركة، إرتفاع الديون المتعثرة خلال العام الماضي وزيادة رواتب موظفي الشركة وإرتفاع أسعار ورق الصحف ومعظم المواد الخام عالمياً.
ولم تسلم الصحيفة الأولى من حيث الإنتشار والتوزيع في المملكة "الرأي" من الرياح التي عصفت بالصحف الورقية في المملكة، فأرباح الصحيفة في تراجع كما تشير بياناتها المالية السنوية حيث حققت العام الماضي 2011 أرباحاً لم تتجاوز بعد الضريبة 1.35 مليون دينار مقارنة مع عام 2010.
وتشير البيانات المالية للصحيفة أن من أسباب تراجع الأرباح، الإمتيازات والزيادات المميزة في الرواتب والبالغة 753ر138ر2 ديناراً التي قدمتها المؤسسة لموظفيها بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية، إضافة لزيادة النفقات التشغيلية وإرتفاع أسعار الورق والطباعة.
دور الإعلام الجديد :
يقر رئيس تحرير صحيفة "الرأي" سمير الحياري بحقيقة تراجع الصحف الورقية في المملكة، ويضع لذلك عدة أسباب أبرزها إرتفاع كلفة الإنتاج والتراجع في إيرادات الإعلان والتضخم في الأجور.
ويؤكد الحياري وهو أيضاً ناشر موقع عمون الإلكتروني أن الصحافة الإلكترونية لعبت دوراً في التراجع الحاصل بالنسبة للصحافة الورقية، مشيراً في هذا الصدد إلى إتجاه الجمهور الكبير للإنترنيت والذي ساهم بصورة أو بأخرى في تراجع الصحافة الورقية.
ومع إقراره أيضاً بالتراجع الحاصل بالنسبة للصحافة الورقية أمام الإعلام الحديث،إلا أن رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم نبيل غيشان، يعتقد أن الصحافة اليومية لن تختفي رغم الصعوبات التي تواجهها على الصعيد المالي ، لاسيما مع إرتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة مع الإعلام الجديد غير المكلف نسبياً. ويركز غيشان على سبب رئيسي في تراجع الصحف الورقية بقوله: أن توزيع سوق الإعلان على أكثر من وسيلة إعلام خلق مشكلة كبيرة للصحافة الورقية التي تعاني من مشاكل في التوزيع،ايضاً بسبب إرتفاع التكلفة.
لا توجد أرقام محددة حول الوضع المالي لصحيفة ""الغد"" التي تصدر عن الشركة الأردنية المتحدة للصحافة والنشر وهي مساهمة خاصة، غير أن العاملين في الصحيفة يتداولون معلومات مفادها أن الصحيفة منيت بخسائر العام الماضي، نتيجة ضخامة مصروفاتها لاسيما على الرواتب والأجور والتعيينات غير المدروسة، الأمر الذي دفع إدارة الصحيفة لوقف آية تعينات جديدة للعام الحالي. كما إتخذ ناشر الصحيفة محمد عليان قراراً بتعيين مدير عام جديد للصحيفة له خبرة واسعة في مجال الدعاية والإعلان.
أما صحيفة "العرب اليوم" أول صحيفة يومية مستقلة في المملكة، فلها قصة مختلفة، الصحيفة المملوكة لشركة الطباعون العرب والتي تحولت مع نهاية العام الماضي الى شركة خاصة بعد أن كانت مساهمة، نتيجة إنتقال ملكيتها، زادت أجور العاملين لديها بمقدار مائة دينار العام الماضي. ويتحدث العاملون في الصحيفة عن عدم تحقيقها أية أرباح منذ سنوات كما يتداولون معلومات عن إنفاق مالكها الجديد الياس جريسات مبالغ مالية كبيرة كمصروفات وأجور ورواتب، فيما تعتبر نسبة الإعلان في الصحيفة متدنية جداً مقارنة بالصحف الأخرى. ورغم ذلك أصدرت الصحيفة ملاحق جديدة مثل ملحق "دنيانا" وملحق "الناشئة" وقامت بتطوير وتحديث موقعها الإلكتروني وتعيين موظفين جدد برواتب عالية.
ويؤكد الخبير الإعلامي يحي شقير أن الإعلام الحديث كان السبب الرئيسي في تراجع الصحافة الورقية، ويقول أن الصحافة الورقية تلقت ضربة قاسية من الإعلام الحديث فكبريات الصحف في الولايات المتحدة وفرنسا أغقلت أبوابها بعد عقود من العمل نتيجة عدم قدرتها على منافسة الإعلام الحديث، الذي يقول شقير أنه لم يستحوذ فقط على نسب كبيرة من جمهور الصحافة الورقية، بل أيضاً ومن نسب الإعلان التي تعتبر العمود الرئيسي لأية صحيفة ورقية.
ومن وجهة نظر إقتصادية، يرجع الخبير الإقتصادي الدكتور فهد الفانك تراجع الصحافة الورقية إلى عاملين رئيسيين، أولهما تراجع حجم الإعلان في الصحف نظرا للمنافسة الشديدة على هذه السوق من قبل وسائل الإعلام المختلفة، بحيث لم تعد هذه السوق حكراً على الصحافة الورقية كما كان الأمر قبل سنوات، حيث دخل إلى حلبة المنافسة الإذاعة والتلفزيون والمواقع الإلكترونية بالإعلانات وغيرها. إضافة الى دخول وسائل الإعلام الحديثة عبر الإنترنيت.
وتاريخياً تتكتم الصحف اليومية على حجم توزيعها وإشتراكاتها، غير أن المتداول في الوسط الإعلامي أن حجم توزيع الصحف اليومية الرئيسية الأربعة مجتمعة لا يزيد عن مائة ألف نسخة يومياً. موازنات الصحف الكبرى تشير إلى تراجع نسبة الإعلانات بشكل عام، فمثلاً بلغت نسبة تراجع حجم الإعلان في صحيفة "الدستور" للعام الماضي 33%.
تحدي المهنية :
توصف الصحف الورقية عادة بأنها صحف رصيتة تبتعد قدر الإمكان عن المبالغة والإثارة، ومع إنطلاق الإعلام الحديث وجدت الصحف نفسها أمام تحد أخر يتمثل في تحقيق رغبات القرأ دون ان يكون ذلك على حساب أسلوب الرصانة الذي ميزها. لذلك لجأت الصحف الى عدة اساليب لجذب القرا من مختلف الفئات، فأصدرت ملاحق متخصصة منها ما يخاطب الشباب وأخرى تهتم بقضايا المرأة وغيرها. وطورت بعض الصحف أساليب تغطياتها الإخبارية لمختلف الأحداث ووضعت مواقعها الإلكترونية في منافسة حامية الوطيس مع المواقع الإلكترونية الإخبارية لجهة السرعة في نقل الخبر ومتابعة أية مستجدات بشأنه، إضافة الى تخصيص مساحات للصور والأخبار المثيرة.
بالنسبة للحياري تطوير المهنية بالنسبة للصحافة الورقية أمر مهم للغاية خاصة مع ثورة الإعلام الجديد، الذي خلق شكلاً غير معهود من أشكال المنافسة بالنسبة للصحافة الورقية التي تعمل على تطوير هذا الجانب والتنويع فيه لتتمكن من المنافسة.
وعلى الرغم من الإنتقادات التي توجه للمواقع الإلكترونية بعدم المهنية إلا أن الحياري يرفض التعميم ويقول في هذا الصدد أن بعض المواقع الإلكترونية مهنية أكثر من بعض الصحف الورقية.
ويؤكد غيشان أن تحدي المهنية أمام الصحف الورقية ليس بالتحدي السهل، وقال أن على الصحف الورقية أن تخرج من قوالبها التقليدية وتعمل على تقديم قوالب جديدة من حيث الشكل والمضمون في ظل المنافسة الكبيرة والسوق المفتوحة وإزدحام وسائل الإعلام.
إجراءات للإنقاذ
تحتاج الصحافة اليومية إلى إجراءات تشترك بها عدة أطراف لإنقاذها، ومن وجهة نظر الحياري فإن الحل لإنقاذ صناعة الصحافة الورقية يتمثل في الغاء الرسوم والضرائب على الورق والأحبار ومواد الطباعة إذا ما اريد لصناعة الصحف الورقية البقاء والاستمرار والمنافسة.
ويدعو غيشان الصحف الورقية للجوء إلى أسلوب الرشاقة لمواجهة إرتفاع كلف الإنتاج ويقول في هذا الصدد، أن الصحف الأردنية لجأت خلال السنوات الأخيرة لإرهاق نفسها بالعدد الكبير من الصفحات الأمر الذي أرهق موازناتها، مشيراً إلى أن صدور الصحيفة بثمانين صفحة أمر غير مفهوم حالياً في ضوء الصعوبات التي تعاني منها الصحافة الورقية. داعياً الصحافة الأردنية إلى إنتهاج ذات الأسلوب الذي تنتهجه كلاً من الصحافة اللبنانية والصحافة المصرية اللتان تقدمان مضمونا صحفياً متميزاً باقل عدد من الصفحات.
يرفض الفانك الذي تولى رئاسة مجلس إدارة صحيفة "الرأي" لعدة سنوات، أي تخفيض أو إلغاء على رسوم كلف إنتاج الصحف الورقية من أحبار وورق وغيرها من مستلزمات الإنتاج، ويبرر موقفه بأنه ضد أي تمييز بين الشركات فالشركات العامة في مجال الصحافة عليها أن تدفع الضرائب والرسوم كغيرها من الشركات العاملة في السوق، وإذا كانت هذه الشركات تحقق أرباح فعليها أن تدفع الضرائب، أما إذا كانت خاسرة فهي لا تدفع ضرائب اصلا ً، ويؤكد الفانك في هذا الصدد أن الإعفاءات الضريبية تضر بموازنة الدولة التي تعاني أصلاً من عجز مالي كبير.(مرصد الإعلام الأردني)