المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: قاطرة البحث العلمي العربي ورهانه
جو 24 : ينتمي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى فئة المؤسسات البحثية العابرة للتخصصات، فهو لم يحصر نفسه ضمن مجال بحثي محدد كما أن رؤيته للبحث العلمي تبنى على منهج يستفيد من نتائج الكسب العلمي كيفما كان مصدرها وطبيعتها شرط أن تتوفر فيها معايير وشروط الممارسة البحثية الأكاديمية المعروفة.
وقد عرف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات صعودا قويا في السنوات الثلاث الماضية، وشكلت إدارة الدكتور عزمي بشارة لمشاريعه وبرامجه العلمية إضافة نوعية ساهمت في إشعاع المركز باعتبار الرجل جمع في تجربته الطويلة بين المسارين الشاقين البحثي العلمي والنضالي السياسي، وهي التجربة التي ظهرت جلية في كتبه المنشورة أخيرا، حيث من السهولة اكتشاف حضور المؤثرين النظري والعملي في الأفكار والتحليل والنتائج. ما اعتبره الكثير من الباحثين استجابة حقيقية لحاجة المجتمعات العربية التي باتت تنتظر إنتاجا معرفيا صادرا عن تجارب نظرية وعملية ومتجاوزا لعطب الانفصال عن الواقع والمجتمع.
وليس غريبا أن ينجح المركز حتى الأن في تسجيل رقم قياسي في إنتاج المعرفة المنضبطة لشروط البحث العلمي في حدها المطلوب على الأقل، حيث بلغت عدد الكتب المنشورة حوالي أربعين كتابا، بالإضافة إلى ثلاث مجلات علمية محكمة وفصلية هي:
مجلية تبين للدراسات الفكرية والثقافية، ومجلة عمران للعلوم الاجتماعية، ومجلة سياسات عربية للعلوم السياسية، ومن المتوقع أن يصدر المركز قريبا مجلة علمية رابعة متخصصة في علم التاريخ وهي مجلة أسطور.
وعلى مستوى التواصل مع المجتمع العلمي العربي قطع المركز خطوات كبيرة في هذا الإطار، حيث كرس بشكل قوي لمؤتمرين أكاديميين سنويين على الأقل، وهما المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية، ومؤتمر مراكز الأبحاث العربية، بالإضافة إلى الجائز السنوية للعلوم الاجتماعية والتي تمنح سنويا لأفضل الباحثين في العالم العربي.
ويعمل المركز حاليا على مشاريع بحجم طموحات جيل كامل من الباحثين العرب، مثل المعجم التاريخي للغة العربية، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وبرامج الزمالة البحثية ودعم مشاريع الباحثين العرب الشباب.
ومن الواضح أن هذه المشاريع والأعمال جاءت في حقيقته استجابة للحظة التاريخية التي تشهد تطلع الشعوب العربية، لاسيما نخبها العلمية إلى مستقبل أفضل يكون فيه البحث العلمي هو مدار الأمر كله. فحديث السياسيين عن التقدم واقتحام العصر سيبقى مجرد أوهام دون التأسيس لقاعدة بحثية وعلمية تكون محطة انطلاق لأية مشاريع ديموقراطية أو تنموية تروم تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاجتماعي.
ولذلك كانت الرؤية المؤسسة للمركز واعية بهذا التحدي فحاولت الربط بين رسالة المثقّفين والمتخصّصين العرب في العلوم الاجتماعية والإنسانية وبين قضايا مجتمعاتهم وأمّتهم، وبينهم وبين المراكز الفكرية والبحثيّة العربية والعالمية. ذلك أن المركز بحسب الرؤية ذاتها هو مؤسّسة أكاديميّة علميّة. وهو أيضًا مؤسّسة ملتزمة بقضايا الأمّة العربيّة. وينطلق من كون التطوّر لا يتناقض والثقافة والهويّة العربية،ومن أنّ هذا التطوّر هو رقيّ مجتمعٍ بعينه، وهو تنمية بشريّة لفئات المجتمع كافّة، في ظروفه التاريخية وفي سياق ثقافته، وبلغته، ومن خلال تفاعله مع الثقافات الأخرى.
ولأن المركز ينتمي إلى زمانه، تماما كما ينتمي الكسب العلمي إلى واقعه وبيئته، فقد وجه اهتمامه بشكل دقيق إلى تشخيص الأوضاع في العالم العربيّ، دولًا ومجتمعاتٍ، وتحليلها، وبتحليل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي هذا السياق تم تمجيد المنهجية العقلانية باعتبارها الأداة الكفيلة بترتيب الفوضى القائمة في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية، كما أنها المنهجية القادرة على مواجهة التحدّيات التاريخية على مستوى المواطنة والهويّة، والتجزئة والوحدة، والسيادة والتبعيّة والركود العلمي والتكنولوجي، وتنمية المجتمعات والدول العربيّة والتعاون بينها، وقضايا الوطن العربيّ بصورة عامّة.
وفي السياق ذاته يندرج اهتمام المركز العربي بدراسة علاقات العالم العربيّ ومجتمعاته مع محيطه المباشر في آسيا وأفريقيا، ومع السياسات الأميركية والأوروبية والآسيوية المؤثّرة فيه، بجميع أوجهها السياسية والاقتصادية والإعلامية.
ولأن الاهتمام بالنظر هو محرك الإبداع في مجال فلسفات المشاريع والبرامج، فإن المركز أولى الاهتمام للقضايا والمسائل النظرية والتاريخية؛ وكذلك بالنظريّات الاجتماعية والفكر السياسي والتاريخ عناية تحليلية ونقديّة، ولا سيّما إسقاطاتها على الخطاب الأكاديمي والسياسي المُوجِّه للدراسات المختصّة بالمنطقة العربيّة ومحيطها.
يشكل المركز العربي في اعتقادي إضافة نوعية وحقيقية لمجال البحث العلمي والأكاديميا العربية، وهو بذلك سيكون رهانا بالنسبة لجيل كامل من الباحثين الشباب في الوطن العربي، هذا الجيل الذي أصبحت سقف انتظاراه عاليا وبعيدا، تماما كما أصبحت مداركه ومعرفته دقيقة بالعالم وتقلباته وتحدياته.
سعد محمد الطنجاوي
وقد عرف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات صعودا قويا في السنوات الثلاث الماضية، وشكلت إدارة الدكتور عزمي بشارة لمشاريعه وبرامجه العلمية إضافة نوعية ساهمت في إشعاع المركز باعتبار الرجل جمع في تجربته الطويلة بين المسارين الشاقين البحثي العلمي والنضالي السياسي، وهي التجربة التي ظهرت جلية في كتبه المنشورة أخيرا، حيث من السهولة اكتشاف حضور المؤثرين النظري والعملي في الأفكار والتحليل والنتائج. ما اعتبره الكثير من الباحثين استجابة حقيقية لحاجة المجتمعات العربية التي باتت تنتظر إنتاجا معرفيا صادرا عن تجارب نظرية وعملية ومتجاوزا لعطب الانفصال عن الواقع والمجتمع.
وليس غريبا أن ينجح المركز حتى الأن في تسجيل رقم قياسي في إنتاج المعرفة المنضبطة لشروط البحث العلمي في حدها المطلوب على الأقل، حيث بلغت عدد الكتب المنشورة حوالي أربعين كتابا، بالإضافة إلى ثلاث مجلات علمية محكمة وفصلية هي:
مجلية تبين للدراسات الفكرية والثقافية، ومجلة عمران للعلوم الاجتماعية، ومجلة سياسات عربية للعلوم السياسية، ومن المتوقع أن يصدر المركز قريبا مجلة علمية رابعة متخصصة في علم التاريخ وهي مجلة أسطور.
وعلى مستوى التواصل مع المجتمع العلمي العربي قطع المركز خطوات كبيرة في هذا الإطار، حيث كرس بشكل قوي لمؤتمرين أكاديميين سنويين على الأقل، وهما المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية، ومؤتمر مراكز الأبحاث العربية، بالإضافة إلى الجائز السنوية للعلوم الاجتماعية والتي تمنح سنويا لأفضل الباحثين في العالم العربي.
ويعمل المركز حاليا على مشاريع بحجم طموحات جيل كامل من الباحثين العرب، مثل المعجم التاريخي للغة العربية، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وبرامج الزمالة البحثية ودعم مشاريع الباحثين العرب الشباب.
ومن الواضح أن هذه المشاريع والأعمال جاءت في حقيقته استجابة للحظة التاريخية التي تشهد تطلع الشعوب العربية، لاسيما نخبها العلمية إلى مستقبل أفضل يكون فيه البحث العلمي هو مدار الأمر كله. فحديث السياسيين عن التقدم واقتحام العصر سيبقى مجرد أوهام دون التأسيس لقاعدة بحثية وعلمية تكون محطة انطلاق لأية مشاريع ديموقراطية أو تنموية تروم تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاجتماعي.
ولذلك كانت الرؤية المؤسسة للمركز واعية بهذا التحدي فحاولت الربط بين رسالة المثقّفين والمتخصّصين العرب في العلوم الاجتماعية والإنسانية وبين قضايا مجتمعاتهم وأمّتهم، وبينهم وبين المراكز الفكرية والبحثيّة العربية والعالمية. ذلك أن المركز بحسب الرؤية ذاتها هو مؤسّسة أكاديميّة علميّة. وهو أيضًا مؤسّسة ملتزمة بقضايا الأمّة العربيّة. وينطلق من كون التطوّر لا يتناقض والثقافة والهويّة العربية،ومن أنّ هذا التطوّر هو رقيّ مجتمعٍ بعينه، وهو تنمية بشريّة لفئات المجتمع كافّة، في ظروفه التاريخية وفي سياق ثقافته، وبلغته، ومن خلال تفاعله مع الثقافات الأخرى.
ولأن المركز ينتمي إلى زمانه، تماما كما ينتمي الكسب العلمي إلى واقعه وبيئته، فقد وجه اهتمامه بشكل دقيق إلى تشخيص الأوضاع في العالم العربيّ، دولًا ومجتمعاتٍ، وتحليلها، وبتحليل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي هذا السياق تم تمجيد المنهجية العقلانية باعتبارها الأداة الكفيلة بترتيب الفوضى القائمة في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية، كما أنها المنهجية القادرة على مواجهة التحدّيات التاريخية على مستوى المواطنة والهويّة، والتجزئة والوحدة، والسيادة والتبعيّة والركود العلمي والتكنولوجي، وتنمية المجتمعات والدول العربيّة والتعاون بينها، وقضايا الوطن العربيّ بصورة عامّة.
وفي السياق ذاته يندرج اهتمام المركز العربي بدراسة علاقات العالم العربيّ ومجتمعاته مع محيطه المباشر في آسيا وأفريقيا، ومع السياسات الأميركية والأوروبية والآسيوية المؤثّرة فيه، بجميع أوجهها السياسية والاقتصادية والإعلامية.
ولأن الاهتمام بالنظر هو محرك الإبداع في مجال فلسفات المشاريع والبرامج، فإن المركز أولى الاهتمام للقضايا والمسائل النظرية والتاريخية؛ وكذلك بالنظريّات الاجتماعية والفكر السياسي والتاريخ عناية تحليلية ونقديّة، ولا سيّما إسقاطاتها على الخطاب الأكاديمي والسياسي المُوجِّه للدراسات المختصّة بالمنطقة العربيّة ومحيطها.
يشكل المركز العربي في اعتقادي إضافة نوعية وحقيقية لمجال البحث العلمي والأكاديميا العربية، وهو بذلك سيكون رهانا بالنسبة لجيل كامل من الباحثين الشباب في الوطن العربي، هذا الجيل الذي أصبحت سقف انتظاراه عاليا وبعيدا، تماما كما أصبحت مداركه ومعرفته دقيقة بالعالم وتقلباته وتحدياته.
سعد محمد الطنجاوي