يا مجلس الأمة مقاومة الإحتلال ليست إرهاباً
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
إن أكثر عمليات الإرهاب تطرفا هو الإحتلال العسكري، وإن مقاومة هذا الإحتلال هو فرض عين.
كنت أتمنى على أعضاء مجلس الأمة العودة إلى صفحات المراجع القانونية والتاريخية والسياسية والإطلاع على بعض المصادر والمراجع التي تنضوي تحت عنوان الإرهاب؛ حتى تكون أحكامهم صادرة عن معرفة أو تجربة أو علم.
هناك أكثر من تعريف للإرهاب، وهذه التعاريف تختلف تبعا للظروف السياسية والعسكرية والإجتماعية والإقتصادية في دولة بعينها، ومن الصعب الأخذ بتعريف واحد جامع. ولكن هذه المصاعب لا يجب أن تمنعنا من استعراض التطور التاريخي للإرهاب والإلمام بأبعاده، لا سيما الإرهاب الناجم عن الإحتلال العسكري لفلسطين، وهي أكبر قضية إرهاب استمرت طوال قرن من الزمان.
ولعل أفضل تعريف للإرهاب في مطلع القرن العشرين هو التعريف الذي ورد في الموسوعة البريطانية والقائل بأن الإرهاب "هو وسيلة متطرفة تستخدمها حكومة محتلة عن طريق نشر الذعر والفزع واللجوء إلى القتل والإغتيال والتوقيف التعسفي والإعتداء على الحريات الشخصية لإرغام أفراد الشعب على الخضوع والإستسلام. وإن أكثر عمليات الإرهاب تطرفا هو الإحتلال العسكري".
ولو تمعنا بعمق في أبعاد هذا التعريف لوجدنا أن أفضل مثل حي لهذا التعريف هو الإحتلال الصهيوني لكل من فلسطين ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة، وإن أقسى ممارسات هذا الإرهاب هو ما يدور في ساحة الأقصى. بعد أن تم استبدال عشرات المنظمات الصهيونية الإرهابية بدءا بأرغون وشتيرن وبالماخ والهاجاناه التي انضوت تحت مسمى جيش الدفاع الإسرائيلي.
ولم تتغير عمليات الإرهاب منذ مذبحة دير ياسين وفندق الملك داوود إلى إحتلال الضفة الغربية وإحتلال غزة بل ازدادت قسوة وفداحة في ظل جيش الإحتلال الإسرائيلي.
بين الإرهاب والتحرير:
إن الإرهاب يتمتع بالديناميكية وإن وسائله تتطور، وهو يلجأ إلى التخطيط المدروس قبل عملية التنفيذ؛ فالإرهاب في حد ذاته وسيلة لنشر الذعر والفزع واللجوء إلى القتل والإغتيال والإعتداء على حريات وأرواح الأبرياء. فهناك الإرهاب القائم على القهر والتعسف والإكراه وهناك الإرهاب القائم على إشاعة الفوضى وإعاقة مجرى العدالة والخروج على القوانين المتعارف عليها وخرقها وهناك الإرهاب الذي يستهدف المثل والقيم والمقومات النفسية وفقدان الثقة والإحباط والتثبيط وإرغام المواطنين على الركض وراء لقمة العيش بأي ثمن.
وكما جاء في القانون البريطاني لعام 1984 بأن الإرهاب هو استعمال العنف لأغراض سياسية.
وهنا يتوجب علينا التمييز بين الإرهاب في دولة بعينها حيث يكون الإرهاب وسيلة لتدمير الحكومة الوطنية. من قبل تنظيمات معادية ويتم تمويل الإرهاب من الداخل وتقتصر عمليات الإرهاب في نطاق وحدود دولة بعينها. وهناك الإرهاب الخارجي الذي تقوم بتدريبه وتمويله وتسليحه دولة أخرى معادية أو عدة دول وذلك للقيام بعمليات إرهابية مختلفة من قتل وزرع متفجرات وخطف الطائرات وتهديد الأماكن والمباني العامة واغتيال رجال الدولة أو ممثليهم وضرب وتدمير المرافق الحيوية مثل مصفاة البترول والمحطات الكهربائية وشبكات المياه والجسور والأنفاق ومحطات الإذاعة والتلفزيون. وهناك ما تعارف عليه بإسم الإرهاب الدولي والذي تشترك فيه مجموعات إرهابية من جنسيات مختلفة للقيام بعمليات إرهابية في أماكن متعددة ودول مختلفة مثل اختطاف السفراء أو قتلهم أو المساومة على أرواحهم أو شن هجوم على السفارات أو خطف الطائرات.
ويجدر بنا في هذا المجال أن نفرق بين حركات المقاومة والتحرير وبين الإرهاب ومن أجل توضيح ما نرمي إليه فلنأخذ بعض الأمثلة من بطن التاريخ.
لقد أضافت حرب التحرير الإسبانية ضد الفرنسيين بين عام 1808– 1813 كلمة جديدة لمفردات القاموس العسكري وهي "حرب العصابات".
ولقد قام الزعيم الصيني ماوتسي تونغ بوضع استراتيجية ثورية قائمة على حرب العصابات من أجل الإطاحة بنظام شن كاي شك والإستيلاء على الحكم حيث أصدر عام 1937 كتابه الشهير "حرب العصابات" وأتبعه بكتاب "النزاع البطيء" عام 1938 والذي حدد فيه ثلاث مراحل لأي حركة تحرر من أجل النجاح:
1: الدفاع الإستراتيجي: تتميز هذه المرحلة بإنسحاب القوات الصغيرة للعصابات المسلحة بشكل تدريجي وبطولي أمام القوات النظامية. ويسبب هذا الإنسحاب خسارة في الأرض وربما في الوقت ويجب على قوات العصابات أن تتفادى الإشتباك مع قوات النظام في هذه المرحلة لأن هدفها هو الصمود وكسب الوقت.
2: مرحلة الركود: بحيث يظل " الإستمرار في البقاء " هو الهدف الأساسي والإستراتيجية المتبعة هي أن تقوم قوات العصابات بشن هجمات ضد معاقل قوات النظام على شكل ضربات سريعة يتلوها إنسحاب سريع. وينجم عن هذه المرحلة شعور بالضعف في صفوف قوات النظام الحاكم وعدم جدوى المقاومة والتصدي لضربات وهجمات العصابات المتكررة بالإضافة إلى زيادة ثقل العبء العسكري والمعنوي لا سيما إذا وقع قتلى بين قوات النظام.
3: مرحلة الهجوم الإستراتيجي: عندما يكتمل تدريب أفراد العصابات يتم انتقاء الأهداف الإستراتيجية من مواقع ومن مباني حكومية ومن أشخاص وقيادات ومعسكرات.
ولو تمعنا مفهوم المرحلة الثالثة لوجدنا أنها تهدف إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من الإهتمام العالمي والتغطية الإعلامية وأن الثورة قد أجازت لنفسها استخدام كل وسائل الإرهاب من اغتيال وقتل ممثلي الدولة في الداخل والخارج وتعطيل الأعمال الحكومية وإشاعة الرعب والخوف والقلق وممارسة وشن هجمات خاطفة من أجل تحقيق أهدافها في الإستيلاء على الحكم وهذه الحالة تعرف بإسم "البؤرة الثورية" وبعد هذه المرحلة تبدأ مرحلة جديدة كلما نجحت العصابات في حربها على النظام الحاكم تنفض عن نفسها صفة العصابات لتتحول إلى تسمية جديدة هي الثوار من أجل الحرية وهنا يتقرر مدى نجاح الثورات في مدى تأييد الشعب للثورة الجديدة ومدى إنهيار قوات النظام الحاكم ويطفو إلى السطح مفهوم الشرعية السياسية بحيث يتقرر مدى نجاح الثورات في مدى فرض السيطرة واستلام زمام الحكم وتوالي اعتراف دول العالم بالنظام الجديد.
كانت ألمانيا النازية تنظر إلى حركة المقاومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية أنها حركة إرهابية بينما هي في نظر الحلفاء حركة تحرير شعبية. ثم لنأخذ نظرة الفرنسيين أنفسهم لحركة التحرير الجزائرية ذات المليون شهيد حيث اعتبروها حركة إرهاب مسلح بينما هي في نظر العالم بأسره حركة تحرير شعبية وطنية.
ولا شك بأن مصداقية الدول العظمى في هذه المواقف معدومة فلو أخذنا على سبيل المثال موقف الولايات المتحدة في كل من إيران قبل وبعد خروج الشاه وفي الفلبين قبل وبعد إخراج ماركوس وموقفها تجاه المقاومة الأفغانية إبان احتلال الروس لأفغانستان وبعد التحرر من هذا الإحتلال.
إن موقف مجلس الأمة يذكرني بالموقف الألماني تجاه حركة التحرير الفرنسية ويذكرني بموقف الفرنسيين تجاه حركة التحرير الجزائرية. وإن أكبر عملية إرهاب في العالم اليوم هو استمرار الإحتلال العسكري للأقصى ولفلسطين وللضفة الغربية ولقطاع غزة ولمرتفعات الجولان. وإن مقاومة الإحتلال ليست إرهابا بل فرض عين على كل العرب والمسلمين.
* الكاتب باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي