نشرات أخبار رؤيا والتلفزيون الأردني: تنافس على الخبر الحكومي "فيديو"
ندرة نشرات الأخبار المحلية في الأردن ترفع توقعات المشاهدين من كل قادم جديد، وبخاصة إذا كانت المحطة مملوكة من جهة غير الحكومة التي احتكرت البث التلفزيوني والإذاعي لعقود. لكن تجربة الفضائيات الأردنية تبرهن أن الملكية الخاصة ليس بالضرورة أن تضمن استقلالية المحطة عن الحكومة. وفي هذا السياق تعتبر نشرات الأخبار المعيار الأهم لاستقلالية المحطة وحرفيتها ومهنيتها.
تكتسب نشرات الأخبار المحلية في قنوات التلفزة الأردنية أهمية تفوق غيرها من البرامج. ففي مسوحات ودراسات جمهور الإعلام الأردني تكون نشرة الأخبار الرئيسية الأعلى مشاهدة بين برامج التلفزيون الأردني الذي يتصدر القنوات الأردنية. يضاف لذلك أن 90% من الأردنيين يشاهدون التلفزيون بشكل عام، وهو الوسيلة الإعلامية التي تشكل المصدر الأكثر موثوقية لدى الأردنيين.
ومع ذلك فإن نشرات الأخبار في الأردن منتج إعلامي نادر اقتصر على الإذاعة والتلفزيون الرسميين لسنوات طويلة. وعندما أتيح للقطاع الخاص انحصر بين القادرين على دفع رسوم ترخيص مضاعفة. وبذلك ضمنت الحكومة حصر أعداد المحطات التي تقدم برامج إخبارية وسياسية. عدا عن أن إنتاج نشرات الأخبار مكلف جدا والمؤسسات الإعلامية في الأردن تعاني من ضعف الموارد المالية.
قناتا تلفزة فقط تبثان نشرات أخبار مختصة بالشأن المحلي في الأردن، إحداهما حكومية (التلفزيون الأردني) والأخرى خاصة (رؤيا)، من أصل قرابة 14 قناة تستهدف جمهورا أردنيا، منها 11 فضائية خاصة وثلاثة حكومية (التلفزيون الأردني، القناة الرياضية وقناة الثقافة الأردنية التابعة للمركز الثقافي الملكي). هذا عدا عن 30 فضائية خاصة، مرخصة من هيئة الإعلام المرئي والمسموع وتبث من الأردن لجمهور عربي أو غير أردني.
مشهد تلفزيوني يوحي بالتنوع، عن بعد. لكن التفاصيل تكشف خلاف ذلك. فالتمايز بين القناة الحكومية (التلفزيون الأردني) والخاصة (رؤيا)، يضيق في نشرتي الأخبار المحليتين.
يبدأ التشابه بينهما من التناقض بين الأهداف والسياسات التحريرية المعلنة للمؤسستين، وبين مضمون نشرتي الأخبار. تنطلق قناة رؤيا من “رؤية” “فضائية ذات شكل عصري ورقمي متطور يرقى بمضمون إعلامي عالي المهنية والجودة ويلبي اهتمامات وتطلعات المشاهد العربي والمشاهد الأردني في الداخل وفي الخارج”. ومثلها يستند التلفزيون الأردني على “رؤية” تهدف إلى “تقديم اعلام وطن هادف يكرس حرية التعبير والرأي الاخر ضمن اجواء قائمة على الاستقلالية والحرية المسؤولة والتعبير عن الوطن بكافة فئاته وعكس ارادته وتطلعاته … والاحتراف المهني والتميز والمسؤولية”.
وبعد رصد ست نشرات إخبارية متعاقبة في ثلاثة أيام (6-8 نيسان 2014) ومتزامنة في المحطتين، وفيها تم قياس معيارين رئيسيين: اختيارات موضوعات النشرة (تنوعها وترتيبها) ومصادر المعلومات والآراء (تعددها وتنوعها)، النتيجة كانت أن نشرات الأخبار المرصودة في القناتين تعتمد أسلوب الدعاية الحكومية كمحدد للموضوعات وطريقة معالجتها، مبتعدة بذلك عن “المهنية، الجودة، الاحتراف المهني والتميز”، و”اهتمامات، تطلعات وإرادة” المشاهد الأردني.
الملك أولا
مدى التطابق بين نشرتي أخبار التلفزيون الأردني ورؤيا يتجلى في التعامل مع أخبار الملك الذي يحتل دوما الخبر الرئيسي. قد يبرَر ذلك بأهمية موقعه كرأس السلطة وبالتالي مدى تأثير قراراته وتحركاته على أكبر شريحة من الجمهور. لكن معيار الأهمية يتغير عندما تكون التغطية بروتوكولية دعائية ولا تعكس مضمون الزيارات، اللقاءات والفعاليات التي يرعاها. وتُبَث أخبار الملك حرفيا كما توزعها إدارة الإعلام والاتصال في الديوان الملكي. يظهر ذلك في تطابق نصوص وصور الأخبار، مع اختلاف طفيف في مدة الخبر يفرضه التفاوت بين مدة نشرة الأردني (ساعة) ونشرة رؤيا (نصف ساعة).
تتطابق نشرتا التلفزيون الأردني ورؤيا كذلك في التقارير المتعلقة بالقوات المسلحة وأجهزة الأمن العام، التي تأتي جاهزة من مديرية التوجيه المعنوي في القوات المسلحة ومن المركز الإعلامي في مديرية الأمن العام. وتبث كما هي في القناتين بإعداد وتقديم الرائد الفلاني، بصوته واسمه الذي يختم به التقرير.
وتتشابه النشرتان في ترتيب الأخبار وفقا لمناصب المصادر الرسمية وليس لأهميتها. فاستهل التلفزيون الأردني ورؤيا نشرتيهما في السادس من نيسان بخبر لقاء الملك مع كتلة النهضة البرلمانية. لكن القناتين لم تعكسا أهمية الحدث، فاكتفت رؤيا بنقل خبر من دون أصوات وترافق مع صور ثابتة تدلل على أن التغطية منقولة عن وكالة الأنباء. في حين توسع التلفزيون الأردني بإجراء مقابلة مباشرة، على غير العادة، مع رئيس كتلة النهضة. لكنها لم تكشف عن فحوى ونتائج اللقاء الذي جاء ضمن سلسلة من لقاءات الملك مع الكتل النيابية.
وجاء ثانيا في النشرتين خبر استقبال الملك لأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، تلاه خبر متصل عن استقبال رئيس الوزراء للعربي، ثم خبر استقبال وزير الخارجية للعربي. وخامسا الإعلان عن زيارة الملك القادمة لموسكو. وتوالت أخبار وزير الداخلية عن تحقيقات الزعتري وقرارات اجتماع مجلس الوزراء.
يستمر التطابق في اليوم التالي بين نشرتي التلفزيون الأردني ورؤيا في أخبار زيارة الملك للفاتيكان، زيارة الملك لمديرية الامن العام، زيارة رئيس الوزراء للمركز الوطني لحقوق الإنسان، افتتاح رئيس الوزراء بالنيابة عن الملك مؤتمر إقليمي لإنشاء شبكة استجابة للأزمات في العام العربي، افتتاح رئيس مجلس النواب بالنيابة عن الملك ورشة عمل دولية تحت عنوان تعزيز مصداقية العملية الانتخابية، وإحباط قوات حرس الحدود لعملية تسلسل لسوريا.
مصادر متنوعة لرواية حكومية
هامش من الاختلاف يظهر في تغطية نشرتي الثامن من نيسان لنشاطات الحكومة. فيركز التلفزيون الأردني على الأخبار الرسمية الدعائية فينقل في 17 دقيقة لقاء رئيس الوزراء مع الفعاليات الشعبية والرسمية في إقليم البترا التنموي، بحضور وزراء الداخلية، البلديات، العمل، الأشغال، المياه، وزيارة وزير العدل لمحكمة صلح الأغوار الشمالية.
وتنتقي رؤيا في ذات اليوم أخبارا أكثر تنوعا من ناحية العمر والقطاعات ولكنها حكومية أيضا، مثل تصريحات وزيرة النقل بخصوص استراتيجة النقل العام، مقابلة مدير عام مؤسسة التدريب المهني خلال مؤتمر مهارات للحياة لتعزيز فرص العمل للشباب، مقابلة رئيس الجامعة الأردنية خلال احتفالها بذكرى معركة الكرامة، مقابلة وزير المياه والري عن مشروع صرف صحي جديد في محافظة معان وتقرير عن ندوة في مديرية الدرك بعنوان “الجودة الشاملة في الأداء المؤسسي في الأجهزة الأمنية”. ويظهر التنوع الجغرافي في نشرة رؤيا في السادس من نيسان، بأخبار وفيات وحريق في ماحص، زيارة وزير التربية والتعليم لمدارس في الزرقاء، حملة عن مضار التدخين في جامعة مؤتة، لقاء مع رئيس بلدية مؤتة عن شكاوى من البسطات غير المرخصة واعتصام موظفين في بلدية الطفيلة.
تمايز أكثر عمقا يظهر في تغطية جلسات واجتماعات اللجان النيابية. فيُجْمل التلفزيون الأردني قرارات اجتماعات لجان مجلسي النواب والأعيان في تقرير مدته ثلاث دقائق، وينتقى من الجلسات العامة للنواب مقتطفات متوافقة مع التوجهات الحكومية، يليها تذكير ببث كامل الجلسة في الساعة العاشرة مساء على القناة الرياضية.
وترفع فضائية رؤيا سقفها باختيار القضايا الأكثر سخونة في اجتماعات اللجان النيابية، كقضية مؤسسة الحسين للسرطان، تصريحات مساعد أمين عام وزارة التنمية الاجتماعية خلال اجتماع لجنة الحريات العامة بخصوص واقع وزارة التنمية الاجتماعية والعاملين فيها وإضراب العاملين في شركة الفوسفات.
بالمقارنة بين نشرات الأخبار وبقية برامج التلفزيونات عموما، نجد أن سقف حرية التعبير يرتفع في البرامج الحوارية المباشرة. فالمحطة تزيح عن كاهلها جزءا من عبء الآراء التي يعبر عنها ضيوف البرامج في بث حي على الهواء، بدافع “أنها لا تعبر عن رأي المحطة”، علما أن هذه العبارة لا تعفي المحطة أمام القانون. وفي حين تظهر الرقابة والتدخل الحكومي المسبق بشكل واسع في مضمون نشرات الأخبار، تتقلص في البرامج الحوارية عند حدود اختيار الضيوف.
(حبر - سوسن زايدة)