الشهيد وصفي التل أول رئيس وزراء يقرّ للعمال عطلة رسمية في عيدهم
جو 24 : كتب: محمود كريشان
شجرة بلوط عمرها الدهر، تتربع في ذاكرتنا، تتجذّر في ضمائرنا، تحمل في شموخها صورة وصفي التل، الذي لامست بصمات عطائه جغرافيا الوطن، بكافة تفاصيله.. وصفي الملتصق بالأرض والمرتبط بها عملا وعشقا، وهو الذي قال: من يحب الأرض، يحب الوطن، فقد كان يعمل بيده ويحرص كل الحرص ان يجلس مع العمال، يساعدهم، ينكش بفأسه اشجار بيته في الكمالية، ويقنِّب سيقانها وغصونها.. كان يرتدي (فوتيكه) الكاكي المضمخ بتراب الارض الطيبة، يمسح اول الندى عن اوراقها في ساعات الصباح الاولى، ربما ليعطي درسه ان الشخص مهما كبر منصبه وموقعه فهو عامل للارض والوطن.. لأن المنصب كان في عرفه وسيلة لخدمة الناس لا التعالي عليهم.. لذلك كان «ابن الحرَّاثين» اسطورة وطنية ومدرسة خالدة، في العمل والانتماء المصحوب بالانجاز. وتنهض هنا ذاكرة السبعيني نبيل صالح شقير احد اليساريين القدامى من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «سابقا» الذي قال لـ»الدستور» ان الشهيد وصفي التل هو اول من أقرَّ ان يكون عيد العمال عطلة رسمية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث كان اليسار له حضوره في تلك الحقبة وكان الجميع يحتفل بالعيد وتلقى الخطب، مؤكدا ان الشهيد التل كان يحرص على مشاركة العمال احتفالاتهم ويعمل معهم واكثر ما كان يسعده ان يقوم بزراعة الارض مع العمال.
عمال الوطن هذه الايام.. يستذكرون وصفي التل الذي كان منهم واليهم، وهو الذي يحب من يعمل، حيث يقول الإعلامي الزميل عبدالمنعم ابو طوق ان وصفي دخل في ذات زمن، لتفقد مرافق مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، فدخل الى دورة المياه، ليجد ان اطراف ارضية البلاط فيها شيء من السواد، فقال للعامل لماذا لم تنظفها؟.. ليرد العامل انه حاول لكنها بقيت.. فما كان من وصفي إلا أن شمَّر عن ساعديه، وتناول فرشاة يدوية خشنة، بعد ان سكب الماء والمنظف فوق البلاط، واصبح يمسح البلاط بشدة، ثم سكب الماء عليه، وقال للعامل: ها هو البلاط رجع ابيض «بوج وج».. بس انت ما بدك تتعب بشغلك يا ابني.
وصفي كان الداعم القوي لمن كان يسميهم «ابناء الحرّاثين» وهم البسطاء من ابناء الريف الذين يذكرون جيدا كيف وقف الى جانب الفلاح، ودعم الحفاظ على الرقعة الزراعية، وكيف كان يحدث الفلاحين بلسانهم البسيط وبطبيعته الاربدية النقية، ويجالس القرويين على ابواب دكاكينهم.. وهو الذي كان يحرص على زيارة صغار المزارعين في مواقع عملهم، يناقشهم ويستمع لهمومهم ومطالبهم.. بل انه يرشدهم في كيفية زراعة محصولهم، فهو ابن الأرض الذي يعرف انها تعطي من يعطيها.
وصفي التل يعرف تفاصيل الديرة الاردنية، وهنا اتذكر أحد أبناء مدينة معان الأجلاء المرحوم «ابو يوسف الطحان» الذي قال لكاتب هذه السطور قبل وفاته، انه وخلال خدمته العسكرية في الجيش العربي بإحدى مقاطعات نابلس، قام وزير الدفاع «آنذاك» وصفي التل بزيارة مفاجئة الى الكتيبة، وقال الطحان: عندما جلس معنا ذهبت لإعداد الشاي للضيف، ولأن الضيف عزيز، اردت ان يكون الشاي مميزا، لذلك اخرجت من صندوقي «نعنعا» معانيا ناشفا، ووضعته فوق الشاي، الذي حرصت أن أعده على الطريقة المعانية «خفيف وسكر زيادة»، وعندما ارتشف التل الرشفة الاولى من كباية الشاي تنهد وقال امام الجميع «والله انه شاي معاني»... وكانت ولا تزال معان تشتهر بنكهة نعنعها العطرية المميزة.
هذا وصفي الذي يعرف ماذا تنتج ارض كل محافظة وقرية اردنية من مزروعات وكيف تعد اطعمتها ومشروباتها فهو ابن الناس القريب من كل الناس.
(الدستور)
شجرة بلوط عمرها الدهر، تتربع في ذاكرتنا، تتجذّر في ضمائرنا، تحمل في شموخها صورة وصفي التل، الذي لامست بصمات عطائه جغرافيا الوطن، بكافة تفاصيله.. وصفي الملتصق بالأرض والمرتبط بها عملا وعشقا، وهو الذي قال: من يحب الأرض، يحب الوطن، فقد كان يعمل بيده ويحرص كل الحرص ان يجلس مع العمال، يساعدهم، ينكش بفأسه اشجار بيته في الكمالية، ويقنِّب سيقانها وغصونها.. كان يرتدي (فوتيكه) الكاكي المضمخ بتراب الارض الطيبة، يمسح اول الندى عن اوراقها في ساعات الصباح الاولى، ربما ليعطي درسه ان الشخص مهما كبر منصبه وموقعه فهو عامل للارض والوطن.. لأن المنصب كان في عرفه وسيلة لخدمة الناس لا التعالي عليهم.. لذلك كان «ابن الحرَّاثين» اسطورة وطنية ومدرسة خالدة، في العمل والانتماء المصحوب بالانجاز. وتنهض هنا ذاكرة السبعيني نبيل صالح شقير احد اليساريين القدامى من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «سابقا» الذي قال لـ»الدستور» ان الشهيد وصفي التل هو اول من أقرَّ ان يكون عيد العمال عطلة رسمية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث كان اليسار له حضوره في تلك الحقبة وكان الجميع يحتفل بالعيد وتلقى الخطب، مؤكدا ان الشهيد التل كان يحرص على مشاركة العمال احتفالاتهم ويعمل معهم واكثر ما كان يسعده ان يقوم بزراعة الارض مع العمال.
عمال الوطن هذه الايام.. يستذكرون وصفي التل الذي كان منهم واليهم، وهو الذي يحب من يعمل، حيث يقول الإعلامي الزميل عبدالمنعم ابو طوق ان وصفي دخل في ذات زمن، لتفقد مرافق مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، فدخل الى دورة المياه، ليجد ان اطراف ارضية البلاط فيها شيء من السواد، فقال للعامل لماذا لم تنظفها؟.. ليرد العامل انه حاول لكنها بقيت.. فما كان من وصفي إلا أن شمَّر عن ساعديه، وتناول فرشاة يدوية خشنة، بعد ان سكب الماء والمنظف فوق البلاط، واصبح يمسح البلاط بشدة، ثم سكب الماء عليه، وقال للعامل: ها هو البلاط رجع ابيض «بوج وج».. بس انت ما بدك تتعب بشغلك يا ابني.
وصفي كان الداعم القوي لمن كان يسميهم «ابناء الحرّاثين» وهم البسطاء من ابناء الريف الذين يذكرون جيدا كيف وقف الى جانب الفلاح، ودعم الحفاظ على الرقعة الزراعية، وكيف كان يحدث الفلاحين بلسانهم البسيط وبطبيعته الاربدية النقية، ويجالس القرويين على ابواب دكاكينهم.. وهو الذي كان يحرص على زيارة صغار المزارعين في مواقع عملهم، يناقشهم ويستمع لهمومهم ومطالبهم.. بل انه يرشدهم في كيفية زراعة محصولهم، فهو ابن الأرض الذي يعرف انها تعطي من يعطيها.
وصفي التل يعرف تفاصيل الديرة الاردنية، وهنا اتذكر أحد أبناء مدينة معان الأجلاء المرحوم «ابو يوسف الطحان» الذي قال لكاتب هذه السطور قبل وفاته، انه وخلال خدمته العسكرية في الجيش العربي بإحدى مقاطعات نابلس، قام وزير الدفاع «آنذاك» وصفي التل بزيارة مفاجئة الى الكتيبة، وقال الطحان: عندما جلس معنا ذهبت لإعداد الشاي للضيف، ولأن الضيف عزيز، اردت ان يكون الشاي مميزا، لذلك اخرجت من صندوقي «نعنعا» معانيا ناشفا، ووضعته فوق الشاي، الذي حرصت أن أعده على الطريقة المعانية «خفيف وسكر زيادة»، وعندما ارتشف التل الرشفة الاولى من كباية الشاي تنهد وقال امام الجميع «والله انه شاي معاني»... وكانت ولا تزال معان تشتهر بنكهة نعنعها العطرية المميزة.
هذا وصفي الذي يعرف ماذا تنتج ارض كل محافظة وقرية اردنية من مزروعات وكيف تعد اطعمتها ومشروباتها فهو ابن الناس القريب من كل الناس.
(الدستور)