jo24_banner
jo24_banner

حب الوطن والولاء والانتماء

الكابتن اسامة شقمان
جو 24 : للأسف الشديد؛ نعيش أزمة، حول حب الوطن و الولاء و الانتماء له، وتكاد تفتك هذه الأزمة بمجتمعنا، بحيث شهدنا ان تراجع (وليس اختفاء) فكرة الحب و الولاء و الانتماء له حتى امتد تأثير هذا التراجع إلى طيف واسع في المجتمع.

والسؤال الذي يطرح نفسه؛ كيف سيشعر الانسان العربي بالانتماء للوطن و هو لا يحصل في هذا الوطن على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟ و كيف سيشعر الانسان بحب الوطن و الولاء و الانتماء لوطنٍ وهو لا يستطيع تأمين لقمة عيشه أو أرضاً يسكن فيها, في ظل هذه الأوضاع لاقتصادية و الاجتماعية الحالية التي اسهمت في تهميش ذلك الشعور النبيل الذي يتمثل في حب الوطن و الولاء و الانتماء له، حيث يكاد حب الذات، والانتصار للنفس، والثراء الغير مشروع، وإعلاء قيمة الذات، والغرور، والكبر، والفساد في نهب مقدرات الوطن يفتك بكافه طبقات المجتمع و في شتى المجالات.

حب الوطن و الولاء و الانتماء له واجب شرعي وديني وأخلاقي، وحبذا لو ترجم هذا الحب على ارض الواقع إلى أفعال، فالوطن يستدعي منا جميعا أن نعبر عن هذا الحب بحيث يكون الوطن ومصلحته أسمى هدف لنا جميعا، لان حب الوطن من الأمور الفطرية التي تسري في قلب كل انسان فليس غريبا أبدًا أن يُحب الإنسان وطنه الذي خلق و نشأ وشبَّ وترعرع على ثراه و بين جنباته.

فقد وردت كلمة ''الدار'' بمعنى الوطن في القرآن الكريم قال تعالى: ''والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم''، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وهو اول من صرح بحبه لوطنه فعلينا أن نحذو حذوه في حب الوطن، ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا مكة (ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرك).

حب الوطن الولاء و الانتماء الى ارضه هي صفه نجدها عند كل انسان وفي كل الاديان فالكل يسعى لأجل وطنه ومن الطبيعي ان يكون كل انسان حر ان يكون محباً لوطنه مخلصاً له غيوراً عليه وهذه صفة من صفات الانسان فالوطن هو مصدر عزة وفخر لكل فرد ينتمي اليه، فالوطن بمثابة الأم التي تحمي أبناءها، وتضمهم بين ذراعيها وما يدفعها الى ذلك غريزة فطرية متأصلة في النفس البشرية، ولعل هذا الحب الفطري هو ما يجعل الإنسان لا يستريح إلا في وطنه، ويدافع عنه إذا ما تعرض لأي تهديد او هوجم من أي معتد.ٍ

هذا الحب وتلك المشاعر تجاه الوطن لا تترجم بحسب المصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معاداته ومعاداة أهله والتفرقه في ما بينهم، وليس من الحب نهب خيراته وثرواته، وليس من الحب نشر ثقافة الكراهية والحقد والمذهبية بي ابناء الوطن، كما انه ليس من الحب أن نبتز الوطن من أجل مصالحنا الذاتية.
ولتعزيز هذا الحب وترسيخه في الوجدان ينبغي اعادة التفكير في النهج التعليمي والجتماعي بحيث يتمثلُ في تنمية الشعور في حب الوطن و الولاء و الانتماء له وتربية الإنسان على استشعار ما للوطن من أفضال عليه منذ نعومة أظفاره، ومن ثمّ تربيته على رد الجميل، والانتماء الإيجابي للوطن بالاعتماد على مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع و عبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً و مسموعةً و مرئية ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إدراك كل فردٍ في داخل الوطن ما عليه من الواجبات.

وحتى يتحقق حب الوطن و الولاء و الانتماء له عند الجميع فلا بُد من غرس صدق الانتماء للوطن وهذا ما أكدت عليه الرسالات السماوية كافة، وعلى الدور الذي يقوم به الدين في بناء حب الوطن والإنسان وفالهدف واحد كما قال سبحانه وتعالى: ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).

فالآية الكريمة دلت على أن الهدف هو إقامة العدل بين الناس وإعادة بناء الوحدة فيما بينهم وتوحيد الناس من الكمال المطلوب وهذا ما تبينه رسالة السيد المسيح عليه السلام ( كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل).

ومن خلال هذين النصين الدينيين نفهم وحدة الرسالات السماوية في الهدف بعد أن كانت واحدة في المصدر وفي الرؤية الفلسفية لهذا الكون حيث لا يمكن أن يكون الدين إلا عاملا من عوامل استقرار المجتمع لأنه يدعو إلى الوحدة والعدالة وهما الأساس في استقرار المجتمع البشري وتطوره وهكذا كانت حركة الأنبياء في دعوتهم.

ما يجري حقا هو أزمة في مفهوم حب الوطن و الولاء و الانتماء له و تكمن في مفهوم العلاقة بين الوطن والفرد, والتحدي الأكبر أمامنا هو ضرورة الحد من الفساد في نهب مقدرات الوطن و ايجاد فرص عمل للحد من البطالة مما يشكل في تنشايط الادوره الاقتصاديه و الثقافيه والسياسيه هي إحدى الوسائل لاستعادة الشعور في حب الوطن و الولاء و الانتماء له، مما يودي الى تعزيز قيمة الذات والانخراط بدور فاعل في المجتمع وهو سيؤدي للمشاركة في صنع القرار ويخرج بالفرد الانسان من الحالة الهامشية التي يعيشها.

خلاصة القول، ان الإنسان يتأثر بالبيئة التي يولد فيها، وينشأ على ترابها، فكما ان له حقوقاً فعليه واجبات كثيرة يجب ان يؤديها على الوجه المطلوب وفاءً وحباً منه لوطنه. ولأن كل الااديان و من خلال الشرائع المنبثقة عنها تدعو إلى المحافظة على الوطن و الولاء و الانتماء له و إلى تعزيز الإرتباط به وبإنسانه فهذا يعني أنه يجب ان تسير روابط الدين والعقيدة جنبا الى جنب مع روابط الإنسان بوطنه وشعبه.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير