jo24_banner
jo24_banner

«واقعة المفرق» والمفترق في العلاقات الأردنية السورية

عريب الرنتاوي
جو 24 : لا شيء في السماء يشبه طائرة “الميغ 21”، هذا الجيل من الطائرات انقرض وخرج من الخدمة، وليس ثمة ما يشبهها على الأرض، سوى بعض “الجيبات” الروسية القديمة (من الحرب العالمية الثانية) التي ما زال ضباطٌ في الجيش السوري يسيرون فيها على الطرقات وبسرعة لا تتجاوز الخمسين كيلومتراً في الساعة...مثل هذه الطائرات والجيبات، لا تجدها عموماً إلا في سماء سوريا وطرقاتها.

لكن ذلك لا يقلل للحظة واحدة من أهمية واقعة اللجوء السياسي للطيار السوري المنشق حسن مرعي الحمادة...فالحادثة هي الأوجع للنظام، منذ أن بدأ مسلسل الإنشقاقات في صفوف جنود الجيش وضباطه، قبل أزيد من عام، وهي محمّلة بالدلالات والرسائل والتداعيات، خصوصاً في زمانها ومكانها: الطيار ينتمي للطائفة السنيّة (من محافظة إدلب)، شأنه في ذلك شأن 100 بالمائة من الضباط المنشقين وأزيد من 99 بالمائة من الجنود والمكلفين...لا ندري إن كانت الطائرة في طلعة قتالية أم تدريبية عندما قرر الطيّار الإنعطاف بها جنوباً، لكننا نعرف الآن، أن قراره ليس وليد لحظته، بدلالة قيامه بتهريب عائلته إلى تركيا قبل أن تسقط رهينة في يد من لا يرحم...ليظل في الأذهان سؤالٌ علقٌ، لا نعرف له إجابة الآن، وقد لا نعرف مستقبلاً، هل هو فعل فردي، رد فعل إحتجاجي على ما تشهد قريته ومدينته ومحافظته من أعمال عنف يومي، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، ومن هم هؤلاء القابعون وراء الأكمات السورية؟.

المهم أن الرجل قرر اللجوء إلى الأردن، فسمحت له السلطات بالهبوط ومنحته ، لجوءاً سياسياً ...هنا ستدخل العلاقات الأردنية السورية متفرقاً جديدا، يتميز بالمزيد من التوتر والتسخين...فالأردن ما كان له أن يعيد تسليم الطيّار إلى سلطات بلاده، سيما وأن مصيره المحتوم معروفٌ سلفاً، على أن أمر الطائرة ومستقبلها، ظل معلقاً، مع أن أحداً لا يبدي اهتماماً بـ”قطعة الخردة” هذه، وربما من باب الحفاظ على شعرة، سيتقرر إعادة الطائرة إلى أصحابها.

في حالتنا الراهنة، الطيّار هو المهم، وليست الطائرة، وهذا بخلاف طائرة “الميغ 23” التي هرب بها الطيّار الجاسوس بسام العدل إلى إسرائيل عام 1989، حيث كانت الطائرة في حينه لغزاً عسكرياً واستخبارياً بحاجة للتفكيك...وأهميته هنا تكمن في أمرين اثنين: الأول، ما يمكن أن يوفره من معلومات عن “دواخل” النظام” من حيث خططه وتسليحه ودفاعاته الجوية وأسلحته التي يتميز بها...والثاني، في الرسالة التي يمكن لمنحه لجوءاً أن يبعث بها لزملائه في مختلف وحدات الجيش وأسلحته، وفحواها أنهم سيكونون في مأمن إن انشقوا، وسيلاحقون جزائياً إن هم ظلوا على ولائهم للنظام...هذا على الأقل، ما قاله السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد على صفحته على تويتر.

دلالات المكان تكاد تنحصر في اختيار الأردن، ملاذاً للجوء، مع أن عائلة الرجل سبقته إلى تركيا (ربما يكون اختار المفرق لأنها الأقرب للهبوط الآمن)...لكن دلالات الزمان والتوقيت تتخطى ذلك بكثير...فالحادثة تأتي في خضم الجدل حول “درجة تماسك” النظام، وهو جدل دولي بامتياز، وقد لوحظ أن واشنطن بدأت من فورها إلى البناء على الحدث والترويج لاهتزاز النظام وتداعيه...والحادثة تأتي في ذروة الكشف عن معلومات وتقارير تتحدث عن خطط وموازنات رصدت لتشجيع ضباط ومسؤولين سوريين على الإنشقاق وتوفير ملاجئ سياسية وإنسانية آمنة لهم ولعائلاتهم، وثمة مصادر عديدة كشفت عن أمر كهذا...والواقعة تأتي في لحظة الاشتباك القصوى بين خطتين: خطة المعارضة وحلفائها وداعميها الإقليميين والدوليين التي تستهدف نقل المعركة إلى عقر النظام وقلبه الآمن في دمشق وحلب، وهناك سيناريوهات ومفاجآت كثيرة يجري الحديث عنها وتداولها...وخطة النظام الرامية إلى سحق هذا الهجوم قبل أن تكتمل عناصره، فتقطع الطريق عليه، وتحيله إلى نقطة تحوّل في الحرب الأهلية السورية، لصالحه وليس لصالح خصومه.

الحادثة تأتي أيضا، فيما التقارير الصحفية والاستخبارية تتوالى عن اهتزازات وانشقاقات في “قلب النظام”، وكنّا قد تناولنا بعضاً منها في مقالات سابقة...وعن تراخي قبضته الأمنية واهتزاز سلطته وسطوته على أكثر من نصف سكان سوريا، وما يقرب من نصف مساحتها الجغرافية، فتسجل بذلك نقطة (نوعية) لصالح خصوم النظام، قد تتبعها نقاط أخرى في قادمات الأيام.الدستور
تابعو الأردن 24 على google news