الشويكي: زخة شهابية جديدة في السماء
كتب: مروان شويكي - إذا أمكنك مراقبة السماء في ليلة صافية غير مقمرة وبعيدا عن إضاءة المدن ولفترة كافية من الليل، فلا شك أنك ستشاهد شهابا يعبر السماء، وإذا أطلت المراقبة لفترة أطول، فقد تشاهد بضع شهب في الليلة العادية. أما أن تشاهد عشرات أو حتى مئات من الشهب في الساعة ، فلا شك أن تلك الليلة ليست عادية.
نعرف جميعا أن الأرض تدور حول الشمس، وخلال دورانها في المدار يحدث أن تعبر خلال ما يشبه سحب الغبار الذي تتركه المذنبات خلفها. حينئذ نتوقع أن تسقط على الأرض عشرات أو مئات من الشهب في الساعة. ويمكننا القول إنه في كل عام وفي نفس التاريخ ستصطدم الأرض ثانية في نفس السحابة الغبارية المنتشرة على طول مدار المذنب وستسقط الشهب كذلك. ويعرف الفلكيون وهواة الفلك هذه المواعيد ويترقبّونها ويقيمون مخيمات رصدية لإحصائها والاستمتاع بها. ولأن الشهب تبدو أنها تظهر قادمة من برج أو كوكبة ما في السماء، فقد سميت كلّ زخة شهابية باسم تلك الكوكبة أو البرج. ويعرف هواة الفلك العديد من تلك الزخات، ومن أشهرها زخة شهب البرشاويات وذروتها في 12 آب/أغسطس، وزخة شهب الأسديات وذروتها في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، وكذلك زخة شهب التوأميات وذروتها في 14 كانون أول/ ديسمبر من كل عام وغيرها. أما زخة تسمى الزرافيات فلا أظن أن فلكيا أو هاويا فلكيا واحدا قد سمع بها من قبل.
ترى ما هي قصة الزرافيات هذه؟
لقد تمكّن الفلكيون من اكتشاف مذنب جديد في عام 2014 والذي أُعطي الاسم 209P-Linear ، وهو مذنّب نجح في التخفي عن عدسات وتلسكوبات فلكيي القرنين السابقين ببراعة بسبب خفوت ضوئه وصغر حجمه. إنه مذنب عادي في تركيبه ولكنه لا يقترب من الشمس إلى الحد الكافي بحيث تتشكل حوله هالة عملاقة لامعة من الغبار والسحاب والذيل الطويل كما هو حال معظم المذنبات. إن أقرب نقطة له من الشمس تبعد بمسافة أقلّ قليلا من بعد الأرض عنها، وأبعد نقطة يصل إليها تقع على بعد يوازي بعد المشتري من الشمس، ويحتاج لفترة خمس سنين ليكمل دورة حول الشمس. ولكن بعد تحليل دقيق من قبل علماء الفلك المختصين بالمذنبات والشهب فقد وجدوا أنه قبل عامين كان جزء من سحاب الغبار لذيول قديمة للمذنب (مصدر الشهب) قد سُحب قليلا إلى المشتري بفعل جاذبية الكوكب العملاق، الأمر الذي أحدث تعديلا طفيفا على مدار مدارها حول الشمس. وبمزيد من الحسابات على المدار الجديد ومدار الأرض، تبين أن هذا التعديل سيجعل لقاء الأرض بمدار ذلك الجزء الغباري من الذيل القديم للمذنب أمرا محتوما في 24 أيار/ مايو الجاري. وطالما أن الأرض ستدخل في السحابة الغبارية التي شكلتها ذيول المذنب في رحلاته السابقة خصوصا تلك التي كانت في القرن التاسع عشر وحتى العقدين الأولين من القرن العشرين، فلا مناص من زخة شهابية تشهدها الأرض في تلك الليلة.
رصد زخة الشهب من العالم ومن الوطن العربي
عندما تنتشر كميات الغبار مشكلة ذيل مذنب ما، فهي تنتشر في مساحات واسعة في مدار المذنب إلا أن الكثافة لا تكون ذاتها بل تزداد عند محور المدار وتقل بعيدا عنه. ولما كانت الأرض تقطع في مدارها حول الشمس حوالي 200 ضعف قطرها في اليوم الواحد فهي ستصطدم في السحابة في مختلف كثافتها ويتوقع العلماء أن تتركز الكثافة الأكبر من الغبار في ذيل المذنب بمقدار مسير ساعتين للأرض أي حوالي 16 ضعفا لقطرها. وبحساب موقع الكثافة القصوى لغبار ذيل المذنب وتوقيت دخول الأرض فيها، فتبين أن وقت الذروة سيكون ما بين الساعة السادسة والثامنة صباحا بالتوقيت العالمي الأمر الذي سيجعل الوطن العربي بعيدا تماما عنها حيث الوقت نهار في البلاد العربية ولا مجال لرصد الذروة تلك. وبذلك فإن أفضل مكان لرصد ذروة تلك الزخة الشهابية سيكون شمال أمريكا وجنوب كندا حيث يتوقع سقوط حوالي 200 شهاب في الساعة. ومع ذلك فهذا لا يعني كل شيء، فالرصد لا يقتصر على الجزء المركز من الغبار من الذيل بل هناك فرصة لرصد ما قبل الكثافة العالية وما بعدها وقد يمتد ذلك لليلة أو ليلتين قبل الذروة وبعدها ومن هنا يمكن للراصد في الوطن العربي مراقبة بعض تلك الشهب في الليلة السابقة والليلة اللاحقة. وبذلك فلا ضير من تنظيم أرصاد فلكية للظاهرة في ليلة السبت بحيث يبدأ الرصد مساء الجمعة وعبر الساعات الأربعة الأولى من فجر السبت قبل أن يطل القمر بنوره الساطع والذي سيؤثر سلبا على الرصد قطعا. لهذا فينصح الراصدون بإعداد ما يلزم لرصد الشهب من ادوات مثل مقعد مريح مائل إلى أقصى درجة أو ببساطة الاستلقاء على الظهر فوق فرشة بسيطة وعلى الأرض مع التوجه إلى جهة الشمال من السماء ثم إحصاء عدد الشهب التي تبدو وأنها قادمة من الشمال الشرقي حيث تقع كوكبة الزرافة الخافتة صعبة المعاينة. وفي هذا الشأن فسوف تنظم الجمعية الفلكية الأردنية رصدا للجمهور العام لرصد الظاهرة حيث ستعلن عن ذلك في صفحتها على الفيس بوك Jordanian Astronomical Society.
وما يجدر ذكره هو أن ظاهرة زخات الشهب إنما هي ظاهرة طبيعية لا تؤثر علينا مطلقا إذ تعمل الشهب وهي حبيبات صغيرة كالغبار على تأيين ذرّات غازات في غلاف الأرض الجوي وعلى ارتفاعات عالية جدا وتتلاشى. ومن جهة أخرى وبرغم دقة الحسابات الفلكية فإن معلوماتنا عن المذنب لا تتعدى 10 سنوات حيث أتم دورتين فقط منذ اكتشافه الأمر الذي يجعل التنبؤات بخصوص توقيت الذروة وموقع رصدها وكذلك عدد الشهب المتوقعة فيها أمورا غير يقينية، أي من الممكن أن تشتد زخة الشهب بحيث يسقط حوالي 1000 شهاب أو أكثر في الساعة وهويسمى بالتعريف الفلكي عاصفة شهابية كما كان حال عاصفة شهب الأسديات التي رصدتها الجمعية الفلكية الأردنية من أكثر من موقع في الأردن في العام 1999 ، ولكن يظل احتمال آخر إذ قد لا يحدث شيء البتة. إذن لننتظر النتائج العالمية بهذا الشأن ولا سيما نتائج الرصد العلمي الذي ستتولاه الجمعية الفلكية الأردنية في مخيمها الفلكي البيئي الدائم في الأزرق.
كما يذكر أن الجمعية الفلكية الأردنية قد ساهمت في العديد من الأرصاد العالمية المسجلة لها في مجال الشهب، وقد ساعدت أرصادها في تعديل حسابات منظمة الشهب العالمية لعدد من زخات الشهب العالمية ورسم خرائط تبين طوبوغرافية مدار سحب الغبار لتلك الشهب.
* الكاتب نائب رئيس الجمعية الفلكية الأردنية