تقرير: ارتفاع نسبة العنوسة يعيد لـ "الخطابة" دورها في الأردن
منار حافظ - تبحث الفتاة الثلاثينية هناء عن فرصة في الزواج بعد أن شعرت بقطار العمر يفوتها وصارت كلمة "عانس" هي اللقب الذي يؤرقها.
تتساءل هناء: "لماذا لا أتزوج وأنا الفتاة الجميلة ذات العز والمال، وإلى متى سأبقى أعيش تحت رحمة نساء إخوتي وتعليقاتهن التي تشعرني بالنقص؟"
هناء التي لجأت إلى العديد من وسائل التواصل الإجتماعي ومواقع التعارف الإلكترونية لم تجد بدا من اللجوء إلى إحدى الخطابات على أمل أن تحقق حلمها بالزواج وإنشاء أسرة صغيرة.
هناء ليست الوحيدة، فقد كانت إحصائيات سابقة قد أشارت إلى أن نسبة العنوسة في الأردن بلغت 45%، واعتبرت حينها دائرة الإحصاءات العامة بأن هذه الإحصائيات تشمل كل من وصلت سن 35 عاما دون زواج.
وفي زمن العولمة وانفتاح العالم على آفاق واسعة لا زال البعض يلجأ للطرق القديمة جدا لبداية أسرية يرجو أن تكون سعيدة، بعد أن تجاوزوا مرحلة التعارف عبر صفحات الإنترنت ووضعوا مواصفاتهم الشخصية ذكورا وإناثا وأرقام هواتفهم من مختلف المحافظات الأردنية عليها.
وبعد أن أصبح موقع "فيسبوك" هو أبرز خطابات هذا العصر، ما زالت الخطابة "أم طلال" تجد لها أهمية في المجتمع الأردني الذي لا تظهر به جليا مكاتب التعارف والزواج على أرض الواقع كما هو الحال في مصر وغيرها من الدول العربية الأخرى.
وتستعين "أم طلال" بأحد القنوات الفضائية للترويج لمهنتها وتؤكد بأنها تزوِّج بين (15 – 20) شخصا أسبوعيا منذ سبع سنوات، حيث بدأت العمل من منزلها ثم فتحت مكتبا خاصا لها في منطقة الجاردنز بالعاصمة عمّان، إلا أنها اضطرت لاحقا لإغلاقه بسبب عمليات النصب والإحتيال التي تعرضت لها.
وتشترط "أم طلال" على من يريد الزواج من خلالها تعبئة استمارة بقيمة 50 دينارا على أن يدفع المتزوجان ما قيمته 200 دينار أردني بعد التوقيع على عقد الزواج"، لافتة في ذات الوقت بأن الكثير منهم يتهربون من دفع بقية المبلغ عقب إتمام الزواج.
وتتابع "أم طلال" في حديثها لـ Jo24 بقولها: "يلجأ لي فتيات تتراوح أعمارهن بين (18 – 60) سنة وبعضهن متعلمات وحاصلات على درجة البكالوريوس وكذلك الرجال فهناك أعداد كبيرة منهم تتراوح أعمارهم بين (20 – 70 ) سنة يستلطفون هذه الطريقة بالتعرف على شريكة المستقبل".
وأشارت إلى أنها تسعى لتزويج "بنات البلد" لذلك هي لا تقبل أي طلبات من فتيات سوريات للزواج، مؤكدة أنها تمكنت من تزويج 4 فتيات خلال أسبوع واحد كما أنها تعيد البحث من جديد وبطلب آخر في حال تطلقت أي فتاة واحتاجت إلى الزواج ثانية.
وفي الوقت الذي تستهجن فيه كثير من الفتيات اللجوء إلى الوسائل التقليدية للزواج تؤكد أخريات أهميتها حتى لا يلقبن في نهاية المطاف بـ "العوانس".
وتقول استشارية العلاقات الأسرية د. نجوى عارف: " لا يمكن اعتبار مكاتب الزواج والخطابات أمر سلبي فلها جوانب إيجابية بالعمل كوسيط بين الفتاة والشاب".
وذكرت عارف أمثلة من المجلات المصرية التي كانت تخصص بوابة للتوفيق بين الشباب والفتيات، إضافة إلى مكاتب الزواج التي باتت تتطور بتطور العصر، مبينة في ذات الوقت أنها غير أكيدة من وجود مكاتب مشابهة في الأردن ولكنها تعتقد بأن لا فرق بينها وبين الوسيط من الأقارب والمعارف.
وأكدت عارف لـ Jo24 بأن هذه الوسيلة شبيهة بالتعارف الذي يقبل عليه الشباب في العصر الحالي عبر مواقع التواصل الإجتماعي، مشيرة إلى أن السلبية تكمن في عدم التيقن من معلومات الطرفين وليس بالطريقة التقليدية بحد ذاتها.
وأوضحت إلى أن ارتفاع سن الزواج ومسألة العنوسة باتت تؤرق الكثير من الفتيات مما يجعل فكرة وجود "الخطابة" أمر إيجابي إلى حد ما.
وفي حين اعتبرت الخطابة "أم طلال" أن اللجوء إليها في الآونة الأخيرة بات أقل،ربما لغلاء المهور وانتشار مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أنها تعود وتؤكد بأن جميع الفئات من مطلقات وأرامل وفتيات كبيرات في العمر وأخريات كن مخطوبات يطلبن مساعدتها.
وتتحدث "أم طلال" عن القصص التي شهدتها وساعدت على حلها بشغف بينما اعتبرت أن بعضا من هذه الحكايات كان مجرد "مسخرة" حيث تم الطلاق سريعا إلا أن الحظ حالف الكثير منها مثل إحدى النساء المطلقات التي بلغت من العمر 37 عاما ولها ابنتان حرمت منهما أعواما وبعد أن قامت بتزويجها شعرت بالسعادة.
وقال رئيس جمعية العفاف الخيرية د.مفيد سرحان أن نشاطات الجمعية تقتصر على البرامج التثقيفية قبل الزواج والتسهيل على الزوجين بتكاليف الزواج.
ولفت سرحان إلى نية الجمعية إعادة العمل ببرنامج التوفيق بين الراغبين في الزواج والذي كان قد تم العمل به قبل سنوات وتوقف لإعادة تقييمه، مبينا أن هذه الخدمة يحتاجها الكثير من الأشخاص خاصة من أصحاب العلاقات الإجتماعية المحدودة أو أقاموا خارج البلاد لفترة طويلة، أو تقدم بهم العمر، أو في حال رغبة الرجل بالزواج من ثانية.
وأكد في تصريحاته لـ Jo24 أن زواج الأهل أو ما يسمى بالزواج "التقليدي" قد يكون أكثر نجاحا لأن فيه بعض التأني مشيرا إلى نسبة الطلاق قبل الدخول والتي بلغت 48% في آخر إحصائية للجمعية ويعود السبب الرئيسي لها هو التسرع بالاختيار.
وتتفاوت الآراء بين مؤيد للطرق التقليدية والقديمة منها في اختيار شريك الحياة، وبين آخرين يصرون على أن الإختيار الشخصي والتعارف بين الشاب والفتاة بشكل مباشر هو الأفضل والأكثر نجاحا.
وتظل دبلة الخطوبة رهينة لمتطلبات هذا العصر في ظل غلاء المعيشة وسوء الأوضاع الإقتصادية مما دفع بالفتيات لطرق كافة الأبواب، وساعد السماسرة على فتح مجالات مبتكرة للعمل في "الخطابة" عبر مواقع الكترونية وإعلانات ترويجية سلعتها الأساسية هي مشاعر من ضاقت بهم السبل أمام واقع مجتمعي يفرض عادات وتقاليد وأنماط باتت تختلف كليا عن نسق الحياة الذي نعيشه.