«زمزم» تشق الاخوان... والقيادات التاريخية قلقة على مستقبل الجماعة
جو 24 : لم تنطفئ نار الخلاف في صفوف جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية، منذ صدور قرار مفاجئ قبل أسابيع بفصل 3 من أهم قادة الجماعة المحسوبين على تيار الحمائم، لإنشائهم مبادرة «إصلاحية» عرفت باسم «زمزم»، في وقت سعت قيادة التنظيم القادمة من رحم تيار الصقور إلى تجريم المبادرة، واعتبارها «جيباً تنظيمياً يهدف إلى زرع بذور الشقاق».
ومنذ إعلان الفصل في 20 نيسان (أبريل) الماضي، دخل فرع «الإخوان» الأردني في مخاض عسير، يعد الأخطر على الإطلاق، يقابله مخاض خارجي لا يقل خطورة، إثر إطاحة جماعته الأم في مصر، واتهامها خليجياً بالإرهاب، ومحاولة إخضاعها إلى الملاحقة والتجريم من جانب الحكومة البريطانية.
وما من شك في أن القرار الذي أدى إلى انقسام أفقي وعمودي حاد في أوصال الفرع الأردني، ينطوي على تداعيات سلبية في لحظة تاريخية عصيبة تهدد وجود الجماعة، التي لم تعد تملك ترف الوقت للتعامل معها.
ولا تتوقف الأزمة عند فصل قيادي مهم من وزن المفكر الإسلامي المعروف الدكتور ارحيل الغرايبة، أو الدكتور نبيل الكوفحي، الذي وصف في مرحلة ما بأنه «وزير خارجية الإخوان» تعبيراً عن دهائه وحنكته السياسية.
وقد تعززت الأزمة على وقع تعاطف أجنحة هامة تتبع تيار (الحمائم) مع القادة المفصولين، وبدأ دخان الاحتجاج يتصاعد من داخل شعب المحافظات (مقار الإخوان) التي تمثل غالبية شرق أردنية.
الاحتجاج النادر جاء ليؤكد أن الانقسام بات يأخذ بعداً ديموغرافياً وإثنياً، إذ أن غالبية المنخرطين في «زمزم» يتحدرون من تلك المحافظات التي تغلب عليها التركيبة العشائرية.
ويمثل الأردنيون من أصل فلسطيني غالبية الجماعة، ويعتبر الشيخ همام سعيد ذو الأصول الفلسطينية الرجل الأول في التنظيم، فيما يشغل منصب النائب الأول للمراقب الشيخ زكي بني ارشيد، إحدى أكثر الشخصيات الشرق أردنية حيوية في صفوف «الإخوان». ولعل أخطر ما في الأزمة، هو تلويح بعض قادة «زمزم» والمتعاطفين معها بإنشاء كيان سياسي جديد يحمل اسم «الإخوان الأردنيين»، وهو ما يؤكد أن الخلاف لم يعد قائماً على أسس فكرية أو شخصية فقط.
حرصت قيادة «زمزم» منذ بدء الأزمة على اتهام قيادة الجماعة بتغليب الهم الخارجي والفلسطيني تحديداً على الهم الأردني، وهو ما نفته القيادة «الإخوانية» مراراً وتكراراً، واستندت إلى الاحتجاجات الكثيرة التي نفذتها على مدى انتفاضات الربيع العربي، للمطالبة بالإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد وتقويض صلاحيات العاهل الأردني.
ووصل الأمر في قيادات «زمزم» إلى حد اتهام القيادات الشرق أردنية داخل القيادة من أمثال بني ارشيد ومراد العضايلة بالتبعية لحركة حماس الفلسطينية.
ويقول الدكتور جميل دهيسات أحد الذين شملهم قرار الفصل إن «مبادرة «زمزم» جاءت مكملة لما عجزت عنه الجماعة من اهتمام بالشأن الداخلي»، معتبراً أن قيادة التنظيم أولت الاهتمام أكثر بالقضية الفلسطينية على حساب القضايا والهموم المحلية.
والمؤكد أن قرار فصل قيادات «زمزم» سينسحب على عشرات أعضاء الجماعة المنخرطين في المبادرة، وهو ما قد يعمّق الأزمة داخل التيارات الإخوانية وأجنحتها.
والمؤكد أيضاً أن قيادة التنظيم الحالية لا تملك مفاتيح الخروج من الأزمة، فيما الطرف الآخر لا يملك الغالبية داخل مجلس الشورى (أعلى هيئة قيادية في الجماعة) لتمكينه من السيطرة على قمرة القيادة.
لكن الأخطر من ذلك هو تهديد «حكماء» الجماعة أو من يعرفون بالزعامات «التاريخية»، باعتزال المشهد الراهن والاعتكاف خشية الولوج إلى معامل «الفتنة».
ويقول أحد هؤلاء الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «نحن اليوم أمام أزمة غير عادية... أزمة تضرب وتهز جذور الجماعة... لسنا أمام خلاف فكري وإنما الخلاف على المصالح والمكاسب التنظيمية. وللأسف دخلت الآفة الجهوية وضربت الجماعة في مقتل (...)». وأضاف: «كلا الطرفين وقع في الخطأ (...) قيادة الجماعة ضربت بعرض الحائط طلباً كنا تقدمنا به يرفض اللجوء تحت أي ظرف إلى فصل قيادات «زمزم»، وقد تعهدنا مقابل ذلك إنهاء الخلاف عبر قنوات الحوار، وحصلنا على تعهد من القيادة والمحكمة بتجميد المحاكمات».
وأردف: «لم تمض 48 ساعة على التعهد حتى تعرضنا للخديعة (...) القرار جاء متسرعاً وصدر في وقت تواجه فيه الجماعة تحديات وجودية على مستوى الإقليم».
ومضى يقول: «حتى الطرف الآخر الذي تمثله «زمزم» ليس أفضل حالاً... فقد سعى عن قصد أو من دون قصد إلى شرذمة الجماعة ونشر غسيلها عبر وسائل الإعلام، وتم استغلاله جيداً من جانب أطراف رسمية لإنهاك الجماعة وإضعافها».
واستطرد: «هناك بصيص أمل في آخر النفق، لكنه ضئيل، ويحتاج إلى معجزة (...)». غير أن هذا القيادي اعتبر أن الحكماء «سيبذلون كل ما في وسعهم لإنهاء الخلاف».
أُشهرت مبادرة «زمزم» في أيلول (سبتمبر) العام الماضي خلال حفل كبير أقيم في أحد المقار الحكومية، وحضرته شخصيات رسمية رفيعة عرفت بعدائها التاريخي لـ «الإخوان»، منها رئيس الوزراء السابق معروف البخيت ورئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة ووزير الداخلية السابق سمير الحباشنة.
وبرر قادة المبادرة هذه الخطوة بالسعي إلى التواصل مع مكونات المجتمع الشعبية والرسمية، والانفتاح على الجميع.
وقالوا إن «زمزم تهدف إلى خرق الجدار الذي يحقق الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، وينهي ثنائية النظام والإخوان».
وعلى وقع تأكيد القيادة أنها لا ترى سبباً يدعوها للقلق على مستقبل الجماعة ووحدة صفها، تداعت قيادات إخوانية الأسبوع الماضي للاجتماع في محافظة إربد الشمالية، وكان في مقدمها القيادي المثير للجدل عبدالمجيد الذنيبات الذي شغل منصب المراقب العام لدورات عدة.
وكان لافتاً لجوء الذنيبات إلى تصعيد لغة الخطاب ضد قيادة الجماعة، والقول إن «هدف «زمزم» والمتعاطفين معها إصلاح الإخوان وإعادة تأهيلهم، لأنهم باتوا مختطفين وابتعدوا عن أهدافهم وأصبحوا معزولين عن المجتمع».
تضمن الاجتماع الصاخب عبارات ومصطلحات غير معهودة في قاموس الجماعة، إذ لوح المجتمعون بـ «الانقلاب» على قيادة عمان إن لم تتراجع عن قرار الفصل، كما دعوا إلى اجتماع يعقد نهاية الشهر الجاري لإصلاح الجماعة. وأعد هؤلاء ورقة من 6 صفحات، جاء في بعضها أن «محاولات إصلاح الجماعة تصطدم بالعقلية المنغلقة لقيادة الإخوان الحالية».
وتحدثوا للمرة الأولى عن وجود تنظيم سري يتولى الإشراف عليه المراقب العام.
ولم يمض وقت طويل على اجتماع اربد، حتى سارعت الجماعة إلى عقد اجتماع طارئ حضره ممثلون لشعب المملكة كلها، وهو اجتماع ازدحمت فيه الخلافات على نحو غير معهود.
كان هذا الاجتماع صاخباً أكثر من سابقه، وسمعت قيادة الجماعة اتهامات نادرة من أنصار «زمزم»، الذين سرّبوا بعض تفاصيل الاجتماع إلى الإعلام.
لكن القيادة التي تعرضت للهجوم، كانت لديها الغالبية المريحة داخل الاجتماع عوضاً عن الغالبية في مجلس الشورى.
سمع المجتمعون كلاماً غير مسبوق من أحد قادة الحمائم، حول وجود تنظيم داخل التنظيم. واتهم هذا الأخير المراقب العام ونائبه وعدداً من الجالسين على الطاولة بأنهم أعضاء في التنظيم السري، وأنه يدير الجماعة من الخلف، وسبب كل البلاء.
أما الحمائمي علي الطراونة، فاتهم مراقب «الإخوان» بالمراوغة والتدليس على الجماعة، وأنه يمارس الخداع التنظيمي، ويضلل القيادات عبر إظهار بعض المعلومات وإخفاء بعضها بطريقة غير أمينة. غير أن بني ارشيد تحدث باستياء شديد إزاء تسريب مقتطفات من الاجتماع.
وقال: «في الوقت الذي تشكل فيه لجنة خاصة لبحث مخرج مناسب لمجموعة «زمزم»، يتم التعميم عبر البريد الإلكتروني لمقتطفات من اجتماع الهيئات الإدارية، وبغض النظر عن مدى صحة تلك المقتطفات من عدمها، فإن السؤال الذي يجب الإجابة عنه بوضوح، هل كانت تلك المجموعة بحاجة الى مزيد من الفرص أم ينقصها المزيد من الحوار؟».
ومضى يقول: «لقد أنشأت القيادات المفصولة جيباً تنظيمياً بنكهة جهوية واضحة، لخلق تنظيم خاص موازٍ».
وحول ما أشيع عن وجود تنظيم سري داخل الجماعة، قال بني ارشيد: «من غرائب الأمور أن الإخوة في «زمزم» والمتأثرين بهم يزعمون وجود تنظيم خاص ويطلبون حلّه، وفي الوقت نفسه يشكلون نواة تنظيم ويزرعونها داخل المشتل الإخواني على قاعدة: رمتني بدائها وانسلت».
وكان لافتاً أن تنتقل التجاذبات من داخل المقار التنظيمية والغرف المغلقة إلى موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، الذي سرعان ما تحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات والدخول في حرب البيانات المضادة بين كبار قادة الجماعة على طرفي النقيض.
وعلى الفضاء الافتراضي كتب ارحيل يقول: «اذا كانوا لا يتورعون عن فبركة الروايات واغتيال الشخصيات ونشر الإشاعات وإطلاق الاتهامات، فكيف تؤمنهم على فكر وعلى بشر وعلى وطن (...)».
جاء قرار فصل قيادات «زمزم» ليضع مستقبل الجماعة الأردنية على المحك، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الفروع «الإخوانية» في المنطقة.
وفتح الباب على مصراعيه أمام رهانات عدة لـ «الإخوان» أنفسهم، ولقيادات «زمزم» الغاضبة، وحتى للنظام الأردني الذي يراقب المشهد عن كثب، فيما تُتهم أطراف من داخله بتغذية الخلاف في عروق «الإخوان».
تراهن قادة «الإخوان» على وحدة الجماعة وتماسكها، ويتحدث قادتها عن لقاءات دورية تجمع شخصيات نافذة من «الصقور» و «الحمائم» بهدف الوصول إلى تفاهمات على قيادة المرحلة.
فيما تراهن القيادات المفصولة على استقطاب رؤوس كبيرة من «الحمائم» والقيادة التاريخية، وهي تتهم قيادة الجماعة بـ «قمع الرأي الآخر، والسعي الحثيث الى فصل كل من يخالف رأيها».
لكن الأخطر من رهان «الإخوان» و «زمزم» هو رهان النظام الأردني، وتحديداً الجناح المحافظ داخل مطبخ القرار، الذي لا يتردد في إظهار عدائه الشديد للجماعة ويأمل حدوث انشقاق عريض داخل التنظيم على أسس جهوية. وهو يرى أن صراع «الإخوان» الداخلي يوفر عليه عناء التفكير في أسلوب مواجهتهم.
وقد شهدت الجماعة في الأردن أزمات داخلية أقل حدة، كان أبرزها عام 1997 عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة مُنيت بها في الانتخابات التشريعية.
يقول محمد أبو رمان، وهو كاتب وخبير في شؤون الحركات الإسلامية: «الخلاف الراهن لن يؤدي إلى مغادرة أعداد كبيرة صفوف الجماعة، لكنه سيخلق انشقاقات رمزية قد تكون الأخطر على الإطلاق».
ويضيف: «الذين يدخلون اليوم في أزمة خطيرة مع القيادة، يمثلون نخبة هامة من المثقفين والتكنوقراط، وهؤلاء يمثلون الجناح المعتدل داخل الجماعة ويرفعون شعار الاصلاح والمراجعة».
وتابع: «صحيح أن هؤلاء يعبرون عن التيار الشرق الأردني داخل التنظيم، وهو تيار الأقلية، لكنهم عناصر هامة جداً في التركيبة الإخوانية، ويمثلون مفاتيح الانعتاق من حسابات التنظيم إلى خيارات رحبة تتمثل في الاصلاح السياسي والاشتباك مع المجتمع».
أما ياسر أبو هلالة، الكاتب الصحافي الخبير في دهاليز التنظيم فيقول إن «الجماعة لم تتعرض في تاريخها لانقسام عمودي على أسس إقليمية كما تتعرض له الآن». وأضاف: «صحيح أن القيادة الحالية تمثل الأكثرية، لكن الارتهان إلى مبدأ الأكثرية والأقلية هو الوصفة الحقيقية لتحطيم التنظيم». ويرى ياسر أن الدولة «ستستثمر في الأزمة الراهنة، وستنزع الشرعية عن الجماعة لمصلحة «زمزم» وتيار المنشقين، وستكون الذريعة أن القيادة الحالية ليست سوى تعبير عن حركة حماس».
لكنه يعتبر أن «القوة التنظيمية على الأرض ستصب نهاية الأمر في مصلحة الجماعة، ولن تكون «زمزم» قادرة على سحب الرصيد الشعبي أو التنظيمي من الإخوان، وسنكون أمام انشقاق إعلامي تغذيه جهات رسمية، لكن مجرد فصل قيادي من وزن ارحيل غرايبة سيشكل ضربة موجعة لتنظيم الإخوان».
"الحياة"
ومنذ إعلان الفصل في 20 نيسان (أبريل) الماضي، دخل فرع «الإخوان» الأردني في مخاض عسير، يعد الأخطر على الإطلاق، يقابله مخاض خارجي لا يقل خطورة، إثر إطاحة جماعته الأم في مصر، واتهامها خليجياً بالإرهاب، ومحاولة إخضاعها إلى الملاحقة والتجريم من جانب الحكومة البريطانية.
وما من شك في أن القرار الذي أدى إلى انقسام أفقي وعمودي حاد في أوصال الفرع الأردني، ينطوي على تداعيات سلبية في لحظة تاريخية عصيبة تهدد وجود الجماعة، التي لم تعد تملك ترف الوقت للتعامل معها.
ولا تتوقف الأزمة عند فصل قيادي مهم من وزن المفكر الإسلامي المعروف الدكتور ارحيل الغرايبة، أو الدكتور نبيل الكوفحي، الذي وصف في مرحلة ما بأنه «وزير خارجية الإخوان» تعبيراً عن دهائه وحنكته السياسية.
وقد تعززت الأزمة على وقع تعاطف أجنحة هامة تتبع تيار (الحمائم) مع القادة المفصولين، وبدأ دخان الاحتجاج يتصاعد من داخل شعب المحافظات (مقار الإخوان) التي تمثل غالبية شرق أردنية.
الاحتجاج النادر جاء ليؤكد أن الانقسام بات يأخذ بعداً ديموغرافياً وإثنياً، إذ أن غالبية المنخرطين في «زمزم» يتحدرون من تلك المحافظات التي تغلب عليها التركيبة العشائرية.
ويمثل الأردنيون من أصل فلسطيني غالبية الجماعة، ويعتبر الشيخ همام سعيد ذو الأصول الفلسطينية الرجل الأول في التنظيم، فيما يشغل منصب النائب الأول للمراقب الشيخ زكي بني ارشيد، إحدى أكثر الشخصيات الشرق أردنية حيوية في صفوف «الإخوان». ولعل أخطر ما في الأزمة، هو تلويح بعض قادة «زمزم» والمتعاطفين معها بإنشاء كيان سياسي جديد يحمل اسم «الإخوان الأردنيين»، وهو ما يؤكد أن الخلاف لم يعد قائماً على أسس فكرية أو شخصية فقط.
حرصت قيادة «زمزم» منذ بدء الأزمة على اتهام قيادة الجماعة بتغليب الهم الخارجي والفلسطيني تحديداً على الهم الأردني، وهو ما نفته القيادة «الإخوانية» مراراً وتكراراً، واستندت إلى الاحتجاجات الكثيرة التي نفذتها على مدى انتفاضات الربيع العربي، للمطالبة بالإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد وتقويض صلاحيات العاهل الأردني.
ووصل الأمر في قيادات «زمزم» إلى حد اتهام القيادات الشرق أردنية داخل القيادة من أمثال بني ارشيد ومراد العضايلة بالتبعية لحركة حماس الفلسطينية.
ويقول الدكتور جميل دهيسات أحد الذين شملهم قرار الفصل إن «مبادرة «زمزم» جاءت مكملة لما عجزت عنه الجماعة من اهتمام بالشأن الداخلي»، معتبراً أن قيادة التنظيم أولت الاهتمام أكثر بالقضية الفلسطينية على حساب القضايا والهموم المحلية.
والمؤكد أن قرار فصل قيادات «زمزم» سينسحب على عشرات أعضاء الجماعة المنخرطين في المبادرة، وهو ما قد يعمّق الأزمة داخل التيارات الإخوانية وأجنحتها.
والمؤكد أيضاً أن قيادة التنظيم الحالية لا تملك مفاتيح الخروج من الأزمة، فيما الطرف الآخر لا يملك الغالبية داخل مجلس الشورى (أعلى هيئة قيادية في الجماعة) لتمكينه من السيطرة على قمرة القيادة.
لكن الأخطر من ذلك هو تهديد «حكماء» الجماعة أو من يعرفون بالزعامات «التاريخية»، باعتزال المشهد الراهن والاعتكاف خشية الولوج إلى معامل «الفتنة».
ويقول أحد هؤلاء الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «نحن اليوم أمام أزمة غير عادية... أزمة تضرب وتهز جذور الجماعة... لسنا أمام خلاف فكري وإنما الخلاف على المصالح والمكاسب التنظيمية. وللأسف دخلت الآفة الجهوية وضربت الجماعة في مقتل (...)». وأضاف: «كلا الطرفين وقع في الخطأ (...) قيادة الجماعة ضربت بعرض الحائط طلباً كنا تقدمنا به يرفض اللجوء تحت أي ظرف إلى فصل قيادات «زمزم»، وقد تعهدنا مقابل ذلك إنهاء الخلاف عبر قنوات الحوار، وحصلنا على تعهد من القيادة والمحكمة بتجميد المحاكمات».
وأردف: «لم تمض 48 ساعة على التعهد حتى تعرضنا للخديعة (...) القرار جاء متسرعاً وصدر في وقت تواجه فيه الجماعة تحديات وجودية على مستوى الإقليم».
ومضى يقول: «حتى الطرف الآخر الذي تمثله «زمزم» ليس أفضل حالاً... فقد سعى عن قصد أو من دون قصد إلى شرذمة الجماعة ونشر غسيلها عبر وسائل الإعلام، وتم استغلاله جيداً من جانب أطراف رسمية لإنهاك الجماعة وإضعافها».
واستطرد: «هناك بصيص أمل في آخر النفق، لكنه ضئيل، ويحتاج إلى معجزة (...)». غير أن هذا القيادي اعتبر أن الحكماء «سيبذلون كل ما في وسعهم لإنهاء الخلاف».
أُشهرت مبادرة «زمزم» في أيلول (سبتمبر) العام الماضي خلال حفل كبير أقيم في أحد المقار الحكومية، وحضرته شخصيات رسمية رفيعة عرفت بعدائها التاريخي لـ «الإخوان»، منها رئيس الوزراء السابق معروف البخيت ورئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة ووزير الداخلية السابق سمير الحباشنة.
وبرر قادة المبادرة هذه الخطوة بالسعي إلى التواصل مع مكونات المجتمع الشعبية والرسمية، والانفتاح على الجميع.
وقالوا إن «زمزم تهدف إلى خرق الجدار الذي يحقق الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، وينهي ثنائية النظام والإخوان».
وعلى وقع تأكيد القيادة أنها لا ترى سبباً يدعوها للقلق على مستقبل الجماعة ووحدة صفها، تداعت قيادات إخوانية الأسبوع الماضي للاجتماع في محافظة إربد الشمالية، وكان في مقدمها القيادي المثير للجدل عبدالمجيد الذنيبات الذي شغل منصب المراقب العام لدورات عدة.
وكان لافتاً لجوء الذنيبات إلى تصعيد لغة الخطاب ضد قيادة الجماعة، والقول إن «هدف «زمزم» والمتعاطفين معها إصلاح الإخوان وإعادة تأهيلهم، لأنهم باتوا مختطفين وابتعدوا عن أهدافهم وأصبحوا معزولين عن المجتمع».
تضمن الاجتماع الصاخب عبارات ومصطلحات غير معهودة في قاموس الجماعة، إذ لوح المجتمعون بـ «الانقلاب» على قيادة عمان إن لم تتراجع عن قرار الفصل، كما دعوا إلى اجتماع يعقد نهاية الشهر الجاري لإصلاح الجماعة. وأعد هؤلاء ورقة من 6 صفحات، جاء في بعضها أن «محاولات إصلاح الجماعة تصطدم بالعقلية المنغلقة لقيادة الإخوان الحالية».
وتحدثوا للمرة الأولى عن وجود تنظيم سري يتولى الإشراف عليه المراقب العام.
ولم يمض وقت طويل على اجتماع اربد، حتى سارعت الجماعة إلى عقد اجتماع طارئ حضره ممثلون لشعب المملكة كلها، وهو اجتماع ازدحمت فيه الخلافات على نحو غير معهود.
كان هذا الاجتماع صاخباً أكثر من سابقه، وسمعت قيادة الجماعة اتهامات نادرة من أنصار «زمزم»، الذين سرّبوا بعض تفاصيل الاجتماع إلى الإعلام.
لكن القيادة التي تعرضت للهجوم، كانت لديها الغالبية المريحة داخل الاجتماع عوضاً عن الغالبية في مجلس الشورى.
سمع المجتمعون كلاماً غير مسبوق من أحد قادة الحمائم، حول وجود تنظيم داخل التنظيم. واتهم هذا الأخير المراقب العام ونائبه وعدداً من الجالسين على الطاولة بأنهم أعضاء في التنظيم السري، وأنه يدير الجماعة من الخلف، وسبب كل البلاء.
أما الحمائمي علي الطراونة، فاتهم مراقب «الإخوان» بالمراوغة والتدليس على الجماعة، وأنه يمارس الخداع التنظيمي، ويضلل القيادات عبر إظهار بعض المعلومات وإخفاء بعضها بطريقة غير أمينة. غير أن بني ارشيد تحدث باستياء شديد إزاء تسريب مقتطفات من الاجتماع.
وقال: «في الوقت الذي تشكل فيه لجنة خاصة لبحث مخرج مناسب لمجموعة «زمزم»، يتم التعميم عبر البريد الإلكتروني لمقتطفات من اجتماع الهيئات الإدارية، وبغض النظر عن مدى صحة تلك المقتطفات من عدمها، فإن السؤال الذي يجب الإجابة عنه بوضوح، هل كانت تلك المجموعة بحاجة الى مزيد من الفرص أم ينقصها المزيد من الحوار؟».
ومضى يقول: «لقد أنشأت القيادات المفصولة جيباً تنظيمياً بنكهة جهوية واضحة، لخلق تنظيم خاص موازٍ».
وحول ما أشيع عن وجود تنظيم سري داخل الجماعة، قال بني ارشيد: «من غرائب الأمور أن الإخوة في «زمزم» والمتأثرين بهم يزعمون وجود تنظيم خاص ويطلبون حلّه، وفي الوقت نفسه يشكلون نواة تنظيم ويزرعونها داخل المشتل الإخواني على قاعدة: رمتني بدائها وانسلت».
وكان لافتاً أن تنتقل التجاذبات من داخل المقار التنظيمية والغرف المغلقة إلى موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، الذي سرعان ما تحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات والدخول في حرب البيانات المضادة بين كبار قادة الجماعة على طرفي النقيض.
وعلى الفضاء الافتراضي كتب ارحيل يقول: «اذا كانوا لا يتورعون عن فبركة الروايات واغتيال الشخصيات ونشر الإشاعات وإطلاق الاتهامات، فكيف تؤمنهم على فكر وعلى بشر وعلى وطن (...)».
جاء قرار فصل قيادات «زمزم» ليضع مستقبل الجماعة الأردنية على المحك، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الفروع «الإخوانية» في المنطقة.
وفتح الباب على مصراعيه أمام رهانات عدة لـ «الإخوان» أنفسهم، ولقيادات «زمزم» الغاضبة، وحتى للنظام الأردني الذي يراقب المشهد عن كثب، فيما تُتهم أطراف من داخله بتغذية الخلاف في عروق «الإخوان».
تراهن قادة «الإخوان» على وحدة الجماعة وتماسكها، ويتحدث قادتها عن لقاءات دورية تجمع شخصيات نافذة من «الصقور» و «الحمائم» بهدف الوصول إلى تفاهمات على قيادة المرحلة.
فيما تراهن القيادات المفصولة على استقطاب رؤوس كبيرة من «الحمائم» والقيادة التاريخية، وهي تتهم قيادة الجماعة بـ «قمع الرأي الآخر، والسعي الحثيث الى فصل كل من يخالف رأيها».
لكن الأخطر من رهان «الإخوان» و «زمزم» هو رهان النظام الأردني، وتحديداً الجناح المحافظ داخل مطبخ القرار، الذي لا يتردد في إظهار عدائه الشديد للجماعة ويأمل حدوث انشقاق عريض داخل التنظيم على أسس جهوية. وهو يرى أن صراع «الإخوان» الداخلي يوفر عليه عناء التفكير في أسلوب مواجهتهم.
وقد شهدت الجماعة في الأردن أزمات داخلية أقل حدة، كان أبرزها عام 1997 عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة مُنيت بها في الانتخابات التشريعية.
يقول محمد أبو رمان، وهو كاتب وخبير في شؤون الحركات الإسلامية: «الخلاف الراهن لن يؤدي إلى مغادرة أعداد كبيرة صفوف الجماعة، لكنه سيخلق انشقاقات رمزية قد تكون الأخطر على الإطلاق».
ويضيف: «الذين يدخلون اليوم في أزمة خطيرة مع القيادة، يمثلون نخبة هامة من المثقفين والتكنوقراط، وهؤلاء يمثلون الجناح المعتدل داخل الجماعة ويرفعون شعار الاصلاح والمراجعة».
وتابع: «صحيح أن هؤلاء يعبرون عن التيار الشرق الأردني داخل التنظيم، وهو تيار الأقلية، لكنهم عناصر هامة جداً في التركيبة الإخوانية، ويمثلون مفاتيح الانعتاق من حسابات التنظيم إلى خيارات رحبة تتمثل في الاصلاح السياسي والاشتباك مع المجتمع».
أما ياسر أبو هلالة، الكاتب الصحافي الخبير في دهاليز التنظيم فيقول إن «الجماعة لم تتعرض في تاريخها لانقسام عمودي على أسس إقليمية كما تتعرض له الآن». وأضاف: «صحيح أن القيادة الحالية تمثل الأكثرية، لكن الارتهان إلى مبدأ الأكثرية والأقلية هو الوصفة الحقيقية لتحطيم التنظيم». ويرى ياسر أن الدولة «ستستثمر في الأزمة الراهنة، وستنزع الشرعية عن الجماعة لمصلحة «زمزم» وتيار المنشقين، وستكون الذريعة أن القيادة الحالية ليست سوى تعبير عن حركة حماس».
لكنه يعتبر أن «القوة التنظيمية على الأرض ستصب نهاية الأمر في مصلحة الجماعة، ولن تكون «زمزم» قادرة على سحب الرصيد الشعبي أو التنظيمي من الإخوان، وسنكون أمام انشقاق إعلامي تغذيه جهات رسمية، لكن مجرد فصل قيادي من وزن ارحيل غرايبة سيشكل ضربة موجعة لتنظيم الإخوان».
"الحياة"