رواية نيوزيلندية مستوحاة من حياة الأميرة هيا بنت الحسين
جو 24 : كانت طفولة الأميرة هيا ثورة صامتة على معتقدات ترسخ التفرقة بين الجنسين. لم تحتج إلى مظاهرات وإقرار قوانين لتدافع عن حقها. كان تصميمها وعزمها ووفاؤها لأمها بوصلتها للوصول إلى ما أرادت.
هي قصة أميرة تخلت عن تاجها وقصرها وكل ما أوتيت من جاه الملكية. أميرة أرادت أن تفخر بها «ماما»، تلك الملكة التي ما عرفتها إلا القليل من السنين، لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.
رواية «الأميرة وبنت الريح» للكاتبة النيوزيلندية ستايسي غريغ، التي صدرت أخيرا عن دار «نوفل» التابعة لمجموعة «هاشيت أنطوان»، وبتوقيع المترجمة رنا حايك، تحكي فصولا من طفولة الأميرة هيا بنت الحسين، بنت الملكة علياء وشقيقة الملك عبد الله لأبيه! في الرواية، الموجهة للكبار كما الناشئة، تتوقف غريغ مطولا عند وصف هذه الأميرة التي هي غير كثير من الأميرات... لم تستهوها الفساتين، ولا المجوهرات ولا التيجان، ولا أي من تلك المظاهر المترفة.
كل ما عناها من ذلك القصر الملكي كانت عائلتها. أسرتها مصدر سعادتها. من كانت للآخرين جلالة الملكة كانت لها «ماما»، ومن كان بيمينه يهز عرش مملكته كان يمشط لها شعرها قبل أن تنام... ومن كان أميرا، وضعته في مصعد خدمة الغرف.
لقد علمتها أمها منذ نعومة أظافرها أن كل الأردنيين هم إخوتها وأخواتها وأن عليها أن تحبهم. لكن لم يكن مكتوبا لسعادتها أن تطول... هبت عاصفة «مشؤومة ووقعت المأساة»... وأخذت معها أحب الناس إلى قلب هيا: ماما لم تعد هنا! «لا على الفطور... لا لتمشط شعرها... قصرها الكبير أضحى موحشا وفارغا من دون ضحكة ماما...». كان ذلك في 9 فبراير (شباط) 1977.
كبرت هيا قبل أوانها. باكرا، وهي الطفلة، هدهدت أخاها علي ليتوقف عن البكاء، فهو «يبكي لأنه لا يفهم لماذا لا تأتي إليه ماما». وهي أيضا لا تفهم. ظنت أنها إذا ما أنهت طعامها، ستأتي ماما! حفر الحزن في داخلها أخاديد عميقة لم تظهر للعلن إلا من خلال انزوائها، فما كان من والدها الملك إلا أن أهداها - لمناسبة عامها السادس - مهرة يتيمة الأم. أوكل الملك إلى ابنته حديثة اليتم مهمة تربية مهرة يتيمة هي أيضا. «من الآن، أنت أمها»، قالها والدها كما لو أنه أراد من هيا أن تسقط من خلال اهتمامها بمهرتها ما ينقصها من اهتمام تعانيه من جراء غياب ماما. فهمت هيا حينها صعوبة مهمة الأم... «أطعميها، اعتني بها ونظفيها، ربيها ودربيها، علميها حسن التصرف. علميها كيف تصبح فرسا». كيف تسأل هيا عن مهرة وهي لا تزال تستطيع الزحف تحت سريرها للقاء أمها؟ وهي احتفظت بكل أشيائها في علبة خبأتها تحت سريرها، فالعاصفة لن تجد لها مكانا تحت السرير، ولن تأخذ منها ما بقي من ماما.
هديتها هذه فتحت لها الباب على مصراعيه لمستقبل يختلف كل الاختلاف عن واقع كل أميرة. عادت الضحكة إلى وجهها وبات لحياتها معنى... «بنت الريح» أو «بري» كما سمت هيا مهرتها اليتيمة، هي سبب وجودها... عاطفة الأم التي حرمت منها، أغدقت بها على «بنت الريح». تفتحت غريزة هيا الأمومية باكرا، وكأن الحرمان العاطفي الذي عانته خط طريقه إلى فيض من العاطفة والاهتمام تجاه مخلوق صغير شكلت له هيا طوق النجاة... نموها العاطفي كان شأنه شأن النمو العاطفي لأي طفل فقد عزيزا... أصبح غياب ماما المحرك الأساسي لمهمة هيا الجديدة: أم بديلة لمهرة يتيمة.
اختبرت هيا اليتم قبل «بنت الريح» فأرادت أن تجنبها كل ما في ذلك من ألم ووجع. أدركت أنه عليها أن تسيطر على أحاسيسها ومشاعرها الحزينة لغياب أمها، فالوقت الآن ليس لها؛ فهي ليست طفلة وعلى الآخرين أن يواسوها... قلبت الأدوار الآن، هي المسؤولة وعليها أن تواسي يتيمة أخرى... ورغم صغر سنها، أدركت أن المواساة ليست بتشبيه مأساة الآخرين بمآسينا. أدركت أن المواساة هي بتخفيف وقع الغياب. كيف لا تدرك ذلك وهي التي فقدت كل ما كانت تقدمه ماما.
لم ترد لبنت الريح أن تحس بغياب أمها... لم ترد لها أن تعيش مأساتها، فبقيت بجانبها، أطعمتها، رافقتها في كل اكتشافاتها، سهرت جانبها ليلا فإذا ما صحت رأتها جنبها واطمأنت.
ولكن هذا الاهتمام بقي ضمن حدود المعقول. اهتمامها بـ«بنت الريح» أو «بري» كان إضافة إلى حياتها الاعتيادية. أصرت مربيتها على تلقينها كل الفنون الملكية: فنون المائدة، العزف والغناء... دون نسيان مهامها المدرسية... لكن هيا لم تكترث لكل هذه الأمور، إلا لكونها طريقا يمهد لها قضاء ساعات مع مهرتها... فالسماح لها بزيارة مهرتها أو منعها من إتمام هذه الزيارة كانا منوطين باجتهادها في فروضها المدرسية.
رافقها حبها للفروسية إلى «المدرسة الداخلية» إلى بادمينتون في بريطانيا. كانت تلميذة مجتهدة تبرع في مهامها المدرسية وكانت رياضية ماهرة - شأنها شأن أمها. حتى في بادمينتون، لاقى شغفها بالفروسية مكانا يتفجر به. شهد «شبرلاند كوبس» على فطرة هيا واكتسبت في ميدانه خبرة واسعة مكنتها من حصد أكثر من ميدالية في أكثر من سباق. لم تكن لترتاد هذا المكان لولا تدخل بابا الذي طلب إلى مدرسة هيا إعطاءها الإذن بذلك.
ولكن كل هذه النجاحات لم تكن لتضمد جراح انسلاخها عن عائلتها ولا لتوقف الحنين الذي ما انفك يكبر يوما بعد يوم رغم المراسلات الدائمة بينها وبين عائلتها. حتى بنت الريح كان لها حصة في هذه المراسلات. فقد كان زين - من أوكلت إليه هيا مهمة الاهتمام ببري - يخبرها بكل شاردة وواردة، طبعا بعد أن دربته على الاعتناء بها وشرحت له معاني كل حركة تقوم بها مهرتها.
مرت الأيام وعلي يعد أيام عودة أخته إلى القصر الملكي، أي عند انتهاء العام الدراسي. ولكنه لم يكن يعلم أن مصير أخته ارتبط ارتباطا وثيقا بالسماء والكواكب.
فكما كان لعاصفة ذلك العام المشؤوم وقع مدو في حياة الأميرة هيا، كذلك كان إطلاق المكوك تشالنجر. شاهدت هيا على التلفزيون حدث إطلاقه، وكان آخر ما رأته صورة لانفجاره... وجه أمها... مروحية هليكوبتر تسقط... وأصوات صراخ ونحيب! كل هذه السنين التي حاولت فيها هيا كتم مشاعرها وإخفاء حزنها عادت وألقت بكل ثقلها، فأغمي عليها... وأعيدت إلى قصرها الأردني. هناك لاقت أخاها وأباها ومربيتها... عادت إلى تلك الحياة الرخامية التي لم ترد منها سوى إسطبلاتها.
رغم ضعفها ووهنها، أصرت هيا على زيارة المهرة التي باتت الآن فرسا. هنا، تعلمت أن الغياب لا يوقف الزمن. عادت لتلاقي زملاء لها يشاطرونها شغفها بالخيول.
عادت أميرة عربية تمتطي فرسا وتدربها على ما لم تعد من أجله، حسب العادات. بري، كما فارستها، كسرت القيود. فكما تمردت هيا على مصيرها وخلعت فساتينها وارتدت بنطالا، كذلك فرسها التي كانت معدة للجري دربتها هيا على تخطي الحواجز.
ثارت هيا على تقاليد مجتمعها، فما انفكت تمارس هوايتها وتصادق «السياس»، وأبدت اهتماما بالمشاركة في بطولة الكأس الملوكية للفروسية. تخطت هيا كل الحواجز. ورفضت فكرة أن كونها فتاة (أولا) وأميرة (ثانيا) سيمنعها من تحقيق حلمها.
لطالما حلمت هيا بتلك اللحظات، حين تتحد فيها مع فرسها، وتقودها لتكون غير كل الخيول. وثقت بها ثقة عمياء - ثقة أم بطفلها، فهي الأدرى بها وبكل ردود فعلها. علمت هيا أن «بنت الريح» لن تخذلها لعلمها أنها هي بنفسها لن تخذل الملكة علياء وستجعلها تفخر بها.
رغم كل هفواتها، ساندها الملك في قرارها المشاركة في البطولة. وكان لها خير معلم في أصول الشهامة واحترام الوعود حين عفا عن معاقبتها لتلتحق بالتمارين النهائية. كان يمرر لها بجرعات متفاوتة دروسا في الشهامة والعنفوان والعزم في كل قرار اتخذه بحقها. شاركت هيا في البطولة وهي بنت في الثانية عشرة من عمرها، كانت الأنثى الوحيدة والأصغر سنا بين جميع المشتركين.
بيد أنها كانت الأعلى رتبة بينهم، إلا أن ذلك لم يكن جواز عبورها لهذه المسابقة. استحقت المشاركة بجدارة؛ فهي فارسة ماهرة ومتمكنة. نجحت حينا وسقطت حينا آخر. ولكنها، بعزمها وبثقتها ببري وبنفسها، ووفاء لوالدتها، وطمعا منها بضحكة جديدة تعبق بالفخر على وجه أبيها الملك، قادت هيا فريقها إلى نصر أمام خصم عنيد. طفولة هيا كانت ثورة صامتة على معتقدات صماء ترسخ التفرقة الجنسية. لم تحتج هيا إلى مظاهرات وإقرار قوانين لتدافع عن حقها. كان تصميمها وعزمها ووفاؤها لأمها بوصلتها للوصول إلى ما أرادت.
* نبذة عن المؤلفة ستايسي غريغ
* في طفولتها، شغفت ستايسي غريغ بالخيول، حتى إنها حاولت تدريب كلبها على قفز الحواجز في حديقة المنزل، إلى حين سمح لها والداها باقتناء مهرة.
غريغ لم تصبح فارسة، لكنها برعت في الكتابة عن الفروسية، إذ بيع أكثر من نصف مليون نسخة من السلسلتين اللتين أصدرتهما عن الخيول، Pony Club Secrets وPony Club Rivals، والموجهتين إلى الفتيات الصغيرات.
لتأليف «الأميرة وبنت الريح»، نزلت الكاتبة النيوزيلندية ضيفة على الأميرة هيا بنت الحسين في الأردن. زارت قصور العائلة المالكة، وجالت في الإسطبلات الملكية، وأدارت حوارات مطولة مع الأميرة ومحيطها، متتبعة ومتقصية، لنسج خيوط هذه القصة عن الأميرة ومهرتها، و«بمباركة» منها.
"الشرق الاوسط"
هي قصة أميرة تخلت عن تاجها وقصرها وكل ما أوتيت من جاه الملكية. أميرة أرادت أن تفخر بها «ماما»، تلك الملكة التي ما عرفتها إلا القليل من السنين، لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.
رواية «الأميرة وبنت الريح» للكاتبة النيوزيلندية ستايسي غريغ، التي صدرت أخيرا عن دار «نوفل» التابعة لمجموعة «هاشيت أنطوان»، وبتوقيع المترجمة رنا حايك، تحكي فصولا من طفولة الأميرة هيا بنت الحسين، بنت الملكة علياء وشقيقة الملك عبد الله لأبيه! في الرواية، الموجهة للكبار كما الناشئة، تتوقف غريغ مطولا عند وصف هذه الأميرة التي هي غير كثير من الأميرات... لم تستهوها الفساتين، ولا المجوهرات ولا التيجان، ولا أي من تلك المظاهر المترفة.
كل ما عناها من ذلك القصر الملكي كانت عائلتها. أسرتها مصدر سعادتها. من كانت للآخرين جلالة الملكة كانت لها «ماما»، ومن كان بيمينه يهز عرش مملكته كان يمشط لها شعرها قبل أن تنام... ومن كان أميرا، وضعته في مصعد خدمة الغرف.
لقد علمتها أمها منذ نعومة أظافرها أن كل الأردنيين هم إخوتها وأخواتها وأن عليها أن تحبهم. لكن لم يكن مكتوبا لسعادتها أن تطول... هبت عاصفة «مشؤومة ووقعت المأساة»... وأخذت معها أحب الناس إلى قلب هيا: ماما لم تعد هنا! «لا على الفطور... لا لتمشط شعرها... قصرها الكبير أضحى موحشا وفارغا من دون ضحكة ماما...». كان ذلك في 9 فبراير (شباط) 1977.
كبرت هيا قبل أوانها. باكرا، وهي الطفلة، هدهدت أخاها علي ليتوقف عن البكاء، فهو «يبكي لأنه لا يفهم لماذا لا تأتي إليه ماما». وهي أيضا لا تفهم. ظنت أنها إذا ما أنهت طعامها، ستأتي ماما! حفر الحزن في داخلها أخاديد عميقة لم تظهر للعلن إلا من خلال انزوائها، فما كان من والدها الملك إلا أن أهداها - لمناسبة عامها السادس - مهرة يتيمة الأم. أوكل الملك إلى ابنته حديثة اليتم مهمة تربية مهرة يتيمة هي أيضا. «من الآن، أنت أمها»، قالها والدها كما لو أنه أراد من هيا أن تسقط من خلال اهتمامها بمهرتها ما ينقصها من اهتمام تعانيه من جراء غياب ماما. فهمت هيا حينها صعوبة مهمة الأم... «أطعميها، اعتني بها ونظفيها، ربيها ودربيها، علميها حسن التصرف. علميها كيف تصبح فرسا». كيف تسأل هيا عن مهرة وهي لا تزال تستطيع الزحف تحت سريرها للقاء أمها؟ وهي احتفظت بكل أشيائها في علبة خبأتها تحت سريرها، فالعاصفة لن تجد لها مكانا تحت السرير، ولن تأخذ منها ما بقي من ماما.
هديتها هذه فتحت لها الباب على مصراعيه لمستقبل يختلف كل الاختلاف عن واقع كل أميرة. عادت الضحكة إلى وجهها وبات لحياتها معنى... «بنت الريح» أو «بري» كما سمت هيا مهرتها اليتيمة، هي سبب وجودها... عاطفة الأم التي حرمت منها، أغدقت بها على «بنت الريح». تفتحت غريزة هيا الأمومية باكرا، وكأن الحرمان العاطفي الذي عانته خط طريقه إلى فيض من العاطفة والاهتمام تجاه مخلوق صغير شكلت له هيا طوق النجاة... نموها العاطفي كان شأنه شأن النمو العاطفي لأي طفل فقد عزيزا... أصبح غياب ماما المحرك الأساسي لمهمة هيا الجديدة: أم بديلة لمهرة يتيمة.
اختبرت هيا اليتم قبل «بنت الريح» فأرادت أن تجنبها كل ما في ذلك من ألم ووجع. أدركت أنه عليها أن تسيطر على أحاسيسها ومشاعرها الحزينة لغياب أمها، فالوقت الآن ليس لها؛ فهي ليست طفلة وعلى الآخرين أن يواسوها... قلبت الأدوار الآن، هي المسؤولة وعليها أن تواسي يتيمة أخرى... ورغم صغر سنها، أدركت أن المواساة ليست بتشبيه مأساة الآخرين بمآسينا. أدركت أن المواساة هي بتخفيف وقع الغياب. كيف لا تدرك ذلك وهي التي فقدت كل ما كانت تقدمه ماما.
لم ترد لبنت الريح أن تحس بغياب أمها... لم ترد لها أن تعيش مأساتها، فبقيت بجانبها، أطعمتها، رافقتها في كل اكتشافاتها، سهرت جانبها ليلا فإذا ما صحت رأتها جنبها واطمأنت.
ولكن هذا الاهتمام بقي ضمن حدود المعقول. اهتمامها بـ«بنت الريح» أو «بري» كان إضافة إلى حياتها الاعتيادية. أصرت مربيتها على تلقينها كل الفنون الملكية: فنون المائدة، العزف والغناء... دون نسيان مهامها المدرسية... لكن هيا لم تكترث لكل هذه الأمور، إلا لكونها طريقا يمهد لها قضاء ساعات مع مهرتها... فالسماح لها بزيارة مهرتها أو منعها من إتمام هذه الزيارة كانا منوطين باجتهادها في فروضها المدرسية.
رافقها حبها للفروسية إلى «المدرسة الداخلية» إلى بادمينتون في بريطانيا. كانت تلميذة مجتهدة تبرع في مهامها المدرسية وكانت رياضية ماهرة - شأنها شأن أمها. حتى في بادمينتون، لاقى شغفها بالفروسية مكانا يتفجر به. شهد «شبرلاند كوبس» على فطرة هيا واكتسبت في ميدانه خبرة واسعة مكنتها من حصد أكثر من ميدالية في أكثر من سباق. لم تكن لترتاد هذا المكان لولا تدخل بابا الذي طلب إلى مدرسة هيا إعطاءها الإذن بذلك.
ولكن كل هذه النجاحات لم تكن لتضمد جراح انسلاخها عن عائلتها ولا لتوقف الحنين الذي ما انفك يكبر يوما بعد يوم رغم المراسلات الدائمة بينها وبين عائلتها. حتى بنت الريح كان لها حصة في هذه المراسلات. فقد كان زين - من أوكلت إليه هيا مهمة الاهتمام ببري - يخبرها بكل شاردة وواردة، طبعا بعد أن دربته على الاعتناء بها وشرحت له معاني كل حركة تقوم بها مهرتها.
مرت الأيام وعلي يعد أيام عودة أخته إلى القصر الملكي، أي عند انتهاء العام الدراسي. ولكنه لم يكن يعلم أن مصير أخته ارتبط ارتباطا وثيقا بالسماء والكواكب.
فكما كان لعاصفة ذلك العام المشؤوم وقع مدو في حياة الأميرة هيا، كذلك كان إطلاق المكوك تشالنجر. شاهدت هيا على التلفزيون حدث إطلاقه، وكان آخر ما رأته صورة لانفجاره... وجه أمها... مروحية هليكوبتر تسقط... وأصوات صراخ ونحيب! كل هذه السنين التي حاولت فيها هيا كتم مشاعرها وإخفاء حزنها عادت وألقت بكل ثقلها، فأغمي عليها... وأعيدت إلى قصرها الأردني. هناك لاقت أخاها وأباها ومربيتها... عادت إلى تلك الحياة الرخامية التي لم ترد منها سوى إسطبلاتها.
رغم ضعفها ووهنها، أصرت هيا على زيارة المهرة التي باتت الآن فرسا. هنا، تعلمت أن الغياب لا يوقف الزمن. عادت لتلاقي زملاء لها يشاطرونها شغفها بالخيول.
عادت أميرة عربية تمتطي فرسا وتدربها على ما لم تعد من أجله، حسب العادات. بري، كما فارستها، كسرت القيود. فكما تمردت هيا على مصيرها وخلعت فساتينها وارتدت بنطالا، كذلك فرسها التي كانت معدة للجري دربتها هيا على تخطي الحواجز.
ثارت هيا على تقاليد مجتمعها، فما انفكت تمارس هوايتها وتصادق «السياس»، وأبدت اهتماما بالمشاركة في بطولة الكأس الملوكية للفروسية. تخطت هيا كل الحواجز. ورفضت فكرة أن كونها فتاة (أولا) وأميرة (ثانيا) سيمنعها من تحقيق حلمها.
لطالما حلمت هيا بتلك اللحظات، حين تتحد فيها مع فرسها، وتقودها لتكون غير كل الخيول. وثقت بها ثقة عمياء - ثقة أم بطفلها، فهي الأدرى بها وبكل ردود فعلها. علمت هيا أن «بنت الريح» لن تخذلها لعلمها أنها هي بنفسها لن تخذل الملكة علياء وستجعلها تفخر بها.
رغم كل هفواتها، ساندها الملك في قرارها المشاركة في البطولة. وكان لها خير معلم في أصول الشهامة واحترام الوعود حين عفا عن معاقبتها لتلتحق بالتمارين النهائية. كان يمرر لها بجرعات متفاوتة دروسا في الشهامة والعنفوان والعزم في كل قرار اتخذه بحقها. شاركت هيا في البطولة وهي بنت في الثانية عشرة من عمرها، كانت الأنثى الوحيدة والأصغر سنا بين جميع المشتركين.
بيد أنها كانت الأعلى رتبة بينهم، إلا أن ذلك لم يكن جواز عبورها لهذه المسابقة. استحقت المشاركة بجدارة؛ فهي فارسة ماهرة ومتمكنة. نجحت حينا وسقطت حينا آخر. ولكنها، بعزمها وبثقتها ببري وبنفسها، ووفاء لوالدتها، وطمعا منها بضحكة جديدة تعبق بالفخر على وجه أبيها الملك، قادت هيا فريقها إلى نصر أمام خصم عنيد. طفولة هيا كانت ثورة صامتة على معتقدات صماء ترسخ التفرقة الجنسية. لم تحتج هيا إلى مظاهرات وإقرار قوانين لتدافع عن حقها. كان تصميمها وعزمها ووفاؤها لأمها بوصلتها للوصول إلى ما أرادت.
* نبذة عن المؤلفة ستايسي غريغ
* في طفولتها، شغفت ستايسي غريغ بالخيول، حتى إنها حاولت تدريب كلبها على قفز الحواجز في حديقة المنزل، إلى حين سمح لها والداها باقتناء مهرة.
غريغ لم تصبح فارسة، لكنها برعت في الكتابة عن الفروسية، إذ بيع أكثر من نصف مليون نسخة من السلسلتين اللتين أصدرتهما عن الخيول، Pony Club Secrets وPony Club Rivals، والموجهتين إلى الفتيات الصغيرات.
لتأليف «الأميرة وبنت الريح»، نزلت الكاتبة النيوزيلندية ضيفة على الأميرة هيا بنت الحسين في الأردن. زارت قصور العائلة المالكة، وجالت في الإسطبلات الملكية، وأدارت حوارات مطولة مع الأميرة ومحيطها، متتبعة ومتقصية، لنسج خيوط هذه القصة عن الأميرة ومهرتها، و«بمباركة» منها.
"الشرق الاوسط"