الليبراليون والعلمانيون.. هل من حاجة إلى مقاربة جديدة لمنافسة الإسلاميين؟!
جو 24 : كتب: راكان السعايدة-حتى اللحظة، لم تحاول القوى الحزبية -الليبرالية والعلمانية- استثمار «الربيع العربي» في تقييم واقعها، واكتشاف حصتها من القاعدة الاجتماعية. «السنوات الأخيرة كانت، وماتزال، مناسبة حقيقية، كما يقول أحد السياسيين، لتعيد القوى الليبرالية والعلمانية الأردنية تقييم حجم وجودها في الشارع السياسي وتأثيرها ودورها، وما إذا كانت قادرة على إحداث اختراقات حقيقية في الشارع».
ذات السياسي، وهو الخارج من رحم الليبرالية، يعترف أن أصحاب هذا الفكر يبقون أنفسهم داخل «كبسولة»، وينعزلون نسبيا عن محيطهم، مركزين وجودهم في المدن ذات الأضواء «الفاقعة، إعلاميا وسياسيا». ما يعني أن الليبرالية تعيش فقط تحت الأضواء وفي محيطها، وهو أمر يكاد يكون حكرا على العواصم، فيما الأطراف أكانت قرى أو مدنا أو أريافا، ولخفوت أضوائها فهي بعيدة عن اهتمامات الليبراليين، أي لا ينخرطون ميدانيا فيها، وإنما انخراطهم مقصور على البيانات وإطلاق المواقف.
في الأردن، كما في كل العواصم العربية، تسيطر أحزاب اليمين الدينية على المشهد السياسي فيما يجاهد اليساري والقومي والليبرالي والعلماني ليحجز مساحته، لكنه يتبع تكتيكات خاطئة، برأي مراقبين، طالما لم يخرج من العاصمة خروجا جديا وحقيقيا لينخرط بين الناس في الأطراف. أردنيا، كما عربيا، هذا ما يميز التيارات الإسلامية عن غيرها من التيارات الحزبية الأخرى، أن الأولى مشتبكة مع الناس، في العاصمة كما الأطراف، وتتلمس احتياجاتهم، وبنت شبكة واسعة من المؤسسات الخدمية والاجتماعية على كل مساحة الجغرافيا الوطنية. فيما الثانية (الليبرالية والعلمانية) عجزت عن اتباع ذات المنهجية، إما لشح المال، أو لغياب العزيمة والإصرار على الوصول إلى الناس في مواقعهم، مكتفية فقط برسائل إعلامية تطلق من العواصم ،متوقعة أن يتردد صداها في الأطراف. إن «الربيع العربي» شكّل، بالفعل، برأي من يراقبون المشهد، لحظة كاشفة لواقع ليبرالي وعلماني صعب، وأكثر ما يكشفه هذا «الربيع» أن أصحاب العلاقة لم يبذلوا جهدا كافيا لتغيير واقعهم وبقوا يتمسكون بالروافع الرسمية لتمنحهم فرصة مصطنعة للعب سلسلة من الأدوار بعضها غير مترابط وغير متماسك وأحيانا فيه تناقض كبير.
ذلك أكثر من واضح في الحالة المصرية، التي يمكن القياس عليها، فالقوى الليبرالية والعلمانية وجدت نفسها عاجزة تماما عن التأثير في المجال السياسي الحيوي، وغير قادرة على كسب حصة مناسبة في أي انتخابات جرت نظرا لفقدها قاعدة الدعم الشعبي. ما جعل الخيار الوحيد أمام الليبراليين والعلمانيين أن يبنوا تحالفهم مع السلطة لتضمن لهم تمثيلا سياسيا وينتزع لهم حصة من أيدي الإسلاميين، فبات الليبرالي والعلماني مرتهنا لقوة أكبر تمنحه مساحته وتفرض عليه أحيانا نمطا سياسيا صادما لا يتماهى مع مفاهيم الليبرالية واشتراطاتها. في الأردن، لا يخطئ سياسيون في توصيفهم للمشهد الوطني، بالتأكيد على أن مأزق الليبرالية والعلمانية هو ذاته هنا كما في العالم العربي، باستثناءات عربية بسيطة، لكن في العموم يغلب النفوذ على الساحة للإسلاميين، في المدن والأطراف. كما أن الليبرالية ترى نفسها سياسية إعلامية أكثر منها جماهيرية، بالانخراط المباشر، لذلك تظهر أحيانا منفصلة بالعمق عن الواقع الاجتماعي وحرمها من قاعدة دعم شعبية الأمر الذي وفر للإسلاميين مناخا مناسبا للنفوذ من غير أن يزاحمهم أحد غير السلطة.
ولا سبيل لنهوض الليبرالية والعلمانية كقوى مستقلة ومؤثرة في المشهد السياسي العربي، إلاّ بمراجعة موضوعية لواقعها، يحدد من خلالها أسباب ضعف الفكرة عموما و في الأطراف خصوصا. وتبيان ما إذا كان مرد الضعف هو الفكرة ذاتها أم أن البيئة العربية محافظة ولا تتقبلها ،أم أن القائمين عليها ليس لديهم قدرات كافية وعزيمة أكيدة لإحداث التغيير الجوهري في الواقع بالانتقال من الشكل الراهن إلى شكل أكثر حيوية وأكثر قدرة على جلب الأنصار والمؤيدين. العشرات من الدراسات التي انتجتها مراكز بحث غربية، تؤكد ضعف واقع القوى الليبرالية والعلمانية وعدم قدرتها على التأثير في العالم العربي، وفشلها إلى الآن في بناء قاعدة جماهيرية صلبة مقارنة بالقوى والتيارات الإسلامية التي لديها حضور طاغ يؤهلها لكسب حصة كبيرة من التمثيل السياسي، وتكاد الأطراف تكون حكرا عليها وحدها. تلك الدراسات منحت القوى الليبرالية والعلمانية تقييمات عديدة لكنها لم تقدم مقاربة واقعية وعميقة ومجربة، عربيا على الأقل، لكيفية النهوض بواقع الليبراليين والعلمانيين ممن يرى فيهم الغرب البديل المرغوب عن القوى الدينية. وتلمح تلك الدراسات أحيانا إلى أن انحياز الغرب للقوى الليبرالية والعلمانية على حساب القوى الدينية لعب دورا سلبيا في «هضم» القاعدة الاجتماعية لفكرها ونهجها، لذلك كانت النصيحة دائما أن تصمم مقاربة سياسية داعمة من غير أن تكون واضحة وفاقعة كي لا تأتي بنتائج سلبية على تلك القوى.
يرى سياسيون وحزبيون أن أكبر خطر على القوى الليبرالية والعلمانية ان تلتصق بالسلطة والأنظمة، فذلك يعزلها وينحت في مصداقيتها، وألا سبيل لها إلاّ أن تبادر بذاتها إلى تقييم ذاتي وموضوعي لظروف عملها واستكشاف أسباب ضعفها وعجزها.
ومن ثم تضع مقاربة علمية وعملية لإعادة إنتاج صورتها، وأن تمنح الأطراف ذات الأهمية التي تمنحها للمدن والعواصم، وأن تقدم رؤى وبرامج واقعية ومقنعة تبني من خلالها صلات مع أوسع قاعدة اجتماعية ممكنة، كي يكون بمقدورها المنافسة على حصة مناسبة من التمثيل السياسي. ولا شك أن بناء القاعدة الجماهيرية لليبراليين والعلمانيين يحتاج إلى جانب الفكرة السياسية والرؤية بناء مؤسسات اجتماعية وخدمية وتثقيفية على أمتداد الوطن لمراكمة الصلات الاجتماعية وكسب الدعم الشعبي. إن الظروف الراهنة مناسبة تماما لمباشرة المراجعة والتقييم لخلق ليبرالية وعلمانية مستقلة تنافس بمصداقية وفقا لقيم الديمقراطية.. حسب سياسي مخضرم.
ذات السياسي، وهو الخارج من رحم الليبرالية، يعترف أن أصحاب هذا الفكر يبقون أنفسهم داخل «كبسولة»، وينعزلون نسبيا عن محيطهم، مركزين وجودهم في المدن ذات الأضواء «الفاقعة، إعلاميا وسياسيا». ما يعني أن الليبرالية تعيش فقط تحت الأضواء وفي محيطها، وهو أمر يكاد يكون حكرا على العواصم، فيما الأطراف أكانت قرى أو مدنا أو أريافا، ولخفوت أضوائها فهي بعيدة عن اهتمامات الليبراليين، أي لا ينخرطون ميدانيا فيها، وإنما انخراطهم مقصور على البيانات وإطلاق المواقف.
في الأردن، كما في كل العواصم العربية، تسيطر أحزاب اليمين الدينية على المشهد السياسي فيما يجاهد اليساري والقومي والليبرالي والعلماني ليحجز مساحته، لكنه يتبع تكتيكات خاطئة، برأي مراقبين، طالما لم يخرج من العاصمة خروجا جديا وحقيقيا لينخرط بين الناس في الأطراف. أردنيا، كما عربيا، هذا ما يميز التيارات الإسلامية عن غيرها من التيارات الحزبية الأخرى، أن الأولى مشتبكة مع الناس، في العاصمة كما الأطراف، وتتلمس احتياجاتهم، وبنت شبكة واسعة من المؤسسات الخدمية والاجتماعية على كل مساحة الجغرافيا الوطنية. فيما الثانية (الليبرالية والعلمانية) عجزت عن اتباع ذات المنهجية، إما لشح المال، أو لغياب العزيمة والإصرار على الوصول إلى الناس في مواقعهم، مكتفية فقط برسائل إعلامية تطلق من العواصم ،متوقعة أن يتردد صداها في الأطراف. إن «الربيع العربي» شكّل، بالفعل، برأي من يراقبون المشهد، لحظة كاشفة لواقع ليبرالي وعلماني صعب، وأكثر ما يكشفه هذا «الربيع» أن أصحاب العلاقة لم يبذلوا جهدا كافيا لتغيير واقعهم وبقوا يتمسكون بالروافع الرسمية لتمنحهم فرصة مصطنعة للعب سلسلة من الأدوار بعضها غير مترابط وغير متماسك وأحيانا فيه تناقض كبير.
ذلك أكثر من واضح في الحالة المصرية، التي يمكن القياس عليها، فالقوى الليبرالية والعلمانية وجدت نفسها عاجزة تماما عن التأثير في المجال السياسي الحيوي، وغير قادرة على كسب حصة مناسبة في أي انتخابات جرت نظرا لفقدها قاعدة الدعم الشعبي. ما جعل الخيار الوحيد أمام الليبراليين والعلمانيين أن يبنوا تحالفهم مع السلطة لتضمن لهم تمثيلا سياسيا وينتزع لهم حصة من أيدي الإسلاميين، فبات الليبرالي والعلماني مرتهنا لقوة أكبر تمنحه مساحته وتفرض عليه أحيانا نمطا سياسيا صادما لا يتماهى مع مفاهيم الليبرالية واشتراطاتها. في الأردن، لا يخطئ سياسيون في توصيفهم للمشهد الوطني، بالتأكيد على أن مأزق الليبرالية والعلمانية هو ذاته هنا كما في العالم العربي، باستثناءات عربية بسيطة، لكن في العموم يغلب النفوذ على الساحة للإسلاميين، في المدن والأطراف. كما أن الليبرالية ترى نفسها سياسية إعلامية أكثر منها جماهيرية، بالانخراط المباشر، لذلك تظهر أحيانا منفصلة بالعمق عن الواقع الاجتماعي وحرمها من قاعدة دعم شعبية الأمر الذي وفر للإسلاميين مناخا مناسبا للنفوذ من غير أن يزاحمهم أحد غير السلطة.
ولا سبيل لنهوض الليبرالية والعلمانية كقوى مستقلة ومؤثرة في المشهد السياسي العربي، إلاّ بمراجعة موضوعية لواقعها، يحدد من خلالها أسباب ضعف الفكرة عموما و في الأطراف خصوصا. وتبيان ما إذا كان مرد الضعف هو الفكرة ذاتها أم أن البيئة العربية محافظة ولا تتقبلها ،أم أن القائمين عليها ليس لديهم قدرات كافية وعزيمة أكيدة لإحداث التغيير الجوهري في الواقع بالانتقال من الشكل الراهن إلى شكل أكثر حيوية وأكثر قدرة على جلب الأنصار والمؤيدين. العشرات من الدراسات التي انتجتها مراكز بحث غربية، تؤكد ضعف واقع القوى الليبرالية والعلمانية وعدم قدرتها على التأثير في العالم العربي، وفشلها إلى الآن في بناء قاعدة جماهيرية صلبة مقارنة بالقوى والتيارات الإسلامية التي لديها حضور طاغ يؤهلها لكسب حصة كبيرة من التمثيل السياسي، وتكاد الأطراف تكون حكرا عليها وحدها. تلك الدراسات منحت القوى الليبرالية والعلمانية تقييمات عديدة لكنها لم تقدم مقاربة واقعية وعميقة ومجربة، عربيا على الأقل، لكيفية النهوض بواقع الليبراليين والعلمانيين ممن يرى فيهم الغرب البديل المرغوب عن القوى الدينية. وتلمح تلك الدراسات أحيانا إلى أن انحياز الغرب للقوى الليبرالية والعلمانية على حساب القوى الدينية لعب دورا سلبيا في «هضم» القاعدة الاجتماعية لفكرها ونهجها، لذلك كانت النصيحة دائما أن تصمم مقاربة سياسية داعمة من غير أن تكون واضحة وفاقعة كي لا تأتي بنتائج سلبية على تلك القوى.
يرى سياسيون وحزبيون أن أكبر خطر على القوى الليبرالية والعلمانية ان تلتصق بالسلطة والأنظمة، فذلك يعزلها وينحت في مصداقيتها، وألا سبيل لها إلاّ أن تبادر بذاتها إلى تقييم ذاتي وموضوعي لظروف عملها واستكشاف أسباب ضعفها وعجزها.
ومن ثم تضع مقاربة علمية وعملية لإعادة إنتاج صورتها، وأن تمنح الأطراف ذات الأهمية التي تمنحها للمدن والعواصم، وأن تقدم رؤى وبرامج واقعية ومقنعة تبني من خلالها صلات مع أوسع قاعدة اجتماعية ممكنة، كي يكون بمقدورها المنافسة على حصة مناسبة من التمثيل السياسي. ولا شك أن بناء القاعدة الجماهيرية لليبراليين والعلمانيين يحتاج إلى جانب الفكرة السياسية والرؤية بناء مؤسسات اجتماعية وخدمية وتثقيفية على أمتداد الوطن لمراكمة الصلات الاجتماعية وكسب الدعم الشعبي. إن الظروف الراهنة مناسبة تماما لمباشرة المراجعة والتقييم لخلق ليبرالية وعلمانية مستقلة تنافس بمصداقية وفقا لقيم الديمقراطية.. حسب سياسي مخضرم.