تألق إيطاليا لم يأتي من فراغ
لطالما كانت إيطاليا تمتلك أحد أقوى وأجوَد المنتخبات الأوروبية، لكن ومع كل تاريخ شبه الجزيرة الأوروبية المجيد وشغف شعبها الذي يصل لحد الجنون بكرة القدم، فالكرة في بلاد البيتزا كانت تعاني في الفترة الأخيرة على صعيد الدوري المحلي الذي تراجع لأول مرة بتاريخ للمركز الرابع بالتصنيف الأوروبي الرسمي وحتى على الصعيد الجماهيري حيث أصبحت الفراغات بالمدرجات شيئَ شبه اعتيادي لمتابعي الكالتشيو.
ووصل الأمر بالبعض مؤخراً ليعكس هذا الواقع على المنتخب الإيطالي، الذي بدء الكثير من المتابعين يرون بأنه لم يعد يحوي على الأسماء الثقيلة التي لطالما زيَنت تشكيلة الآزروي بتواجدها المميز معه بالماضي من أمثال روبيرتو باجيو، فرانك باريزي، فاكينتي، روسي، ديلبييرو، مالديني وتوتي والكثير الكثير من الأساطير الإيطالية الأخرى التي أمتعت العالم بالماضي القريب والبعيد.
وزاد الأمر سوءاً بالآونة الأخيرة مع فضيحة التلاعب بالنتائج الجديدة التي هزَت الوسط الكروي الإيطالي ليصل الأمر برئيس الحكومة بالتهديد بإيقاف هذا النشاط برمته بحال لم يتم ضبط الأمور بشكلٍ سريع، وهذه المصائب كلها جعلت المتابعي بالإضافة لمعظم النقاد المحترفين يشككون بقدرة تشكيلة الآزوري الحالية على تقديم المطلوب والمنافسة بشكلٍ جدي على لقب اليورو الحالي.
لكن عناصر المنتخب الإيطالي فاجئوا جميع المشككين وظهروا بشكلٍ أكثر من رائع وحتى أنهم أمتعوا العالم بمهارات هجومية لا نراها عادةً من الطليان، إذ بالاضافة إلى صلابتهم الدفاعية المعروفة فلاعبي الآزوري نجحوا بتقديم كرة قدم هجومية مميزة جداً وطوروا من طريقة لعبهم ليدمجوا الصلابة الدفاعية بالمتعة الهجومية مما جعلهم اليوم يعودون ليصبحوا وحتى بأعين جميع المشككين إحدى القوة الرئيسية على الساحة الكروية الأوروبية والعالمية.
ولو أن مستوى منتخب بلاد البيتزا بهذه البطولة ظهر مفاجئاً للبعض لكن والحق يقال أن هذا الآداء يجب أن يشكل صدمة لأحد، فالنوعية العالية من اللاعبين التي يمتلكها الآزوري وبكل المراكز تجعل من مستوى الفريق بالبطولة الحالية انعكاساً طبيعياً لها، وليس لا مفاجئة ولا ضرباً من التوفيق، فما الذي يجعل بالضبط من هذا الحديث واقعياً ومنطقياً؟
الخط الخلفي الإيطالي...شيء خيالي كالعادة.
عندما يكون اليوفي بخير فإيطاليا بخير عبارة شهيرة وفيها الكثير من الحقيقة، فماذا بالأحرى أن يكون بطل إيطاليا هو صاحب أحد أقوى الخطوط الدفاعية على صعيد الأندية بكل أوروبا، وهو الذي تلقى أقل عدد من الأهداف من بين كل أندية الدوريات الخمس الكبير بالقارة العجوز(٢٠ هدف)، فاليوفي زوَد المنتخب بثلاث قلوب دفاع من المستوى العالي جداً وهم كيليني، بارزالي وبونوتشي بالإضافة إلى الحارس الأسطوري جيانلويجي بوفون.
وبالإضافة إلى قوة عناصر اليوفي في عمق الدفاع الإيطالي فالسيد برانديلي لديه أيضاً خيار الاستعانة بالقوي جداً دي روسي إن ما اضطره الأمر لذلك، كما أن أباتي، مادجيو وبالزاريتي أثبتوا بأنهم قادرين على أن يشكلوا أظهرة دفاعية جيدة جداً وبأن يقدموا إضافة كبيرة جداً للخط الخلفي للمنتخب الأزرق.
بيرلو وخط وسط الناري.....
برغم قوة الخط الخلفي للمنتخب الإيطالي إلا أن منتصف ميدان الآزوري لا يقل قيمةً أبداً عنه، فبتواجد الأسطورة الحية ومايستروا خط الوسط أندريا بيرلو بالإضافة للعديد من اللاعبين المميزين معه من أمثال ماركيزيو، ديروسي، مونتوليفو وحتى موتا فالعمق الدفاعي لمنتصف الطليان لم يكن بهذه القوة منذ فترة طويلة، كما أن هؤلاء اللاعبين قادرين على صناعة اللعب من الخلف بشكلٍ مثالي، كما على التقدم للأمام وتشكيل المساندة الهجومية المطلوبة بأي لحظة لمساعدة بالوتيلي وكاسانو على التهديف،
وإن كان الشيء الوحيد الذي يعاب على المنتخب الأزرق هو غياب صانع الألعاب الهجومي الصريح من أمثال أوزيل في ألمانيا أو إنييستا وسيلفا في إسبانيا، لكن ببساطة طريق لعب الطليان واعتمادهم على الأظهرة المتقدمة وعلى كاسانو للعودة لاستلام الكرات وصناعة الخطر كما قدرة بيرلو على توزيع الكرات الطويلة المتقنة جدأً، كلها عوامل تجعل من غياب صانع الألعاب الهجومي المميز أمراً غير مؤثر بشكلٍ كبير على أداء المنتخب، لا بل ربما وجوده كان سيؤدي لخلل في أداء الآزوري بظل اعتماده على طريقة اللعب التي يتَبعها حالياً.
لا للاستهانة بدور وقدرات كاسانو.....وبالوتيلي رائع على الرغم من مزاجيته.
قد يكون الخط الهجومي الإيطالي هو الأضعف في الآزروي، وذلك ليس تقليلاً من قيمته بقدر ما هو بسبب قوة بقية الخطوط الإيطالية، لكن الضعف النسبي للهجوم الإيطالي لا يعني بالمرة أنه ليس قوياً وقادراً على تهديد أي دفاع يواجهه.
فلاعب مثل كاسانو قد يكون أقل العناصر تقديراً من الجماهير نظراً لما يقدمه من دور مهم جداً بمباريات اليورو الحالي، فصحيح أن البيتربان لم يسجل إلا مرة واحدة إلا أن بصمته مع المنتخب الإيطالي واضحة جداً من خلال أنه يلعب من خلال تحركاته النشيطة(وهو الأمر الذي يحسب للاعب عائد من عملي بقلبه)، يلعب دورين مهمين جداً وذلك من خلال تشكيله لشبكة الوصل بين متوسط ميدان الآزوري وهجومه، كما تمركزه المثالي بالهجوم في كثير من الأحيان مما جعله يصنع الخطورة الهجومية بنفسه عبر يتلقى الكثير من التمريرات المتقنة من المايسترو بيرلو والانطلاق بها مباشرةً لمرمى الخصوم.
أما المزاجي بالوتيلي ورغم كل "جنونه" و"طيشه" فلا أحد يستطيع نكران موهبته الكبيرة بمداعبة الكرة، التسديد القوي والتمركز الجيد، كما قوته البدنية الخارقة وسرعته الرهيبة، وهي الأمور التي جعلته يصنع الخطورة لأكثر من مرة أمام الإنجليز بالذات، حيث أنه صحيح لم ينجح بالتسجيل في هذه المباراة إلا أن تمركزه السليم وفنياته المميزة كانت واضحة وضوح الشمس، وهو ما يحسب له فلاعبٍ غيره ربما لم يكن بالأساس ليتحثل على الفرص التي صنعها بالوتيلي لنفسه من خلال مواهبه الفطرية التي تكلمنا عنها بالسابق، لذا يبقى بالوتيلي الورقة التي من الممكن إن تألقت وجانبها التوفيق أن تشكل الفارق كل الفارق للطليان بالمراحل القليلة والحاسمة المتبقية من اليورو الحالي.
إذاً فمن ما سبق وذكرناه فتألق المنتخب الإيطالي لم لكن لا وليدة الصدفة ولا ضربة حظ، بل هو نابع عن صلابة وتميز واضح من عناصر هذا المنتخب وخصوصاً الخطين الخلفي ومتوسط الميدان بقيادة الأسطورتين بوفون وبيرلو، مما يجعل بالفعل من هذا الجيل الإيطالي من الأفضل بالفترة الأخيرة، فما هو رأي قراء جول هل هذا الحيل يستحق يمكنه بالفعل إعادة المجد للكرة الإيطالية أم أن أدائه الجميل هو مجرد شهر عسل قصير؟ goal