الرسوم المتحركة: حنين الكبار للبساطة
جو 24 : (النوستالجيا) او الحنين والاشتياق الى الماضي في ذكرياته الجميلة التي عاشها الانسان وصل الى الافلام والمسلسلات الكرتونية التي شاهدها ايام الطفولة واصبحت جزءا اصيلا من الذاكرة بفضل ارتكازها على اعمال ادبية عالمية راقية المستوى .
وتعدى الاهتمام بهذه المسلسلات الكرتونية الى تقديم شارات بدايات هذه المسلسلات في حفلات جماهيرية بمصاحبة فرق موسيقية بمواهب اردنية من خلال مؤديها الاصلي ، وذلك في تجربة هي الاولى من نوعها في الفعاليات الفنية المحلية والعربية ، والتي جذبت الكثير من الشباب الذين تفاعلوا مع خطوة جديدة ارتبطت بشكل مباشر بطفولتهم مثلما ارتبطت هذه المسلسلات باذهانهم .
يقول الموسيقي الاردني عزيز مرقة الذي يعتبر اول من اقدم على هذه الخطوة انه قدم اغنية ( شارة ) المسلسل الشهير (جزيرة الكنز ) الذي عرض مطلع ثمانينيات القرن الماضي وشارة مسلسل مغامرات الفضاء (جراند دايزر) برفقة مغنيهما الاصلي اللبناني سامي كلارك من خلال فعالية باب (فرق عبر الحدود) الذي اقيم في عمان على مدى اربعة مواسم في السنوات الماضية بمشاركة مواهب اردنية وعالمية.
ويضيف لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان ما دفعه الى تقديم شارات اغنيات مسلسلات الرسوم المتحركة هو ظهور الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور فكرتها حول الذكريات الجميلة في ايام الطفولة لجيل ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والحنين الى بساطة تلك الايام التي عززت في النفوس الكثير من المفاهيم والمفردات والصفات النبيلة مثل الشجاعة ومساعدة الاخرين .
وينقل مرقة عن الفنان اللبناني مدى سعادته في اعادة تقديم اغنيات هذه العملين الموجهين للاطفال منذ 25 سنة , من جديد امام جمهور بمصاحبة فرقة اردنية ولاول مرة بعد هذه السنوات الطويلة , واللذين رسخا في الوجدان لتركيزهما على قيم البطولة والشجاعة , والصراع بين الخير والشر. مؤسسة ومديرة جمعية بيت الحكايات والموسيقى ربيعة الناصر تنوه باستمتاعها بمشاهدة المسلسلات الكرتونية مع أطفالها ، وربما يعود ذلك وفقا لها الى أنها قرأت معظم قصص هذه المسلسلات كروايات في طفولتها معتقدة ان هذا ما كان يميز تلك المسلسلات ، إذ أنها كُتبت أولاَ كقصة وليس كما يحدث الآن في معظم الأحيان، حيث يتم كتابة قصص حسب الطلب لإعدادها كأفلام كرتونية.
وتضيف ان مضمون بعض هذه المسلسلات الكرتونية كان يهتم بفضول الطفل ويدفعه الى الاكتشاف والمعرفة وتعزيز هذه المعرفة، لهذا لامست تلك المسلسلات الكرتونية وجدان وعقل الصغير والكبير . وتبين ان فكرة الافلام قديما كانت مقتبسة او مأخوذة عن قصة مكتوبة , وجلية وتتسم بالوضوح وتبرز قيم ومفاهيم الصدق والوفاء وغيرها ، أما الان فان التطور الذي أحدثته تكنولوجيا الاجهزة الحديثة وخاصة اللوحية منها التي باتت متاحة للجميع، جعل المنتجين يتجهون إلى الإغراق في الخيال الصاخب والعنيف.
وتشير الناصر مستشارة مكتبة الأطفال (درب المعرفة) في مؤسسة عبد الحميد شومان الى ان المعنى الإنساني في المسلسلات الكرتونية القديمة كان سببا في تخليد روايات مثل البؤساء وجين إير ومرتفعات وذرنج ، ومسلسلات كرتونية مثل ساندي بل وتوم سوير وسندباد وعلاء الدين والمصباح السحري التي ما زالت في ذاكرة من شاهدها ، إذ أن الإنسان بطبعه يميل إلى استحسان القديم .
وتبين ان الكثير من المسلسلات الكرتونية التي تبثها قنوات الاطفال الان لا تشاهد لانها سطحية ومصطنعة وعنيفة وصاخبة ولا تتميز بالجمال عدا عن رسومها غير المحببة، وتحضر فيها بكثرة شخصيات شريرة سمتها القتل ، وهذا يسهم في تكريس الأنانية والتسلط والعدوانية والعنف بشكل عام.
وتقول ان محدودية وسائل الاعلام في العقود الماضية وضعت الجميع امام خيارات محدودة جداَ، لذا شكل ذلك عامل جذب للاطفال للأعمال التي كانت منقولة عن روايات عالمية قرأها الكبار وارتبطت في الوجدان فيما بعد، بفضل وجود قيم متفق عليها منذ بدء البشرية وهي: الحرية، والحب، والجمال، والعمل، والصداقة، والتكافل، والتعاون، والخير بكل مفرداته.
ويفسر استاذ علم النفس التربوي في الجامعة الاردنية الدكتور يوسف قطامي انجذاب الكبار الى افلام الكرتون خاصة تلك تابعها هؤلاء في الصغر بقوله: ان وراء كل سلوك انساني دافع، وهذا يكون ضمن سعي الانسان نحو فهم الكثير من القضايا , إذ ان الكبار يسهل عليهم فهم مغزى اي مقطع كرتوني دون اي جهد كبير للاستيعاب لذا يلجأ البعض منهم الى مشاهدته .
ويبين ان افلام الكرتون تثير لدى البعض ذكريات وأيام الشباب وهذا يجلب لهم السعادة من ايام ماضية كانوا فيها سعداء بقصد استحضارها مرة اخرى دون اي مسؤولية، فعندما تشاهد مسلسلا او فيلما كرتونيا فذلك لا يتطلب منك كشخص كبير اتخاذ موقف او الشعور بالانفعال او الغضب، وهذا ما يستثير الفرد ويدفعه الى المتابعة لان الفيلم مريح ومرن وبدون مسؤولية ودون أي موقف. وحول متابعة الكبار والصغار لهذه الافلام الكرتونية القديمة سويا وردود الفعل يشير الدكتور قطامي الى ان ما يحدث في هذه الحالة هو عملية حوار بين الجيلين ، والمقارنة التي من الممكن ان تجذب الاطفال وتشجعهم على التفكير وتثير في انفسهم الكثير من الاسئلة عن زمنين مختلفين.
المتخصصة بأدب الاطفال في قسم اللغة العربية بجامعة البترا الدكتورة هوازن القاضي تقول ان أفلام الرسوم المتحركة التي شاهدناها في صغرنا تركت بصمات واضحة في طفولتنا وشخصياتنا في الكبر، لذا فقد تجد من يوجه أبناءه لمتابعة هذه المسلسلات الكرتونية التي أحبها – ربما- ليكون الابناء نماذج من هذه الشخصيات التي اعتبرها في يوم من الايام مميزة .
وتضيف أن بعض المسلسلات الكرتونية تُعمل الفكر وتُثري الخيال وتُعلم التفكير المنطقي المنظم، وإن كان في بعضها خيال كثير، لكن هناك عبرة وقيما نستخلصها كالتعاون والقناعة والشجاعة والأخوة ونبذ العنف والدعوة إلى السلام وترك الجشع والطمع ، والمعاملة الحسنة، كما ان محدودية وسائل الإعلام والقنوات المخصصة للأطفال اسهمت في جذب الطفل إليها، وبات ينتظر الحلقة التالية بفارغ الصبر.
وتبين الدكتورة القاضي انه كان لهذه الرسوم المتحركة دور تربوي، وآخر إنساني، وثالث لغوي في غاية الأهمية من خلال الشخصيات الناطقة بالعربية الفصحى ، اسهم في تعليم اللغة العربية للأطفال بتلقائية بسبب الشخصيات التي يحفظون عباراتها عن ظهر قلب، لكن حالها اليوم اصبح يفتقد الى المضمون الجيد مهملة بذلك المضامين والقيم التي تبثها .
وتفسر حب الكبار للرسوم المتحركة في طفولتهم بأنها طرحت قضايا اهتمت بشؤون وهموم الجيل وشكلت متنفساً يخفف الالم ويفتح نوافذ الأمل الى حياة أفضل عبر نماذج مشرقة للأبطال جذبتهم قديماً بما تقدمه من شجاعة وانتصار للخير .
أما الإعلامية اسماء الجراح فترى ان تعلق الكبار بالمسلسلات الكرتونية التي شاهدوها في صغرهم ، نوع من الحنين لايام الطفولة - ومن منا لا يحن لها - ولتعلقهم وتأثرهم بنماذج من الابطال الذين يتحلون بالانسانية والشجاعة من خلال مضامين تدعو للحب والتضحية والعطاء، الى جانب محدودية ما كان يشاهده الاطفال قبل ظهور الفضائيات والستالايت عبر قنواتهم المحلية.
وتقول ان مضمون افلام الرسوم المتحركة في الوقت الحالي تغير وخلا من مفاهيم تدعو للحب والتسامح وانصب تركيزها على العنف والقتل واثارة النزاعات والرغبة في الانتقام ، وهذا ما هو الا انعكاس لواقع البشرية الان حيث يتحكم القوي بالضعيف ، وينتصر من يمتلك القوة والمال .
وبحسب الجراح فان بعض المنتجين يعمدون الى شراء برامج لا تتناسب مع عادات وتقاليد وقيم المجتمع لانخفاض اسعارها وسهولة الحصول عليها او لشهرتها عالميا ليتابعها الاطفال بنسختها ولغتها الاصلية , كما يعمدون الى الاستخفاف بعقول الاطفال وقدرتهم على التمييز ومعرفة الحقيقة عند دبلجة بعض الاعمال وتغيير مضمونها او حذف مشاهد رئيسة لها علاقه بجوهر القصة، مشيرة الى ان القصص العالمية الشهيرة التي تتناول حضارات وثقافات شعوب اخرى يجب ان تنقل كما هي ليتعرف المشاهد على ثقافات جديدة غير ثقافته .
وتبين انه يجب تصنيف هذه البرامج والمسلسلات بحسب الفئة العمرية : عائلي، ما قبل المدرسة، من عمر 10 الى 14 وهكذا، والقيام بحملات توعية تدعو الاهل الى مشاركة اطفالهم في عمر معين في مشاهدة افلام ومسلسلات الرسوم المتحركة للاجابة على تساؤلاتهم وتوضيح بعض المفاهيم .
أما استاذ الإعلام الجماهيري في الجامعة الاردنية الدكتور ابراهيم ابو عرقوب فيستند في تفسيره الى انجذاب الكبار الى افلام الرسوم المتحركة التي شاهدوها في الصغر الى نظرية إعلامية هي ( الاستخدامات والاشباعات) والتي تركز على مقولة ان كل فرد يبحث عما ينقصه سواء في المجال العاطفي او الاجتماعي بحيث يستخدم هذه الوسيلة من اجل اشباع هذا النقص .
ويوصي بان تكون مشاهدة الطفل لهذه البرامج ناقدة وبحضور الوالدين بحيث يعلقان على المشاهد او الافلام لبيان ما هو ايجابي , او سلبي , او خيال , او واقعي، لان هذه المشاهدة الناقدة تساعد الطفل في البحث عن الافضل , بحيث لا يكون ذا عقلية استهلاكية ما يسهم في بناء عقله في البحث عن الايجابيات.
ويؤكد ضرورة انتاج برامج موجهة للاطفال تحمل قيما تنمي الروح والحس الوطني لديهم وتلقي الضوء على قضايا الامة ، بعيدا عن قصص الخيال العلمي الذي يؤثر على عقل الطفل ومشاهد تفكك الاسرة .
ويقول ان الكثير من وسائل الإعلام تلعب دورا اساسيا في انتشار افلام الرسوم المتحركة لانها معنية بتغطية ساعات البث اليومي لديها وتنظر الى الامر من الناحية المادية , إذ ما يعنيها هو الربح بالدرجة الاولى ، وان معظم المحتوى الذي يقدم للاطفال حاليا في مجمله غربي يحمل عادات وتقاليد وقيما بعيدة عن القيم العربية والاسلامية .
وترى الكاتبة والباحثة المتخصصة في أدب الاطفال مارغو ملتجيان ان الخيارات المتاحة الان امام الطفل فيما يتعلق ببرامج الرسوم المتحركة كثيرة بعكس الاجيال الماضية التي لم يكن لديها سوى القنوات المحلية ( واحدة او اثنتان) , كما ان الافلام الكرتونية اعتمدت في معظمها على الكتب والقصص الشعبية للكبار والصغار والتي لا تموت ولا تنسى لانها استمدت من عيون الادب وارتكزت عليه لذا فانها ما زالت تجذب الكبار اليها الى الان لانها تمتلك العناصر الادبية الغنية التي تعكس نفسية الانسان وشخصيته.
وتضيف ان ابناءنا تاهوا بين الماضي والحاضر وبين ازدواجية المعايير لعدم وجود برامج تركز على الفطرة الطبيعية والسليمة الموجودة في داخل كل واحد منهم , لكن هناك مشكلة حقيقية في الطريقة المناسبة لتقديم هذه البرامج.
بترا
وتعدى الاهتمام بهذه المسلسلات الكرتونية الى تقديم شارات بدايات هذه المسلسلات في حفلات جماهيرية بمصاحبة فرق موسيقية بمواهب اردنية من خلال مؤديها الاصلي ، وذلك في تجربة هي الاولى من نوعها في الفعاليات الفنية المحلية والعربية ، والتي جذبت الكثير من الشباب الذين تفاعلوا مع خطوة جديدة ارتبطت بشكل مباشر بطفولتهم مثلما ارتبطت هذه المسلسلات باذهانهم .
يقول الموسيقي الاردني عزيز مرقة الذي يعتبر اول من اقدم على هذه الخطوة انه قدم اغنية ( شارة ) المسلسل الشهير (جزيرة الكنز ) الذي عرض مطلع ثمانينيات القرن الماضي وشارة مسلسل مغامرات الفضاء (جراند دايزر) برفقة مغنيهما الاصلي اللبناني سامي كلارك من خلال فعالية باب (فرق عبر الحدود) الذي اقيم في عمان على مدى اربعة مواسم في السنوات الماضية بمشاركة مواهب اردنية وعالمية.
ويضيف لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان ما دفعه الى تقديم شارات اغنيات مسلسلات الرسوم المتحركة هو ظهور الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور فكرتها حول الذكريات الجميلة في ايام الطفولة لجيل ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والحنين الى بساطة تلك الايام التي عززت في النفوس الكثير من المفاهيم والمفردات والصفات النبيلة مثل الشجاعة ومساعدة الاخرين .
وينقل مرقة عن الفنان اللبناني مدى سعادته في اعادة تقديم اغنيات هذه العملين الموجهين للاطفال منذ 25 سنة , من جديد امام جمهور بمصاحبة فرقة اردنية ولاول مرة بعد هذه السنوات الطويلة , واللذين رسخا في الوجدان لتركيزهما على قيم البطولة والشجاعة , والصراع بين الخير والشر. مؤسسة ومديرة جمعية بيت الحكايات والموسيقى ربيعة الناصر تنوه باستمتاعها بمشاهدة المسلسلات الكرتونية مع أطفالها ، وربما يعود ذلك وفقا لها الى أنها قرأت معظم قصص هذه المسلسلات كروايات في طفولتها معتقدة ان هذا ما كان يميز تلك المسلسلات ، إذ أنها كُتبت أولاَ كقصة وليس كما يحدث الآن في معظم الأحيان، حيث يتم كتابة قصص حسب الطلب لإعدادها كأفلام كرتونية.
وتضيف ان مضمون بعض هذه المسلسلات الكرتونية كان يهتم بفضول الطفل ويدفعه الى الاكتشاف والمعرفة وتعزيز هذه المعرفة، لهذا لامست تلك المسلسلات الكرتونية وجدان وعقل الصغير والكبير . وتبين ان فكرة الافلام قديما كانت مقتبسة او مأخوذة عن قصة مكتوبة , وجلية وتتسم بالوضوح وتبرز قيم ومفاهيم الصدق والوفاء وغيرها ، أما الان فان التطور الذي أحدثته تكنولوجيا الاجهزة الحديثة وخاصة اللوحية منها التي باتت متاحة للجميع، جعل المنتجين يتجهون إلى الإغراق في الخيال الصاخب والعنيف.
وتشير الناصر مستشارة مكتبة الأطفال (درب المعرفة) في مؤسسة عبد الحميد شومان الى ان المعنى الإنساني في المسلسلات الكرتونية القديمة كان سببا في تخليد روايات مثل البؤساء وجين إير ومرتفعات وذرنج ، ومسلسلات كرتونية مثل ساندي بل وتوم سوير وسندباد وعلاء الدين والمصباح السحري التي ما زالت في ذاكرة من شاهدها ، إذ أن الإنسان بطبعه يميل إلى استحسان القديم .
وتبين ان الكثير من المسلسلات الكرتونية التي تبثها قنوات الاطفال الان لا تشاهد لانها سطحية ومصطنعة وعنيفة وصاخبة ولا تتميز بالجمال عدا عن رسومها غير المحببة، وتحضر فيها بكثرة شخصيات شريرة سمتها القتل ، وهذا يسهم في تكريس الأنانية والتسلط والعدوانية والعنف بشكل عام.
وتقول ان محدودية وسائل الاعلام في العقود الماضية وضعت الجميع امام خيارات محدودة جداَ، لذا شكل ذلك عامل جذب للاطفال للأعمال التي كانت منقولة عن روايات عالمية قرأها الكبار وارتبطت في الوجدان فيما بعد، بفضل وجود قيم متفق عليها منذ بدء البشرية وهي: الحرية، والحب، والجمال، والعمل، والصداقة، والتكافل، والتعاون، والخير بكل مفرداته.
ويفسر استاذ علم النفس التربوي في الجامعة الاردنية الدكتور يوسف قطامي انجذاب الكبار الى افلام الكرتون خاصة تلك تابعها هؤلاء في الصغر بقوله: ان وراء كل سلوك انساني دافع، وهذا يكون ضمن سعي الانسان نحو فهم الكثير من القضايا , إذ ان الكبار يسهل عليهم فهم مغزى اي مقطع كرتوني دون اي جهد كبير للاستيعاب لذا يلجأ البعض منهم الى مشاهدته .
ويبين ان افلام الكرتون تثير لدى البعض ذكريات وأيام الشباب وهذا يجلب لهم السعادة من ايام ماضية كانوا فيها سعداء بقصد استحضارها مرة اخرى دون اي مسؤولية، فعندما تشاهد مسلسلا او فيلما كرتونيا فذلك لا يتطلب منك كشخص كبير اتخاذ موقف او الشعور بالانفعال او الغضب، وهذا ما يستثير الفرد ويدفعه الى المتابعة لان الفيلم مريح ومرن وبدون مسؤولية ودون أي موقف. وحول متابعة الكبار والصغار لهذه الافلام الكرتونية القديمة سويا وردود الفعل يشير الدكتور قطامي الى ان ما يحدث في هذه الحالة هو عملية حوار بين الجيلين ، والمقارنة التي من الممكن ان تجذب الاطفال وتشجعهم على التفكير وتثير في انفسهم الكثير من الاسئلة عن زمنين مختلفين.
المتخصصة بأدب الاطفال في قسم اللغة العربية بجامعة البترا الدكتورة هوازن القاضي تقول ان أفلام الرسوم المتحركة التي شاهدناها في صغرنا تركت بصمات واضحة في طفولتنا وشخصياتنا في الكبر، لذا فقد تجد من يوجه أبناءه لمتابعة هذه المسلسلات الكرتونية التي أحبها – ربما- ليكون الابناء نماذج من هذه الشخصيات التي اعتبرها في يوم من الايام مميزة .
وتضيف أن بعض المسلسلات الكرتونية تُعمل الفكر وتُثري الخيال وتُعلم التفكير المنطقي المنظم، وإن كان في بعضها خيال كثير، لكن هناك عبرة وقيما نستخلصها كالتعاون والقناعة والشجاعة والأخوة ونبذ العنف والدعوة إلى السلام وترك الجشع والطمع ، والمعاملة الحسنة، كما ان محدودية وسائل الإعلام والقنوات المخصصة للأطفال اسهمت في جذب الطفل إليها، وبات ينتظر الحلقة التالية بفارغ الصبر.
وتبين الدكتورة القاضي انه كان لهذه الرسوم المتحركة دور تربوي، وآخر إنساني، وثالث لغوي في غاية الأهمية من خلال الشخصيات الناطقة بالعربية الفصحى ، اسهم في تعليم اللغة العربية للأطفال بتلقائية بسبب الشخصيات التي يحفظون عباراتها عن ظهر قلب، لكن حالها اليوم اصبح يفتقد الى المضمون الجيد مهملة بذلك المضامين والقيم التي تبثها .
وتفسر حب الكبار للرسوم المتحركة في طفولتهم بأنها طرحت قضايا اهتمت بشؤون وهموم الجيل وشكلت متنفساً يخفف الالم ويفتح نوافذ الأمل الى حياة أفضل عبر نماذج مشرقة للأبطال جذبتهم قديماً بما تقدمه من شجاعة وانتصار للخير .
أما الإعلامية اسماء الجراح فترى ان تعلق الكبار بالمسلسلات الكرتونية التي شاهدوها في صغرهم ، نوع من الحنين لايام الطفولة - ومن منا لا يحن لها - ولتعلقهم وتأثرهم بنماذج من الابطال الذين يتحلون بالانسانية والشجاعة من خلال مضامين تدعو للحب والتضحية والعطاء، الى جانب محدودية ما كان يشاهده الاطفال قبل ظهور الفضائيات والستالايت عبر قنواتهم المحلية.
وتقول ان مضمون افلام الرسوم المتحركة في الوقت الحالي تغير وخلا من مفاهيم تدعو للحب والتسامح وانصب تركيزها على العنف والقتل واثارة النزاعات والرغبة في الانتقام ، وهذا ما هو الا انعكاس لواقع البشرية الان حيث يتحكم القوي بالضعيف ، وينتصر من يمتلك القوة والمال .
وبحسب الجراح فان بعض المنتجين يعمدون الى شراء برامج لا تتناسب مع عادات وتقاليد وقيم المجتمع لانخفاض اسعارها وسهولة الحصول عليها او لشهرتها عالميا ليتابعها الاطفال بنسختها ولغتها الاصلية , كما يعمدون الى الاستخفاف بعقول الاطفال وقدرتهم على التمييز ومعرفة الحقيقة عند دبلجة بعض الاعمال وتغيير مضمونها او حذف مشاهد رئيسة لها علاقه بجوهر القصة، مشيرة الى ان القصص العالمية الشهيرة التي تتناول حضارات وثقافات شعوب اخرى يجب ان تنقل كما هي ليتعرف المشاهد على ثقافات جديدة غير ثقافته .
وتبين انه يجب تصنيف هذه البرامج والمسلسلات بحسب الفئة العمرية : عائلي، ما قبل المدرسة، من عمر 10 الى 14 وهكذا، والقيام بحملات توعية تدعو الاهل الى مشاركة اطفالهم في عمر معين في مشاهدة افلام ومسلسلات الرسوم المتحركة للاجابة على تساؤلاتهم وتوضيح بعض المفاهيم .
أما استاذ الإعلام الجماهيري في الجامعة الاردنية الدكتور ابراهيم ابو عرقوب فيستند في تفسيره الى انجذاب الكبار الى افلام الرسوم المتحركة التي شاهدوها في الصغر الى نظرية إعلامية هي ( الاستخدامات والاشباعات) والتي تركز على مقولة ان كل فرد يبحث عما ينقصه سواء في المجال العاطفي او الاجتماعي بحيث يستخدم هذه الوسيلة من اجل اشباع هذا النقص .
ويوصي بان تكون مشاهدة الطفل لهذه البرامج ناقدة وبحضور الوالدين بحيث يعلقان على المشاهد او الافلام لبيان ما هو ايجابي , او سلبي , او خيال , او واقعي، لان هذه المشاهدة الناقدة تساعد الطفل في البحث عن الافضل , بحيث لا يكون ذا عقلية استهلاكية ما يسهم في بناء عقله في البحث عن الايجابيات.
ويؤكد ضرورة انتاج برامج موجهة للاطفال تحمل قيما تنمي الروح والحس الوطني لديهم وتلقي الضوء على قضايا الامة ، بعيدا عن قصص الخيال العلمي الذي يؤثر على عقل الطفل ومشاهد تفكك الاسرة .
ويقول ان الكثير من وسائل الإعلام تلعب دورا اساسيا في انتشار افلام الرسوم المتحركة لانها معنية بتغطية ساعات البث اليومي لديها وتنظر الى الامر من الناحية المادية , إذ ما يعنيها هو الربح بالدرجة الاولى ، وان معظم المحتوى الذي يقدم للاطفال حاليا في مجمله غربي يحمل عادات وتقاليد وقيما بعيدة عن القيم العربية والاسلامية .
وترى الكاتبة والباحثة المتخصصة في أدب الاطفال مارغو ملتجيان ان الخيارات المتاحة الان امام الطفل فيما يتعلق ببرامج الرسوم المتحركة كثيرة بعكس الاجيال الماضية التي لم يكن لديها سوى القنوات المحلية ( واحدة او اثنتان) , كما ان الافلام الكرتونية اعتمدت في معظمها على الكتب والقصص الشعبية للكبار والصغار والتي لا تموت ولا تنسى لانها استمدت من عيون الادب وارتكزت عليه لذا فانها ما زالت تجذب الكبار اليها الى الان لانها تمتلك العناصر الادبية الغنية التي تعكس نفسية الانسان وشخصيته.
وتضيف ان ابناءنا تاهوا بين الماضي والحاضر وبين ازدواجية المعايير لعدم وجود برامج تركز على الفطرة الطبيعية والسليمة الموجودة في داخل كل واحد منهم , لكن هناك مشكلة حقيقية في الطريقة المناسبة لتقديم هذه البرامج.
بترا