سفير إسرائيل الأسبق :الربيع العربي قضى على فرص تطبيع العلاقات مع إسرائيل
جو 24 : أبدت إسرائيل اهتماما منقطع النظير بثورات الربيع العربي، منطلقة من افتراض مفاده أن هذه الثورات ستترك آثارا على "أمنها القومي" ومنعتها الاقتصادية وبيئتها الإقليمية.
ولقد تأثرت الصحف الإسرائيلية بهذا الاهتمام، فتشعبت معالجاتها لهذه الثورات واتسعت مجالات تحليلها لها، وتعمق استشرافها لمآلاتها المستقبلية. ونظرا للمكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر في العالم العربي، وإدراك النخبة الإسرائيلية بمدى تأثير طابع النظام السياسي المصري على البيئة الإستراتيجية للدولة العبرية، فقد كان اهتمام الإعلام الإسرائيلي بالثورة المصرية واسعا ودقيقا.
من هنا، فإن هذه الورقة ستعنى بشكل رئيس بمحاولة الإحاطة بأهم سمات تعاطي الصحف الإسرائيلية مع الثورة المصرية، ابتداء من عزل الرئيس المخلوع حسني مبارك وانتهاء بالانقلاب الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي.
في الوقت ذاته، فإن الورقة ستتضمن توطئة حول التقييم الإسرائيلي لدور الرأي العام في ظل الثورات العربية، علاوة على محاولة الإحاطة بأهم مرتكزات التقييم الإسرائيلي للثورة السورية والعلاقة مع معسكر الاعتدال في العالم العربي.
إسرائيل والرأي العام العربي
رأى الكثير من النخب الإسرائيلية أن الربيع العربي سمح بالتعبير عن طابع المشاعر الحقيقية للجماهير العربية تجاه إسرائيل، وفي الوقت ذاته مهد الطريق أمام الجماهير العربية لإجبار النخب الحاكمة في العالم العربي على أخذ رأيها في الاعتبار عند بلورة سياساتها تجاه إسرائيل.
"يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد إسرائيل للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ منها مواقف عدائية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حولها"
ففي مقال نشره في صحيفة "معاريف" يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد إسرائيل للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ مواقف عدائية من الحركة الصهيونية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حول مواقفها. وقد انعكس الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي على آليات عمل المنظومات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.
وتنقل "هآرتس" عن محافل في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قولها إن تفجر ثورات الربيع العربي أسهم في زيادة اهتمام النخب الإسرائيلية الأمنية بالرأي العام العربي، حيث رأت أن تفجر هذه الثورات كان نتاج تعاظم مكانة وتأثير الجماهير العربية على دائرة صنع القرار في العالم العربي.
وقد وصل المعلقون الإسرائيليون إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب على تل أبيب ألا تستبعد استئناف حالة القطيعة مع العالم العربي، حيث إن الثورات العربية ستقلص فرص التقارب مع تل أبيب، ويجزم سفير إسرائيل الأسبق في الأردن عوديد عيران بأن الربيع العربي قضى على فرص تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
وقد مثلت الروح التي جلبها الربيع العربي في كل ما يتعلق بتعاظم دور الرأي العام في العالم العربي معضلة أمنية لإسرائيل، حيث إنه بعد أن كانت محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تتابع ما يجري في العالم العربي من خلال رصد سلوك الأنظمة وجس نبضها، فإن دخول الرأي العام كلاعب رئيس عقّد هذه المهمة.
وتنقل "هآرتس" عن مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية قولها إن تعاظم تأثير الرأي العام على صنع القرار في العالم العربي بعد الثورات قلص قدرة الاستخبارات على متابعة ما يجري في العالم العربي.
إن أحد الاستنتاجات التي وصل إليها الكثير من النخب الصهيونية وعكستها تغطية الصحف الإسرائيلية، هي الدعوة إلى إعادة النظر في الصورة النمطية للإنسان العربي، وإعادة تقييم الانطباعات المسبقة عنه والأحكام الجاهزة التي تراكمت بشأنه، والتي رأت أنه "مستكين، جبان، يقبل الدونية". وبالفعل فقد زادت ثورات الربيع العربي من احترام النخب الإسرائيلية للشباب العربي بسبب ثورته ضد أنظمة القمع. فحتى شخص مثل يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، والمعروف بمواقفه العنصرية تجاه العرب، قد أبدى إعجابه بميل الشباب العربي للتضحية بالروح من أجل مبادئه.
الثورة المصرية
إن أكثر ما أثار مخاوف الإسرائيليين بعد تفجر الثورات العربية هو نمط انعكاساتها المحتملة على مستقبل العلاقة مع مصر، بفعل تأثير طابع هذه العلاقة على مفهوم "الأمن القومي" الإسرائيلي.
وقد طغت التوقعات السوداوية على السيناريوهات التي رسمها المعلقون الإسرائيليون لمستقبل العلاقة مع مصر في أعقاب تفجر الثورة المصرية وخلع الرئيس مبارك.
وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى أن إسرائيل خشيت أن تؤدي ثورات الربيع العربي إلى إيجاد بيئة داخلية مصرية تحول دون تواصل احترام اتفاقية "كامب ديفيد"، التي تعتبر أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، واهتمت الصحف الإسرائيلية بنقل تقييمات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود براك، الذي أكد أن الثورة المصرية تمثل "خطرا حقيقيا على مصير معاهدة "كامب ديفيد"، متوقعا أن تتنافس الأحزاب المصرية بعد الثورة في ما بينها على إظهار عدائها لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث حذر من أن مثل هذا السيناريو يعني زيادة النفقات الأمنية بشكل جذري، وهذا ما يدفع تل أبيب للتحسب للأسوأ.
ومن خلال رصد اتجاهات تغطية الصحف الإسرائيلية للثورة المصرية، فإنه يمكن الإشارة إلى المحاور التالية:
أولا- تبعات الثورة المصرية الإستراتيجية والاقتصادية على إسرائيل:
لقد عبرت الصحف الإسرائيلية عن خشيتها من أن تؤدي الثورة المصرية إلى انهيار مظاهر الشراكة الإستراتيجية التي أرساها نظام مبارك مع إسرائيل، وهذا ما أشار إليه معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان، الذي توسع في الحديث عن دور مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق عمر سليمان في دفع هذه الشراكة قدما.
وأثارت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وفوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي جدلا قويا داخل الوسط الإعلامي الإسرائيلي، حيث دعا الساسة ومعلقو الصحف إلى التحوط للأسوأ، وعدم استبعاد نشوب مواجهة عسكرية مع مصر.
ودعا الكثير من الساسة والمعلقين الإسرائيليين إلى إعادة الاعتبار إلى قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن جبهة الحدود مع مصر، على اعتبار أن فوز مرشح الإخوان المسلمين يحمل في طياته إمكانية تفجر الجبهة الجنوبية.
"كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عن أن هيئة أركان الجيش طالبت بإضافة 15 مليار شيكل (أربعة مليارات دولار) لموازنة الأمن من أجل إعادة تأهيل قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش لتصبح قادرة على مواجهة التحولات بعد فوز مرسي"
واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن الخطر الذي تمثله مصر بعد فوز مرسي أكبر بكثير من الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني، وإن الأمر بات يتطلب توجيه الموازنات لمواجهتها.
ونصح حنان جولدبيرغ، المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" الرأي العام الإسرائيلي بأن يتعود على التوتر الأمني مع مصر في ظل الثورة المصرية وصعود الإخوان المسلمين، مشددا على أن الحدود المصرية "الإسرائيلية" أصبحت بيئة أمنية جديدة.
وتناولت الصحف الإسرائيلية الكلفة المالية للجهد الحربي الإسرائيلي في عهد مرسي، حيث كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عن أن هيئة أركان الجيش قد طالبت بإضافة 15 مليار شيكل (أربعة مليارات دولار) لموازنة الأمن من أجل إعادة تأهيل قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش لتصبح قادرة على مواجهة التحولات بعد الانتخابات الرئاسية في مصر.
إن إحدى الوقائع التي تعكس طابع تأثير التحول الذي حدث في مصر بعد انتخاب مرسي على إسرائيل -كما وثقته الصحف الإسرائيلية- هي زيادة عدد الضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية، حيث ارتفع عددهم بنسبة 25% لمواجهة التحديات الناجمة عن هذا التحول.
وقد ذهب المستشرق الإسرائيلي يهودا دحوح هليفي إلى حد توقع نشوب حرب مع مصر، لا سيما بعد أن اتخذت لجنة الشؤون العربية في أول مجلس شعب مصري منتخب بعد الثورة قرارا باعتبار إسرائيل هي "العدو الذي يمثل التهديد الأبرز على الأمن القومي المصري".
لكن مما لا شك أن أخطر تداعيات الثورة المصرية التي حذرت الصحف الإسرائيلية من خطورة تجسدها في المستقبل تتمثل في إمكانية أن تقدم القيادة المصرية في المستقبل على إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد"، لا سيما في حال وصل للحكم في القاهرة نظام حكم يرفض مواصلة احترام هذه الاتفاقية.
وقد اهتمت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية بإيضاح العوائد الاقتصادية الهائلة التي حصلت عليها إسرائيل في أعقاب اتفاقية "كامب دفيد"، وإبراز حجم "الكارثة" التي ستحل بتل أبيب في حال تم إلغاؤها. وأشارت الصحيفة إلى أن موازنة الأمن الإسرائيلية كانت قبل التوقيع على "كامب ديفيد" تشكل 47% من الموازنة العامة للدولة، في حين أنها أصبحت بعد التوقيع على الاتفاقية تشكل 16% من الموازنة، وهذا يعني أن الاتفاقية أتاحت لصناع القرار في إسرائيل توجيه موارد الدولة لمجالات أخرى بما يمنح إسرائيل القدرة على توسيع مجال الخدمات للجمهور الإسرائيلي من جهة، وفتح المجال أمام مرافق الإنتاج لتكثيف التصدير، مما يعزز النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
وكان من الواضح أن الأزمة الاقتصادية -في نظر الكثير من المعلقين- ستؤدي إلى تقليص هامش المناورة أمام القيادة الإسرائيلية، ولن يكون بإمكان دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تتخذ قرارات بشكل مستقل عن الإدارة الأميركية، لحاجتها الكبيرة لدعم واشنطن.
وحسب وزير الدفاع السابق إيهود براك، فإن تأمين النفقات الأمنية الناجمة عن تفجر الثورة المصرية يستدعي أن تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن.
ويرى الباحث في الشؤون الإستراتيجية عومر جندلر أن طلب مساعدات أميركية يعني زيادة ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة بشكل يقلص من هامش المناورة السياسية لدى النخب الحاكمة في تل أبيب، مع العلم أن إسرائيل سعت قبل ثورات الربيع العربي إلى تقليص اعتمادها المادي على الولايات المتحدة.
إن إحدى مخاطر الثورة المصرية -التي سلطت عليها النخب الإسرائيلية الضوء- هو علاقة مصر بالمقاومة الفلسطينية، حيث اعتبرت أن هامش المناورة المتاح أمام إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية سيتقلص بشكل كبير في حال صعد للحكم نظام يناصر المقاومة. ويرى المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" بن كاسبيت أن أكثر ما عكس "خطورة" حكم مرسي على الأمن القومي الإسرائيلي هو إسهامه في تحصين المقاومة الفلسطينية والدفاع عنها، كما حدث خلال حرب "عمود السحاب" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
ثانيا- الدعوة إلى إفشال مرسي:
ولقد وثقت صفحات الجرائد في إسرائيل دعوات صريحة أطلقتها النخب الإسرائيلية للعمل على إسقاط حكم مرسي عبر إفشاله. فقد دعا المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير في صحيفة "إسرائيل اليوم" إلى إفشال مرسي، على اعتبار أن "هذا "ما تقتضيه مصلحة إسرائيل الإستراتيجية، لأن التخلص من حكمه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي".
وحذر المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي من أن مرسي قد غير قواعد اللعبة في المنطقة بما لا يخدم مصالح إسرائيل، وهذا ما يفرض على الولايات المتحدة التدخل. ولفت البرفسور إفرام كام نائب مدير "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى حقيقة أن مرسي أضر بمصالح إسرائيل والغرب، لأنه تمكن من نسف التصور الغربي لموازين القوى داخل مصر بشكل واضح.
ولم تكتف النخبة الإسرائيلية بالتحريض على مرسي وحكمه، بل بالغت في تحريضها على جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص. فقد نقلت "معاريف" فحوى تقرير أصدره معهد "فيزنتال" (أهم مركز أبحاث يهودي في العالم) والذي اعتبر محمد بديع -مرشد "الإخوان المسلمين"- أكثر شخص حرض على اليهود في العالم، حيث اعتبر التقرير أن بديع هو أخطر شخص على اليهود في العالم.
ثالثا- الرهان الإسرائيلي على العسكر:
إن التخوف من وصول نظام حكم في القاهرة يغيّر من سياسات مصر تجاه تل أبيب، جعل الكثيرين في إسرائيل يفصحون عن طابع رهاناتهم على قادة الجيش المصري، وقد منحت الصحف الإسرائيلية مساحات واسعة لآراء الكثير من النخب السياسية التي أوضحت بشكل واضح وصريح أن مصلحة إسرائيل تقتضي حفاظ قادة العسكر في مصر على صلاحيات الحكم الرئيسة، لا سيما في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية وقضايا الأمن القومي.
"أشارت صحيفة "ذي ماركير" إلى أن موازنة الأمن الإسرائيلية كانت قبل "كامب ديفيد" تشكل 47% من الموازنة العامة للدولة، في حين أصبحت بعد الاتفاقية تشكل 16% من الموازنة، وهذا يعني أن الاتفاقية أتاحت لصناع القرار في إسرائيل توجيه موارد الدولة لمجالات أخرى"
فقد نقلت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية عن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعاز قوله إن احتفاظ العسكر في مصر بصلاحياتهم وعدم نقلها للمؤسسات المدنية يمثل مصلحة إستراتيجية لإسرائيل. وقد نقلت "يديعوت أحرنوت" عن محافل أمنية كبيرة قولها إن "الأمن القومي" الإسرائيلي بات يتوقف على تعاون قادة الجيش المصري.
رابعا- الاحتفاء الإسرائيلي بالانقلاب:
إن مظاهر احتفاء الصحافة الإسرائيلية بالانقلاب الذي أدى إلى عزل الرئيس مرسي كانت واضحة وفظة إلى حد كبير. وقد عبر عن هذا الاحتفاء أوضح تعبير معلق الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس" آرييه شافيت، الذي كتب قائلا "إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل، فلا يحتاج المرء أن تكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنه النخبة الإسرائيلية تجاه قائد قوات الجارة الكبرى من الجنوب، الذي قام للتو بسجن الرئيس المنتخب الذي قام بتعيينه في منصبه".
وواصل شفيت توصيفه لحجم السعادة التي غمرت إسرائيل في أعقاب الانقلاب، قائلا "وفي الوقت الذي يحتدم الجدل في الولايات المتحدة بشأن الموقف من التنوير غير الديمقراطي الذي يمثله الجنرال السيسي والديمقراطية غير المتنورة للرئيس مرسي، فإنه في إسرائيل لا يوجد ثمة جدل حول هذه المسألة، فكلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح، مع أنه أيضا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ومع أن هؤلاء الجنرالات كان يتوجب أن يكونوا خاضعين لتعليماته، كما هو الحال في النظم الديمقراطية ".
وعلى الرغم من أن المستشرق الإسرائيلي تسفي بورست يتوسع في تقديم الأدلة التي تدلل على أن جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة إرهابية، وأن عزل مرسي كان انقلابا عسكريا غير شرعي، فإنه في المقابل يجزم أن هذه الخطوة مفيدة جدا لإسرائيل، على اعتبار أن مخاطر بقاء حكم جماعة الإخوان المسلمين على إسرائيل كانت هائلة.
إن أحد أهم أسباب الاحتفاء الإسرائيلي بالانقلاب الذي قاده السيسي هو حقيقة الانطباع السائد بأن سلطة السيسي هي امتداد لحكم مبارك. فقد كتب المستشرق الصهيوني إيال زيسر في "إسرائيل اليوم"، حيث أقر بأنه لم يعد لإسرائيل حاجة في الإفراج عن مبارك وعودته للحكم، على اعتبار أن حكومة السيسي تلتزم بمنهجه.
ويؤكد دان مرغليت -كبير معلقي صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو- أنه على الرغم من أن إسرائيل الرسمية حافظت على الصمت وامتنعت عن التعليق على الانقلاب لدواع معروفة، فإنها سعيدة جدا بإسقاط حكم الإخوان، وستكون سعادتها مضاعفة في حال تم إنهاء حكم الإسلاميين في كل البلدان التي صعدوا للحكم فيها في أعقاب الربع العربي.
وقد نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" مقالا للمفكر اليهودي دانييل بايس رئيس منتدى "الشرق الأوسط" في واشنطن، وأبرز منظري المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، شرح أسباب سعادته بالانقلاب على مرسي وإشادته بخطوة الجيش المصري.
أما كيف دعمت إسرائيل الانقلاب ودافعت عنه، وموقفها من نظام الأسد، وتعاطيها عموما مع محور الاعتدال، فهو ما سنتوقف معه في الحلقة القادمة من المقال.
المصدر : الجزيرة
ولقد تأثرت الصحف الإسرائيلية بهذا الاهتمام، فتشعبت معالجاتها لهذه الثورات واتسعت مجالات تحليلها لها، وتعمق استشرافها لمآلاتها المستقبلية. ونظرا للمكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر في العالم العربي، وإدراك النخبة الإسرائيلية بمدى تأثير طابع النظام السياسي المصري على البيئة الإستراتيجية للدولة العبرية، فقد كان اهتمام الإعلام الإسرائيلي بالثورة المصرية واسعا ودقيقا.
من هنا، فإن هذه الورقة ستعنى بشكل رئيس بمحاولة الإحاطة بأهم سمات تعاطي الصحف الإسرائيلية مع الثورة المصرية، ابتداء من عزل الرئيس المخلوع حسني مبارك وانتهاء بالانقلاب الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي.
في الوقت ذاته، فإن الورقة ستتضمن توطئة حول التقييم الإسرائيلي لدور الرأي العام في ظل الثورات العربية، علاوة على محاولة الإحاطة بأهم مرتكزات التقييم الإسرائيلي للثورة السورية والعلاقة مع معسكر الاعتدال في العالم العربي.
إسرائيل والرأي العام العربي
رأى الكثير من النخب الإسرائيلية أن الربيع العربي سمح بالتعبير عن طابع المشاعر الحقيقية للجماهير العربية تجاه إسرائيل، وفي الوقت ذاته مهد الطريق أمام الجماهير العربية لإجبار النخب الحاكمة في العالم العربي على أخذ رأيها في الاعتبار عند بلورة سياساتها تجاه إسرائيل.
"يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد إسرائيل للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ منها مواقف عدائية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حولها"
ففي مقال نشره في صحيفة "معاريف" يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد إسرائيل للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ مواقف عدائية من الحركة الصهيونية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حول مواقفها. وقد انعكس الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي على آليات عمل المنظومات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.
وتنقل "هآرتس" عن محافل في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قولها إن تفجر ثورات الربيع العربي أسهم في زيادة اهتمام النخب الإسرائيلية الأمنية بالرأي العام العربي، حيث رأت أن تفجر هذه الثورات كان نتاج تعاظم مكانة وتأثير الجماهير العربية على دائرة صنع القرار في العالم العربي.
وقد وصل المعلقون الإسرائيليون إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب على تل أبيب ألا تستبعد استئناف حالة القطيعة مع العالم العربي، حيث إن الثورات العربية ستقلص فرص التقارب مع تل أبيب، ويجزم سفير إسرائيل الأسبق في الأردن عوديد عيران بأن الربيع العربي قضى على فرص تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
وقد مثلت الروح التي جلبها الربيع العربي في كل ما يتعلق بتعاظم دور الرأي العام في العالم العربي معضلة أمنية لإسرائيل، حيث إنه بعد أن كانت محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تتابع ما يجري في العالم العربي من خلال رصد سلوك الأنظمة وجس نبضها، فإن دخول الرأي العام كلاعب رئيس عقّد هذه المهمة.
وتنقل "هآرتس" عن مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية قولها إن تعاظم تأثير الرأي العام على صنع القرار في العالم العربي بعد الثورات قلص قدرة الاستخبارات على متابعة ما يجري في العالم العربي.
إن أحد الاستنتاجات التي وصل إليها الكثير من النخب الصهيونية وعكستها تغطية الصحف الإسرائيلية، هي الدعوة إلى إعادة النظر في الصورة النمطية للإنسان العربي، وإعادة تقييم الانطباعات المسبقة عنه والأحكام الجاهزة التي تراكمت بشأنه، والتي رأت أنه "مستكين، جبان، يقبل الدونية". وبالفعل فقد زادت ثورات الربيع العربي من احترام النخب الإسرائيلية للشباب العربي بسبب ثورته ضد أنظمة القمع. فحتى شخص مثل يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، والمعروف بمواقفه العنصرية تجاه العرب، قد أبدى إعجابه بميل الشباب العربي للتضحية بالروح من أجل مبادئه.
الثورة المصرية
إن أكثر ما أثار مخاوف الإسرائيليين بعد تفجر الثورات العربية هو نمط انعكاساتها المحتملة على مستقبل العلاقة مع مصر، بفعل تأثير طابع هذه العلاقة على مفهوم "الأمن القومي" الإسرائيلي.
وقد طغت التوقعات السوداوية على السيناريوهات التي رسمها المعلقون الإسرائيليون لمستقبل العلاقة مع مصر في أعقاب تفجر الثورة المصرية وخلع الرئيس مبارك.
وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى أن إسرائيل خشيت أن تؤدي ثورات الربيع العربي إلى إيجاد بيئة داخلية مصرية تحول دون تواصل احترام اتفاقية "كامب ديفيد"، التي تعتبر أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، واهتمت الصحف الإسرائيلية بنقل تقييمات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود براك، الذي أكد أن الثورة المصرية تمثل "خطرا حقيقيا على مصير معاهدة "كامب ديفيد"، متوقعا أن تتنافس الأحزاب المصرية بعد الثورة في ما بينها على إظهار عدائها لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث حذر من أن مثل هذا السيناريو يعني زيادة النفقات الأمنية بشكل جذري، وهذا ما يدفع تل أبيب للتحسب للأسوأ.
ومن خلال رصد اتجاهات تغطية الصحف الإسرائيلية للثورة المصرية، فإنه يمكن الإشارة إلى المحاور التالية:
أولا- تبعات الثورة المصرية الإستراتيجية والاقتصادية على إسرائيل:
لقد عبرت الصحف الإسرائيلية عن خشيتها من أن تؤدي الثورة المصرية إلى انهيار مظاهر الشراكة الإستراتيجية التي أرساها نظام مبارك مع إسرائيل، وهذا ما أشار إليه معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان، الذي توسع في الحديث عن دور مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق عمر سليمان في دفع هذه الشراكة قدما.
وأثارت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وفوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي جدلا قويا داخل الوسط الإعلامي الإسرائيلي، حيث دعا الساسة ومعلقو الصحف إلى التحوط للأسوأ، وعدم استبعاد نشوب مواجهة عسكرية مع مصر.
ودعا الكثير من الساسة والمعلقين الإسرائيليين إلى إعادة الاعتبار إلى قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن جبهة الحدود مع مصر، على اعتبار أن فوز مرشح الإخوان المسلمين يحمل في طياته إمكانية تفجر الجبهة الجنوبية.
"كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عن أن هيئة أركان الجيش طالبت بإضافة 15 مليار شيكل (أربعة مليارات دولار) لموازنة الأمن من أجل إعادة تأهيل قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش لتصبح قادرة على مواجهة التحولات بعد فوز مرسي"
واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن الخطر الذي تمثله مصر بعد فوز مرسي أكبر بكثير من الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني، وإن الأمر بات يتطلب توجيه الموازنات لمواجهتها.
ونصح حنان جولدبيرغ، المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" الرأي العام الإسرائيلي بأن يتعود على التوتر الأمني مع مصر في ظل الثورة المصرية وصعود الإخوان المسلمين، مشددا على أن الحدود المصرية "الإسرائيلية" أصبحت بيئة أمنية جديدة.
وتناولت الصحف الإسرائيلية الكلفة المالية للجهد الحربي الإسرائيلي في عهد مرسي، حيث كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عن أن هيئة أركان الجيش قد طالبت بإضافة 15 مليار شيكل (أربعة مليارات دولار) لموازنة الأمن من أجل إعادة تأهيل قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش لتصبح قادرة على مواجهة التحولات بعد الانتخابات الرئاسية في مصر.
إن إحدى الوقائع التي تعكس طابع تأثير التحول الذي حدث في مصر بعد انتخاب مرسي على إسرائيل -كما وثقته الصحف الإسرائيلية- هي زيادة عدد الضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية، حيث ارتفع عددهم بنسبة 25% لمواجهة التحديات الناجمة عن هذا التحول.
وقد ذهب المستشرق الإسرائيلي يهودا دحوح هليفي إلى حد توقع نشوب حرب مع مصر، لا سيما بعد أن اتخذت لجنة الشؤون العربية في أول مجلس شعب مصري منتخب بعد الثورة قرارا باعتبار إسرائيل هي "العدو الذي يمثل التهديد الأبرز على الأمن القومي المصري".
لكن مما لا شك أن أخطر تداعيات الثورة المصرية التي حذرت الصحف الإسرائيلية من خطورة تجسدها في المستقبل تتمثل في إمكانية أن تقدم القيادة المصرية في المستقبل على إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد"، لا سيما في حال وصل للحكم في القاهرة نظام حكم يرفض مواصلة احترام هذه الاتفاقية.
وقد اهتمت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية بإيضاح العوائد الاقتصادية الهائلة التي حصلت عليها إسرائيل في أعقاب اتفاقية "كامب دفيد"، وإبراز حجم "الكارثة" التي ستحل بتل أبيب في حال تم إلغاؤها. وأشارت الصحيفة إلى أن موازنة الأمن الإسرائيلية كانت قبل التوقيع على "كامب ديفيد" تشكل 47% من الموازنة العامة للدولة، في حين أنها أصبحت بعد التوقيع على الاتفاقية تشكل 16% من الموازنة، وهذا يعني أن الاتفاقية أتاحت لصناع القرار في إسرائيل توجيه موارد الدولة لمجالات أخرى بما يمنح إسرائيل القدرة على توسيع مجال الخدمات للجمهور الإسرائيلي من جهة، وفتح المجال أمام مرافق الإنتاج لتكثيف التصدير، مما يعزز النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
وكان من الواضح أن الأزمة الاقتصادية -في نظر الكثير من المعلقين- ستؤدي إلى تقليص هامش المناورة أمام القيادة الإسرائيلية، ولن يكون بإمكان دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تتخذ قرارات بشكل مستقل عن الإدارة الأميركية، لحاجتها الكبيرة لدعم واشنطن.
وحسب وزير الدفاع السابق إيهود براك، فإن تأمين النفقات الأمنية الناجمة عن تفجر الثورة المصرية يستدعي أن تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن.
ويرى الباحث في الشؤون الإستراتيجية عومر جندلر أن طلب مساعدات أميركية يعني زيادة ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة بشكل يقلص من هامش المناورة السياسية لدى النخب الحاكمة في تل أبيب، مع العلم أن إسرائيل سعت قبل ثورات الربيع العربي إلى تقليص اعتمادها المادي على الولايات المتحدة.
إن إحدى مخاطر الثورة المصرية -التي سلطت عليها النخب الإسرائيلية الضوء- هو علاقة مصر بالمقاومة الفلسطينية، حيث اعتبرت أن هامش المناورة المتاح أمام إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية سيتقلص بشكل كبير في حال صعد للحكم نظام يناصر المقاومة. ويرى المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" بن كاسبيت أن أكثر ما عكس "خطورة" حكم مرسي على الأمن القومي الإسرائيلي هو إسهامه في تحصين المقاومة الفلسطينية والدفاع عنها، كما حدث خلال حرب "عمود السحاب" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
ثانيا- الدعوة إلى إفشال مرسي:
ولقد وثقت صفحات الجرائد في إسرائيل دعوات صريحة أطلقتها النخب الإسرائيلية للعمل على إسقاط حكم مرسي عبر إفشاله. فقد دعا المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير في صحيفة "إسرائيل اليوم" إلى إفشال مرسي، على اعتبار أن "هذا "ما تقتضيه مصلحة إسرائيل الإستراتيجية، لأن التخلص من حكمه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي".
وحذر المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي من أن مرسي قد غير قواعد اللعبة في المنطقة بما لا يخدم مصالح إسرائيل، وهذا ما يفرض على الولايات المتحدة التدخل. ولفت البرفسور إفرام كام نائب مدير "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى حقيقة أن مرسي أضر بمصالح إسرائيل والغرب، لأنه تمكن من نسف التصور الغربي لموازين القوى داخل مصر بشكل واضح.
ولم تكتف النخبة الإسرائيلية بالتحريض على مرسي وحكمه، بل بالغت في تحريضها على جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص. فقد نقلت "معاريف" فحوى تقرير أصدره معهد "فيزنتال" (أهم مركز أبحاث يهودي في العالم) والذي اعتبر محمد بديع -مرشد "الإخوان المسلمين"- أكثر شخص حرض على اليهود في العالم، حيث اعتبر التقرير أن بديع هو أخطر شخص على اليهود في العالم.
ثالثا- الرهان الإسرائيلي على العسكر:
إن التخوف من وصول نظام حكم في القاهرة يغيّر من سياسات مصر تجاه تل أبيب، جعل الكثيرين في إسرائيل يفصحون عن طابع رهاناتهم على قادة الجيش المصري، وقد منحت الصحف الإسرائيلية مساحات واسعة لآراء الكثير من النخب السياسية التي أوضحت بشكل واضح وصريح أن مصلحة إسرائيل تقتضي حفاظ قادة العسكر في مصر على صلاحيات الحكم الرئيسة، لا سيما في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية وقضايا الأمن القومي.
"أشارت صحيفة "ذي ماركير" إلى أن موازنة الأمن الإسرائيلية كانت قبل "كامب ديفيد" تشكل 47% من الموازنة العامة للدولة، في حين أصبحت بعد الاتفاقية تشكل 16% من الموازنة، وهذا يعني أن الاتفاقية أتاحت لصناع القرار في إسرائيل توجيه موارد الدولة لمجالات أخرى"
فقد نقلت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية عن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعاز قوله إن احتفاظ العسكر في مصر بصلاحياتهم وعدم نقلها للمؤسسات المدنية يمثل مصلحة إستراتيجية لإسرائيل. وقد نقلت "يديعوت أحرنوت" عن محافل أمنية كبيرة قولها إن "الأمن القومي" الإسرائيلي بات يتوقف على تعاون قادة الجيش المصري.
رابعا- الاحتفاء الإسرائيلي بالانقلاب:
إن مظاهر احتفاء الصحافة الإسرائيلية بالانقلاب الذي أدى إلى عزل الرئيس مرسي كانت واضحة وفظة إلى حد كبير. وقد عبر عن هذا الاحتفاء أوضح تعبير معلق الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس" آرييه شافيت، الذي كتب قائلا "إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل، فلا يحتاج المرء أن تكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنه النخبة الإسرائيلية تجاه قائد قوات الجارة الكبرى من الجنوب، الذي قام للتو بسجن الرئيس المنتخب الذي قام بتعيينه في منصبه".
وواصل شفيت توصيفه لحجم السعادة التي غمرت إسرائيل في أعقاب الانقلاب، قائلا "وفي الوقت الذي يحتدم الجدل في الولايات المتحدة بشأن الموقف من التنوير غير الديمقراطي الذي يمثله الجنرال السيسي والديمقراطية غير المتنورة للرئيس مرسي، فإنه في إسرائيل لا يوجد ثمة جدل حول هذه المسألة، فكلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح، مع أنه أيضا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ومع أن هؤلاء الجنرالات كان يتوجب أن يكونوا خاضعين لتعليماته، كما هو الحال في النظم الديمقراطية ".
وعلى الرغم من أن المستشرق الإسرائيلي تسفي بورست يتوسع في تقديم الأدلة التي تدلل على أن جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة إرهابية، وأن عزل مرسي كان انقلابا عسكريا غير شرعي، فإنه في المقابل يجزم أن هذه الخطوة مفيدة جدا لإسرائيل، على اعتبار أن مخاطر بقاء حكم جماعة الإخوان المسلمين على إسرائيل كانت هائلة.
إن أحد أهم أسباب الاحتفاء الإسرائيلي بالانقلاب الذي قاده السيسي هو حقيقة الانطباع السائد بأن سلطة السيسي هي امتداد لحكم مبارك. فقد كتب المستشرق الصهيوني إيال زيسر في "إسرائيل اليوم"، حيث أقر بأنه لم يعد لإسرائيل حاجة في الإفراج عن مبارك وعودته للحكم، على اعتبار أن حكومة السيسي تلتزم بمنهجه.
ويؤكد دان مرغليت -كبير معلقي صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو- أنه على الرغم من أن إسرائيل الرسمية حافظت على الصمت وامتنعت عن التعليق على الانقلاب لدواع معروفة، فإنها سعيدة جدا بإسقاط حكم الإخوان، وستكون سعادتها مضاعفة في حال تم إنهاء حكم الإسلاميين في كل البلدان التي صعدوا للحكم فيها في أعقاب الربع العربي.
وقد نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" مقالا للمفكر اليهودي دانييل بايس رئيس منتدى "الشرق الأوسط" في واشنطن، وأبرز منظري المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، شرح أسباب سعادته بالانقلاب على مرسي وإشادته بخطوة الجيش المصري.
أما كيف دعمت إسرائيل الانقلاب ودافعت عنه، وموقفها من نظام الأسد، وتعاطيها عموما مع محور الاعتدال، فهو ما سنتوقف معه في الحلقة القادمة من المقال.
المصدر : الجزيرة