آهات الأزمات تنغص فرحة المسلمين برمضان
يأتي شهر رمضان هذا العام والعديد من دول العالم الإسلامي؛ تعاني من النزاعات والصراعات والأزمات المختلفة، التي تلقي بظلال قاتمة؛ على فرحة استقبال 1.6 مليار مسلم يمثلون 23% من سكان العالم، لهذا الشهر.
فأزمة سوريا لا تزال مستمرة منذ 2011، حيث يمر رمضان للمرة الرابعة؛ فيما لا يزال القتل اليومي والتدمير مستمراً. ويعاني ملايين السوريين من أجل الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية؛ بعد أن اضطروا لترك منازلهم ومدنهم وحتى وطنهم.
وفي العراق ازدادت الأحوال سوءً في الأيام الأخيرة؛ حيث سيطرت مجموعات مسلحة - تتصدرها "داعش" - على مدينة "الموصل" بمحافظة "نينوى" شمالي البلاد؛ بعد انسحاب الجيش منها وترك أسلحته، وتكرر الأمر في مناطق أخرى بمحافظة صلاح الدين (شمال) وديالى (شرق)؛ ما تسبب في وقوع قتلى وجرحى، ونزوح حوالي مليون شخص من منازلهم.
وفي الضفة الغربية - وبعد اختفاء ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في الثاني عشر من يونيو/ حزيران الجاري - بدأت إسرائيل في شن حملة في الضفة الغربية، تضمنت اعتقال أكثر من 500 شخص، بينهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني "عزيز الدويك" ونواب في المجلس، ووزراء سابقون، وأعضاء في حركة حماس، كما شنت غارات جوية على قطاع غزة. وأدت تلك الحملة خلال 15 يوماً إلى مقتل 8 أشخاص وجرح 14 شخصاً، في الضفة الغربية، ومقتل شخصين وإصابة 20 آخرين في قطاع غزة.
ويعاني قطاع غزة - بالإضافة إلى ذلك - من آثار الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، منذ فوز حركة حماس في الانتخابات عام 2006.
وتعيش مصر منذ الثالث من يوليو/ تموز الماضي؛ حالة من عدم الاستقرار، مع استمرار المظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول "محمد مرسي"، واستمرار الاعتقالات والمحاكمات بحق مؤيديه، الذين حُكم على بعضهم بالإعدام.
ولا تزال الاضطرابات سائدة في ليبيا رغم مرور ثلاث سنوات على الثورة؛ التي أطاحت بحكم القذافي بعد أكثر من 40 عاماً؛ فبالإضافة للاشتباكات المتقطعة التي كانت تشهدها ليبيا؛ قامت قوات اللواء الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" - منتصف مايو/ أيار الماضي - بشن عملية عسكرية عرفت باسم "عملية الكرامة"؛ ضد مسلحين تقول إنهم "إرهابيون مرتبطون برئاسة الأركان الليبية، في مدينة بنغازي"، وهو ما وصفته أطراف حكومية بـ"الانقلاب على الشرعية"، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين قوات حفتر والجيش الليبي في عدة مناطق ليبية، ما أسفر عن مقتل العشرات.
ويعاني اليمن أيضاً من عدم الاستقرار الذي أعقب ثورته، حيث تندلع أعمال العنف بين الحين والآخر. وزادت في الآونة الأخيرة الهجمات التي تستهدف قوات الأمن والسياسيين البارزين، كما يشتبك مقاتلو القاعدة مع الجيش اليمني منذ عام 2012، وبدأت قوات الجيش - مدعومة من العشائر - عملية ضد القاعدة في جنوب البلاد منذ إبريل/ نيسان الماضي؛ ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الجنود والمدنيين.
ويعاني اليمن بالإضافة إلى ذلك من خطر المجاعة، حيث حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن 10 ملايين - من أصل سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليوناً - يعانون إما من انعدام شديد للأمن الغذائي؛ أو على وشك المعاناة من ذلك، و4.5 مليون يمني لا يجدون طعاماً كافياً لتلبية احتياجاتهم اليومية، ويحتاجون لمساعدة غذائية عاجلة.
وفي الصومال تشكل حركة الشباب خطراً مستمراً؛ بهجماتها التي تستهدف الحكومة والمدنيين. وشددت السلطات من الإجراءات الأمنية مع قدوم شهر رمضان؛ خوفاً من تكرار ما حدث في رمضان الماضي؛ عندما لم تتوقف هجمات حركة الشباب طوال الشهر.
وبالإضافة إلى ذلك تعاني الصومال بشكل شبه مستمر من المجاعة والجفاف. وأدت كل تلك العوامل مجتمعة إلى جعل متوسط عمر الفرد في الصومال 50.8 عاماً، وإلى لجوء حوالي مليون صومالي إلى دول الجوار. وتقول الأمم المتحدة إن 870 ألف صومالي يحتاجون لمساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ولم تسلم بلدان العالم الإسلامي - غير العربية - هي الأخرى من المشاكل والصراعات. ففي باكستان شهد العام الماضي أكبر قدر من العنف الطائفي في البلاد منذ عام 1989 - وفقاً لموقع منظمة "بوابة الإرهاب في جنوب آسيا" - ؛ فمن أصل 4 آلاف و752 قتلوا نتيجة لأعمال العنف عام 2013؛ كان عدد ضحايا العنف الطائفي منهم 687 شخصاً.
وفي شمال غرب باكستان؛ لا تزال طالبان تحتفظ بنفوذها هناك، وينتشر القلق من زيادة حدة العنف في المنطقة مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان. كما يقع المدنيون القاطنون في المنطقة ضحايا للحملة التي تشنها الولايات المتحدة على الإرهاب، حيث قال تقرير صادر عن مكتب الصحافة الاستقصائية بلندن: " إن عدد قتلى الهجمات التي شنتها الطائرات الأمريكية بدون طيار في باكستان - منذ عام 2004 - يتراوح بين 2296 و3719 شخصاً، أي حوالي 22% منهم من المدنيين "، بحسب التقرير.
بالإضافة إلى ذلك؛ تعاني باكستان من المشاكل الناجمة عن استضافتها لأكبر عدد من اللاجئين في العالم في مكان واحد، حيث يصل عدد اللاجئين الأفغان المسجلين في باكستان - وفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة - إلى 1.6 مليون لاجئ.
ولا يفتئ المواطنون الأفغان يمرون بمختلف أنواع المشاكل والأزمات منذ سنوات طويلة، إذ يعيش حوالي 2.6 مليون أفغاني كلاجئين في عدة دول - وفقاً لإحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين - وأصبحت الهجمات الإرهابية نشاطاً حياتياً يومياً في أفغانستان، التي تستضيف أكثر من 50 ألف من جنود الناتو من 49 دولة، ولا تزال حركة طالبان قوية بها رغم انتهاء حكمها للبلاد عام 2001.
وتؤدي هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية والبريطانية؛ إلى سقوط ضحايا بين المدنيين في أفغانستان أيضاً، حيث قال تقرير - أعده مقرر الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الإرهاب "بين إيمرسون" - : " إن 59 مدنياً قتلوا في 19 غارة شنتها طائرات بدون طيار في أفغانستان عام 2013 ".
وبالإضافة إلى ذلك يعاني الاقتصاد الأفغاني من مشاكل عدة، حيث يقوم 90% من اقتصاد البلاد على تجارة الأفيون، كما ترتفع معدلات البطالة والفساد في البلاد.
أما في إقليم "سنجان" - ذو الحكم الذاتي غرب الصين - أو "تركستان الشرقية"؛ فقد كان الأيغور المسلمون يشكلون غالبية السكان، إلى أن تسببت السياسات الصينية في جعل نسبتهم 45% فقط من سكان الإقليم. وتنتهج السلطات الصينية سياسة قمعية تجاه سكان الإقليم في جميع المجالات تقريباً - بخاصة الدينية والثقافية - حيث تمنع على سبيل المثال من هم دون الثامنة عشرة من ارتياد المساجد، وتمنع إعفاء اللحى وارتداء النقاب.
وينظم سكان الإقليم من حين لآخر مظاهرات احتجاجية على السياسات الصينية، وتقابل السلطات الأعمال الاحتجاجية بالقمع ما تسبب في زيادة ملحوظة في أعمال العنف. وترفض السلطات الصينية مطالب أهالي الإقليم بالحرية.
وفي ميانمار يتعرض المسلمون - الذين يبلغ عددهم 2 مليون - لأشكال مختلفة من الاضطهاد. وينتمي مسلمو ميانمار لعرقية الروهينغيا، وهي إحدى 135 عرقية تعيش في البلاد. ولا تعتبر حكومة ميانمار مسلمي الروهينغيا مواطنين، وبالتالي فهم محرومون من جميع حقوق المواطنة.
ويتعرض مسلمو الروهينغيا لهجمات؛ يأتي على رأس منظميها رهبان حركة 969 البوذية المتطرف. وأدت تلك الهجمات إلى مقتل أكثر من 280 مسلماً، وهروب أكثر من 250 ألف من منازلهم، منذ عام 2012.
ولا تبدي حكومة ميانمار أية استجابة لضغوط الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمات حقوق الإنسان، بخصوص الاضطهاد الواقع على المسلمين، كما لا تحتج المعارضة على تلك الممارسات خوفاً من إغضاب البوذيين.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، اضطر عشرات آلاف المواطنين - كثير منهم من المسلمين - لمغادرة البلاد، هرباً من أعمال العنف التي كثيراً ما تحولت إلى تطهير عرقي - بدأت في مارس/ آذار من العام الماضي - عندما أطاح مسلحو "سيليكا" (تحالف سياسي وعسكري مسلم) بالرئيس "فرانسوا بوزيزي" - وهو مسيحي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عام 2003 - ونَصَّبوا بدلاً منه المسلم "ميشيل دجوتويا" رئيساً مؤقتاً للبلاد.
وتطور الأمر إلى اشتباكات طائفية بين سكان مسلمين ومسيحيين، وشارك فيها مسلحو "سيليكا" ومسلحو مليشيا "أنت بالاكا" المسيحية؛ أسفرت عن مقتل المئات، بحسب الأمم المتحدة، ما أجبر دجوتويا على الاستقالة من منصبه، تحت وطأة ضغوط دولية وإقليمية، وتنصيب "كاثرين سامبا بانزا" رئيسة مؤقتة للبلاد.
وكان عدد سكان "أفريقيا الوسطى" قبل الأزمة 5.1 مليون نسمة، 15% منهم مسلمون، ووفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين؛ فإن 378 ألفاً من مواطني هذا البلد - منهم 150 ألفا من المسلمين - لجؤوا لدول الجوار هرباً من أعمال العنف.
(الاناضول)