الرئيس "سارق شعبه" ستطارده لعنة الشعب والتاريخ
كان مشهدا مروعا ذلك الذي لن تنساه ذاكرة المنطقة العربية، ولن تطويه يد الايام، والرؤساء العتاة يسقطون في غضون اشهر معدودات على التوالي، والشعوب المنتفضة تعطي بنفسها الدرس الاقسى في الاقليم، والممهور بالدم على كيفية تقويمها لعملية الحكم، وطريقة دخولها العنيف لمسرح السياسة.
وهي محطة تاريخية كبرى الاصل ان تتربى عليها الانظمة السياسية القائمة ، وان يدرك رجال السلطة ان على يدي الشعوب مصارع الحكام، وانها ببساطة تكتب نهاياتهم البائسة، وان التلاعب بمصير الناس، وعدم الامانة في حكمهم مرتعه وخيم.
وان حساب التاريخ لن يفلت منه طاغية، وان الشعوب لتنتصر ارادتها اذا تحركت، وان للشعب ثوراته، وانتصاراته، وله احلامه، واملاكه العامة، وثرواته التي لا يفرط بها، ولا بد من يوم للحساب، وقد لحقت المسؤولية برؤساء كان بعضهم على اعتاب الشيخوخة، ولم يفلتوا من العقاب رغم انهم طعنوا في السن، وواجهوا الثورات الشعبية المفاجئة التي الحقتهم بالسجون والقبور وزوال القدر والهيبة، واورثت قصورهم للناس او غدت متاحف تخالها يتردد في ارجائها قول الله تعالى" كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك واورثناها قوما آخرين " .
فالشعب ليس اداة صامتة، او لعبة فاقدة للاحساس، او مطية يركبها الحكام، ويوجهونها في ملذاتهم ، واهوائهم، ويعيشون واولادهم واحفادهم ومحاسيبهم حياة اسطورية على حساب شقاء الناس وعذاباتهم. وان لعبة الشعوب خطرة، وفي احشائها حتوف الحكام، ونهاياتهم البشعة، وتحول الزمان انما هو من تحول الشعوب، وتغير احوالها.
وللشعوب هباتها، وخروجها عن المألوف، وفقدان السيطرة، وهي تكسر القيود، وتدمر مؤسسة الحكم بلحظات اذا شاءت، وتتحول كافة السلطات والاجهزة الامنية الى جهات كرتونية، وتختفي الجيوش، وتتلاشى اسراب المنافقين، وتسقط الالقاب، وتزول هيبة الحكم، وقد تصبح مجرد "عبارة" على قارعة الطرقات هي مخبأ الرئيس المطارد من قبل شعبه، بعد ان كان الرمز الاول للدولة، وتوجهاته قانون، واهوائه رؤية تاريخية، وان الرئيس الذي تطلبه يد الشعب لا ملجأ له، وان مصيره الدامي لمحتوم او يتخذ سبيل الهرب للنجاة بجلده.
والرئيس الذي ينتهك حرمة شعبه، ولا يراعي منظومته الاخلاقية في سلوكه، ويستغل السلطة في الاستيلاء على المال العام، وتتكدس المليارات في حساباته الشخصية، ويستولي على الموارد العامة، ويحول الحكم الى اداة يسرق بها شعبه، ويشرف بنفسه على عذابات ملايين الناس وشقائهم، وهم يأنون تحت وطأة الفقر والغلاء ، وتوحش السلطة، وسوء السياسات التي لا تؤمن سوى مصالح ومكتسبات طبقة الحكم، ويسهم في تعطل اجيال عن العمل والعطاء ، انما يحكم على نفسه بسوء المصير، ولا بد ان يد الشعب ستطاله، وستطارده لعنة الشعب، والتاريخ، ويبوء بغضب من الله.
وعندما تتحطم هالة هذا الرئيس الاسطورية على خلفية جشعه في سرقة المال العام، وتحويل فرص الدولة التنموية الى مصالح شخصية له ولعائلته وللمحاسيب من حوله، ويظن انه يحجب بالخوف والارهاب امكانية نقده او محاسبته او التساؤل حول حجم ثروته وتضخمها في مقابل الحاق الشعب بدائرة الشقاء، ويتناسى امانة الحكم، ومسؤولياته، ويسد آذانه عن صوت العدالة، وخطورة المس بحقوق العامة فهذا الرئيس لا يدرك ما تخبئه له الايام من سقوط محقق، وهذا الذي يفشل في فهم حركة الشعوب وخطورتها، ومعه كافة اعضاء الطبقة السياسية ممن تفرقت في ذممهم حقوق عامة الناس فلا اقل من ان يتخذوا طريق الهرب سبيلا للنجاة، فغضب الشعب قادم، وسيطالهم لهيبه، وربما يجنبهم الهروب النهايات المأساوية، فالشعوب اذا تحركت لا تقيم وزنا للكراسي العالية، وهي تنهي المهمات التاريخية ، ولا تعود لهدوئها حتى تحقق الواجب على اكمل وجه.
ولمعرفة حقيقة الشعوب، وطاقاتها الرهيبة، وقدراتها الخلاقة على الفعل ومحفزاتها التاريخية فلا بد من اعمال النظر بين دفتي التاريخ حيث تترد قصص زوال الحكام، وثورات الشعوب.