هل ما فعلته المانيا بلطجة.. أم يتوافق مع الروح الرياضية؟
محمد عواد - الخسارة القاسية التي تعرضت لها البرازيل بنتيجة 7-1 امام المانيا في قبل نهائي كأس العالم المقام حاليا، كان لها ردود افعال درامية عنيفة أبكت جماهيرالسامبا وهزت كبرياء الشعب العاشق لكرة القدم، فالإذلال كان العنوان الذي اتفقت عليه الصحف العالمية، والعار هو الشعار الذي رفعته صحافة البرازيل، والدموع هي وسيلة التعبير التي لم تجد جماهير السامبا سواها.
انهار ذلك الطفل البريء بعد الهدف الثالث الألماني، وظهر العجوز المسكين متمسكاً بحلم الكأس رغم خسارة المونديال، وبكت العواجيز، وصرخ الشباب، فاهتزت عواطفنا كجماهير حتى ممن شجعوا المانيا أثناء المباراة، وخرج ماتس هاملز مدافع المانيا ليتحدث عن رأفة قررها اللاعبون بين الشوطين بحق البرازيليين، لكنها رأفة صاحبها اللعب بجدية كنوع من الاحترام للخصم.
ويبقى السؤال هل كان يتوجب على المانيا الرحمة والتوقف عند الهدف الثالث أو الرابع، خصوصاً أن البرازيل ظهرت منهارة لا تقوى على المقاومة، بل ظهر لاعبو القميص الأصفر كمن لا علاقة لهم بكرة القدم.
الذاكرة القصيرة تقول للألمان .. لا !
في تاريخ 16-أكتوبر-2012 تقدم الألمان 4-0 على منتخب السويد في الدور الأول من تصفيات كأس العالم عن القارة الأوروبية، استمرت النتيجة على هذا النحو حتى الدقيقة 62 ليعود زلاتان ورفاقه ويفرضون التعادل 4-4، رغم أن المباراة كانت في برلين.
مثل هذه المباراة تجبر الألمان على عدم التراخي، وتجعلهم يفكرون بالأمان أكثر من مشاعر الأخرين، وأكثر من الروح الرياضية، لذلك كان يبدو عليهم حتى بعد الهدف الخامس الجدية ورفض السماح للبرازيليين بالوصول إلى مرماهم إلا في مناسبات قليلة.
النتائج تصنع التاريخ:
الزميل الصحفي وليد فاروق لديه رأي عن القضية، فيقول "من باب احترام المنافس في كرة القدم أن تواصل اللعب ضده بكل قوتك، فربما يكون هذا من مصلحة فريق أخر، كما أن الجمهور قادم للترفيه ومشاهدة الأهداف وليس رؤية مسلسل احترام ورأفة".
ويضيف فاروق قائلاً "النتائج الكبيرة هي التي تصنع التاريخ، شاهد كم رقماً قياسياً تحدثنا عنه بعد فوز المانيا الكبير، هناك 10 أرقام قياسية على الأقل أضافها الألمان لسجلاتهم بفضل هذا الانتصار، النتائج العادية لا تصنع التاريخ".
الروح الرياضية وقانون الرأفة:
في أمريكا الشمالية هناك قانون منتشر في معظم الرياضات اسمه قانون الرحمة، حيث يتم منع الفريق المتفوق من تحقيق نتيجة كارثية على الخصم، وذلك بأساليب مثل تجميد نقاط الفريق المتقدم، أو منعه من الوصول إلى فارق معين بحيث يتوقف عن التسجيل اختيارياً، أو التقصير من وقت اللقاء لكن دون اللجوء إلى إنهائه مباشرة.
يقول روبن روشين وهو أحد الإداريين في لعبة كرة القدم الأمريكية للشباب "المسألة لا تتعلق بمعاقبة الفائز، بل بتعليمه التعاطف مع الأخرين، وتعليمه الروح الرياضية .. خسرنا في الماضي عدداً من اللاعبين الواعدين لأن فرقهم خسرت بفارق كبير".
قانون الرأفة هذا يطبق في أمريكا وكندا في معظم الرياضات الشعبية هناك، أي أنه لا يشمل كرة القدم التي نعرفها، ولا يتم تطبيقه إلا على مستوى الفئات العمرية الصغيرة وليس على المستوى الاحترافي، ومخالفته بالقسوة على الخصم توقع عقوبات على مدرب الفريق الفائز في بعض الولايات.
هذا القانون غائب في كرة القدم تماماً حتى في الفئات العمرية، وهو يحبط عديد الأجيال، وربما يتوجب إلقاء نظرة عليه لتفعيله على الأقل في البطولات المحلية، فطفل موهوب لو خسر بنتيجة كبيرة لن يلعب من جديد، لأنه سيشعر بالظلم والإحباط للعبه مع فريق سيء، فيقرر هجرة اللعبة.
الغربيون بلا عواطف:
يقول الزميل الصحفي أيمن المهدي "نحن كعرب بشكل عام عاطفيون، بالتالي طالبنا بمثل هذا الشيء، لكن الغربيين يلعبون كرة قدم خالية من هذه المشاعر".
ويضيف أيمن نقطة مهمة تتعلق بتصريح يواكيم لوف حيث قال "المدرب الألماني أعلن بوضوح أنه أخبر لاعبيه بين الشوطين أن المباراة انتهت وعليهم الاحتفاظ بالكرة وعدم التراخي دفاعياً واللعب بعقلانية، أي أنه حاول منع تدهور النتيجة لكن البرازيليين لم يساعدوه على ذلك".
وختم المهدي كلامه قائلاً "هذه مباراة كبيرة، والخصم كبير فلماذا تشفق عليه بما أنه يملك ما تملكه؟".
بلطجة وتنمر!
وصفت قناة فوكس نيوز فوز أحد الفرق بنتيجة 91-0 في كرة القدم الأمريكية بالبلطجة، ، وذلك خلال إحدى المباريات للمدارس الثانوية في ولاية تكساس وقالت إن الفوز بهذه النتيجة يعد تنمراً واضحاً، وأن عائلات الفريق المهزوم حاولت التدخل للتذكير بالروح الرياضية وقوانين الرحمة، ناقلة تصريحات مؤلمة عن أباء الفريق المهزوم الذين شرحوا حالة أبنائهم الصعبة.
فهل مواصلة تسجيل الأهداف رغم انهيار الخصم يعد بلطجة وتنمراً؟
المسألة يختلف فيها كثيرون، فبعض المدربين يتحدثون عن أن الرياضة تنافسية وأن غير المؤهل للتنافس عليه البحث عن مهنة أخرى، في حين يرى أخرون بأن المسألة تتعلق بهز ثقة الشخص المنافس لتفوق لحظي حصل في مباراة، أو بسبب قدرات وظروف أفضل، وأن الروح الرياضية والنبل يقتضيان عدم ضرب الميت.
المدير الرياضي لنادي كاتانيا بيترو لو موناكو تحدث في الماضي بعد أن تعرض فريقه للخسارة 7-0 أمام روما قبل بضعة سنوات قائلاً "في كرة القدم هناك ميثاق شرف، في الشوط الأول تقدم روما 5-0 وبالتالي المباراة انتهت، لقد رفعوا النتيجة إلى 7 وحاولوا تسجيل المزيد من الأهداف، لكن ما فائدة كل هذا لهم؟".
سلوك التنمر بشكل عام يتعلق بتكرار الفعل وليس الفعل ذاته، فكل إنسان معرض للخطأ، وكل إنسان معرض للاعتداء على الأخر في ظروف معينة والقسوة عليه، لكن تكرار هذا السلوك بشكل واضح والسعي إليه هو التنمر.
فلو مثلاً هزمت المانيا كل الفرق التي انهارت أمامها في البطولة بنتائج كبيرة، ولم تحاول أن تتوقف عن التسجيل فهذا فيه نوع من التنمر والبلطجة، لكن ماتس هاملز يؤكد بأنهم فعلوا ما بوسعهم، لكن البرازيليين لم يفعلوا شيئاً، كذلك الحال كان مع البرتغال التي خسرت في الشوط الأول 3-0 وفي ظل نقص عددي، لكن الألمان توقفوا عن هباتهم الهجومية، وحتى في التصفيات فازت المانيا على فرق مثل جزر الفارو 3-0 في حين هزمت النمسا ذات الفريق 6-0.
المقصود ليس الفوز بنتيجة كبيرة في مباراة واحدة لظروف استثنائية هو التنمر والبلطجة، بل عندما يكون هناك فريق غاية في القوة ويتفوق على الأخرين، ويصر في كل المباريات الفوز بنتائج كبيرة رغم إدراكه بأن خصمه لا يقوى على مفاجأته، وهنا المانيا بريئة بشكل واضح.
المانيا حطمت جيل البرازيل الحالي:
صحيفة الجارديان كتبت بعد المباراة قائلة "أكبر إذلال في تاريخ الكرة البرازيلية، من الصعب جداً توقع عدد اللاعبين من هذا الفريق الذين يستطيعون العودة للعب بشكل طبيعي بعد ما جرى الليلة"
الخسارة 4-0 أو 4-1 تجعل هناك شيئاً يفكربه اللاعبون الذين تواجدوا على أرض الملعب ليستعيدوا رباطة جأشهم، فالنتيجة كارثية لكن ليس لدرجة النهاية، في حين أن الخسارة 7-1 على الأغلب وكما تتحدث الصحافة البرازيلية أنهت مسيرة عدد كبير من اللاعبين الدوليين الحاليين، الأمر قد ينطبق على بعض الشباب منهم أيضاً.
ومن هنا يظهر من جديد مفهوم الروح الرياضية، التي تقتضي سعي الجميع إلى الانتصار، لكن مع احترام الخصم، وليس القضاء عليه.
المدرب الذي ضحى تجنباً لإذلال خصمه .. وكاسياس النبيل:
هناك قصص عديدة عن نبل أخلاق كرة القدم، أشهرها ما قام به ايكر كاسياس في نهائي يورو 2012 عندما طالب الحكم إنهاء المباراة بعد فوز منتخب بلاده 4-0، حيث التقطته الكاميرات وهو يقول للحكم "احتراما للتنافس بين البلدين، احتراما لإيطاليا، فالنتيجة 4 – 0".
بريان رونان شخصية غير مشهورة، لكنه تحول إلى بطل في الولايات المتحدة، بريان مدرب فريق ثانوية للإناث في كرة القدم، كان فريقه يتقدم 6-0 بعد دقائق قليلة فقط، وكان بحاجة للوصول إلى 16-0 كي يتأهل، الخصم كان ضعيفاً للغاية والنتيجة الكبيرة تلك كانت مضمونة، لكنه طلب من لاعباته عدم التسديد وضحى بالتأهل، وقال يومها "لقد كان ذلك أفضل تدريب لهم، كان أفضل تمثيل للمدرسة التي ننتمي إليها، أثبتنا بأننا بشر".
خلاصة:
قضية الرأفة بالخصم عند انهياره التام على المستوى الاحترافي العالي جدلية وفيها وجهات نظر عديدة، فالبعض يتحدث عن مفاجآت كرة القدم وضرورة عدم التراخي، لكنهم يتناسون بأن الرأفة لا تعني التراخي، بل تعني عدم التسجيل، وتجنب الوصول إلى المرمى بطريقة أو بأخرى.
أن تهزم منتخباً في ملعبه بنتيجة كبيرة، ليست المسألة مجرد 11 لاعباً قد يقررون الرحيل إلى الأبد عن الكرة الدولية، لكن المسألة تتعلق بشعب كامل سيشعر بالإهانة، فالفوز كان مضموناً، وكما قال المدير الرياضي المذكور سابقاً في كاتانيا "ما الفكرة من رفع غلة أهدافك؟"، فالروح الرياضية تظهر هنا وإن لم يعرف بها الأخرون، فمجرد شعور اللاعب مع نفسه أنه رحم خصمه المتهالك يدفعه للفخر، ويجعله ينظر لنفسه بشكل أفضل.
ربما حاول الألمان التهدئة لكنهم لم يبذلوا جهدهم الكامل من أجل ذلك، تصرفهم ليس بلطجة ولا تنمراً لأن تاريخ هذا الجيل يؤكد ذلك، لكنهم تمادوا وتناسوا الظروف المحيطة بالشعب البرازيلي الذي قال أحد شبابه "نحن شعب لا يملك أي شيء، كنا نملك كرة القدم والآن لا نملك شيئاً".
في ذات الوقت، هناك وجهة نظر قوية تقول بأنه لا يحق لأحد انتقاد المانيا لأنها واصلت التسجيل فهذه هي كرة القدم، وهذا هو المطلوب منها حسب جماهيرها، فالتوقف عن التسجيل لأن الخصم ضعيف، يشبه تماماً عدم الإجابة عن أسئلة في امتحان لأنها سهلة للغاية!.
(كووورة)