معركة غير متكافئة ، ونتائج معكوسة
استجاب نتنياهو، لضغوط حليفه الذي انفك عنه حزب البيت اليهودي ووزير خارجيته ليبرمان، مثلما استجاب لصرخات المتطرفين داخل حزبه الليكود، وفي طليعتهم داني دانون، نائب وزير الدفاع المقال، ولكنه سار على مهل، وبخطوات تصعيدية محسوبة، بدأت يوم الثلاثاء 8/7/2014، بالقصف الجوي، المكثف والمركز، وانتقل إلى الخطوة الثانية بالاجتياح المحدود مساء الخميس 17/7/2014، بدون توغل إلى قلب مدن وقرى وأحياء القطاع الفلسطيني، ذات الكثافة البشرية.
مجمل البرنامج الإسرائيلي، وفي الخطوتين اللتين تم تنفيذهما، تم ذلك بغطاء أميركي ناله بالكامل، وبرضا أوروبي، حصل عليه، ولذلك لم تتوقف ضربات سلاح الجو الإسرائيلي، الموجعة للشعب العربي الفلسطيني، وفي نطاق ضربات منتقاه للعقارات، وضربات مؤذية للمدنيين، لم تتوقف خلال أسبوعين.
زحف الدبابات، والقوات البرية، غير الشامل لبعض أطراف القطاع كما أعدها قائد الحملة الجنرال سامي ترجمان، بدون توغل، استجابة للموقف السياسي الذي رسمه نتنياهو، بهدف الحفاظ على أربعة عوامل ضرورية هي:
أولاً: توجيه ضربات تدميرية منتقاة.
ثانياً: أن تبقى جبهته الداخلية، ما أمكن متماسكة، ويحظى بدعم أغلبيتها في البرلمان والشارع والإعلام.
ثالثاً: الحرص على عدم فقدانه لخسائر بشرية، يمكن أن ترتد عليه بخسارة جبهته الداخلية.
رابعاً: غطاء ودعم الولايات المتحدة وعدم خسارة أوروبا وتعاطفها.
بينما الشعب الفلسطيني، ومؤسسته وقواه الحية، من "فتح" إلى "حماس"، إلى باقي الفصائل، ناهيك عن الجمهور الغاضب، والإعلام غير المؤيد، يخوض معركة وطنية كبرى، لها نتائج، وانعكاسات جوهرية، على مسار الشعب والمنظمة والسلطة والحقوق والمستقبل، بأدوات غير متفق عليها، وبسياسة ممزقة، وتكتيكات متضاربة، فكيف سينال الشعب الفلسطيني المعذب، وقضيته العادلة، المكانة المطلوبة على طريق استعادة حقوقه في العودة والاستقلال، وهو الطرف الضعيف في الصراع، أمام عدو متفوق؟؟.
الشعب الفلسطيني يملك: العدالة، والحقوق، والقرارات الدولية، والمنطق الإنساني، ولكنه يفتقد لعناصر الانتصار الثلاثة: 1-البرنامج الموحد، 2- المؤسسة التمثيلية الموحدة، 3- الأدوات القتالية المتفق عليها، ولهذا يدفع الشعب "الغلبان"، المغلوب على أمره، ثمن التخبط القيادي، والتمزق التنظيمي، وغياب الإرادة السياسية الموحدة، ويواجه الضربات الموجعة، بلا رحمة، وبلا غطاء أو تعاطف، وبلا تأييد.
ضربات صواريخ المقاومة الفلسطينية للعدو، معنوية، سطحية وغير مؤثرة مادياً وبشرياً، بينما ضربات عدونا موجعة، تدميرية، تُخلف العذاب والقهر والإحساس بالضعف والخذلان، في معركة غير متكافئة، فإلى متى الضياع، وهذه الفوضى السياسية، وطغيان النزوع الأناني الفردي التنظيمي الحزبي لدى بعض الفصائل والتنظيمات؟؟.
في حكومة المستوطنين ومشروعهم الاستعماري التوسعي وقف رئيسهم نتنياهو علانية وأوضح هدفه من الحملة، ليس إقامة "نظام جديد" في قطاع غزة، وأنه ضد رغبة أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت عضوي المجلس الوزاري الأمني المصغر، ودوافعهما لإعادة احتلال قطاع غزة، فالهدف لدى نتنياهو ولدى موشيه يعلون وبيني غانتس قادة المؤسسة العسكرية والأمنية كما قال المعلق الإسرائيلي ناحوم بارنيع في "يديعوت أحرونوت" يوم 16/7/2014، هو "إضعاف حماس" على أن "تستمر حماس في حكم غزة"، وهو نفس الهدف الذي سعت له حكومات الاحتلال في خطة الرصاص المصبوب 2008، وتكرر في عمود السحاب 2012، ويتكرر في الجرف الصامد 2014، بغرض التهدئة وإزالة الأنفاق وتدمير الصواريخ.
السياسة التي وضعها نتنياهو مع يعلون وغانتس، لم تعد منفذة بدقة، فالضربات الموجعة التي وجهتها فصائل المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وإن كانت محدودة، خلقت واقعاً عملياً على الأرض، يكسر حواجز الخطط المعدة، ويدفع باتجاه تعميق الأزمة، لدى حكومة نتنياهو، خاصة وأن الفصائل الفلسطينية، ليس لديها ما تخسره، وهي تتخذ إجراءات احترازية ناجحة، تعتمد على العوامل التالية:
أولاً: أنها استطاعت تقليل عيون التجسس الإسرائيلية على تحركات قادة المقاومة ومواقع عملهم وإقاماتهم، ولذلك فشل العدو في الوصول إلى أي من القيادات الفلسطينية السياسية أو العسكرية.
ثانياً: إن القيادات نفسها استفادت من خبرات مواجهاتها السابقة، في الانتفاضة الثانية العام 2000، ومن عمليات الاجتياح العام 2008، والعام 2012، ولذلك كانت خسائرها البشرية معدودة، وهذا ما دفع العدو للتعويض عن عدم قدرته في الاستهداف المباشر للقيادات، توجيه ضربات عشوائية، لعلها تصيب أيا من قيادات المقاومة، الذين دفعوا الثمن من عائلاتهم التي تضررت بقوة في عقاراتها وفي حياة مدنييها من النساء والأطفال.
ثالثاً: إن الفصائل اتخذت تكتيكات قتالية، محسوبة سلفاً، ما حقق لها نجاحات في توجيه ضربات لقواته على الأرض، وفي الميدان وقد تم لها ذلك بفعل المواجهات والتقدم البري لقوات الاحتلال، أكثر مما حققته الصواريخ من نتائج، ولكنها ذات مردود معنوي بدون أن تحقق نجاحات ملموسة، ضد أي من مواقع العدو في مناطق 48.
اجتياح قوات العدو لخطوط وحدود قطاع غزة يوم 17/7/2014، والخسائر البشرية التي تكبدتها خلقت نتائج جديدة، قلبت معطيات المعركة وسيرها، لمصلحة المقاومة الفلسطينية، لا تقل أهمية في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عن نتائج معركة الكرامة العام 1968، والتي شكلت محطة انتقالية في تاريخ وبنية منظمة التحرير الفلسطينية، ما زالت نتائجها قائمة، حيث من المتوقع أن تتغير بعد اليوم.